سوق جدحفص... ما الحكاية؟

مديرة عام أمانة العاصمة شوقية حميدان في زيارة لسوق جدحفص (8 أغسطس 2018) قبل يوم من إزالة فرشات الباعة
مديرة عام أمانة العاصمة شوقية حميدان في زيارة لسوق جدحفص (8 أغسطس 2018) قبل يوم من إزالة فرشات الباعة

2018-08-10 - 6:55 ص

مرآة البحرين (خاص): سوق جدحفص الشعبي مثال لما يجري في البحرين حيث القرارات المنفعلة، وشطب البحرينيين من كل المعادلات. السوق الذي أنشأ في العام 1984 ويوفر مئات الوظائف والرزق للمواطنين، ويزوره يوميا أكثر من خمسة آلاف زائر بحسب إحصائية نشرت في العام 2010، ينهار حاليا تحت حملة شرسة من أمانة العاصمة التابعة لوزارة شؤون البلديات والتخطيط العمراني.

حملة غير مفهومة بدأتها الأمانة أمس بإزالة فرشات الباعة، بدلا من تنفيذ الوعود التي قطعها المسؤولون لهم بتطوير السوق. وبعد يوم واحد من زيارة مدير عام أمانة العاصمة شوقية حميدان، لم تتحقق الوعود بل تحقق الوعيد وتمت إزالة الفرشات بذريعة مخالفتها لقانون إشغال الطرق في السوق الوحيد الذي يشكل فيه البحرينيون أغلبية البائعين.

يغذي هذا السوق عشرات القرى في البحرين بالأغذية والأسماك واللحوم والخضروات والفواكه بأنواعها، ظلّ علامة من علامات البلاد، وقد وردت الإشارة له في الكثير من المسلسلات والأعمال الفنية الخليجية.

وعلى الرغم من ذلك، إلا أن الإهمال ميّز تعامل الجهات الرسمية مع السوق، ليتجاوزه لحد إزالة فرشات الباعة. والمفارقة الكبيرة، أن هذه الجهات لم تحرك ساكنا تجاه عشرات الفرشات التي نصبها آسيويون في شارع صعصعة بن صوحان في العاصمة المنامة، حيث يتجمع آلاف الآسيويين للبيع والشراء، وقد رصدت جهات بيع الخمور فيه، مع أنه يْمنع بيعها في المناطق السكنية. تكتفي البلديات بحملات شكلية ضد هذه الفرشات فهي تعود بعد دقائق من مغادرة سيارات البلدية، لتؤكد أن إنفاذ القانون لا يتعلق إلا بالمواطنين فقط.

ولا يتعلق الأمر بهذا الشارع فقط، إذ يزاول مئات الآلاف من العمالة السائبة عددا كبيرا من المهن، منها البيع في بسطات وفرشات ثابتة نصبوها في الشوارع العامة، وعربات يتجولون بها أينما أرادوا دونما حسيب، لكن وزارة البلديات لا يستفزها إلا المواطنون الذين يبحثون عن قوت عيالهم.

التمييز بين الأسواق

لا يشتكي المواطنون وحدهم من التمييز، حتى الأسواق في البحرين تعرف التمييز، فالحكومة أوفت بوعودها وأوشكت أعمال تطوير سوق المحرق، التي كلفت 6 ملايين دينار دفعها أحد المستثمرين، على الانتهاء، وفي أوائل العام الجاري افتتح محافظ الجنوبية خليفة بن علي آل خليفة سوق البسطة الشعبي، وقد حظي هذا السوق باهتمام مباشر من رئيس الوزراء خليفة بن سلمان وقد كان حريصاً أن يدشن حفيده محافظ الجنوبية إنجازات سريعة، وسيتم إنشاء سوق شعبي في مدينة حمد قريباً.

أما جدحفص التي زارها رئيس الوزراء وقدّم الوعود بتطوير سوقها، وكذلك فعل وزير البلديات، فلم يتغير بها شيء إلا نحو الأسوأ، لقد ظلت السوق من غير مرافق عامة ولا مواقف سيارات، ومن غير مراوح في بلد تصل فيها درجات الحرارة إلى أكثر من 45 درجة مئوية.

وعلى سبيل الوعود فقط، وقّعت بلدية المنطقة الشمالية في مايو 2010 اتفاقية تطوير وبناء سوق جدحفص المركزي مع شركتي الدعيسي والزيرة الخاصتين بكلفة تصل إلى 10 ملايين دينار، وقيل خلال حفل التوقيع أن أول مرحلة من مراحل تطوير السوق ستنطلق في بداية العام 2011، ببناء مجمع تجاري يتكون من 10 أدوار، سيكون السوق في الدور الأرضي، بينما الأدوار الثلاثة التالية ستخصص لإنشاء مواقف للسيارات، وأن باقي الأدوار الستة ستكون مكاتب إداري، فمن منكم رأى ذلك؟!

التمييز بين الباعة

صرخ أحد الباعة المتضررين أمس في وجه مسؤولي البلدية عاملونا مثل (فلامرزي). زار ناصر بن حمد نجل ملك البحرين المواطن محمد فلامرزي الذي كان يشغل طريقا عاما في مدينة حمد مع أخيه، كانا يكسبان قوت يومهما ببيع الأسماك. حين قررت البلديات إزالة فرشته، أكد نجل الملك مساندته لفلامرزي وجلب معه في حركة استعراضية مدير أسواق (لولو هايبر ماركت) الذي تعهد بأن تكون الأسواق زبونا دائما له، كما وعده نجل الملك بمنحه قاربا جديدا للصيد، وهو ما تحقق فعل. السؤال الذي يطرحه سوق جدحفص: لماذا لا يكون المواطنون سواء أمام القانون وأمام التسهيلات التي تمنحها الجهات الرسمية؟

أسئلة كثيرة حملها الباعة في أعينهم، لماذا لا يتم دعم الباعة في جدحفص؟ لماذا يتم تحويلهم لعاطلين عن العمل؟ ولماذا يرى المواطنون أن الاستنجاد بالكبار من المسؤولين في الدولة تختلف نتائجه بين منطقة إلى أخرى ومن مواطن إلى آخر؟ ولماذا لا يتم تطبيق القانون على الجميع؟ ولماذا يختلف تنفيذ المشاريع والوعود التي يطلقها المسؤولون بين منطقة وأخرى؟ لماذا لا تجد صرخات الفقراء من الباعة في جدحفص أي صدى؟

أسئلة صارخة يعرف الكثير من البحرينيين أجوبتها المؤلمة، قضية سوق جدحفص واحدة من القضايا التي تكشف جانباً من العبث المجنون، جانبا منها أن العاصمة من دون المحافظات، بلا مجلس بلدي، بعد أن تم إلغاء المجلس البلدي واستبداله بأمانة عامة معينة من قبل حكومة لا تراعي الفقراء.