وزير الخارجية البحريني: اللاجئون هم المتآمرون
2018-09-12 - 6:33 م
"في المقام الأوّل، نحن لا نحبّ أن نُسمَّى "لاجئين"؛ نحن أنفسنا نسمّي بعضنا بعضاً "الوافدين الجدد" أو ''المهاجرين..
أجل نحن مهاجرون، أو وافدون جدد، تركنا بلادنا بسبب أننا يوماً ما لم يعد يناسبنا أن نظل فيها..
نحن خسرنا موطننا، وذلك يعني أُلفة الحياة اليومية..
نحن خسرنا عملنا، وذلك يعني الثقة في أننا مفيدون بشكل ما في هذا العالم..
نحن خسرنا لغتنا وذلك يعني طبيعية ردود الفعل وبساطة الإشارات والتعبير غير المتكلف عن المشاعر.."
الفيلسوفة الألمانية المهاجرة حنة أرندت
******
مرآة البحرين (خاص): بعد إقرار أمير قطر أول قانون إلى اللجوء السياسي في منطقة الخليج في 4 سبتمبر 2018، كتب وزير خارجية البحرين خالد بن أحمد آل خليفة على حسابه في تويتر "في حين تقدم الدول الأربع مطالبها الواضحة لحل أزمة قطر، تضع قطر العراقيل وتبث الأكاذيب وتسن القوانين التي ترحب بمن يتآمر على وطنه..."
هكذا بجرة قلم واحدة يعرّف وزير خارجية البحرين اللاجئين بأنهم (المتآمرين على أوطانهم).
هكذا، ضارباً عرض الحائط بالتعريفات المتفق عليها عالمياً أن اللاجئ "هو الشخص الذي يهرب من بلده إلى بلد آخر خوفًا على حياته، أو خوفا من السجن أو التعذيب". وأن "اللاجئ شخص أجبر على ترك بلاده، وغير قادر على العودة إلى هناك في المستقبل المنظور".
ومتجاوزاً ما تقوله الأعراف الدولية عن اللاجئين بأنهم "من اضطروا إلى الهجرة، لأسباب إنسانية، تتعلق بحروب تجتاح بلدانهم الأصليّة، أو بالاضطهاد السياسي، أو العرقي، أو الديني، أو الثقافي، في بلدان لا تُحترم فيها حقوق الإنسان، والأقليات"،
ومستخّفاً باتفاقية عام 1951 الخاصة بوضع اللاجئين، المتعددة الأطراف برعاية الأمم المتحدة والتي تُعرّف لفظة "لاجئ"، وتحدّد حقوق الأفراد الذين يُمنحون حق اللجوء، بالإضافة إلى مسؤوليات الدول التي تستقبل اللاجئين، كما تمكّن بعض الأفراد من السفر من دون الحاجة إلى تأشيرة سفر من خلال وثائق سفر صادرة بموجب هذه الاتفاقية.
علماً أن هذه الاتفاقية ترتكز على المادة 14 من الإعلان العالمي لحقوق الإنسان الصادر عام 1948 الذي يقر بحق الأفراد بالسعي إلى اللجوء هربًا من الاضطهاد في دول أخرى، وبأنه يحق للاجئ أن يتمتع بحقوق ومزايا في دولة ما بالإضافة إلى تلك المنصوص عليها في الاتفاقية.
كل هذا المتعارف عليه حقوقياً ودولياً وعالمياً، لا يعترف به وزير الخارجية البحريني، ويطلق على قرار (دولة خليجية) بإقرار قانون يخص اللجوء السياسي، بأنه ترحيب بمن يتآمرون على وطنهم. لقد اعتاد البحرينيون على تغريدات وزير الخارجية التي تنطق بالخفّة والجهالة، والتي تظهره كمن لا عمل لديه سوى الجلوس طوال يومه على مواقع التواصل الاجتماعي "تويتر" ليعلّق على كل شاردة وواردة بتغريدات تقل عن تعليقات دبلوماسي مستجدّ، حتى صار موضعاً لتندّر البحرينيين وغيرهم، ومحل سخريتهم المستمرة.
بالطبع، نحن نعلم ما (يقرّ) في عبارة وزير خارجية البحرين، أن تكون تلك الاتفاقية بداية لاحتواء دولة قطر لمعارضين سياسيين خليجيين (بحرينيين أو سعوديين أو إماراتيين)، فنحن نعلم أن لفظ (المتآمرين) هنا، يعني به المعارضين السياسيين في دول الخليج، فكل معارض سياسي في هذه الدول يجري تجريمه واتهامه بأنه متآمر وخائن وعميل ومخرّب وإرهابي ووو، ونعرف أن مفهوم اللاجئ بالنسبة لوزير الخارجية، سيكون مختلفاً تماماً حين يأتي فرد من بلد آخر هارباً من نظام (خصم) أو (عدو) أو (غير صديق).
فهو نفسه من كشف في أكتوبر 2015 عن استقبال البحرين لـ 30 ألف لاجئ سوري دون أن يحدد آلية وصولهم أو طرق دخولهم إلى البلاد. في لقائه مع صحيفة الشرق الأوسط التي تصدر من العاصمة البريطانية لندن ذكر أن البحرين على صغرها استقبلت نحو 30 ألف سوري، وقال إن اللاجئ في البحرين "يُعامل كأخ وليس كلاجئ شارد من بلاده"، ولم يعتبر أي واحد من هؤلاء الـ30 ألف بأنه (متآمر على وطنه). بل أنه أضاف أن كل واحد من هؤلاء "يتلقى أبناؤه التعليم وتمت معاملته كأخ وليس كلاجئ شارد من بلاده ويوقَف عند الحدود في مراكب".
هكذا يختلف تعامل وزير الخارجية مع اللاجئ (الشارد من بلاده)، باختلاف البلد الذي يأتي منه، والنظام الذي يهرب منه، فحين (يشرد) من سوريا أو قطر أو إيران على سبيل المثال، سيكون لاجئاً ويعامل (كأخ وليس كلاجئ شارد من بلده)، وحين (يشرد) من عسف السلطة في البحرين (أو أخواتها) خوفاً على حياته أو خوفاً من السجن والتعذيب البحرين، سيكون متآمراً وإرهابياً ومخرّباً.
لهذا لا غرابة في وصف وزير الخارجية مواقف المفوض السامي لحقوق الإنسان الأمير زيد بن رعد بـ "الهدّامة"، كون الأخير ينتصر للمهاجرين واللاجئين، ويضع البحرين ونشطائها ضمن خارطة قادة المجتمعات الشجعان والحركات الاجتماعية على مستوى العالم. وهو (الأمير زيد) الذي يستنكف سياسيي اليوم والقادة المستبدين بأنهم "حريصون على تحسين صورتهم من خلال إيذاء المهاجرين واللاجئين الأكثر ضعفًا في المجتمع". يعتبر وزير خارجية البحرين مواقف زيد بأنها هدّامة، لأن بعض هؤلاء اللاجئين الذين يتحدث عنهم هم ذاتهم الذين يعتبرهم الوزير (متآمرين).
لا شيء يقال لوزير خارجية البحرين، لكننا نترك للفيلسوفة حنة أرندت اليهودية من أصل ألماني، والتي اضطرت للهرب من براثن النازية إلى باريس ثم إلى نيويورك، أن تجيب عليه عبر مقطع من مقالتها الشهيرة "نحن اللاجئون":
"من المعتاد أن يكون لاجئٌ ما شخص دُفع دفعاً إلى البحث عن ملجأ بسبب جرم ما ارتكبه أو بسبب رأي سياسيّ ارتآه. حسناً، صحيحٌ أنّنا اضطررنا إلى البحث عن ملجأ؛ لكنّنا لم نرتكب أيّ جرم وأكثرنا لم يحلم أبداً بأن يكون له أيّ رأي راديكاليّ. إنّ معنى مصطلح "اللاجئ" قد تغيّر معنا. إنّ "اللاجئين" هم الآن من بيننا، أولئك الذين شاء القدر المشئوم أن يصلوا إلى بلد جديد من دون وسائل بقاء، وعليهم أن يتلقّوا مساعدة من قِبل لجان اللاجئين".