سيد أحمد الوداعي: الفورمولا 1 في البحرين: قوة للأقوياء

سيد أحمد الوداعي - موقع Pentranmissions - 2018-10-08 - 11:12 م

ترجمة مرآة البحرين 

في العام 2004، جاءت الفورمولا 1 إلى البحرين. كانت جلبة الإثارة عند الانتهاء من مضمار السباق ومشاركة السائقين المشهورين أمرًا ملموسًا. وحصلت البحرين في النهاية على التقدير في التقويم الرياضي الدولي. منذ ذلك الحين، كان سباق الجائزة الكبرى الحدث الرياضي الأول الذي استضافته الدّولة الخليجية الصغيرة.

بالكاد اعترض أي أحد على السّباق في ذلك الوقت، ولم أكن استثناء. لم يكن لسباق الجائزة الكبرى أي صلة بالسّياسة وحقوق الإنسان، وبالنسبة لي، لم يكن أكثر من مجرد ترفيه. وعدت الحكومة بأن يوفر سباق الجائزة الكبرى المزيد من الوظائف، والفرص السياحية والاقتصادية في البلاد. لم أولِ لهذه الرياضة الكثير من الاهتمام لكني كنت ما أزال منجذبًا للأمل الذي لا مفر منه، والذي أحاط بأصدقائي.

لكن هذا الجو الإيجابي انطفأ منذ زمن. كل شيء تغير في العام 2011.

في ذلك العام، لعبنا نحن البحرينيون دورنا في الربيع العربي. لكن رد الحكومة على مطالبنا السلمية بالتغيير السياسي كان وحشيًا. شاركت في الاحتجاجات في دوار اللؤلؤة، ودفعت ثمنًا باهظًا مقابل ذلك إذ وقعت ضحية للتّعذيب والسّجن اللّين فرضتهما السّلطات البحرينية -كما حصل لكثيرين آخرين. تم إعلان فترة السلامة الوطنية، وتنفيذ الأحكام العرفية. وفي نهاية المطاف، تم إلغاء سباق الجائزة الكبرى في البحرين.

لم أدرك أهمية هذا الإلغاء إلا في العام التّالي. قوبلت عودة سباق الجائزة الكبرى في العام 2012 بمعارضة كبيرة من أولئك الذين رحبوا بها بحرارة قبل ثمانية أعوام. وقد عارض المحتجون السباق بشدة، وحثوا الفورمولا 1 على ألا "تتسابق على دمائنا". ونقلت وسائل الإعلام الدولية على نطاق واسع الإضراب عن الطعام الذي أعلنه عبد الهادي الخواجة، وهو حاليًا سجين سياسي. واستخدم المدافع الأبرز عن حقوق الإنسان في البلاد، نبيل رجب، المسجون أيضًا، سباق الجائزة الكبرى كفرصة للكشف عن جرائم البحرين أمام وسائل الإعلام. وعشية السباق، قُتِل صلاح عباس، وهو أب لخمسة أطفال، على يد شرطة مكافحة الشغب لمشاركته في الاحتجاجات المناهضة للحكومة ولسباق الجائزة الكبرى. غير أن موته لم يُثنِ الفورمولا 1 عن إجراء السباق.

كان من المستحيل عدم الالتفات إلى المشهد. الأحداث الرياضية كانت تُستَخدَم لتبييض انتهاكات حقوق الإنسان في بلادي، ولم يكن باستطاعتي التزام الصمت. ومنذ ذلك الحين، عملت على تسليط الضوء على واجهة الرياضة التي تُستَخدَم لصرف الانتقادات الدولية الحيوية عن الجرائم المرتكبة على يد نظام آل خليفة.

في العام 2012، تم منحي اللّجوء السياسي في المملكة المتحدة، وشاركت في تأسيس معهد البحرين للحقوق والديمقراطية في لندن. في العام التالي، تظاهرت ضد سباق الجائزة الكبرى خارج مقرات الفورمولا 1 في نايتسبريدج. أردنا أن نحاسب الفورمولا 1. كانت حملة [الاحتجاج] ناجحة، ووجدت منظمة التّعاون الاقتصادي والتّنمية أن الفورمولا 1 انتهكت الالتزامات الواجبة بحقوق الإنسان في العام 2014. وكان عليهم اعتماد سياسة لحقوق الإنسان.

كان انتصارًا صغيرًا في "نظام من الظلم" الشديد التّعقيد، لكني شعرت بأن شيئًا ما تغير أخيرًا. للأسف، كانت مسألة وقت فقط قبل أن أدرك أن هذه السياسة لم تكن إلا أمرًا شكليًا فقط.

تم اعتقال نجاح أحمد يوسف للمرة الأولى في أبريل / نيسان 2017 بسبب نشاطها على وسائل التواصل الاجتماعي، والذي انتقدت في جزء منه على الفايسبوك استضافة البحرين لسباق الجائزة الكبرى. تعرضت على مدى أربعة أيام للانتهاكات الجسدية واللّفظية على يد عناصر جهاز الأمن الوطني في البحرين، بما في ذلك الاعتداء الجنسي والتّهديد بالاغتصاب، بالإضافة إلى التّهديدات بقتل أبنائها، وخلال المقابلة التي أجراها معها مكتب النّيابة العامة، بذلت السّلطات كل المحاولات لإسكات مخاوفها والتقليل من معاناتها. وقد أدينت بالسجن ثلاثة سنوات.

وعلى الرّغم من أنّ المحكمة البحرينية أشارت إلى مشاركة نجاح في احتجاجات الفورمولا 1 في حكمها كعامل مساهم في إدانتها، اختارت الفورمولا 1 تفادي المسؤولية عن معاملتها عن طريق إبعاد نفسها عن قضيتها.

وحين حُكِم على نبيل رجب في العام 2018 بالسّجن خمسة أعوام على خلفية تغريدات على تويتر، نشرت الحكومة البحرينية مقالات مدفوعة الثمن في صحيفة التلغراف لصرف الانتباه عن الضجة الإعلامية بسبب الحكم غير القانوني الصادر ضدّه. وحمل أحد هذه المقالات عنوان "لماذا يعتبر سباق الجائزة الكبرى في البحرين أكثر العناصر إثارة في روزنامة الفورمولا 1؟". هذا مثال واحد فقط عن كيفية استخدام الرّياضة كأداة للعلاقات العامة. تصف البحرين سباق الجائزة الكبرى على أنّه مكان يمكن للأشخاص من جميع أرجاء العالم الاستمتاع فيه بالشمس والبحر والرمال. ما تفشل في قوله هو أن هناك الكثير من الناس في البحرين الذين يحبون الاستمتاع بالشمس والبحر والرّمال أيضًا. وبدلًا من ذلك، هم في السجن لأنّهم طالبوا بحقوقهم.

بدلًا من الالتزام بسياستها في مجال حقوق الإنسان، اختارت الفورمولا 1 الاندماج مع نظام دكتاتوري. أولئك الذين ينتقدون أحداثه الرياضية يمكن احتجازهم في سجون البحرين تحت رحمة سلطة طاغية. أكبر منظمة لرياضة السيارات في العالم متواطئة في انتهاكات حقوق الإنسان.

قد يقول البعض إنّ سباق الجائزة الكبرى في البحرين  جيد لأنه ينشط الاقتصاد. إنه يفعل كل شيء بخلاف ذلك. والحقيقة أنه يتم منح الأعمال الأولوية على حساب المعاناة الإنسانية. إنه يساعد فقط النافذين. المال والسلطة والسياسة متأصلون في الأحداث الرياضية، مع ذلك، فإن ستار التسلية والرياضة والتقدم الاقتصادي يؤدي فقط إلى حجب واقع أكثر ظلامًا: في البحرين، السجون ممتلئة بأولئك الذين يجرؤون على الجهر بآرائهم.

النص الأصلي


التعليقات
التعليقات المنشورة لا تعبر بالضرورة عن رأي الموقع

comments powered by Disqus