» تقارير
الوسط ... إخماد الصوت الأخير
2012-05-06 - 8:12 ص
مرآة البحرين (خاص): من عمود رئيس تحرير صحيفة الوسط، انطلقت تعريفات وتسميات وربما أطر أدبية لثورة 14 فبراير، واستعملت لأول مرة. كان عمود منصور الجمري مصدر اسم "ثورة اللؤلؤ" الذي صار يستخدم على نطاق واسع في التعبير عن الحراك السياسي البحريني واعتصام المتظاهرين المركزي في دوار اللؤلؤة، وكذلك فمنصور الجمري هو من عرّف المجموعات العدائية الموالية للنظام بـ "جماعات الكراهية"
الوسط، هي الصحيفة المحلية الوحيدة التي تتحدث عن "شهداء" لا قتلى، وهي في أوج عطائها عملت كمرصد لاعتداءات قوى الأمن، وإصابات المتظاهرين، وأعداد الجرحى وأوضاعهم الصحية، وكذك الاعتقالات، وتعديات نقاط التفتيش، وكل انتهاكات السلطة.
ستكون هذه التسميات والتعريفات والأدبيات أكثر واقعية، بظهورها في الوسط، ستهابها السلطة أكثر، وستخشى ما تحمله من معنى، ولذلك كان الواجب في أتون حرب التطهير الطائفية والسياسية أن يخمد صوت الوسط أيضا!
اللعب على المكشوف
منذ اليوم الأول للثورة، واللعب كان على المكشوف، بين صحيفة الوسط والنظام. فإلى جانب صورة الملك وهو يحتفل بذكرى ميثاق العمل الوطني، كتب منصور الجمري في 15 فبراير/شباط 2011 مقالا تحت عنوان "ووقع المحذور"، ليكون واضحا لدى السلطة أن سقوط قتيل في 14 فبراير هو عمل لن يمر بسهولة.
غطت الوسط قمع المسيرات التي دعي إلى تنظيمها في 25 منطقة مختلفة من البحرين، وشددت في تفاصيل الخبر وصوره على الطابع السلمي الذي التزمت به الاحتجاجات، مثل وضع علم البحرين على دورية أمنية تركها الشرطة فارغة إلى جانب المتظاهرين، دون إحداث أية أضرار فيها.
كل شيء كان على المكشوف، الوسط ثبّتت تعمّد الحكومة تبطيء الإنترنت في 14 فبراير، وكذلك تحدثت عن غلق الشوارع، إغلاق المجمعات، الاستنفار الأمني، وخروج الآلاف في 25 منطقة أكثرهم في سترة، ومن ثم إصابة العشرات منهم بالرصاص الانشطاري والمطاطي وغيرها.
في اليوم الثاني تتصدر غلاف الصحيفة أول صور التجمع التاريخي في دوار اللؤلؤة، وإذن "قتيل ثان في الاحتجاجات والوفاق تعلق نشاطها البرلماني... ومتظاهرون يحتشدون في دوار اللؤلؤة". إلى جانب ذلك كانت هناك تعزية الملك وأمره بتشكيل لجنة تحقيق، وكذلك "أسف رئيس الوزراء" وادعاء وزير الداخلية التحفظ على القتلة، كان تجميع الأخبار من هذا العدد يرسم لك شكل ميزان القوى في تلك اللحظة!
ارتفاع الهامش
لدى منصور الجمري استراتيجية قديمة في العمل الصحافي، وهي التحرك وفق هامش محدد من الحرية، والعمل تصاعديا على توسيعه. 14 فبراير كان نقطة تحول كبيرة في هذا الهامش، وأعطيت الوسط الفرصة الذهبية لتوسيع هذا الهامش.
استغلت الوسط هذه الفرصة بشكل رائع في حدث "الخميس الدامي"، وكذلك في حدث مقتل عبد الرضا بو حميد برصاص حي من قبل الجيش على حدود دوار اللؤلؤة. نطقت الوسط باسم المتظاهرين مباشرة في الخبر الذي كان عنوانه "شكرا للطواقم الطبية" وبدون أي تردد نقلت الصحيفة كل ردود الفعل المنددة باستخدام القوة المفرطة تجاه المواطنين.
ومن هنا بدأت الوسط لا تتجاوز حدثا ولا تستثني قولا، نقلت خطبة عالم الدين الشيعي الشيخ عيسى قاسم بعد "الخميس الدامي"، وغطت جميع جنائز الشهداء، وكتبت قصصهم الإنسانية والتقت عوائلهم. هكذا وصولا إلى العودة للدوار "اعتصام اللؤلؤ يتجدد ... والحشـــود تصبغ علم الوطن بدماء الشهداء" كانت الوسط أقرب للصحافة الثورية وقتها.
خلال فترة الاعتصام في الدوار، انشغلت الصحيفة بتغطية فعاليات الخيام والحركات الشبابية، وكذلك المسيرات الجماهيرية الكبرى التي نظمتها الجمعيات السياسية، وكانت تتابع أي بيانات أو تصريحات أو تطورات على المستوى السياسي، كمطالب المعارضة في انتخاب مجلس تأسيسي وتشكيل حكومة إنقاذ وطني، وهذه مفردات كان سابقا تداولها الشفوي في حد ذاته جريمة!
كذلك ألقت الوسط الضوء على الاتصالات التي أجراها قادة دول العالم مع البحرين والسعودية، ونقلت كل البيانات التي أصدرتها المنظمات الدولية عن البحرين، وغطت حدث الإفراج عن خلية 25، وأجرت حوارا مع الناشط السياسي حسن مشيمع فور عودته من لندن، في الوقت ذاته كان رئيس التحرير والعديد من الكتاب يفككون ملامح المرحلة الجديدة، وينظّرون لأدبياتها.
20عددا قبل ليلة "الراصد"
ما تعرضت له الوسط في 13 و14 مارس/آذار من ضرب لمصورها وتحطيم لمطبعتها كان رسالة واضحة، لكن استجابة الجمري كانت أن يطبع عدد الصحيفة في مطبعة أخرى لتستمر في الصدور. 20 عددا صدر من الصحيفة منذ يوم "النكبة" أي 14 مارس، اليوم الذي تلا أحداث المرفأ المالي وأحداث جامعة البحرين، وحتى استقالة منصور الجمري.
قدم عدد "الخميس الدامي" جرعة كبيرة إلى هامش الحرية في صحيفة الوسط، وهكذا فتح الباب لتجريب هذا الهامش المتسع أكثر وأكثر، في الوقت الذي لا يمكن التراجع فيه مطلقا. منذ أحداث المرفأ والجامعة كانت الوسط تنقل الحدث في صورته الكاملة دون أن تلتفت إلى التكلفة، يجري هذا أيضا على تغطيتها المسيرة الضخمة تجاه قصر الملك في "الصافرية" والمسيرة الجماهيرة التي اتجهت إلى الديوان الملكي في الرفاع.
في 14 مارس/آذار وصفت الوسط ما جرى في المرفأ المالي من محاولة لإخلاء الدوار واعتداء على آلاف المعتصمين وإصابة أكثر من 900 منهم، وصفته بالنكبة الأمنية-السياسية التي شلّت البحرين، وعزتها إلى تدخل قوى الأمن، وفضحت الممارسات التي حدثت خلالها بالصور، بما فيها إطلاق رصاص حي من قبل مدنيين، والاعتداء على مصور الصحيفة.
ونبّهت الوسط إلى "تصاعد حدة التوتر" بفرض نقاط تفتيش أهلية تسببت في عدة مشاكل ومواجهات مأساوية لم تشهدها البلاد من قبل. وكذلك سردت ما حصل في جامعة البحرين من هجوم جماعات مسلحة على مسيرة طلابية هناك، وقيام قوات الأمن بإطلاق مسيلات الدموع والقنابل الصوتية على "دار كليب" بعد أن حاول الأهالي إخراج الطالبات من الجامعة.
في اليوم التالي، امتصت الصحيفة صدمتها من دخول قوات درع الجزيرة، واستمرت في ذات الرتم. "مدنيون يصيبون شخصَين من سار بطلقات الشوزن مساء" و"تخريب محلات جواد" و "مسعفون يتعرضون للتهديد " و"باكستانيون من سكنة المنامة يتجهون لسفارتهم لطلب ترحيلهم"
الوسط في مقابل تلفزيون البحرين
ثم دخلت مرحلة فرض حالة الطوارئ "السلامة الوطنية". في تلك الأيام كان تلفزيون البحرين وحسبما أثبت تقرير بسيوني منبرا للتحريض والتفريق والفتنة والفبركات، وفي مقابل ذلك، كانت صحيفة الوسط الأمل الوحيد في ضرب مصداقية هذا التلفزيون وما يذيعه من كذب وتلفيق، وما يتغاضى عنه من أحداث جسام، قتل وهتك واقتحام واعتقال ومداهمات.
ما يحدث في البحرين، هو إذا شاهدت التلفزيون شيء، وإذا قرأت الوسط شيء آخر مختلف جدا. 16 مارس/آذار 2011، الوسط هي وسيلة الإعلام المحلية الوحيدة التي قالت إن 3 قتلى قد وقعوا إثر "مجزرة سترة"، وإن أكثر من 250 أصيبوا في أول يوم من إعلان حالة الطوارئ، وهي أيضا من نقل عن الوزير البحارنة رده على افتراءات التلفزيون: لا تمييز بالخدمات وكوادر الصحة تتعرض لحملة.
وهكذا استمرت الوسط في كشف الصورة الأخرى منذ اليوم الأول للمشير: جماعات مسلحة تهاجم عدة مناطق، سيارات الجيش تهاجم بوري، قوات الأمن تعتدي على طبيبة وطاقم مسعفين في سترة، محاولة حرق مقر جمعية وعد، استقالة 4 أعضاء من مجلس الشورى احتجاجاً، اختفاء 6 سيارات تابعة للإسعاف ومسعفين بعد ضربهم، وصورة الشهيد أحمد فرحان مفضوخ الرأس!
في اليوم التالي بدأ تدشين مرحلة التطهير رسميا، ملامح هذه المرحلة مختلفة جدا عن 17 فبراير، الصحفيون لن يستطيعوا الخروج حتى من منازلهم، المطبعة لا تعمل، والتهديدات لا تتوقف. مع ذلك خرج عدد الوسط ليقول إن البحرينيين استيقظوا أمس على وقع أصوات الطائرات والطلقات، وإن قوات الأمن قتلت الناس في الدوار واجتاحت القرى وأن الجيش يحاصر السلمانية ويمنع علاج الجرحى ويعتدي على الطواقم الطبية، ومن ثم يعتقل حسن مشيمع وإبراهيم شريف، في حين تجري صدامات شديدة في سترة والدبابات في المفارق الرئيسية، وتشل حركة المرور وتلغى رحلات الطيران، بينما المواطنون يستعدّون بالمؤن تحسباً لأيام عجاف.
وكانت الوسط أيضا هي المكان الذي اختار وزير الصحة نزار البحارنة أن يعلن استقالته منه، وهي من بث استقالات بقية الوزراء والمسئولين والقضاة وغيرهم. المرحلة الأولى من حملة التطهير، ستكتمل بهدم دوار اللؤلؤة، حينها ستخرج الوسط بصمود لتقول بالبنط العريض: "السلطات البحرينية تزيل نصب دوار اللؤلؤة الذي شهد اعتصاماً تاريخياً"
الوسط في مستشفى السلمانية المحتل
أدوار كثيرة لعبتها الوسط وهي تنقل وتغطي وتعد التقارير. كانت في دور المراقب، المتابع، الراصد، المحلل والناقد أيضا. كانت هناك تطورات على أصعدة مختلفة، حقوقية، إنسانية، اجتماعية، وسياسية، وكانت هي تحيط بكل هذه التطورات.
في مستشفى السلمانية الذي احتله الجيش، سوف لن ترى الوسط ما يحدث سوى أنه إخضاع من قبل "قوة الدفاع"، وستكون من يتابع ويرصد ما يجري فيه وخصوصا اعتقال الأطباء من داخله كالطبيب علي العكري، وستنقل جرائم كبرى قامت بها قوات الجيش هناك مثل إشهار السلاح على رؤوس الأطباء واعتقال المصابين ومداهمة الغرف تحت وقع الصرخات وأصوات التكسير، ستكون تلك بوصف الصحيفة "ليلة سوداء داخل السلمانية"
كذلك، ستتحدث الوسط في الأيام اللاحقة عن آثار هذا الاحتلال والحصار، من نقل الولادات إلى مستشفيات خاصة وإلى المنازل، وإعاقة تسليم الموتى، ومنع حصول المواطنين على الأدوية والعلاج، وخوف الناس من التوجه للسلمانية، وكذلك الخطر الذي ألم بحالات أصحاب الأمراض المزمنة ومرضى الفشل الكلوي. ستنقل الوسط أيضا ما قالته عن ذلك مفوضية حقوق الإنسان من أنه "انتهاك للقانون الدولي" وكذلك إدانات الصليب الأحمر الدولي.
الوسط بين الشهداء
منذ تشييع الشهداء أحمد فرحان في سترة وجعفر محمد في كرانة وجعفر معيوف في عالي وأحمد عبد الله في توبلي، كانت الوسط تنشر تفاصيل واسعة عن كل شهيد، ومن ثم تغطي التشييع الذي كان في حد ذاته تظاهرة سياسية ضخمة في ذروة حملة القمع، هكذا تواجدت الوسط أيضا في تشييع الشهيد عزيز عيّاد في الحجر، وهاني عبد العزيز في البلاد القديم، وعيسى رضي في سترة، وعبد الرسول الحجيري في بوري، وجواد الشملان في الحجر، وكذلك الطفل سيد أحمد شمس في سار، والشهيدة بهية العرادي في المنامة.
فيما يخص بهية فقد كانت الوسط جريئة بحيث كشفت أن الشهيدة أدخلت المستشفى باسم مستعار وأنها اختفت منذ الثلاثاء وسط ظروف غامضة، وخالفت الصحيفة بشكل معلن رواية الداخلية حول وفاة الطفل أحمد شمس، والتي نفت أنها تعود لطلق ناري، كما كشفت فبركات الصحف الأخرى حول مقتل أحمد عبد الله حيث ادعت أنه رجل أمن قتله المتظاهرون.
وحتى إيقاف الصحيفة، ظلت تتابع بشكل مكثف ودقيق سقوط الشهداء، وتحدث قائمة بحصيلتهم، كما تنقل بيانات جمعية الوفاق عنهم.
ومع المعتقلين
منذ اليوم الأولى، وبسبب الظروف الميدانية وظروف الاتصال الصعبة، كان من الصعب تحديد صحة المعلومات التي تتحدث عن اعتقال بعض الأشخاص بما فيهم القيادات السياسية. وتدريجيا نشرت الوسط تفاصيل اقتحام منازل الناشطين وخصوصا أفراد مجموعة 25.
كان تعاطي الصحيفة مع هذا الملف تعاط سياسي قوي، وظّفت فيه مفردات صريحة وجريئة "موجات اعتقال في صفوف المعارضة، حملات مداهمة، اختفاء مدونين" وهكذا غطت الوسط اعتقال "الأب الروحي للمدوِّنين البحرينيين محمود اليوسف" ونقلت عن الوفاق حصيلة المفقودين والمعتقلين الذين كان بينهم نساء حوامل، وأشارت إلى ازدياد عدد المعتقلات.
وغطت الوسط أيضا اعتقالات الطلاب والمعلمين، واختفاء الشاب الكويتي الكندي ناصر الرس، واعتقال الحقوقي نبيل رجب، وكذلك اعتقال رجال الأمن الشيعة، واستمرار البحث عن ناشطين سياسيين لاعتقالهم. وكانت الوسط قد نقلت عن المحامي التاجر قبل أن يعتقل هو الآخر أنه "من الصعب تحديد عدد المعتقلين"
أعمال البلطجة ونقاط التفتيش
"أعمال البلطجة تروِّع الأهالي و نقاط تفتيش مُريبة يقوم بها مدنيون" هكذا كانت الوسط صريحة وجريئة أيضا في وصف ظاهرة التعدي على المواطنين من قبل بعض المجموعات المدنية المسلحة، وكيف طال هذا التعدي والتهديد حتى الفتيات في الشارع، بل قدمت أيضا تعريفا لمفهوم "البلطجة" وكيف ينطبق على هؤلاء، الذين وصلوا بأسلحتهم حتى إلى داخل بلدية الوسطى ليشهروها في وجوه الموظفين.
فضحت الوسط ما كان يجري في نقاط التفتيش، ونشرت قصصا مأساوية لجرائم فظيعة كانت ترتكب في الشارع جهارا نهارا: اعتداءات مهينة، إذلال، حط من الكرامة، اتهام على الهوية، وسرقة للأجهزة النقالة، وتحدثت الوسط عن معلمين يضطرون للدوام في أقرب مدرسة لسكنهم بسبب نقاط التفتيش هذه.
الوسط بين ألوان الانتهاكات
بشكل يومي، كانت الصحيفة تنشر فضائح أجهزة الأمن والانتهاكات التي تقوم بها السلطة بكل أشكالها، فمن تخريب وتحطيم السيارات، إلى الاعتداء على دور العبادة، إيقاف صحفيين دولين، وقف البعثات الدراسية عن الطلاب البحرينيين، هدم مستشفى قريب من القصر الملكي، انتشار القطع العسكرية في القرى، وإزالة البوابات الترحيبة وهدم جدران المقابر.
هكذا أوردت أيضا ما كانت تقوم به قوى الأمن من إطلاق للقنابل الصوتية وقنابل الغاز داخل المنازل وفي الأحياء الضيقة، وكذلك تعرض سيدة في عالي لإطلاق نار غير معروف المصدر، وكيف كانت المناطق والقرى تعيش الهلع والخوف وكيف يتحصن الأهالي بالانتقال إلى أكثر المناطق هدوءا. إلى جانب ذلك، سلطت الوسط الضوء على منع السعودية دخول البحرينيين لأراضيها عبر جسر الملك فهد.
الفصل من العمل
منذ أن قامت شركة "باس" بتسريح 50 عاملاً، والوسط تفرد مساحات واسعة لتغطية ملف المفصولين. تلا ذلك مباشرة فصل حجَّاب المحاكم وموجة التسريح في ألبا وفصل أساتذة وإداريين في جامعة البحرين، والتحقيق مع مديرات مدارس ومدرسات وموظفين في كافة القطاعات الحكومية والشركات الخاصة.
غطّت الوسط كل ذلك، وألقت الضوء أيضا على قرار السلطات سحب تراخيص شركة اتصالات تابعة لأحد زعماء المعارضة وهو أمين عام جمعية وعد المعتقل إبراهيم شريف.
الحالات الإنسانية والاجتماعية
التفتت الوسط إلى الكثير من الحالات الإنسانية في أوساط البحرينيين عقب الحملة الأمنية الجائرة، وكتبت في عيد الأم أن أمهات بحرينيات يحتفلن بعيدهن على قبور أبنائهن وفي المستشفيات.
ولتسليط الضوء على الحياة اليومية في المجتمع وكيف تأثرت، رصدت الوسط وقتها إغلاق سوق المنامة المركزي وتعطل الحركة بالمجمعات، ووقوف السيارات في طوابير طويلة عند المحطات طلباً للوقود، وإقبال المواطنين بشكل كبير على محلات المواد التموينية والمخابز في ظل شح في الخضراوات والفواكه وطلب على الأغذية المعلبة طويلة الأمد.
سياسيا تابعت الوسط وقتها ما رشح من أنباء عن المبادرة الكويتية لاحتواء الأزمة، وقضية المستشفى الميداني الكويتي الذي منع من دخول البحرين، ونقلت دعوات رئيس البرلمان الكويتي وقتئذ جاسم الخرافي للحوار والمصالحة. وبالمثل أشارت الوسط إلى ما يتداول من أنباء عن مبادرة تركية، ونقلت عن الوفاق ردود فعلها حول كل ذلك.
وبالإضافة إلى نقل كل التصريحات الرسمية، سرّبت الوسط الحديث الذي دار بين بعض أعضاء مجلس الشورى وملك البلاد والذي تعهد فيها بأن تبقى "مبادرة ولي العهد ميثاقاً وطنياً جديداً بسقف عالٍ" ليكون ذلك شهادة للتاريخ، ورسمت الوسط ملامح التوتر الإقليمي عقب أزمة البحرين عبر تصريحات وزير الخارجية عن التدخل اللبناني، والتصريحات السعودية عن التدخل الإيراني في شئون البحرين.
في النطاق السياسي ذاته، تحدث للوسط وزير العمل جميل حميدان، وقدم تبريرات إلى عدم تقديمه الاستقالة، كما دعا إلى العمل على "وقف نزيف الوطن"، في حين ظلت الوسط تنقل خطب الجمعة للشيخ عيسى قاسم وخطابات الأمين العام لجمعية الوفاق الشيخ علي سلمان وغيرهما من القيادات السياسية المعارضة.
من جهة أخرى غطت الوسط ما تنقله التقارير الأمريكية ووصفها ما يحدث في البحرين بأنه يمثل أزمة كبيرة للرئيس الأمريكي، ونقلت الصحيفة كذلك تصريحات وبيانات الشخصيات الدولية وقادة العالم ووزراء الدول الغربية والمنظمات الدولية حول البحرين، وما حملته من إدانات شديدة للنظام وحملته الأمنية، وفي حين كان المسئولون البحرينيون وكذلك وكالة أنباء البحرين والصحف الموالية تحرف هذه التصريحات فإن الوسط كانت تظهر جانب الضغط منها على النظام بكل قوة.
وعرضت الوسط مناشدة منظمات المجتمع المدني للمجتمع الدولي لتوفير الحماية لشعب البحرين، وإغاثته، والتدخل الفوري لوقف الانتهاكات.
تحدي حتى بعد 2 أبريل
كل هذا كان يشكل ضغطا شديدا على النظام، ويعرقل حملة التطهير الواسعة التي يقوم بها، ويضايق القائمين عليها، ويسبب الكثير من التعب والإزعاج لتلك الأجنحة المتشددة، ويلقي الكثير من اللوم والحرج الشديد عليهم، ويدين الملك الذي قال إنه لم يكن على علم بشيء، في حين أن كل تلك المعلومات تصل إليه صبيحة كل يوم عبر صحيفة الوسط.
لم توفر الوسط حدثا، ولم تتجاوز أحدا، كان عملها شاملا جريئا قويا وذا رسالة واضحة، وفيه جهد ضخم، كانت على استعداد لأن تغطي كل شيء دون أي استثناء، وربما كان هذا الاندفاع والحماس والشعور المخلص بالواجب المهني هو ما تسبب للصحيفة في الأخير بكل هذا الأذى والظلم.
كان هذا الذي قالته الوسط، وهو ما لا تستطيع الحكومة القمعية ذلك الوقت أن تخرج بتعليق واحد حوله، لا نفيا ولا إثباتا. تُلفق إذن قضية ضد الصحيفة وتوقف عن الصدور، ثم بعد حوالي الشهر يرفع قانون السلامة الوطنية، في حين تجري الاستعدادات لإنشاء لجنة تقصي حقائق، للوقوف على كل تلك الفضائح التي نشرتها الوسط على مدى 20 يوما دون أن تعترف بها الحكومة.
وأخيرا، فلم يكن منصور الجمري ولا الوسط في حالة استسلام، الجمري تحول إلى حراك أضخم بكثير، والوسط ظلت تنتظر عودته التي لم تتأخر عن 4 أشهر عجاف.
مرآة البحرين (خاص): من عمود رئيس تحرير صحيفة الوسط، انطلقت تعريفات وتسميات وربما أطر أدبية لثورة 14 فبراير، واستعملت لأول مرة. كان عمود منصور الجمري مصدر اسم "ثورة اللؤلؤ" الذي صار يستخدم على نطاق واسع في التعبير عن الحراك السياسي البحريني واعتصام المتظاهرين المركزي في دوار اللؤلؤة، وكذلك فمنصور الجمري هو من عرّف المجموعات العدائية الموالية للنظام بـ "جماعات الكراهية"
الوسط، هي الصحيفة المحلية الوحيدة التي تتحدث عن "شهداء" لا قتلى، وهي في أوج عطائها عملت كمرصد لاعتداءات قوى الأمن، وإصابات المتظاهرين، وأعداد الجرحى وأوضاعهم الصحية، وكذك الاعتقالات، وتعديات نقاط التفتيش، وكل انتهاكات السلطة.
ستكون هذه التسميات والتعريفات والأدبيات أكثر واقعية، بظهورها في الوسط، ستهابها السلطة أكثر، وستخشى ما تحمله من معنى، ولذلك كان الواجب في أتون حرب التطهير الطائفية والسياسية أن يخمد صوت الوسط أيضا!
اللعب على المكشوف
منذ اليوم الأول للثورة، واللعب كان على المكشوف، بين صحيفة الوسط والنظام. فإلى جانب صورة الملك وهو يحتفل بذكرى ميثاق العمل الوطني، كتب منصور الجمري في 15 فبراير/شباط 2011 مقالا تحت عنوان "ووقع المحذور"، ليكون واضحا لدى السلطة أن سقوط قتيل في 14 فبراير هو عمل لن يمر بسهولة.
غطت الوسط قمع المسيرات التي دعي إلى تنظيمها في 25 منطقة مختلفة من البحرين، وشددت في تفاصيل الخبر وصوره على الطابع السلمي الذي التزمت به الاحتجاجات، مثل وضع علم البحرين على دورية أمنية تركها الشرطة فارغة إلى جانب المتظاهرين، دون إحداث أية أضرار فيها.
كل شيء كان على المكشوف، الوسط ثبّتت تعمّد الحكومة تبطيء الإنترنت في 14 فبراير، وكذلك تحدثت عن غلق الشوارع، إغلاق المجمعات، الاستنفار الأمني، وخروج الآلاف في 25 منطقة أكثرهم في سترة، ومن ثم إصابة العشرات منهم بالرصاص الانشطاري والمطاطي وغيرها.
في اليوم الثاني تتصدر غلاف الصحيفة أول صور التجمع التاريخي في دوار اللؤلؤة، وإذن "قتيل ثان في الاحتجاجات والوفاق تعلق نشاطها البرلماني... ومتظاهرون يحتشدون في دوار اللؤلؤة". إلى جانب ذلك كانت هناك تعزية الملك وأمره بتشكيل لجنة تحقيق، وكذلك "أسف رئيس الوزراء" وادعاء وزير الداخلية التحفظ على القتلة، كان تجميع الأخبار من هذا العدد يرسم لك شكل ميزان القوى في تلك اللحظة!
ارتفاع الهامش
لدى منصور الجمري استراتيجية قديمة في العمل الصحافي، وهي التحرك وفق هامش محدد من الحرية، والعمل تصاعديا على توسيعه. 14 فبراير كان نقطة تحول كبيرة في هذا الهامش، وأعطيت الوسط الفرصة الذهبية لتوسيع هذا الهامش.
استغلت الوسط هذه الفرصة بشكل رائع في حدث "الخميس الدامي"، وكذلك في حدث مقتل عبد الرضا بو حميد برصاص حي من قبل الجيش على حدود دوار اللؤلؤة. نطقت الوسط باسم المتظاهرين مباشرة في الخبر الذي كان عنوانه "شكرا للطواقم الطبية" وبدون أي تردد نقلت الصحيفة كل ردود الفعل المنددة باستخدام القوة المفرطة تجاه المواطنين.
ومن هنا بدأت الوسط لا تتجاوز حدثا ولا تستثني قولا، نقلت خطبة عالم الدين الشيعي الشيخ عيسى قاسم بعد "الخميس الدامي"، وغطت جميع جنائز الشهداء، وكتبت قصصهم الإنسانية والتقت عوائلهم. هكذا وصولا إلى العودة للدوار "اعتصام اللؤلؤ يتجدد ... والحشـــود تصبغ علم الوطن بدماء الشهداء" كانت الوسط أقرب للصحافة الثورية وقتها.
خلال فترة الاعتصام في الدوار، انشغلت الصحيفة بتغطية فعاليات الخيام والحركات الشبابية، وكذلك المسيرات الجماهيرية الكبرى التي نظمتها الجمعيات السياسية، وكانت تتابع أي بيانات أو تصريحات أو تطورات على المستوى السياسي، كمطالب المعارضة في انتخاب مجلس تأسيسي وتشكيل حكومة إنقاذ وطني، وهذه مفردات كان سابقا تداولها الشفوي في حد ذاته جريمة!
كذلك ألقت الوسط الضوء على الاتصالات التي أجراها قادة دول العالم مع البحرين والسعودية، ونقلت كل البيانات التي أصدرتها المنظمات الدولية عن البحرين، وغطت حدث الإفراج عن خلية 25، وأجرت حوارا مع الناشط السياسي حسن مشيمع فور عودته من لندن، في الوقت ذاته كان رئيس التحرير والعديد من الكتاب يفككون ملامح المرحلة الجديدة، وينظّرون لأدبياتها.
20عددا قبل ليلة "الراصد"
ما تعرضت له الوسط في 13 و14 مارس/آذار من ضرب لمصورها وتحطيم لمطبعتها كان رسالة واضحة، لكن استجابة الجمري كانت أن يطبع عدد الصحيفة في مطبعة أخرى لتستمر في الصدور. 20 عددا صدر من الصحيفة منذ يوم "النكبة" أي 14 مارس، اليوم الذي تلا أحداث المرفأ المالي وأحداث جامعة البحرين، وحتى استقالة منصور الجمري.
قدم عدد "الخميس الدامي" جرعة كبيرة إلى هامش الحرية في صحيفة الوسط، وهكذا فتح الباب لتجريب هذا الهامش المتسع أكثر وأكثر، في الوقت الذي لا يمكن التراجع فيه مطلقا. منذ أحداث المرفأ والجامعة كانت الوسط تنقل الحدث في صورته الكاملة دون أن تلتفت إلى التكلفة، يجري هذا أيضا على تغطيتها المسيرة الضخمة تجاه قصر الملك في "الصافرية" والمسيرة الجماهيرة التي اتجهت إلى الديوان الملكي في الرفاع.
في 14 مارس/آذار وصفت الوسط ما جرى في المرفأ المالي من محاولة لإخلاء الدوار واعتداء على آلاف المعتصمين وإصابة أكثر من 900 منهم، وصفته بالنكبة الأمنية-السياسية التي شلّت البحرين، وعزتها إلى تدخل قوى الأمن، وفضحت الممارسات التي حدثت خلالها بالصور، بما فيها إطلاق رصاص حي من قبل مدنيين، والاعتداء على مصور الصحيفة.
ونبّهت الوسط إلى "تصاعد حدة التوتر" بفرض نقاط تفتيش أهلية تسببت في عدة مشاكل ومواجهات مأساوية لم تشهدها البلاد من قبل. وكذلك سردت ما حصل في جامعة البحرين من هجوم جماعات مسلحة على مسيرة طلابية هناك، وقيام قوات الأمن بإطلاق مسيلات الدموع والقنابل الصوتية على "دار كليب" بعد أن حاول الأهالي إخراج الطالبات من الجامعة.
في اليوم التالي، امتصت الصحيفة صدمتها من دخول قوات درع الجزيرة، واستمرت في ذات الرتم. "مدنيون يصيبون شخصَين من سار بطلقات الشوزن مساء" و"تخريب محلات جواد" و "مسعفون يتعرضون للتهديد " و"باكستانيون من سكنة المنامة يتجهون لسفارتهم لطلب ترحيلهم"
الوسط في مقابل تلفزيون البحرين
ثم دخلت مرحلة فرض حالة الطوارئ "السلامة الوطنية". في تلك الأيام كان تلفزيون البحرين وحسبما أثبت تقرير بسيوني منبرا للتحريض والتفريق والفتنة والفبركات، وفي مقابل ذلك، كانت صحيفة الوسط الأمل الوحيد في ضرب مصداقية هذا التلفزيون وما يذيعه من كذب وتلفيق، وما يتغاضى عنه من أحداث جسام، قتل وهتك واقتحام واعتقال ومداهمات.
ما يحدث في البحرين، هو إذا شاهدت التلفزيون شيء، وإذا قرأت الوسط شيء آخر مختلف جدا. 16 مارس/آذار 2011، الوسط هي وسيلة الإعلام المحلية الوحيدة التي قالت إن 3 قتلى قد وقعوا إثر "مجزرة سترة"، وإن أكثر من 250 أصيبوا في أول يوم من إعلان حالة الطوارئ، وهي أيضا من نقل عن الوزير البحارنة رده على افتراءات التلفزيون: لا تمييز بالخدمات وكوادر الصحة تتعرض لحملة.
وهكذا استمرت الوسط في كشف الصورة الأخرى منذ اليوم الأول للمشير: جماعات مسلحة تهاجم عدة مناطق، سيارات الجيش تهاجم بوري، قوات الأمن تعتدي على طبيبة وطاقم مسعفين في سترة، محاولة حرق مقر جمعية وعد، استقالة 4 أعضاء من مجلس الشورى احتجاجاً، اختفاء 6 سيارات تابعة للإسعاف ومسعفين بعد ضربهم، وصورة الشهيد أحمد فرحان مفضوخ الرأس!
في اليوم التالي بدأ تدشين مرحلة التطهير رسميا، ملامح هذه المرحلة مختلفة جدا عن 17 فبراير، الصحفيون لن يستطيعوا الخروج حتى من منازلهم، المطبعة لا تعمل، والتهديدات لا تتوقف. مع ذلك خرج عدد الوسط ليقول إن البحرينيين استيقظوا أمس على وقع أصوات الطائرات والطلقات، وإن قوات الأمن قتلت الناس في الدوار واجتاحت القرى وأن الجيش يحاصر السلمانية ويمنع علاج الجرحى ويعتدي على الطواقم الطبية، ومن ثم يعتقل حسن مشيمع وإبراهيم شريف، في حين تجري صدامات شديدة في سترة والدبابات في المفارق الرئيسية، وتشل حركة المرور وتلغى رحلات الطيران، بينما المواطنون يستعدّون بالمؤن تحسباً لأيام عجاف.
وكانت الوسط أيضا هي المكان الذي اختار وزير الصحة نزار البحارنة أن يعلن استقالته منه، وهي من بث استقالات بقية الوزراء والمسئولين والقضاة وغيرهم. المرحلة الأولى من حملة التطهير، ستكتمل بهدم دوار اللؤلؤة، حينها ستخرج الوسط بصمود لتقول بالبنط العريض: "السلطات البحرينية تزيل نصب دوار اللؤلؤة الذي شهد اعتصاماً تاريخياً"
الوسط في مستشفى السلمانية المحتل
أدوار كثيرة لعبتها الوسط وهي تنقل وتغطي وتعد التقارير. كانت في دور المراقب، المتابع، الراصد، المحلل والناقد أيضا. كانت هناك تطورات على أصعدة مختلفة، حقوقية، إنسانية، اجتماعية، وسياسية، وكانت هي تحيط بكل هذه التطورات.
في مستشفى السلمانية الذي احتله الجيش، سوف لن ترى الوسط ما يحدث سوى أنه إخضاع من قبل "قوة الدفاع"، وستكون من يتابع ويرصد ما يجري فيه وخصوصا اعتقال الأطباء من داخله كالطبيب علي العكري، وستنقل جرائم كبرى قامت بها قوات الجيش هناك مثل إشهار السلاح على رؤوس الأطباء واعتقال المصابين ومداهمة الغرف تحت وقع الصرخات وأصوات التكسير، ستكون تلك بوصف الصحيفة "ليلة سوداء داخل السلمانية"
كذلك، ستتحدث الوسط في الأيام اللاحقة عن آثار هذا الاحتلال والحصار، من نقل الولادات إلى مستشفيات خاصة وإلى المنازل، وإعاقة تسليم الموتى، ومنع حصول المواطنين على الأدوية والعلاج، وخوف الناس من التوجه للسلمانية، وكذلك الخطر الذي ألم بحالات أصحاب الأمراض المزمنة ومرضى الفشل الكلوي. ستنقل الوسط أيضا ما قالته عن ذلك مفوضية حقوق الإنسان من أنه "انتهاك للقانون الدولي" وكذلك إدانات الصليب الأحمر الدولي.
الوسط بين الشهداء
فيما يخص بهية فقد كانت الوسط جريئة بحيث كشفت أن الشهيدة أدخلت المستشفى باسم مستعار وأنها اختفت منذ الثلاثاء وسط ظروف غامضة، وخالفت الصحيفة بشكل معلن رواية الداخلية حول وفاة الطفل أحمد شمس، والتي نفت أنها تعود لطلق ناري، كما كشفت فبركات الصحف الأخرى حول مقتل أحمد عبد الله حيث ادعت أنه رجل أمن قتله المتظاهرون.
وحتى إيقاف الصحيفة، ظلت تتابع بشكل مكثف ودقيق سقوط الشهداء، وتحدث قائمة بحصيلتهم، كما تنقل بيانات جمعية الوفاق عنهم.
ومع المعتقلين
منذ اليوم الأولى، وبسبب الظروف الميدانية وظروف الاتصال الصعبة، كان من الصعب تحديد صحة المعلومات التي تتحدث عن اعتقال بعض الأشخاص بما فيهم القيادات السياسية. وتدريجيا نشرت الوسط تفاصيل اقتحام منازل الناشطين وخصوصا أفراد مجموعة 25.
كان تعاطي الصحيفة مع هذا الملف تعاط سياسي قوي، وظّفت فيه مفردات صريحة وجريئة "موجات اعتقال في صفوف المعارضة، حملات مداهمة، اختفاء مدونين" وهكذا غطت الوسط اعتقال "الأب الروحي للمدوِّنين البحرينيين محمود اليوسف" ونقلت عن الوفاق حصيلة المفقودين والمعتقلين الذين كان بينهم نساء حوامل، وأشارت إلى ازدياد عدد المعتقلات.
وغطت الوسط أيضا اعتقالات الطلاب والمعلمين، واختفاء الشاب الكويتي الكندي ناصر الرس، واعتقال الحقوقي نبيل رجب، وكذلك اعتقال رجال الأمن الشيعة، واستمرار البحث عن ناشطين سياسيين لاعتقالهم. وكانت الوسط قد نقلت عن المحامي التاجر قبل أن يعتقل هو الآخر أنه "من الصعب تحديد عدد المعتقلين"
أعمال البلطجة ونقاط التفتيش
"أعمال البلطجة تروِّع الأهالي و نقاط تفتيش مُريبة يقوم بها مدنيون" هكذا كانت الوسط صريحة وجريئة أيضا في وصف ظاهرة التعدي على المواطنين من قبل بعض المجموعات المدنية المسلحة، وكيف طال هذا التعدي والتهديد حتى الفتيات في الشارع، بل قدمت أيضا تعريفا لمفهوم "البلطجة" وكيف ينطبق على هؤلاء، الذين وصلوا بأسلحتهم حتى إلى داخل بلدية الوسطى ليشهروها في وجوه الموظفين.
فضحت الوسط ما كان يجري في نقاط التفتيش، ونشرت قصصا مأساوية لجرائم فظيعة كانت ترتكب في الشارع جهارا نهارا: اعتداءات مهينة، إذلال، حط من الكرامة، اتهام على الهوية، وسرقة للأجهزة النقالة، وتحدثت الوسط عن معلمين يضطرون للدوام في أقرب مدرسة لسكنهم بسبب نقاط التفتيش هذه.
الوسط بين ألوان الانتهاكات
بشكل يومي، كانت الصحيفة تنشر فضائح أجهزة الأمن والانتهاكات التي تقوم بها السلطة بكل أشكالها، فمن تخريب وتحطيم السيارات، إلى الاعتداء على دور العبادة، إيقاف صحفيين دولين، وقف البعثات الدراسية عن الطلاب البحرينيين، هدم مستشفى قريب من القصر الملكي، انتشار القطع العسكرية في القرى، وإزالة البوابات الترحيبة وهدم جدران المقابر.
هكذا أوردت أيضا ما كانت تقوم به قوى الأمن من إطلاق للقنابل الصوتية وقنابل الغاز داخل المنازل وفي الأحياء الضيقة، وكذلك تعرض سيدة في عالي لإطلاق نار غير معروف المصدر، وكيف كانت المناطق والقرى تعيش الهلع والخوف وكيف يتحصن الأهالي بالانتقال إلى أكثر المناطق هدوءا. إلى جانب ذلك، سلطت الوسط الضوء على منع السعودية دخول البحرينيين لأراضيها عبر جسر الملك فهد.
الفصل من العمل
منذ أن قامت شركة "باس" بتسريح 50 عاملاً، والوسط تفرد مساحات واسعة لتغطية ملف المفصولين. تلا ذلك مباشرة فصل حجَّاب المحاكم وموجة التسريح في ألبا وفصل أساتذة وإداريين في جامعة البحرين، والتحقيق مع مديرات مدارس ومدرسات وموظفين في كافة القطاعات الحكومية والشركات الخاصة.
غطّت الوسط كل ذلك، وألقت الضوء أيضا على قرار السلطات سحب تراخيص شركة اتصالات تابعة لأحد زعماء المعارضة وهو أمين عام جمعية وعد المعتقل إبراهيم شريف.
الحالات الإنسانية والاجتماعية
التفتت الوسط إلى الكثير من الحالات الإنسانية في أوساط البحرينيين عقب الحملة الأمنية الجائرة، وكتبت في عيد الأم أن أمهات بحرينيات يحتفلن بعيدهن على قبور أبنائهن وفي المستشفيات.
ولتسليط الضوء على الحياة اليومية في المجتمع وكيف تأثرت، رصدت الوسط وقتها إغلاق سوق المنامة المركزي وتعطل الحركة بالمجمعات، ووقوف السيارات في طوابير طويلة عند المحطات طلباً للوقود، وإقبال المواطنين بشكل كبير على محلات المواد التموينية والمخابز في ظل شح في الخضراوات والفواكه وطلب على الأغذية المعلبة طويلة الأمد.
سياسيا تابعت الوسط وقتها ما رشح من أنباء عن المبادرة الكويتية لاحتواء الأزمة، وقضية المستشفى الميداني الكويتي الذي منع من دخول البحرين، ونقلت دعوات رئيس البرلمان الكويتي وقتئذ جاسم الخرافي للحوار والمصالحة. وبالمثل أشارت الوسط إلى ما يتداول من أنباء عن مبادرة تركية، ونقلت عن الوفاق ردود فعلها حول كل ذلك.
وبالإضافة إلى نقل كل التصريحات الرسمية، سرّبت الوسط الحديث الذي دار بين بعض أعضاء مجلس الشورى وملك البلاد والذي تعهد فيها بأن تبقى "مبادرة ولي العهد ميثاقاً وطنياً جديداً بسقف عالٍ" ليكون ذلك شهادة للتاريخ، ورسمت الوسط ملامح التوتر الإقليمي عقب أزمة البحرين عبر تصريحات وزير الخارجية عن التدخل اللبناني، والتصريحات السعودية عن التدخل الإيراني في شئون البحرين.
في النطاق السياسي ذاته، تحدث للوسط وزير العمل جميل حميدان، وقدم تبريرات إلى عدم تقديمه الاستقالة، كما دعا إلى العمل على "وقف نزيف الوطن"، في حين ظلت الوسط تنقل خطب الجمعة للشيخ عيسى قاسم وخطابات الأمين العام لجمعية الوفاق الشيخ علي سلمان وغيرهما من القيادات السياسية المعارضة.
من جهة أخرى غطت الوسط ما تنقله التقارير الأمريكية ووصفها ما يحدث في البحرين بأنه يمثل أزمة كبيرة للرئيس الأمريكي، ونقلت الصحيفة كذلك تصريحات وبيانات الشخصيات الدولية وقادة العالم ووزراء الدول الغربية والمنظمات الدولية حول البحرين، وما حملته من إدانات شديدة للنظام وحملته الأمنية، وفي حين كان المسئولون البحرينيون وكذلك وكالة أنباء البحرين والصحف الموالية تحرف هذه التصريحات فإن الوسط كانت تظهر جانب الضغط منها على النظام بكل قوة.
وعرضت الوسط مناشدة منظمات المجتمع المدني للمجتمع الدولي لتوفير الحماية لشعب البحرين، وإغاثته، والتدخل الفوري لوقف الانتهاكات.
تحدي حتى بعد 2 أبريل
كل هذا كان يشكل ضغطا شديدا على النظام، ويعرقل حملة التطهير الواسعة التي يقوم بها، ويضايق القائمين عليها، ويسبب الكثير من التعب والإزعاج لتلك الأجنحة المتشددة، ويلقي الكثير من اللوم والحرج الشديد عليهم، ويدين الملك الذي قال إنه لم يكن على علم بشيء، في حين أن كل تلك المعلومات تصل إليه صبيحة كل يوم عبر صحيفة الوسط.
لم توفر الوسط حدثا، ولم تتجاوز أحدا، كان عملها شاملا جريئا قويا وذا رسالة واضحة، وفيه جهد ضخم، كانت على استعداد لأن تغطي كل شيء دون أي استثناء، وربما كان هذا الاندفاع والحماس والشعور المخلص بالواجب المهني هو ما تسبب للصحيفة في الأخير بكل هذا الأذى والظلم.
كان هذا الذي قالته الوسط، وهو ما لا تستطيع الحكومة القمعية ذلك الوقت أن تخرج بتعليق واحد حوله، لا نفيا ولا إثباتا. تُلفق إذن قضية ضد الصحيفة وتوقف عن الصدور، ثم بعد حوالي الشهر يرفع قانون السلامة الوطنية، في حين تجري الاستعدادات لإنشاء لجنة تقصي حقائق، للوقوف على كل تلك الفضائح التي نشرتها الوسط على مدى 20 يوما دون أن تعترف بها الحكومة.
وأخيرا، فلم يكن منصور الجمري ولا الوسط في حالة استسلام، الجمري تحول إلى حراك أضخم بكثير، والوسط ظلت تنتظر عودته التي لم تتأخر عن 4 أشهر عجاف.