سيد يوسف المحافظة: من أين تنبع ثقة الجلادين للقيام بجريمتهم؟

ملك البحرين مستقبلا قضاة محكمة التمييز - 12 أكتوبر 2017
ملك البحرين مستقبلا قضاة محكمة التمييز - 12 أكتوبر 2017

سيد يوسف المحافظة - 2018-04-02 - 9:03 م

جريمة التعذيب من الجرائم التي تحرّمها الشرعة الدولية لحقوق الإنسان وكل القوانين والمعاهدات والاتفاقيات الدولية، كما يحرم أيضا دستور البحرين والقوانين الجزائية المحلية العذيب، حيث تنص على عقوبات متفاوتة على جريمة التعذيب.

ولا يقف المجتمع الدولي الحقوقي عند هذا الحد من مكافحة جريمة التعذيب بل ذهب إلى أبعد من ذلك عندما أصّل إلى مفهوم عدم الإفلات من العقاب إلى مرتكبي جرائم التعذيب، كما أن المبادئ القانونية اعتبرت أن جريمة التعذيب لا تسقط بالتقادم، أي أنه مهما طال الزمن فإن المجرم يمكن أن يحاسب حين تتوفر الفرصة.

جريمة التعذيب في مملكة البحرين قديمة حديثة ومستمرة ، حيث كان للبريطانين و الحاكم الإنجليزي آنذاك بصمات في هذه الجريمة، والضابط الإنجلينزي "هندرسون" حين استقدمته حكومة البحرين (بالتعاون مع الإنجليز) ليتولى منصب أمني رسمي لرئاسة جهاز أمن الدولة والذي خلّف وراءه العشرات من ضحايا التعذيب.

بعد التصويت على ميثاق العمل الوطني في عام 2001 ووعود الملك بالإصلاح وبدء صفحة جديدة وقد سبق مشروع "الميثاق"، تعهدات شخصية من الملك إلى شخصيات وطنية بكفالة الحقوق والحريات، ولكن هذه العهود والوعود لم تستمر طويلا، حيث كان من أولى الانتكاسات الحقوقية قانون (56)  والذي ساهم في إفلات المنتهكين من العقاب وأعطى حصانة لكل المسئولين عن التعذيب في حقبة التسعينات و الذين هم مسؤولين عن مقتل العشرات و تعذيب المئات من المعارضين و بهذا القانون غابت كل آمال تحقيق العدالة الانتقالية و إنصاف ضحايا التعذيب و بدأت مرحلة فقدان الثقة.

في عام 2008 أصدرت منظمة هيومن رايتس ووتش تقريرا بعنوان التعذيب يبعث من جديد و كنت من الأشخاص الذين ساهموا في مساعدة المنظمة في الترجمة و استمعت بشكل مباشر إلى شهادات التعذيب المروعة التي اقشعر لها بدني من صعق كهربائي و ضرب بالخراطيم و تعليق و تهديد بالقتل واعتداء جنسي، حيث كان الضحايا من قضايا مختلفة، ومنها ما عرفت بقضية جدحفص و قضية كرزكان و الحجيرة، ومن أسماء الضباط الذين ذكرهم التقرير هم بدر الغيث و يوسف العربي و الرائد بسام المعراج و عيسى المجالي و الرائد فهد الفضالة.

بعد قمع الثورة البحرينية المطلبية في عام 2011 تكررت ممارسات التعذيب ضد الآلاف من المعتقلين في جميع مراكز الشرطة و مراكز الاحتجاز من قبل جميع الأجهزة الأمنية و العسكرية مما يؤكد أنها سياسة رسمية و ليست ممارسات فردية من قبل مجموعة أفراد في بعض المراكز و قد وثق تقرير بسيوني بشكل مفصل ممارسات التعذيب التي ارتكبتها أجهزة الجيش و جهاز الأمن الوطني و الداخلية و لكن بعد عام من تقرير بسيوني ووعود ملك البحرين بمحاسبة المنتهكين عادت الممارسات من جديد و بوتيرة مرتفعة، حيث أصبح التعذيب تحت غطاء "قانوني".

وثّقت التقارير الحقوقية مسؤولية بعض المسؤولين عن جريمة التعذيب ولكن من ثبت عليه جريمة التعذيب قد حصل على ترقية من الملك، ففي يناير 2013 أصدر ملك البحرين مرسوما بترقية بسام المعراج الذي ورد اسمه في تقرير هيومن رايتس ووتش بدلا من محاسبته و استمرت بعدها عشرات المراسيم بترقية ضباط أو تدوير مناصب ضباط بدلا من التحقيق الجدي في الشكاوى ومزاعم التعذيب و من ثم انتقلنا من المراسيم التي ترقي المنتهكين حتى وصلنا إلى مراسيم ملكية بإصدار قوانين  مدانة حقوقيا كقانون الإرهاب الذي يتيح للنيابة حبس المتهم 6 أشهر قبل عرضه على المحكمة و هي المدة التي ترتكب فيها جرائم تعذيب و يتعرض فيها المتهمون للاختفاء القسري والذي يصنف حقوقيا أنه جريمة ضد الإنسانية، ولم تتوقف تلك المراسيم حتى وصلنا لمراسيم تعطي صلاحيات مطلقة لجهاز الأمن الوطني المسئول عن جرائم تعذيب وقتل خارج نطاق القانون وانتهينا بمصادقة ملك البحرين على إعدام ثلاثة من ضحايا التعذيب.

لقد ساهم القضاء البحريني في التستر على جرائم قتل وتعذيب، وتبرئة متورطين بالتعذيب مثل "مبارك بن حويل" المتهم بتعذيب الأطباء، بالإضافة إلى تبرئة ضباط متورطين في جرائم قتل متعمدة تحت التعذيب.

جميعنا كان يتذكر صرخات المعتقل سجاد العلوي الذي صرخ في المحكمة وقال إنه تعرض للتعذيب، لكن القاضي علي الظهراني تواطأ مع جهاز الأمن والتحقيقات، ولم يحقق في تلك الشكوى وجميعنا يتذكر صرخات المعتقل الفنان صادق شعباني الذي صرخ في المحكمة و قال للقاضي إن الملازم فواز الصميم عذبني و لكن القاضي تواطأ و تستر، و لا أحد ينسى تجاهل المحكمة لشكوى المعتقل خليل الحلواجي للقاضي عن تعرضه للتعذيب، و اعتماد شهادة المعذب، و هناك المئات من النماذج التي لا أستطيع سردها جميعا في هذا المقال.

دستوريا وقانونيا فإن الملك هو رئيس السلطة التنفيذية والقضائية وهو من يعيّن أعضاء النيابة العامة والقضاة و المسئولين الحكوميين في الأجهزة الأمنية وهو من أصدر كل المراسيم التي تنتهك حقوق الإنسان وتحمي المعذبين وهو من يتحمّل المسؤولية القانونية من جريمة الإفلات من العقاب وهذا ليس رأيا سياسيا أو شخصيا بل هو مستند على قوانين تثبت ذلك.

تبسيطاً للصورة، فإن الضابط المحقق هو من يشكل الاتهام الكيدي ضد الناشط أو المعارض ويقوم بتعذيبه وإجبارة على الاعتراف زورا، ومن ثم النيابة العامة تعتمد على هذه الاعترافات المنتزعة تحت التعذيب رغم علمها بذلك وتثق في شهادة الضابط المعذب و تليها المحكمة التي تعتمد وتثق في شهادة الضابط وتتجاهل إفادة المتهم و فريق الدفاع عنه، والسؤال كيف يمكن أن تتحقق العدالة في قضاء يترأسه ملك هو من يحمي ويوفّر الحماية والحصانة للمعذبين والجلادين الذين يمارسون التعذيب بإسمه؟

رغم أن البحرين قد صادقت على اتفاقية مناهضة التعذيب في 1998 وصادقت على العهد الدولي الخاص بالحقوق المدنية والسياسية و الميثاق العربي لحقوق الإنسلان إلا أن ممارسات التعذيب أصبحت نمط و سلوك رسمي وما نطالب به كنشطاء حقوق إنسان هو تطبيق العدالة الانتقالية و إنصاف الضحايا و جبرر الضرر و تعويض الضحايا و الاعتذار العلني لهم وغير ذلك هو توسيع للهوة بين النظام والشعب يؤدي إلى مزيد من عدم الاستقرار ويؤسس إلى ثقافة إنتقام وهو ما لا يريده أي مواطن حريص و محب لوطنه.

رسالتنا إلى الضحايا الذين لم يوثّقوا ما تعرضوا له من تعذيب خوفا أو فقدانا للثقة في الآليات الحقوقية، سكوتك عن الظلم هو هدية مجانية للمعذب و تشجيع له و فضحك له حتى وإن لم يحاسب حاليا هي رسالة بالغة الأهمية له ولمن يحميه و لمن أعطاه الصلاحيات للقيام بذلك.

رسالتنا إلى المعذبين إن لجوءكم إلى تعذيب مقيدين و مصمدين لهو دليل عجز و ضعف عن مواجهة الكلمة و المنطق و الحجة وممارساتكم هذه تعزز القناعة لدى جميع النشطاء و المصلحين بضرورة تغيير هذا الواقع الظالم الذي يسمح فيه بالتعذيب و الظلم و البطش و يعطي دفعة الى ضرورة النضال من أجل العدالة و إحترام حقوق الإنسان.

نعم في البحرين هناك غياب لتطبيق قانون محاسبة مجرمي التعذيب، مع وجود واعتماد سياسة إفلات من العقاب بشكل رسمي وممنهج كما عبّرت عنه المنظمات الحقوقية الدولية، ورغم ذلك فإن الحق في الإنصاف وجبر الضرر ومحاسبة الجلادين حق لا يسقط بالتقادم وكل انتهاك موثّق اليوم سيكون له يوم ينتصف له، ولا يمكن إفلات المعذبين من العقاب إلى الأبد، وهناك ضحايا في المهجر قاموا بالفعل برفع شكاوى جنائية ضد المعذبين، منها ما خرج للإعلام ومنها ما لم تخرج للإعلام بعد.

 

*كاتب وناشط حقوقي بحريني متواجد في ألمانيا

ــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــ

التعليقات والردود التي تنشر تعبر عن رأي أصحابها، ولا تعبر عن رأي "مرآة البحرين" بالضرورة. نستقبلها على البريد التالي: editor@bahrainmirror.com

 

 


التعليقات
التعليقات المنشورة لا تعبر بالضرورة عن رأي الموقع

comments powered by Disqus