» تقارير
حكاية العدد 3087 من صحيفة الوسط
2012-05-06 - 8:39 ص
مرآة البحرين (خاص): ثلاثة أمور غيرت في مسار ثورة 14 فبراير وكانت جميعها في تاريخ واحد: 18 فبرابر/شباط 2011 أي قبل يوم واحد من العودة للاعتصام المركزي في دوار اللؤلؤة. الأول كان مقتل الشهيد عبد الرضا بوحميد برصاص الجيش وهو يواجه دباباتهم بصدر مفتوح، والثاني هو خطبة الجمعة الشهيرة للشيخ عيسى قاسم والتي أثارت وألهبت مشاعر الجماهير، أما الأمر الأخير فهو العدد3087 لصحيفة الوسط والذي صدر في اليوم ذاته.
ربما توقعت السلطات خطبة شديدة من قاسم، وتوقعت أن مناضلين من طراز الشهيد "بو حميد" قد يصلون إلى الدوار حتى لو قتلوا هناك، لكن حساباتها لم تكن دقيقة جدا حول ما يمكن أن تظهر به الوسط في اليوم التالي من مجزرة الخميس الدامي.
الكل كان يترقب عدد صحيفة الوسط في ذلك اليوم، لقد كان بمثابة امتحان عصيب وتاريخي، يا ترى ماذا ستقول الصحيفة التي بنت على مدار 9أعوام حضورا مزعجا للنظام وبدت كسلطة رابعة فعلا؟ كانت الأجواء مريبة في البلاد ولم يكن أحد بمقدوره التنبأ بمسار الأحداث في الساعات القادمة، تفاؤلا أو تشاؤما، كان الوقت ضيقا والأحداث متسارعة، وكانت هناك سلطة يبدو أنها تريد أن تنقض على كل شيء.
لو أن الوسط سكتت ذلك اليوم لربما لم يتغير كثيرا الوضع الجديد الذي فرض في 17 فبراير. سوف لن يكون هناك أي صوت من الداخل، يوضح ولو فقط تفاصيل ما حدث، وربما لن يكون هناك إقرار من السلطات بما حدث ولا أي تعاط مختلف معه، لن يكون هناك أي إزعاج على السلطة في الداخل، وسيكون مضحكا وغريبا وغير مؤثر في نفس الوقت أن تتحدث وسائل إعلام أجنبية، في حين لا يوجد صوت إعلامي واحد في الداخل يقول شيئا مشابها!
كانت تلك فرصة تاريخية لصحيفة الوسط بأن تثبت جدواها من حيث التأثير على الواقع السياسي وخصوصا في مفصل تاريخي مثل هذا، سيقرأ الوسط في هذا اليوم الديوان الملكي، ديوان رئيس الوزراء، ديوان ولي العهد، والمشير وقادته، كما سيقرأها الكثير من الناس الموجوعين والخائفين والذين لا زالت جذوة الثورة مشتعلة في نفوسهم وتحتاج إلى من يحفظها!
غلاف أسود
كإعلان للحداد، ظهر العدد 3087 في غلاف شبه أسود، حيث تصدره بالبنط العريض العنوان التاريخي "خميس البحرين الدامي" مدعما بصور الدبابات وهي تحاصر دوار اللؤلؤة الذي تم إخلاؤه من المتظاهرين بعد الهجوم عليهم وهم نيام في الساعة الثالثة صباحا من الخميس 17 فبراير/شباط 2011.
اشترك في تغطية الأحداث أكثر من 14 صحفي، وامتدت التفاصيل الموسعة إلى 10 صفحات، ووصفت الصحيفة ما حدث بأنه "فاجعة" على البحرين، بعد سقوط 4 قتلى ونحو 250 جريحا والعديد من المفقودين. ونقلت التغطية ردود الفعل العالمية على الحدث، وبيانات المنظمات والشخصيات الدولية، وكذلك نقلت الاحتجاجات التي نظمها الأطباء والمسعفون ضد وزير الصحة لمنعهم من إنقاذ الجرحى. كل تلك تفاصيل كانت الحكومة تسعى عاجزة إلى التعمية عليها وتكذيبها، لتتفاجأ بالصرخة من جوارها.
في داخل العدد نشرت الصور البشعة للشهداء وهم في المستشفى، وتصدرت التفاصيل عناوين حمراء، وبجانب صور المصابين الكثيرة كتبت الوسط "لم تعش البحرين من قبل يوماً كيوم أمس الخميس، لم يكن أسعد أيامها كما وعد البحرينيون من قبل به، فقد تحول يوم الخميس ليوم دامٍ سالت فيه دماء البحرينيين على أرصفة دوار اللؤلؤة ونواحيها".
ونقلت الصحيفة ما قاله شهود عن الضربة المفاجئة، والذين قالو إن قوات الأمن حاصرتهم وأحكمت السيطرة على المكان من كل الاتجاهات، ومن ثم لاحقتهم داخل المناطق المحاذية، ونقلت الوسط عن الشهود قولهم "هجموا علينا ونحن نائمون وداسوا بأرجلهم أجسادنا" كما أشارت إلى الاعتداءات التي حدثت للسيارات المارة على هامش الهجوم على الدوار.
كما نقلت الوسط تصريحا لرئيس دائرة الحوادث والطوارئ بمجمع السلمانية الطبي الدكتور جاسم المهزع، والذي أكد أنهم تعاملوا مع الوضع على أنه "كارثة". ونقلت الوسط أيضا صور الحشود التي تظاهرت أمام مبنى الطوارئ في السلمانية. وفي تعليقها على ما أوردته وزارة الداخلية عن تفاصيل الحدث، وصفت الوسط ذلك بأنه "سرد للرواية الرسمية"، وعرضت تصريحات وبيانات شديدة اللهجة لشخصيات ومؤسسات سياسية معارضة.
والتقت الوسط في هذا العدد بالطبيب صادق العكري الذي كان في المستشفى بعد تعرضه للضرب من قبل قوى الأمن، حيث صرح لها بأنه "رأى الموت أمام عينيه في "دوار اللؤلؤة". وفي هذا العدد أيضا، نقلت الوسط نبأ تعرض صحافي أميركي للضرب خلال الهجوم على الدوار، وكذلك احتجاز 4 صحافيين بريطانيين وأمريكيين في مطار البحرين.
وأخيرا وضعت الوسط تسلسلا للأحداث تحت عنوان "البحرين من مطلع فجر الخميس الدامي إلى غروبه... لحظة بلحظة"
أداة مقارعة
قد يكون كل ما نشر في العدد 3087 ليس جديدا بالنسبة للقارئ البحريني، فقد اطلع الجميع على ذات الصور وعرفوا كل المعلومات والتفاصيل الواردة وقت وقوعها، لكن العدد مع ذلك نفد من الأسواق!
الوسط كانت أداة مقارعة للنظام، كانت له خصما وندا. يستطيع الناس أن يتناقلوا كل هذه المعلومات والصور عبر شبكات التواصل الاجتماعي أو الهواتف النقالة أو حتى موقع الوسط أون لاين الذي كان يبث التطورات أولا بأول، ولكن عدد الصحيفة المطبوع كان له وزن مختلف، له وقع آخر على كل الأصعدة، الرسمية والشعبية والدولية.
لقد حاصرت الوسط النظام في زاوية حرجة جدا ليس أمام الرأي العام المحلي الذي كان بكله متعاطفا وقتها، بل أمام العالم أجمع، لم تكن المصدر ذا المصداقية العالية للأخبار فحسب، كانت أيضا صوت ضجيج المتظاهرين وهتافاتهم وتحديهم وإصرارهم على الحضور مجددا. هكذا لم يكن هناك أي مجال للإنكار والتنكر، وهكذا ظهر الحدث في صورة لحظة تاريخية موثقة، لها توصيفاتها ومسمياتها الأدبية.
بسبب هذا العدد من صحيفة الوسط، برز الحدث بحجمه الحقيقي وبكل تفاصيله، كان ذلك مهما ومؤثرا جدا في الانتقال إلى الطور اللاحق من الثورة، والذي بدأ بعد يوم واحد فقط، حين انسحبت الآليات العسكرية بقرار من ولي العهد، ليمتلأ دوار اللؤلؤة بعشرات الآلاف في ظرف ساعات.