مترجمات «ما بعد الشيوخ» في حوار مع «مرآة البحرين»: كان الهدف أن نترجم ثقل الكتاب!
2017-10-03 - 11:49 م
مرآة البحرين (خاص): احتلّت الترجمة حيّزًا واسعًا من النشاط الثقافي والإعلامي في العالم العربي في أعقاب انتفاضات العام 2011، والتطوّرات السياسية المتلاحقة التي ضربت المنطقة، متراوحة بين عناوين الثورة والتغيير والديمقراطية وحقوق الإنسان.
لقد كان لنقل فرضيات وتحليلات الباحثين والمفكرين الغربيين عما يحدث في العالم العربي، أهمية كبرى في ترويج فهم آخر، يواجه بشكل محايد ورصين روايات الأنظمة، ويحرج تنظيرات مثقفي السلطة، ويثير مزيًدا من البحث والتفكير العلمي حول ما يجري، ومآلاته. وفضلًا عن ما يمكن أن تؤثر به هذه النتاجات العلمية على صناع السياسة في العالم الغربي، فهي بلا شك أثارت السخط الشديد في أوساط النخب الحاكمة في العالم العربي.
ومن بين الكتب التي لاقت رواجًا واسعًا جدا في المنطقة، كتاب «ما بعد الشيوخ: الانهيار المقبل للممالك الخليجية»، للبروفيسور البريطاني كريستوفر ديفيدسون، الذي أثار عاصفة من ردود الأفعال وحرّك جدلًا واسعًا بتوقعه سقوط ممالك الخليج، وانهيار أنظمة المشيخات فيها، وتغيّر شكلها الحالي.
وقد صنّف الكتاب على رأس قائمة مجلة «فورين بوليسي» لأفضل 20 كتابا عن الشرق الأوسط في العام 2012. كما كتبت عنه الكثير من المراجعات والمقالات في الصحف الدولية والعربية، مثل صحيفة «الإيكونومست»، وصحيفة «الإندبندنت»، و«الغارديان»، واقتبسَت بعض أقسام الكتاب مجلة «فورين أفيرز».
لقد كان الفضل لمؤسسة بحرينية، في نقل هذا الكتاب إلى العالم العربي، بترجمة معتمدة ومصادق عليها من المؤلّف نفسه، بعد أن حازت على حقوقها.
في العام 2014 شكّل مركز أوال للدراسات والتوثيق، ومقرّه لندن-بيروت، فريقًا من المترجمات المتخصصات، لتقديم باكورة أعماله في الترجمة للقارئ العربي، وقد كانت النتيجة 6 طبعات من الكتاب خلال 3 سنوات، وطلًبا هائلًا عليه من دور النشر والمكتبات، وارتقاء الكتاب لقائمة الكتب الأكثر مبيعًا في الكثير من المتاجر، فضلًا عن عشرات التلقيات والتعليقات وموجة من ردود الأفعال.
مرآة البحرين، التقت أعضاء الفريق، الذي قام بترجمة «ما بعد الشيوخ»، غنى مونّس، رؤى شمس الدين وسارة حيدر، في حوار حول تجربتهم في ترجمة الكتاب. وفيما يلي نص الحوار مع المترجمات الثلاث:
مرآة البحرين: كيف تصفين تجربة الترجمة لكتاب «ما بعد الشيوخ»، كيف أثرت فيك وفي عملك، وما هو الانطباع الباقي في ذهنك عنها؟
غنى مونس: حين أتكلم عن "ما بعد الشيوخ"، يتبادر إلى ذهني أنني كنت أترجم ما وصفه المؤلف نفسه ب "النبوءة". كان الأمر عبارة عن غوص في عالم أعرفه جيدًا من جهة، لكنني أنظر إليه بعيون المؤلف من جهة أخرى، وكان عليّ أن أتجنب إسقاط انطباعي أو مفهومي أو حتى تأويلي الخاص، لجمله وعباراته ومفرداته، وأن أعمل على إخراجها في قالب موضوعي، يتوخى الدقة في كل جوانبه.
رؤى شمس الدين: أول تجربة شخصية لترجمة كتاب متخصص عن الخليج. كانت انطلاقة حماسية. جو العمل لترجمة هذا الكتاب والتحدي لإطلاقه في وقت محدد كان دافعًا كبيرًا لإنهاء العمل في أفضل صورة. أثناء الترجمة، كل لحظة كان لها أثر إيجابي، ففصول الكتاب ما زالت في ذهني وكأنها سرد لقصة مرّت منذ زمن.
سارة حيدر: المشاركة بترجمة كتاب ما بعد الشيوخ كانت من أجمل التجارب وأكثرها مهنيّة. كان الكتاب عبارة عن سرد وتحليل وقائع عملية بلغة سلسة ومصطلحات دقيقة احتاجت بعض التدقيق في اللغة الهدف. كان النص المصدر واضحًا، لكن كون المؤلّف كاتب إنجليزي يكتب بلغته الأم، واجه العمل بعض التحديات الثقافية، في تحديد أفضل أسلوب نضمن به دقة النقل بشكل كامل. فضلا عن ذلك، أضاف الكتاب الكثير إلى معلوماتي وثقافتي.
المرآة: أي فصول ترجمت، أو دققت؟ ما هي الصعوبات التي واجهتها وكيف سارت عملية الترجمة؟
غنى مونس: أشرفت على تدقيق ترجمة الكتاب كله، وواجهت خلال هذه العملية عددًا من الصعوبات كان أبرزها ترجمة المصطلحات الخاصة من قبيل مشيخة Sheikhdom على سبيل المثال، كذلك برز هناك تفاوت في معاني بعض العبارات، الأمر الذي اضطرنا إلى مراجعة المؤلف الدكتور كريستوفر ديفيدسون بشأنها لاستيضاح المعنى الرئيس الذي يقصده، وتقديمه في أفضل سياق ممكن، على صعيد كل من اللغة والمعنى.
رؤى شمس الدين: توليت ترجمة عدد من فصول الكتاب، وأعتقد أن اللغة التي استخدمت فيه كانت صحفية من ناحية الصياغات، إلا أنه تضمن مصطلحات متخصصة مرتبطة بعدد كبير من أسماء المنظمات، والمراكز، والمؤسسات الدولية والحكومية، وغير الحكومية وغيرها؛ لذا كان لزامًا علينا إجراء عملية بحث واسعة النطاق على الإنترنت وفي عدد من الكتب الموجودة في المركز للوصول إلى المسميات الصحيحة المقابلة لهذه الأسماء باللغة العربية. الوصول إلى التسمية الصحيحة كان دونه الكثير من التحديات.
سارة حيدر: ترجمت الفصل الرابع من الكتاب وكان حوالي 10,000 كلمة في النص الهدف. أكثر الصعوبات التي واجهتها كانت الالتزام بنسق واحد في شكل النص العربي (الهدف) وفي توحيد المصطلحات وطريقة كتابتها والتأكد من المعلومات المذكورة حسب وقائعها.
المرآة: كيف ترين الكتاب نفسه؟
غنى مونس: أحببته جدًا، فبالإضافة إلى طابعه المعرفي، وذخره بالمعلومات، في إطار يخلو من التّعقيد، يقدم "ما بعد الشيوخ" للقارئ جولة تحليلية تدفعه إلى محاولة تقييم الواقع بنفسه، وعدم الاستناد إلى رأي المؤلف وحده، وهو أمر يعني إشراك القارئ، في عملية بناء التوقعات، وإحساسه بأنه ساهم نوعًا ما في رسم أطر المرحلة المقبلة، بكل أطيافها. يقدم الكتاب دراسة مثيرة للاهتمام، قد تصح، وقد تخيب، لا سيما أننا اقتربنا من نهاية الإطار الزمني الذي حدده موعدًا للانهيار المتوقع للممالك الخليجية، وفي كل الأحوال فالكتاب يظل سابقة من نوعه إذ يتجاوز مسألة توصيف الواقع المُعاش في المنطقة.
رؤى شمس الدين: يبدو الكتاب اليوم مرجعًا للمهتمين بالتعرف على الممالك الخليجية وتاريخها بلغة سهلة ومباشرة. فهو يسلط الضوء على عدد كبير من الحقائق التي قد يجهلها عامة الناس، في الخليج بشكل خاص وفي العالم العربي بشكل عام. كما أنه يكشف الكثير من المشاكل الداخلية والخارجية التي تعانيها الممالك الخليجية.
سارة حيدر: فرضية الكتاب نادرة، ونشره في لغات متعددة مهم جدًا لتصل رسالته إلى أكثر ما يكون، وهو أيضًا جميل لإعطاء فكرة عامّة حول ما ليس معلنًا في دول مجلس التعاون الخليجي، وخاصّة لمن لا يعرف أي شيء عن هذه الدول.
المرآة: كيف تقيمين النتاج النهائي كنص واحد عمل عليه أكثر من مترجم؟
غنى مونس: لكل مترجم ذائقته اللغوية وأسلوبه في طرح الفكرة، وهنا تبرز أهمية تدقيق الترجمة، والقراءات الأخيرة، التي هدفت إلى توحيد روح النص، بعد التأكد من صحة المعنى. وهو أمر حساس جدًا، حيث يكون لتقديم كلمة أو تأخيرها في أي سياق وقع على انسيابية عملية القراءة في ذهن المتلقي.
رؤى شمس الدين: الكتاب بصيغته النهائية شكل كتلة متكاملة، وعمل أكثر من مترجم في كتاب واحد قد يكون له عدد من الإيجابيات والسلبيات، لكن المركز سعى إلى توحيد الترجمات وضمان اتساقها. إن عملية مراجعة النص المترجم عبر مقارنته بشكل دقيق مع النص المصدر من قِبل مترجم منفرد كان له الأثر الإيجابي على النص في صيغته الأخيرة، ذلك كله إضافة إلى عمل المدقق الاحترافي.
سارة حيدر: كان لدي تخوف خاص حول هذه المسألة، لأني كنت أخشى أن لا أقوم بالترجمة التي تتبع النسق ذاته كباقي المترجمات اللواتي عملن على هذا الكتاب، لأن مضمونه دقيق ويحتاج متابعة وتنسيق. لكن ناتج العمل كان مبهرًا بعد القيام بمراجعة نهائية شاملة للكتاب مع توحيد المصطلحات والمفردات.
المرآة: كيف تنظرين إلى العمل كمُترجم بناء على هذه التجربة، كيف ترين قيمته، متعته، وصعوبته؟
رؤى شمس الدين: العمل في الترجمة شكل لي شغفًا منذ البداية. وممارسة هذا الأمر في موضوع رائج ومهم لهذه الدرجة كان له أثر كبير في عملي لاحقًا. النجاح في أي عمل كان يحفز على الوصول إلى درجات أعلى في المستقبل، ونجاح كتاب ما بعد الشيوخ كان دافعًا للاستمرار في العمل على ترجمات أخرى في المجال نفسه، وتطوير ممارستها.
سارة حيدر: كتاب كـ "ما بعد الشيوخ" بمضامينه كان تجربة جديدة من حيث الحجم، ومن حيث التأثير الذي كان له عند إصداره باللغة الإنجليزيّة. فترجمة هذا العنوان بحد ذاته كانت بداية تجربة مهمّة جدًّا في ساحة الترجمة العربية. وكان الهدف أن نترجم ثقل الكتاب والأهميّة التي نجح في تحقيقها في نسخته الإنجليزيّة. كان هذا تحدّ كبير، ووجود تحدّيات كهذه يجعل العمل للمترجم أكثر متعةً ويجعله أكثر تطلّعًا ليرى كيف ستكون النتيجة النهائية لهذا العمل، الذي شارك فيه عديدون.
- 2018-11-21الفائزة بجائزة منظمة التعليم الدولية جليلة السلمان: سياسات التربية منذ 2011 هي السبب الأكبر وراء تقاعد المعلمين!
- 2018-05-17الموسيقي البحريني محمد جواد يفكّ لغز "القيثارة الدلمونية" وينال براءة اختراعها
- 2017-10-03«مركز أوال للدراسات والتوثيق» في حوار مع «المرآة»: كتاب «ما بعد الشيوخ» طبع 6 مرات رغم تزوير الترجمة من جهات أخرى
- 2017-10-03فؤاد الخوري ليس كأيّ كتاب... مروة حيدر: رسالة "دعوة للضحك" وصلت… أنا مترجمة تبتسم!
- 2017-08-25ناصر قنديل في «برسم النظام»: على البحرانيين أن لا يقعوا في وهم أن الأنظمة المتخاصمة يمكن أن تكون صديقةً لهم.