آدم كوغل: التحيز ضد الشيعة يؤجج الاضطرابات في السعودية
آدم كوغل - 2017-08-29 - 5:56 ص
"كنا خائفين جدا من مغادرة منازلنا. معظم المحلات التجارية أُغلقت أو أُحرقت. كانوا يستهدفون كل شيء يتحرك". هكذا حدّثني أحد سكان العوامية في المنطقة الشرقية السعودية، هذا الشهر، عن المواجهات القاتلة التي وقعت خلال الأشهر الثلاثة الماضية بين قوات الأمن السعودية وسكان هذه المدينة ذات الأغلبية الشيعية.
اندلعت شرارة العنف في أيار/مايو، مع بدء قوات الأمن بهدم حيّ المسورة التاريخي في العوامية، ظاهريا لتوفير مكان لإنشاء مشروع إنمائي كبير. لكنهم قوبلوا بمقاومة مسلحة من عدد مجهول من الرجال، أغلبهم مطلوبون للسلطات منذ عام 2012 بزعم ارتكابهم جرائم تتصل باحتجاجات عامة شهدتها المنطقة. ردّت القوات الحكومية باستخدام القوّة، ثم تصاعدت أعمال العنف بعد أن أغلقت المدينة بأكملها في 26 يوليو/تموز.
تحدثت هيومن رايتس ووتش مع 5 من سكان العوامية قالوا إنهم ليسوا متعاطفين مع المعارضة المسلحة، ولكنهم حمّلوا القوات الحكومة مسؤولية اندلاع هذا العنف المستمر منذ مدة. زعموا أن قوات الأمن السعودية كانت تطلق النار وتعتقل تعسفا كل من كان يخرج من منزله، حتى في المناطق البعيدة عن المسورة التي قال السكان إنهم لم يروا فيها أي أعمال عنف.
سارعت الحكومة السعودية إلى إلقاء اللوم على "الإرهابيين"، ولكن جذور المشكل أعمق من ذلك بكثير. لاحظ نشطاء حقوقيون سعوديون أن التمييز الذي تمارسه الدولة ضد الأقلية الشيعية في البلاد - التي تشكل 10 إلى 15% من السكان، وأغلبهم في المنطقة الشرقية - يُشعل التوترات الطائفية ويُنتج حلقات عنف متكررة بين المتظاهرين وقوات الأمن.
ما يعكسه عداء الدولة السعودية والمؤسسة الدينية السنية المدعومة من الحكومة وبعض عناصر المجتمع السني تجاه الشيعة السعوديين، وشكّهم فيهم، يتجاوز التعصّب الديني طويل الأمد. ساهم الواقع الجيوسياسي المتضارب في الإقليم - والذي غذته قرارات السياسة الخارجية السعودية - في تضخيم هذا العداء والشك.
في اليمن مثلا، شن التحالف بقيادة السعودية حربا ضد الجماعة الزيدية الشيعية المسلحة المعروفة باسم "أنصار الله"، أو الحوثيين. نفذ التحالف عشرات الغارات الجوية غير القانونية مع ما رافقها من عواقب وخيمة على المدنيين اليمنيين.
على نطاق أوسع، غذت المنافسة الإقليمية للحكومة السعودية مع إيران ذات الأغلبية الشيعية طريقة تعاملها مع سكانها الشيعة. ادعت السعودية والإمارات علنا توسيع إيران لنفوذها في اليمن ودول الخليج العربي الأخرى، وهي مزاعم يتكرر صداها في مراكز البحث في واشنطن الممولة من هذه الدول.
روّج المسؤولون السعوديون لخطاب يزعم بوجود روابط بين الشيعة السعوديين وإيران. في أبريل/نيسان 2015، أثار الأمير سعود بن نايف آل سعود، حاكم المنطقة الشرقية، جدلا، بعد إطلاق النار من قبل مسلحين على شرطيين في بلدة القطيف ذات الأغلبية الشيعية، عندما قال: "في الوقت الذي بلادهم تتعرض إلى ما تتعرض إليه وتقف صفا واحدا خلف قيادتها، نجد أحفاد عبد الله بن سبأ المتلون الصفوي من يخرج بوجهه البشع، محاولين شق الصف ".
حكمت السلالة الصفوية إيران من القرن 16 إلى القرن 18 وأشرفت على تحويل البلاد إلى الإسلام الشيعي. قال شيعة سعوديون إنهم فهموا تعليقات الأمير سعود على أنها تعني أن الشيعة السعوديين طابور خامس لإيران.
لكن التطورات الإقليمية زادت من اشتباه السعودية بمواطنيها الشيعة، واضطهاد هذه الأقلية بدأ قبل فترة طويلة من موجة الصراع الحالي. وثقت هيومن رايتس ووتش هذا التمييز المتفشي على مدى سنوات. لا يحصل المواطنون الشيعة على معاملة متساوية في ظل النظام القضائي، وتضعف الحكومة قدرتهم على ممارسة شعائرهم الدينية بحرية، ونادرا ما تمنحهم الإذن لبناء مساجد.
استبعدت السعودية تاريخيا الشيعة من العمل في وظائف معينة في القطاع العام ومن المناصب السياسية العليا. لا يوجد حاليا دبلوماسيون شيعة كبار أو ضباط عسكريون رفيعو المستوى. لا يمكن للطلاب الشيعة عموما الحصول على قبول في الأكاديميات العسكرية أو الأمنية أو العثور على وظائف داخل قوات الأمن. بالإضافة إلى ذلك، يضطر الشيعة السعوديون إلى استخدام منهج تعليمي يشوه سمعة المعتقدات والممارسات الدينية الشيعية بشدة.
اُستخدم نظام العدالة الجنائية على وجه الخصوص كأداة لتغليظ العقوبات ضد الشيعة بعد محاكمات غير عادلة. حاكمت المحاكم السعودية عشرات الشيعة بقضايا متصلة بجرائم تتعلق بالاحتجاجات، وأصدرت ضدّهم أحكاما بالإعدام ونفذتها.
مؤخرا، أكدت المحكمة العليا في البلاد عقوبة الإعدام بحق 14 شيعيا بجرائم تتعلق بالاحتجاج، بالإضافة إلى اتهامات بالعنف، بما في ذلك استهداف دوريات ومراكز شرطة بالبنادق وقنابل المولوتوف. أيدت المحكمة حكما صادرا عن محكمة أدنى أدان جميع المدعى عليهم تقريبا، بناء على اعترافات أنكروها لاحقا في المحكمة مدعين أنها اُنتزعت منهم تحت التعذيب.
تشبه هذه الحالات حالات سابقة. قامت هيومن رايتس ووتش بتحليل 10 أحكام قضائية أصدرتها "المحكمة الجزائية المتخصصة" بين عامي 2013 و2016 ضد شيعة سعوديين لجرائم تتعلق بالاحتجاج. في كل هذه الأحكام تقريبا، تراجع المدعى عليهم عن "اعترافاتهم"، قائلين إنهم أجبروا عليها في ظروف غالبا ما وصلت حد التعذيب، بما في ذلك الضرب والحبس الانفرادي المطول.
فيما يتعلق بالشيعة الـ 14 الذين ينتظرون تنفيذ حكم الإعدام حاليا، رفضت المحكمة جميع مزاعم التعذيب دون التحقيق فيها. كما تجاهلت طلبات المدعى عليهم لجلب لقطات فيديو من السجن قالوا إنها ستثبت تعرضهم لسوء المعاملة، واستدعاء المحققين كشهود لوصف كيفية حصولهم على الاعترافات. من بين الرجال الـ 14 مجتبى السويكت، الذي اعتقلته السلطات في 12 أغسطس/آب 2012 أثناء محاولته ركوب طائرة إلى الولايات المتحدة لارتياد جامعة ويسترن ميشيغان، ومنير آل آدم، الذي يقول ناشطون سعوديون إنه فقد القدرة على السمع في إحدى أذنيه بعد ضرب المحققين له.
في الوقت نفسه، قام رجال دين سنة مدعومون من الحكومة بحشد تأييد شعبي لهذه الممارسات المسيئة وإثارة الغضب العام ضد الشيعة السعوديين من خلال استهدافهم باستمرار بخطاب يحرّض على الكراهية. يشير رجال الدين هؤلاء، ولدى بعضهم ملايين المتابعين على وسائل التواصل الاجتماعي، إلى الشيعة بعبارات مهينة ويُحقّرون معتقداتهم وممارساتهم، فضلا عن إدانتهم الاختلاط بين السنة والشيعة، وكذلك التزاوج بين الطائفتين. إضافة إلى ذلك، تستخدم المناهج الدراسية السعودية الدينية لغة غير مباشرة لوصم الممارسات الدينية الشيعية بالشرك والتلميح إلى أن مثل هذه الممارسات أساس خروجهم عن الإسلام ودخول النار.
هذا الخطاب له عواقب وخيمة. لقد استخدمه تنظيم "الدولة الإسلامية" و"القاعدة" لتبرير استهداف الشيعة السعوديين. شن تنظيم الدولة الإسلامية منذ منتصف عام 2015 هجمات على 6 مساجد شيعية ومباني دينية في المنطقة الشرقية ونجران، مدينة شيعية جنوب غرب البلاد يسكنها عدد كبير من الشيعة، أسفرت عن مقتل أكثر من 40 شخصا. تعكس بيانات الدولة الإسلامية نفس الخطاب الصادر عن رجال الدين الحكوميين، وادعت أن المهاجمين استهدفوا "صروح الشرك".
في خضمّ القمع الداخلي والحروب المستعرة في المنطقة، يستمر الشيعة السعوديون جاهدين في التذكير بأن مشاكلهم محلية. في مقابلات مع هيومن رايتس ووتش، قالوا لنا إن ما يريدونه هو الاندماج الكامل في الدولة السعودية كمواطنين متساوين.
بينما تعتقد الحكومة السعودية أن بإمكانها السيطرة على الاضطرابات في المناطق الشيعية من خلال قتل "الإرهابيين" وإعدام المتظاهرين بعد محاكمات غير عادلة، من المرجح أن تؤدي هذه التدابير إلى حلقات أخرى من الاحتجاجات والقمع. الحل الوحيد طويل الأمد لهذه المشاكل هو توقف السعودية عن قمع مواطنيها الشيعة.
*باحث في منظمة هيومن رايتس ووتش