كبائن الذل .. عن زيارات الأهالي للسجناء
2017-10-19 - 7:03 ص
مرآة البحرين (خاص): الإذلال، ليست معاملة يتلقاها السجناء السياسيون فحسب، بل الأهالي الذين يذهبون لزيارة أبنائهم أيضاً.
عندما تدخل النساء إلى غرفة التفتيش في سجن الحوض الجاف، ترشُّ الشرطيات ملطفات الجو ويشعلن البخور، في إشارة إلى أن الروائح القادمة (لا تحتمل). إحدى الشرطيات تسأل والدة أحد المعتقلين وهي تفتشها بالقفازات: هل تحملين معك شي؟ تجيبها وهي تفتح عباءتها: لن تجدي غير ثياب تسبح في العرق!
ما الذي يجعل الوضع يصل إلى هذا الحدّ؟
في سجن الحوض الجاف يصطف الأهالي في الشمس الحارقة لكي يحصلوا على موعد للزيارة القادمة، تجلس شرطية واحدة أو اثنتان داخل كابينة مكيفة مغلقة. الكابينة لها نافذتان مغلقتان بالحديد إلا من فتحة صغيرة، يسلّم الأهالي منها هوياتهم لحجز الموعد القادم لأبنائهم السجناء. الأهالي يصطفون خارج الغرفة في طابور يطول أو يقصر، وفي قيظ لا يرحم، وتحت شمس تتفنن في الإذابة. العرق هو كل ما تراه من وجوه هؤلاء، وملامح لا تخفي شعوراً حانقاً بالمهانة، وسخط مقموع.
قد تأتي يوماً إلى النافذة، لتجد (لا أحد) خلفها. ولأنك لا تملك خياراً سوى الانتظار لأخذ موعد الزيارة القادم، فإنك ستقف مكانك تحت الشمس صامتاً، وستنتظر في الطابور الذي سيطول ويطول، حتى يأتي الفرج. وقد يحين وقت زيارتك قبل أن يأتي فرج (الشرطية)، فتذهب للزيارة، وعندما تنتهي منها، تعود مرة أخرى لطابور جديد، سيكون أطول من السابق بسبب دخول أهالي الزيارة اللاحقة، ولا عزاء لوقوفك المحموم.
بعد أن تنتهي من أخذ موعد الزيارة، ستذهب لكابينة أخرى لإيداع الأمانات من مبالغ نقدية وملابس وكتب أو غيرها. قبل أسابيع، كان يُسمح للأهالي بدخول الكابينة المكيفة لإيداع الحاجيات، وكانوا بدخولهم إليها يتنفسون الصعداء متأملين أن يحتموا من لهيب الشمس. لكن يبدو أن ذلك أزعج إدارة السجن، فالأصل هو الإذلال والتحقير لا التسهيل.
اُستحدثت للكابينة نافذة جانبية تطل على الشمس، وصار يسمح للأهالي بدخول الكابينة لإيداع الملابس والحاجيات فقط، لأنه لا بد من تمرير الودائع من خلال جهاز فاحص، ثم بعد ذلك الخروج عند النافذة الخارجية لإيداع المبلغ النقدي، ومعاودة الوقوف في طابور آخر، وعلى الجميع أن يقفوا مذعنين صامتين لأنهم يعلمون أن أي احتجاج سيكون على حساب زيارة ابنهم، وربما ما هو أكثر من ذلك.
بعد أن تنتهي، ستدخل الكابينة المخصصة للانتظار، لن تلبث أن تفتح بوابة السجن، ليقف الأهالي في طابور آخر في الشمس، حتى تتم مطابقة هوياتهم، ثم إلى التفتيش. وليس سرّاً أن حال الأهالي حينها يكون قد بلغ أسوأ ما يكون، وهذه الحال هي التي يرى عليها السجناء أهاليهم وأطفالهم.
في الكابينة المخصصة للانتظار، تستنكر النسوة استحداث النافذة الخارجية لإيداع النقود والوقوف المنهك خارج الكابينة. تقول والدة أحد المعتقلين: لقد قلت للشرطية: استكثرتم علينا أن نقف في مكان به مكيّف فأخرجتمونا للشمس؟ ثم أكملت: يظنون أنهم سيكسرونا ويهينونا.. يريدون أن يذلونا.. مهما فعلوا ومهما تجاوزوا، سوف لن يتمكنوا من كسرنا، ولا من إعجازنا، ولن يزيدونا إلا ثباتاً وإصراراً.
ترد والدة معتقل أخرى: لقد علمتنا زينب الصبر والعزّة، وما هو بعين الله لن نراه إلاّ جميلاً، هذا منهجنا، وهذا ما تعلمناه، وسوف لن نخذل زينب.