منازل العمر التي تحولت إلى صدمة.. 160 متر مربع مساحة بيوت الإسكان في المدينة الشمالية!

مساحة بيوت المدنية الشمالية أصغر بكثير من مساحة البيوت في نظيراتها من المشاريع الإسكانية!
مساحة بيوت المدنية الشمالية أصغر بكثير من مساحة البيوت في نظيراتها من المشاريع الإسكانية!

2018-04-21 - 4:14 ص

مرآة البحرين (خاص): بعد 14 عاماً من قيام ولي العهد بوضع حجرها الأساسي، بدأت وزارة الإسكان البحرينية توزيع شهادات الاستحقاق لمنازل «المدينة الشمالية». كان ذلك في النصف الثاني من العام 2016.    

هؤلاء الذي يحالفهم الحظ، لا يتسلّمون مفاتيح «المنازل» الجديدة، إلا بعد أن يمروا بدورة من أربع مراحل، بعد فترات انتظار تتجاوز بعضها العشرين عاما، فبعد الحصول على شهادة الاستحقاق، وتثبيت الوضع المالي، تجرى قرعة اختيار المنازل، وأخيرا تسلم المفاتيح.

بعد إجراء القرعة مؤخّرا، على الدفعة الأولى من الوحدات السكنية، هرع بعض المواطنين لتفقد حلم العمر في المدينة الشمالية، ليواجهوا الصدمة: أقفاص على هيئة منازل! بنيت بعض هذه البيوت على مساحات لا تتجاوز 160 مترا مربّعا، في سابقة تجعل منها أصغر المنازل في البحرين على الإطلاق، وعلى خلاف تصريحات الحكومة بأن المساحة الدنيا لكل بيت ستكون 200 متر مربع.

يظهر هذا الفيديو المصوّر في أحد بيوت إسكان الشمالية، التصميم الغريب لهذه المنازل، والذي لا يعكس سوى حيرة المهندسين في التعامل مع مساحة ضيّقة جدا يراد (قسرا) أن تتّسع لبناء منزل تكون فيه غرف أربعة، ومطبخ، وما يشبه الصالة، والعديد من الحمامات، وكراج سيارة.

"بيوت لا يسع الطفل أن يركض في زواياها القريبة من بعضها والمتلاصقة الغرف" يقول أحد المستفيدين، ويضيف "شعرت بنفسي عندما دخلت لرؤية حلم حياتي بنوع من الذهول لم أشعر به من قبل وكأني في بيت الألعاب، سقفه منخفض، غرف صغيرة لا تكفي لأي أثاث، لا صالة فيه بل مجرد ممر صغير".

"غرفة طعام لا تكفي لوضع طاولة" يقول منذهلا "الغرف في الطوابق العليا شيء من الخيال لا يمكن وصفه.. لقد انهارت أحلامنا وبقينا طوال الطريق مذهولين من المنظر الذي كسر ظهورنا".

يجسد هذا الواقع المرير صفة السلطة المدمرة لأحلام الفقراء، السلطة المحتالة. إنّها منازل مصغّرة، لأحلام احتقرها أصحاب الملايين، وأصحاب السلطة. بعض هؤلاء الفقراء كتبوا عما رأوا بكل حسرة، وبعضهم بث غضبه وقهره داعيا إلى وقفة احتجاج ضد الحكومة ووزارة الإسكان.  

سنوات القهر: هذا جزاء الصبر

على شكل رسائل بثوها عبر وسائل التواصل الاجتماعي، أو عبر مجموعات الواتس أب، كتب بعض المواطنين والمواطنات شكاواهم وعبروا عن صدمتهم، لعل صوتهم، الذي يئسوا من أن يغير شيئا من واقع الحال، يصل إلى من يهمّه الأمر. لقد وضعوا تحت الأمر الواقع.

في رسالة تحت عنوان "بيوت الإسكان والمواطن المقهور"، كتبت مواطنة وصفا لما رأته في المنزل الذي انتظرته لنحو عقدين من الزمان، تقول "سنوات عشناها من ضائقة لأخرى ونحن نتجرع أنواع السموم لكي نستمر بالعيش ونواصل المسير، ووزارة الإسكان تماطل وتُصبر المواطن وترسم له أحلامًا على الرمال ما أن تهب الرياح حتى تنثرها بلا عودة، والمواطن صبور ومكافح يسعد نفسه بأتفه الوعود حتى تراكمت أمنيات الناس وطال الانتظار، وفاجأتنا الإسكان بخطة لتوفير البيوت بأسرع وقت ممكن وفتحت باب الأمل والتفاؤل على المواطن البائس".

تضيف "الابتسامة العريضة على وجه الوزير تشعرك أنك من المحظوظين، غير أننا جميعا صعقنا من هول ما رأينا في الفيديوهات المصوّرة، وصعقنا أكثر عندما دخلنا بيوت الشمالية. أتساءل هل يقبل الوزير وحشمُه أن يعيشوا في مثل هذه الأقفاص التي بناها ليهدم أحلام أناس ظلوا ينتظرون ساعة الصفر لفرحة المنزل الجديد، وليدخلوا السرور والسعة على عوائلهم؟"

بحيرة العاجز تواصل حديثها "لا نستطيع شراء بيت ولا أخذ قرض، فالقروض والديون متراكمة، كما أننا  لا نستطيع أن نعارض ونقول نريد منزلًا آخر، أو نريد استبداله، لقد تحيرنا وضاقت الدنيا في عيوننا، لدينا أولاد يريدون الزواج وكانوا يحلمون بالسكن معنا، لدينا أطفال كان حلمهم (الحوش) لكي يلعبوا فيه تعويضا عما عانوه من ضيق الشقق، لا أدري كيف أختم كلامي فما زلت مذهولة، كيف السبيل برأيكم يا وزارة الإسكان فيما وضعتمونا فيه من موقف، بيوت لا تستحق أن يدفع فيها المواطن سنوات عمره الباقية ربع راتبه".

بكل حسرة، تختتم المواطنة رسالتها "ياخسارة سنوات العمر وهذا جزاء الصبر من البشر، والله يجبر بخاطر المواطن وحسبي الله ونعم الوكيل".

دعوة لتنظيم وقفة احتجاجية

يقترح مواطن آخر "أعتقد أننا يجب أن نقوم بوقفة احتجاجية ضد وزارة الإسكان، إذ أنه من غير المنطق وغير العادل أن يتم استقطاع ربع الراتب لمدة ٢٥ عاما مقابل منحنا بيوت المدينة الشمالية على غرار بيوت مدينة حمد، في حين أن مساحة أرض الوحدة السكنية بمدينة حمد أكبر بأربع أضعاف تقريباً، وتصاميم البناء مثالية جداً".

فضلاً عن ذلك، يضيف "بيوت مدينة حمد تم إجراء خصومات كبيرة عليها تمثلت في عدد من المكرمات الأميرية آنذاك، القصد أننا بذلك سوف ندفع قيمة الوحدة السكنية مضاعفة لأربع مرات كما أننا نحتاج إلى إعادة هيكلة التصميم الداخلي بالكامل وذلك ما يزيد من قيمة الوحدة الإسكانية".

بيوت المدنية الشمالية أصغر من البيوت في نظيراتها من المشاريع الإسكانية!

أهالي الدراز

كل أراضي المدينة الشمالية التي تم بناء بيوت الإسكان عليها، أقيمت فوق دفان ساحل قرية الدراز، وهي القرية المحاصرة والمغضوب عليها منذ يونيو/حزيران 2016، حين أسقطت الجنسية عن عالم الدين الشيعي البارز، آية الله الشيخ عيسى قاسم، الذي ينتمي إلى القرية.

تمت معاقبة أهالي الدراز بشدة وحرمانهم من خدمات الإسكان والتضييق عليهم، ففي حين يوجد لأهالي الدراز أكثر من 1300 طلب إسكاني، تم منحهم ما بين 40 و50 منزلاً فقط، مما تم توزيعه مؤخراً من منازل، بنسبة لا تصل إلى 2%.

ومن المثير للسخرية، أن المواطنين «المحظوظين» الذين حصلوا على منازل في الشمالية، لا يستطيعون أيضا الوصول إلى منازلهم، وتفقدها، إلا بعد الحصول على تصريح أمني من مركز شرطة البديّع لدخول المدينة الشمالية، بسبب الحصار الذي لا زال مفروضا على قرية الدراز، وكون مداخل المدينة تمر بالدراز، وعليه فإن كل الساكنين الجدد بحاجة إلى أن يأخذوا شهادة الاستحقاق الصادرة عن وزارة الإسكان، لمركز الشرطة، ليثبتوا بأن لهم منزلا هناك، ويستصدروا ترخيصا لرؤيته.

مساحة بيوت المدنية الشمالية أصغر بكثير من مساحة البيوت في نظيراتها من المشاريع الإسكانية!

الدعاية والهيلمان

حين ارتفعت بعض الأصوات المنتقدة بعيد توزيع شهادات الاستحقاق في 2016، عبر صحيفة الوسط، عقّبت وزارة الإسكان بالقول أنها «تضع في الحسبان خصوصية العائلة البحرينية أثناء تصميم الوحدة السكنية» في أكثر التفسيرات الحكومية غموضا!

الوزارة زعمت في الوقت ذاته «أن مساحة جميع الوحدات السكنية الحالية سواء كانت بيوتا أو شققا لا تقل عن 200 متر مربع، وتحتوي على ما لا يقل عن 3 غرف نوم، وتشمل جميعها ذات المرافق الضرورية للأسرة كالمجلس وصالة المعيشة» لكن ذلك لم يكن صحيحا.

قبل ذلك، كان وزير الإسكان نفسه قد قال في حديث إلى بعض المستفيدين الجديد «إن الوحدات السكنية في المدينة الشمالية فيها مجال للتوسعة المدروسة»، ذاكراً أن «نسبة التوسعة المتاحة تتراوح ما بين 40 و45 في المئة من مساحة البناء في الوحدة السكنية» وأن «التوسعة مدروسة من كل الجوانب، والتصاميم تكون جاهزة، ونحن لدينا قدر من المرونة للتفاهم معكم عن كيفية هذه التوسعة».

كل تلك التصريحات كانت كذبًا صُراحاً، ومحاولة للالتفاف على الأزمة، لكنّه ربما شبه اعتراف رسمي بعدم ملاءمة هذه البيوت للسكن، وأن الحكومة ظلمت أهلها ظلما فادحا.

بين الدعاية الهيلمان الاعلامية وإسهال التصريحات الرسمية عن الاهتمام بملف الإسكان وتمجيد الممسكين به، وبين الواقع، فرق شاسع.

بموجب أرقام الميزانية العامة فقد خصصت الحكومة 40% للإنفاق الأمني، و10% فقط للتعليم، أما الكوميديا السوداء المضحكة والمبكية فإنها قد خصصت لملف الإسكان الذي تجعجع به 3% فقط، والرقم كاف ليرى المواطنون والمراقبون أن ما يحرك هذه الحكومة والسلطة هو الدعاية ثم الدعاية.

بهذه الـ 3%، ومع تراكم العجز في الميزانية، وانفجار الدين العام، يريد ولي العهد نائب رئيس مجلس الوزراء أن يبني خلال هذه الفترة فقط 25 ألف وحدة سكنية. وحتى مع بيوت بهذا الشكل المهين، لن يتحقق شيء من هذه الأرقام، كما لم يتحقق وعد الملك في «أرض لكل مواطن»، ووعد الأخير أن تبنى 40 ألف وحدة في تصريح أطلقه بينما كانت الاحتجاجات في دوار اللؤلؤة عند أوجها!

بيوت المدنية الشمالية أصغر من البيوت في نظيراتها من المشاريع الإسكانية!