كيف اخترقت جامعة "لاهاي" النظام التّعليمي البحريني؟ هؤلاء حملة شهادات الجامعة المحتالة
2018-08-23 - 2:19 م
تحقيق - مرآة البحرين: أصبحت جامعة "لاهاي" الدوليّة موئل كل فاشل وخائب في البحرين. ويتسابق سفراء وبرلمانيون ورجال دين وصحافيّون على شراء مؤهلات علميّة "وهميّة" من الجامعة هولندية المسمى "بالاسم فقط" التي تزعم تقديم التعليم الإلكتروني عن بُعد والتي لا تعترف بمؤهلاتها أيّ دولة في العالم بما في ذلك بلدها المضيف هولندا. كما لا تمتلك اعتماداً من قبل أية جهة حقيقية مخولة رسمياً بالاعتماد الأكاديمي.
لا تنكر الجامعة ذلك؛ فهي تقرّ في موقعها الرسمي بأنها "مؤسسة قانونية هولندية لا تعادل وزارة التعليم الهولندية شهاداتها". فكيف تصطاد زبائنها إذن؟ ببساطة، تقول لهم ـــ بحسب الموقع أيضاً ـــ إنها "عضو في اتحاد الجامعات العالمي(WAUC). لكن ما هو هذا الاتحاد بالضبط الذي تمتلك عضويّة فيه؟ بالبساطة نفسها، لا شيء. هو ليس سوى موقع وهمي آخر لهيئة غير معروفة من أي جهة رسمية علمية في العالم. أنشيء (World Association of Universities and Colleges) أساساً لأغراض اعتماد شهادات جامعات غير معتمدة منتشرة بكثرة على الإنترنت، وغالباً تشرف عليه هذه الجامعات غير المعتمدة أصلاً. لكن حتى موقع هذا الاتحاد الاحتياليّ قد أغلق مؤخراً أيضاً. إذ لم يعد متاحاً على الشبكة. فيما تواصل الجامعة المذكورة "الفشخرة" به على موقعها كجهة اعتماديّة لمؤهلاتها.
العملية هي كالتالي: أنشيء جامعة غير معتمدة. ثم أنشيء ـــ أنت نفسك ـــ جهة اعتماد تعتمد شهادة الجامعة غير المعتمدة. الأمر لا يتطلب سوى حجز نطاق على شبكة الإنترنت للجامعة الاحتيالية ولجهة الاعتماد الاحتيالية معها. هذه كل القصة؛ نطاقان على الشبكة العنكبوتية! وكمواصلة في الالتفاف على الطرق الصارمة المعروفة للاعتماد الأكاديمي تلجأ جامعة "لاهاي" إلى الحيلة المكمّلة الأخرى وهي حيلة "كاتب العدل".
إذ تقنع ضحاياها بأنهم يستطيعون "تصديق شهاداتهم عند كاتب عدل في ألمانيا وهولندا". وهي تعترف بأن ذلك "هو أعلى توثيق رسمي يمكن الحصول عليه". فما هو كاتب العدل؟ إن آلية عمل كاتب العدل هي المصادقة على إجراء تمّ أمامه لا المصادقة على مضمونه. ولا يتضمّن تصديقه اعترافاً أو اعتماداً من أيّ نوع لمضمون الشهادة. على هذا فإن الشهادة الممنوحة تظلّ غير معتمدة وليس معترفاً بصدورها عن أى مؤسسة أكاديمية.
رغم ذلك فإن جامعة "لاهاي العالمية" وأكاديمية "لاهاي الدولية" وجامعة "لاهاي للصحافة والإعلام" وجامعة "لاهاي للعلوم التطبيقية" و"الجامعة الحرة" في هولندا والتي تقدم التعليم عن بعد بشكل موجه للعرب خصيصاً تواصل اصطيادها الطلبة الباحثين عن مؤهلات على طريق الوجبات السريعة (Diploma Mills) والقادرين على الدفع. تدار جميع هذه الجامعات الوهميّة من قبل شبكة واحدة تتألف من عرب عراقيين مقيمين في هولندا. وتدرّ عليهم الملايين مقابل منح ضحاياها شهادات لا يعتد بها من قبل أي جهة كما لا تؤهل حامليها الانتقال أو مواصلة الدراسة في أيّ مؤسسة تعليميّة حكومية ولا تلك المعترف بها عالميّاً.
مكتب ليس سوى اسم وإيميل مجاني
لقد عرّفت وزارة التعليم الأمريكية (U.S. Department of Education) الشهادات التي تقدم بطريق الوجبات السريعة بأنها "عروض لرسوم أو شهادات أو دبلومات أو درجات جامعية تعرض على العامة بما يفيد أن الشخص المالك للدرجة العلمية أو الدبلوم أو الشهادة قد أكمل فيها أحد برامج التعليم العالي أو برامج التدريب. وقد يطلب من الأفراد دراسة منهاج صغير أو قد لا يطلب أي دراسة للحصول على مثل هذه الدرجات العلمية أو الدبلوم أو الشهادات. هذه البرامج أو الشهادات تقدم من قبل مؤسسات يعوزها الاعتماد من قبل وكالة أو هيئة اعتمادية مخوّلة بمنح الاعتماد الجامعي للمؤسسات التعليمية".
لو أردنا توصيفاً دقيقاً لأنشطة جامعة "لاهاي" وملحقاتها فهو ببساطة هذا التوصيف المذكور بالضبط على موقع وزارة التعليم الأمريكية.
يشير عنوان جامعة "لاهاي" المدوّن في موقعها الرسمي على الإنترنت إلى مبنى شقق سكني في جنوب هولندا (الصورة من غوغل). لا يحوي المبنى أيّ لافتة أو إشارة توحي بأنه يحتضن المقر الرئيسي لمؤسسة علميّة تتفاخر بأنها تمنح "الشهادات الأكاديمية ابتداءً من الدبلوم ذي السنتين بعد الثانوية العـــامة والبكالوريوس والدبلوم العالي والماجستير والدكتوراه وشهادات الدبلوم المهنية والتدريبية". كما تمتلك ـــ بحسب مزاعمها ـــ ممثليّات ومكاتب في نحو 12 دولة بينها جيبوتي ومقديشو والصومال وبرلين وكردستان العراق والأردن والإمارات والكويت والسعودية وسوريا ومصر ومملكة البحرين.
غالباً، هي تمتلك شقة سكنية في هذا المبنى. أو لعلّها غرفة فقط لاستيفاء متطلبات الحصول على عنوان للسجل التجاريّ.
موقع جامعة "لاهاي" الدوليّة في عمارة سكنية بعد وضع عنوانها المدرج في صفحتها على موقع خرائط "غوغل"
وعند مطالعة الصّفحة المتعلقة بشبكة المكاتب والممثليات لجامعة "لاهاي" في الدّول الخليجية يلفتك أنّ جميع عناوينها عبارة عن إيميلات شخصيّة. هي ليست حتّى إيميلات مسجّلة باسم نطاق مدفوع لمؤسسة أكاديميّة اعتبارية بما في ذلك نطاق الجامعة نفسها المعتمد. إنما إيميلات مجّانية مرفقة بأسماء أشخاص ليس معلوماً ما إذا كانت أسماء حقيقية أم منتحلة. ليس ثمّة عنوان أرضي في عقار ولا رقم هاتف مسجّل يمكن تتبعه. اسم وإميل مجاني فقط؛ هكذا ببساطة أصبحت هناك ممثلية ومكتب للجامعة في دبيّ وفي الشارقة على سبيل المثال.
أما في السعوديّة والبحرين فقد عفّت الجامعة حتّى عن وضع اسم وإيميل. اكتفت بوضع اسميّ الدولتين ضمن قائمة الدول التي تمتلك فيها مكاتب وممثليّات مع ترك خانة العنوان وعناوين الاتصال فارغة.
دكتوراه التعليم عن بعد والنظامي "في الهوا سوا"
لا تشير جامعة "لاهاي" في شهاداتها الممنوحة إلى أسلوب التعليم الذي اتبعه الطالب في تحصيل مؤهله، وهو التعليم عن بعد أو التعليم الإلكتروني والذي عادة ما يقتصر على أسابيع قليلة لا يجاوز مجموعها الشهرين أو الأربعة أشهر على الأكثر (انظر صورة المؤهل). هي تكتفي بمنحه مؤهلاً عامّاً ـــ كالدكتوراه أو الماجستير ـــ يوازي ذلك المؤهل نفسه الذي قضى فيه طالب نظاميّ جادّ في جامعة مرموقة سنوات من عمره.
نموذج لإفادات التخرج التي تمنحها جامعة "لاهاي" حيث تخلو من أيّة إشارة إلى نيلها عن طريق نظام التعليم الإلكترونيّ عن بعد
لقد تنبّهت وزارة التعليم العالي في العراق مبكراً إلى خطورة هذه الجامعات التي تزعم التواجد في بريطانيا وهولندا وماليزيا وتقدم التعليم عن بعد من واسطة عراقيين. وحذّرت مواطنيها من الوقوع أسرى في فخاخها الاحتيالية. وخاطبت بشكل رسمي اتحادات الجامعات العربية بشأنها كون بعضها مسجلا في الاتحاد. أمّا في البحرين فتلك قصّة أخرى.
لقد أصبحت هذه الجامعة الاحتيالية تحديداً بكلّ موبقاتها المذكورة أعلاه وسيلة الترقّي العلميّ المعتمدة لمسئولي الدّولة الفاشلين دراسيّاً. أشخاص يظهرون فجأة على وسائل الإعلام وفي مواقع عملهم معمّدين بحرف الدال "د." بين يوم وليلة. متى فعلوا ذلك؛ لا أحد يعلم. كان يكفي وزارة التربية والتعليم كمسئولة عن النظام التعليمي "دعسة" واحدة في محركات البحث لتبان لها خلفية هذه الجامعة وقصّتها الكاملة مع كثرة الإعلانات في الجرائد عن الطلبة البحرينيين الخرّيجين منها. لكنّها آثرت الصّمت عن كلّ ذلك كأنّ الأمر لا يعنيها.
كيف يمكن تصديقهم وهذا أثر مزاميرهم؟
يتصدّر رئيس الوزراء خليفة بن سلمان آل خليفة المشهد الآن كأرفع مسئول يتصدّى بقرار يأمر الجهات القائمة على التعليم بالتحقيق في حملة الشهادات المزوّرة إثر الفضيحة المدويّة التي انطلقت شرارتها من الكويت ثم سرت إلى باقي دول الخليج. غير أنه في الواقع يتناسى أنه كان حتى وقت قريب مع باقي الجهات الرسمية الأخرى أوّل من يزفّ التهاني ويبرق بالتبريكات للحاصلين على هذه الشهادات المزوّرة.
يمثل منح "الدكتوراه الفخرية" للمسئولين والشخصيات العامّة أحد أساليب الاحتيال المتبعة من قبل كافّة الجامعات الوهمية وغير المعتمدة للتغطية على افتقارها إلى الاعتماد الأكاديمي. في العام 2012 منحت جامعة "لاهاي" الدكتوراه الفخرية في القانون لرئيس مجلس النواب البحرينيّ خليفة بن أحمد الظهراني. وقد كان رئيس الوزراء نفسه أول من يبرق له بالتهاني. جاء في برقية التهنئة له "يطيب لنا أن نُعرب لكم عن تهانينا بمناسبة منحكم الدكتوراه الفخرية في القانون من جامعة لاهاي الدولية (...) حيث يعد هذا التكريم تقديراً لعطاء وجهد بذلتموه في خدمة الوطن".
نماذج من تهنئات مسئولين بحرينيين كبار لموظفين في الدولة حاصلين على شهادات زائفة
في العام 2012 أيضاً منحت الجامعة نفسها "لاهاي" عضو مجلس النواب البحريني الشيخ جاسم السعيدي شهادة الدكتوراه. مرّة أخرى حُملت له كلمات التهاني والتبريكات الرفيعة على رقاع الصّحف؛ لكن هذه المرّة على لسان وزير الداخلية راشد بن عبدالله آل خليفة. وقد هنأه على حصوله "على هذه الدرجة العلمية العالية"، مشيدا بـ"موضوع الرسالة والمضامين الجيدة التي احتوتها". ربما كان ذلك قبيل المجاملات المتعارفة بين سياسيين يتخادمون فيما بين بعضهم البعض. لكن اللاّفت هنا هو استضافة "جامعة المملكة" في البحرين جلسة مناقشة رسالته المقدمة إلى جامعة "لاهاي". كيف استضافت جامعة بحرينيّة مرخّصة تزاول عملها طبقاً للقوانين البحرينية، مناقشة رسالة علميّة مقدمة في جامعة احتياليّة لاتعترف بها البحرين أساساً؟ هل "جامعة المملكة" هي مقرّ المكتب التمثيلي لجامعة "لاهاي" في البحرين والذي تركت مساحته فارغة على موقعها؟ هذه ألغاز ينبغي على وزارة التربية حلها.
هاك مثال آخر. هذا العام 2018 أصبح مدير إدارة المظالم والالتماسات بالديوان الملكي محمد عبدالقادر خنجي دكتوراً أيضاً بقدرة قادر. كان وراء شهادته الزّائفة هي الجامعة نفسها "لاهاي". بدلاً من مساءلته وبقية المسئولين عن ذلك راح وزير الديوان الملكي خالد بن أحمد آل خليفة يستقبله في مكتبه ويحفّه بكلمات المديح والإطراء.
في العام 2011 منحت الجامعة أحمد الساعاتي الذي كان مجرد شخص عاديّ حائز على الثانوية العامّة درجة الماجستير. وسرعان ما ابتسمت الدنيا له؛ إذ أصبح نائباً في البرلمان فعضو مجلس مفوضي حقوق الإنسان وأخيراً سفير مملكة البحرين في "موسكو" عاصمة جمهورية روسيا الاتحادية.
إن هذه ليست سوى أمثله. فوراء كل شهادة جديدة لدى مسئول رفيع في الدولة هناك "لاهاي". (انظر أمثلة أخرى من خلال رسم الانفوجرافيك لنادي جامعة "لاهاي" للشهادات الزّائفة في البحرين). من دون باقي حملة الدكتوراه والماجستير وحدهم خرّيجو هذه الجامعة من ينجون من جميع الإجراءات التدقيقية الخاصة بمجلس التعليم العالي التابع إلى وزارة التربية. وهم وحدهم من يجري الاحتفاء بهم على وجه الحصْر من قبل مسئولي الحكومة ووسائل الإعلام الحكوميّة. الصّدفة هي أن جميع هؤلاء المسؤولين يريدون محاربة الشهادات الوهميّة الآن. كيف يمكن تصديقهم وهذا أثر مزاميرهم!