في البحرين: صراع طائفي أم صراع بين مشروعين سياسيين؟

يوسف مكي - 2012-06-02 - 8:33 ص



مرآة البحرين: النظام  في البحرين، وفي مواجهته لحركة 14 فبراير والحراك الشعبي العام استخدم أوراقا عدة، ومن بين هذه الاوراق، الورقة الطائفية، طبعا بالإضافة إلى الورقة الأمنية التي ثبت فشلها في إخماد الثورة، وكذلك استدراج عساكر بعض دول مجلس التعاون الخليجي لاحتلال البحرين، والتي ثبت أيضا فشلها في سحق الثورة، تساقطت الأوراق وثبت عدم جدواها في القضاء على الثورة، والبلد مفتوح على كل الإحتمالات.

بقي من أاوراق النظام الورقة الطائفية، وهي ورقة لايزال يعوّل عليها ويلعب بها، لأن من مصلحته أن يظل الوضع السياسي في البلاد مشوشاً وضبابيا، وكأنه نزاع بين طوائف، وليس نزاعا بين شعب عاقد العزم على التغيير من جهة، ونظام عائلي قبلي استبدادي يسير عكس التقدم من جهة اخرى.

وفي سبيل تعميم ذلك حاول النظام من خلال الحملة الإعلامية الهائلة منذ بداية حركة 14 فبراير أن يصوّر الحراك ومن خلال الأقلام المأجورة والموتورة، ومن خلال العديد من مثقفي السلطة وكتابها، ومن خلال الصحافة المحسوبة عليه، ومن خلال التلفزيون الرسمي، وكذلك من خلال عدد من المحطات الفضائية المحسوبة على النظام بالإاضافة إلى أدواته الأخرى الصريحة والضمنية، استطاع أن يصوّر الحراك الشعبي وكأنه حراك طائفي ومدعوم من إيران ويدعو إلى حكم ولاية الفقيه وليس حراكا شعبيا. وقد استطاع النظام إلى حدٍ ما أن يمرر هذه الفكرة المغلوطة وتنطلي حتى على من يفترض فيهم الحنكة السياسية والخبرة المتراكمة لمعرفة حيل وألاعيب النظام البحريني. لكن المصفقين والمطبلين للنظام والمضللين يتكاثرون هذه الأيام. وتعشي عيونهم المصالح والمغانم والمناصب.

لذلك لا غرابة أن نجد أن ما يدور في الساحة من سجال فكري وسياسي – يتمثل في الغالب الأعم في دعوات - حول أهمية وضرورة ترميم اللحمة الاجتماعية والدعوة للتسامح ونبذ الطائفية، وأن المجتمع البحريني أصبح منقسما على نفسه، وأن كل الجهود الطيبة يجب أن تتجه إلى ترميم هذا الانقسام بين الشيعة والسنة، المكونين الأساسيين للمجتمع البحريني والنسيج الاجتماعي في خطر، إلى ما هنالك (تشكلت من أجل إعادة اللحمة الوطنية فقط، خمس جمعيات وكلها باءت بالفشل الذريع لأنها ليست ذات موضوع)، وبالتالي في غمرة هذا السجال نسيان جوهر القضية، نسيان مضمون الحركة الشعبية منذ 14 فبراير حتى الآن، وتصوير المشكلة في الأعم الصدع بين الطائفتين ليس غير، وتضييع ما قامت من أجله الحركة/ أهداف الحركة، ومعالجة العرض بدلا من المرض الذي تعاني منه البحرين. إنه قلب للاشياء والحقائق تساهم في إخراج النظام من ورطته. ولا تحل القضية الجوهرية التي خرج الشعب البحريني من أجلها في دوار اللؤلؤة.

هكذا تبدو الأمور في ظاهرها (شعب منقسم على نفسه) وأن الحرب الطائفية كادت أن تندلع لولا أن ستر الله وتدخل النظام كما يزعم. نقول هكذا تبدو الأمور، حرب سنية شيعية وانقسام لم يشهد له الشعب البحريني مثيلا له من قبل. هذا ما يروجه النظام وموالوه. وليست حربا مع النظام.

ولكن هذا ما أراده النظام، فقط للتعمية على ما يدور في هذا البلد، للهروب من الاستحقاقات السياسية الهائلة التي يجب أن يدفعها هذا النظام للشعب البحريني. فلا بد من طأفنة حركة 14 فبراير أولا، وشيطنتها ثانيا، وربطها بالخارج ثالثا، وتظهير الصراع ضد النظام صراعا بين طوائف.

ولكن، بين ما يريده النظام من هذه الحركة، وما هو قائم بالفعل، أو ما تمثله فرق كبير، وأن ما تعيشه البحرين منذ أكثر من سنة ليس حربا بين الطوئف على أهمية ما حدث من شروخ بسبب لعبة النظام. بل هي ثورة ضد الظلم والاستبداد المتمثل في النظام القبلي، حرب من نوع آخر، حرب بين من يدعو إلى تغيير جوهري في بنية النظام، ومن يدعو إلى تأبيد وبقاء هذا النظام المتخشب.

والحقيقة أن ما تعيشه البحرين من 14 فبراير 2011 هي حرب بين مشروعين سياسيين متضادين: مشروع ثوري وإصلاحي تقوده حركة 14 فبراير والطامحون في التغيير من جهة، ومشروع سلطوي رجعي تقوده السلطة الحاكمة وأتباعها بكل تلاوينهم من جهة أخرى.

وعليه ليس ما يمنع السلطة في سبيل بقائها أن تستخدم الأيديولوجيا الطائفية، وهي أيديولوجيا رجعية بطبيعة الحال تتناسب وبنية النظام، لإفراغ الحراك الشعبي الواسع من مضامينه السياسية الجامعة وشحنه بمضامين مذهبية وتحشيد أكبر عدد من قوى وجيوب طائفية مرتهنة للنظام ضد أخرى في المجتمع، وضمن لعبة الصراع بين المشروع الثوري الذي يمثله حراك 14 فبراير والقوى المجتمعية/ السياسية المساندة له من طرف، والمشروع السلطوي الرجعي والقوى المجتمعية المساندة له والتي اتشحت بأيديولوجيا الطائفية من طرف آخر. محاولات من قبل النظام طأفنة الحراك الشعبي. وقد نجح في ذلك إلى حد ما.

لكن المظهر الطائفي لا يلغي المضمون السياسي الحقيقي للمشروعين، حتى لو لبس كلاهما لبوسا طائفيا في الظاهر، فإنهما في العمق يظلان مشروعين سياسيين مختلفين ومتناقضين بامتياز. أحدهما تقمعه السلطة لأنه نقيضها ويقوم على أنقاضها، والآخر ترعاه السلطة لأنه مشروعها أو وجهها الآخر -السياسي- بواجهة طائفية ويقتات على عطاياها، وينوجد بوجودها.

نحن هنا بإزاء مشروعين. مشروع ثورة ضد النظام، ومشروع ثورة مضادة من قبل النظام، باستخدام الطائفة السنية أو بعضها تحت مسمى تجمع الوحدة الوطنية وما تناسل منه، أو استثمارها للوقوف أمام المشروع الثوري التغييري. وقد تحقق له شيء من ذلك، باللعب بورقة الطائفة السنية.

مما سبق نخلص إلى القول إن ما يجري في البحرين ليس صراعا طائفيا ولا حربا طائفية ولا مواجهة بين الشيعة والسنة مع العلم أن النظام حينما يميز بين السنة والشيعة لصالح السنة إنما من أجل مصالحه هو (مصالح وامتيازات القبيلة) ولا يهمه من تكون ولا إلى من تنتمي من الطوائف طالما كنت عبدا مواليا، وهو في التحليل الأخير إذ يميز بين الطائفتين، إنما يسرق الجميع مع الأخذ بعين الإعتبار ما أحدثه النظام من تشطير اجتماعي وطائفي – وهذه سياسة قديمة - لكن كل ذلك لا يلغي حقيقة وطبيعة ما يدور من صراع سياسي فعلي بين قوى 14 فبراير وما تمثله وبين النظام الحاكم وأتباعه وما يمثله بطبيعة الحال، ولا يلغي لب المشكلة السياسية الحقيقي حتى لو قام النظام بصبغها بالطائفية.

وإذْ أصبح يحلو للنظام الحاكم تمييع الصراع باللعب على الغرائز الطائفية وتأجيج مشاعر السنة تجاه إخوانهم الشيعة، وأنه يعيش ما يشبه شهر العسل مع الطائفة السنية أو بعضها، فإنه في جوهره وبنيته القبلية لا يقبل بمشاركة أحد له في الحكم بما في ذلك بعض قوى الطائفة السنية التي تدعمه الآن، والأصح أنه يستخدمها (الطائفة السنية) لتثبيت حكمه والوقوف في وجه الحراك الشعبي الحقيقي المطالب بالإصلاح، وقد يرتد عليها عما قريب إذا تطلبت مصلحته ذلك. هذا هو نظام حكم آل خليفة في البحرين من خلال التجربة، وهذه هي طبيعة الصراع السياسي الدائر منذ 14 فبراير 2011. ولا هي حرب أهلية أو طائفية كما يحاول النظام أن يوهم بذلك، إنما هي حرب سياسية بين مشروعين سياسيين، يستخدم فيها النظام كل الادوات بما في ذلك الطائفية كممارسة سياسية/ أيديولوجية برع فيها دائما، وليس كمجموعات لها إرثها الديني التاريخي وثقافاتها الخاصة. لا أقل ولا أكثر. نظام يستخدم الطائفة كممارسة سياسية من أجل القبيلة كممارسة سياسة. ومع ذلك فإن شعب البحرين أبعد ما يكون عن الصراعات الطائفية. والصراع الحقيقي في البحرين اليوم هو بين الشعب والنظام. والقول بغير ذلك يعد تواطؤا مع النظام، ومهما تكن الحجج والمبررات والنوايا. 

يبقى القول كما سقطت أوراق النظام وألاعيبه تجاه حركة 14 فبراير، فإن الورقة الطائفية قد سقطت، ولم يعد أمام النظام من خيار إلا الاستجابة للمطالب السياسية الشعبية، والمتاجرة بالورقة الطائفية هي سلاح من لا سلاح له.  


يوسف مكي

*باحث بحريني متخصص في علم الاجتماع.


التعليقات
التعليقات المنشورة لا تعبر بالضرورة عن رأي الموقع

comments powered by Disqus