"مرآة البحرين" تنشر إفادة المحامي إبراهيم سرحان: هذا ما حصل معي في مبنى الأمن الوطني بالبحرين بعد تصريح لقناة "الميادين"

2017-08-25 - 2:59 م

مرآة البحرين (خاص): هذه إفادة مختلفة عن جميع الإفادات التي قد تكون قرأتها عن أولئك الذين استجوبوا في غضون الأسابيع والأشهر الأخيرة في جهاز الأمن الوطني البحرينيّ وتجرّعوا وجبات التعذيب الوحشي. فصاحب الشهادة هو محامي ومستشار قانوني بحريني كان حتى ما قبل أشهر قليلة هو المستشار القانوني لجمعية "الوفاق" الوطني الإسلامية، أكبر الجمعيات السياسية في البلاد. وكاتبها هو نفسه من تجرّع هذه الوجبات (المحامي إبراهيم سرحان)؛ حيث يروي فيها وقائع التحقيق معه لمرّتين الأولى في 23 مايو/ أيار 2017 والثانية في 31 مايو/ أيار 2017 إثر قيامه بإدلاء تصريح لقناة "الميادين" الفضائية.

بعينه المدرّبة وخبرته في التقاط الشوارد أثناء كتابة المرافعات والاستشارات يرصد سرحان التفاصيل؛ بل تفاصيل التفاصيل لما تعرّض له في مبنى الأمن الوطنيّ الواقع في مدينة المحرق شرقي العاصمة المنامة. غرفة التحقيق المطلية باللون الأسود القاتم مع البلاط المبقّع بالدم. الضباط الخمسة الذين يرتدون جميعاً النظارات الشمسية. القنينة الزجاجية التي كتب عليها (7U): "إما أن تتعاون معنا أو تذوق راحة القنينة". فتح الرجلين بشكل (V مقلوبة) لتركيز الرّكل بقصد إحداث العقم: "سوف لن تنجب أبناء بعد اليوم". المعذّب الأسمر مفتول العضلات: "إن لم تبدِ استعدادك للتعاون الآن سوف يغتصبك أحد رجالنا".

ويقول سرحان "(في المرة الأولى) طلب مني أن أنكس رأسي للأرض كي لا أرى وجوههم بشكل مستمر حتى لحظة خروجي من المبنى". ويضيف "(في المرة الثانية) تمكنت من مشاهدة وجوههم والتعرف على الوجوه وكان أربعة منهم نفس الأصوات التي حققت معي في المرة السابقة وواحد يبدو أنه أعلى منصباً ويتحدث بهدوء وهو من حقق معي في هذه المرة والبقية كانوا يستمعون فقط".

"عليكم أن تنسوا القانون وحقوق الإنسان"، يقول المحقق له "فالرّئيس الأمريكي قد تغيّر والأوضاع تغيرت، وما يريده الرئيس الأمريكي قد وصله، ومن الآن وصاعداً سنفعل بكم ما نريد". "مرآة البحرين" حصلت على الشهادة الكاملة للمحامي إبراهيم سرحان وفيما يلي تنشر نصها:

 

إفادة بما حصل لي من تعذيب وتحقيق في جهاز الأمن الوطني البحريني

 

أنا/ إبراهيم جواد عبدالله سرحان بحريني الجنسية أحمل جواز رقم 2534342 وهوية رقم 810705176 وتاريخ الميلاد 28/7/1981 والعمر 36 سنة، مستشار قانوني.

 

أولاً: خلفية الإستدعاء:

بتاريخ 23 مايو/ أيار 2017 عند الساعة التاسعة صباحاً تقريبا تلقيت اتصالاً من قناة "الميادين" الفضائية يعرض دعوة للمشاركة في بث مباشر لتداول ما يجري في بلدة الدراز؛ حيث كانت تجري وقتها عملية أمنية لفض اعتصام سلمي لمواطنين بحرينيين تحت عنوان التضامن مع قضية عالم الدين الشيخ عيسى قاسم، وقبلت المشاركة بشرط أن تكون مشاركتي حول الجزء القانوني فقط. وبعد ساعة تقريبا من الاتصال تمت المشاركة بالبث المباشر لعرض الرأي القانوني في عملية فض الاعتصام وحول الانتهاكات التي حصلت حينها وحول القتل الذي راح ضحيته خمسة من المواطنين البحرينيين المشاركين في الاعتصام. وقد وجهت نداءً للمجتمع الحقوقي الدولي لرصد ما يحصل من انتهاكات لحقوق الإنسان.

 

ثانياً: الاستدعاء من جهاز الأمن الوطني:

وفي اليوم التالي بتاريخ 24 مايو/ أيار 2017 تلقيت اتصالا من جهاز الأمن الوطني عند الساعة التاسعة وسبع دقائق وطلب مني المتصل الحضور فوراً لمبنى جهاز الأمن الوطني الواقع بمدينة المحرق بشكل عاجل وفوري مع تهديد إن لم أحضر سوف يداهم مكان سكني (منزلي الخاص). وعلى الفور اتصلت بالمحامي و اصطحبته معي ووصلنا عند الساعة الحادية عشر وخمس دقائق تقريباً.

فور وصولي مع المحامي وتقديم ورقة توكيل المحامي الرسمية لموظف الاستقبال قام بأخذ كل ما في جيوبنا من هواتف ومحفظات وأوراق وساعات، وتم تفتيشنا قبل سؤالنا حتى عن أسمائنا، وحينها جاء ضابط مدني وسألنا من يكون إبراهيم سرحان؟ فأجبته على الفور: أنا. وسألني من يكون هذا؟ قلت له: هذا هو المحامي الخاص ولديه توكيل رسمي. فأمر الموظف بتسليم المحامي كل أماناته وأشيائه وعليه مغادرة المبنى فوراً. وحصل ذلك وتم إخراج المحامي.

وما إن خرج المحامي عند الساعة الحادية عشر وعشر دقائق تقريباً، تم تفتيشي بشكل دقيق مع السحب بعنف من يدي والصراخ والسب والشتم في العرض والمذهب والرموز الوطنية والدينية، وبعدها أدخلت غرفة مخصصة للتعذيب حيث كانت جدرانها باللون الأسود القاتم وإنارتها خافته وبلاطها فيه بقع من الدم وبها كاميرات وأجهزة كمبيوتر(اثنان) وطاولة مستديرة يجلس إليها خمسة من الضباط يرتدون الثوب والغترة (الشماغ) وعقال، عدا واحد من الضباط كان يلبس الجينز وفانيلة رصاصية اللون قاتمة، وكان كل الضباط يرتدون النظارات الشمسية القاتمة.

وعندها ألقيت التحية ولم يرد أي أحد منهم التحية، وعلى الفور وقف أحد الضباط (والذي كان يطلق عليه هناك بالجلاد الكبير)، وبدأ بالتعذيب بعد أن أوقف شخصين معاونين له لمسك يديّ من الخلف، واستمر التعذيب بالضرب في كل أنحاء جسمي بشكل عشوائي ولكنها تركزت باللكم والصفع على الوجه والعينين ثم أمر المعاونين أن يفتحا رجليّ بشكل (V مقلوبة) ليسهل للجلاد بركل الأعضاء التناسلية. ومع مواصلة الركل صرخ في وجهي: سوف لن تنجب أبناء بعد اليوم. واستمر التعذيب كوجبة أولى كما يسميها هو لمدة ربع ساعة.

وبعد ذلك أوقفت مستقيماً وطلب مني أن أنكس رأسي للأرض كي لا أرى وجوههم بشكل مستمر حتى لحظة خروجي من المبنى الساعة السادسة وخمس وثلاثون مساءً، ووقف ضابط أمامي يدخن ويخرج الدخان على وجهي وبدأ بالسؤال:

الضابط: ما هو اسمك.

أنا: إبراهيم جواد

لكمة على أذني من الضابط،

الضابط: قل اسمي إبراهيم سرحان، لأن هذا هو الاسم المشهور،

أنا: حاضر، اسمي إبراهيم سرحان.

الضابط: ماذا فعلت بالأمس؟

أنا: لم أفعل شيئا فيه مخالفة قانونية.

لكمات على وجهي من الضابط،

الضابط: تتذكر لو  نذكّرك بتصريحاتك؟

أنا: أهااا، هل تقصد مشاركتي على قناة الميادين؟!

الضابط: نعم، وكل مداخلاتك مسجلة ومكتوبة حرفياً لدينا، وماذا قلت في مشاركتك؟

أنا: كانت مشاركتي مقتصرة على عرض الرأي القانوني.

الضابط: نعلم ذلك، ولكنك طلبت التدخل الدولي، فهل تقصد إيران المجوسية أن تأتي لتنقذكم؟

أنا: عفواً، أنا حددت المجتمع الحقوقي الدولي وطلبت رصد ما يحدث بالأمس، ولم أحدد دولة أو دول ولم أسمّ جهة بعينها.

ركلات على بطني والأعضاء التناسلية، ومن قوة الركلات كنت أسقط على الأرض ويقوم المساعدان برفعي وإيقافي مرة تلو مرة، مع السب والشتم في العرض والأهل والمذهب بأقبح الكلمات.

الضابط: لماذا تشارك في قنوات تلفزيونية خارجية؟

أنا: تلقيت اتصالاً من القناة ودعوني للمشاركة، وقبلت بشرط أن تكون مداخلاتي في الرأي القانوني فقط.

الضابط: يضحك باستهزاء ههههههه عليكم أن تنسوا القانون وحقوق الإنسان، فالرئيس الأمريكي قد تغيّر والأوضاع تغيرت، وما يريده الرئيس الأمريكي قد وصله، ومن الآن فصاعداً سنفعل بكم ما نريد (هنا كلمات بذيئة).

أنا: أنا لا دخل لي بالسياسة وكل عملي هو في المجال القانوني.

الضابط: يا ابن الكذا والكذا وووو (شتم بشع وقذر)، يبدو أنك تستحق قنينة (غرشة) تجلس عليها، يا كلاب (يقصد معاونيه) اخلعوا ملابسه.

أنا: عفوا ماذا فعلت؟ ماذا تريد؟

الضابط: إما أن تتعاون معنا أو تذوق راحة القنينة.

أنا: ولكن أنا متعاون فكل الأسئلة أجيب عليها.

الضابط: التعاون بأن تعطينا معلومات عن النشطاء من الحقوقيين والسياسيين.

أنا: لا تربطني علاقة بالحقوقيين والسياسيين إلا قليل في مجال القانون حين يطلبون مني الاستشارات وهي نادرة.

وهنا مجدداً يطلب الضابط من معاونيه أن يخلعوني ملابسي بالقوة، حيث أبقوني بملابسي الداخلية، وقال لي الضابط صارخاً: إن لم تبدِ استعدادك للتعاون الآن سوف يغتصبك أحد رجالنا! وقلت له أنا متعاون وليس لدي ما أخفيه عنكم.

(...)

بعد ذلك جاءوا لي بأحد العناصر الأمنية (شخص مفتول العضلات وبشرته سمراء) للتحرش بي، وعندما حاول لم أسمح له، وبشكل هستيري ارتفع صوتي: والله إن هذا لا يرضي أحداً وأنا لم أفعل شيء يخالف القانون وأنا لا أكذب عليكم، والله أني أقول الحقيقة.

وكنت أكرر هذا الكلام، وفجأة تأتيني ضربة قوية من الخلف على يدي اليمنى (بالكف) وسقط جسمي مع فقد الوعي، ثم تبين لي أنه صاعق كهربائي، وبعد دقائق قليلة عدت للوعي وكان جسمي يتصبب عرقاً بشكل كبير رغم أن المكان كان بارداً، وقام المعاونان للضابط وأوقفاني مرة أخرى.

الضابط: لن تخرج من قبضتنا، فمن الأفضل لك أن تخبرنا بالمعلومات التي نريدها؟

(...)

وعندما أنكرت الاتهامات التي وجهوها لي أمر الضابط بنقلي لمكتب آخر، وهي عبارة عن غرفة ضيقة بعرض مترين وطول ثلاثة أمتار تقريباً، وبعد نقلي للمكتب الثاني طلب مني رجل الأمن أن أستدير لجهة الحائط واقفاً عند زاوية الغرفة وأن يكون رأسي منكساً للأرض وألاّ أحاول مشاهدة أي حركة بالغرفة وأن تكون يداي للخلف وبعدها دخل ضابطان آخران وجلسا على طاولة حديدية، وكان أحدهما يسأل والآخر يكتب كل ما أجيب عليه.

(...)

الضابطان: أخذا بستهزئان ويشتمان عرضي بكل فظاعة الكلمات وبشاعتها.

(...)

الضابط: كم هو دخلك الشهري؟

أنا: ألفا دينار تقريبا.

الضابط: واااو، وتعارض الحكومة؟

أنا: أنا لست معارضا كما تتصور.

الضابط: إذاً لماذا جاءوا بك إلى هنا؟

أنا: لا أعلم.

الضابط: أنت عضو في الوفاق، إذاً معارض؟

أنا: أنا أعمل وفق القانون وليس خلافه.

الضابط: يبدو أن هذه الجلسة ستكون ممتعة، لأنك ستعلمنا القانون.

أنا: عفواً، أنتم من تحرسون البلد وتنفذون القانون ولستم بحاجة لمن يعلمكم.

بعدها تم طرح أسئلة شخصية كثيرة استغرقت أكثر من ساعتين، وكانت الأسئلة عن معلومات شخصية وعن العائلة وطبيعة عملي ومدخولي الشهري.

وبعدها خرج الضابطان، وجاء ضابط (بلباس جينز وفانيلة) وفور دخوله جاء من خلفي ومسكني من شعر رأسي وبدأ يضرب رأسي بالحائط، وقال لي أنا هنا بمفردي وسأفعل بك ما أريد لأجعل منك عبرة لكل من يفكر أن يظهر بالإعلام وأن يرفع صوته على الحكومة.

الضابط: من ينظم المسيرات في منطقتكم؟

أنا: أنا لا أشارك في المسيرات، ولا أعرف الأشخاص ولا المنظمين.

الضابط: تعاون معي وسأعطيك فرصة أخيرة، إن لم تعطني أسماء سوف تنال التعذيب الحقيقي وللآن لم تحصل على شيء.

أنا: من أين أعطيك أسماء لا أعرفها؟

هنا يصرخ الضابط بقوة: جيبوا لي الغرشة (القنينة) مع الواقي الذكري، وثواني معدودة وجاء رجل معاون له يحمل ما طلبه، واقترب الضابط مني ووضع القنينة والواقي الذكري أمام عيني، وكانت القنينة زجاجية مكتوب عليها (7UP) .

الضابط: هل لك رغبة في أن تجلس على هذه القنينة؟ أم تريد الشاب الجميل أن يضاجعك؟ لك خياران لا ثالث لهما.

أنا: صامت.

الضابط: تكلم يا ..... سب وشتم.

أنا: صامت.

ويعود الضابط بالركل من الخلف ورأسي يضرب بالحائط.

الضابط: استدعوا لي الشاب الجميل.

بعد لحظات يدخل شخص طويل وله لحية كبيرة بدون شارب وبشرته بيضاء، ويمسك الضابط برأسي ويرفعه تجاه الشخص هذا ويقول لي: هل يعجبك هذا؟

أنا: صامت.

يقترب مني الضابط ويبدأ بالضرب وينادي شخصين معه حيث أخذوا يركلونني بكل جمسي ويضعوني بالأرض ويسحقون جسمي ويسحلونه.

يتوقف الضرب، وبدأ الضابط من جديد بتوجيه الأسئلة.

(...)

الضابط: هل حصلت على خدمة إسكانية؟

أنا: لا.

الضابط: هل حصلت على بعثة تعليمية؟

أنا: لا.

الضابط: كم راتبك في الوفاق؟

أنا: لا أعمل في الوفاق براتب.

الضابط: ما رأيك بوظيفة في المؤسسة الوطنية لحقوق الإنسان؟ فأنت قانوني ويمكننا أن نوفر لك وظيفة في المؤسسة الوطنية لحقوق الإنسان.

أنا: لا أرغب في ذلك، فعملي يكفيني ويوفر لي مدخولاً جيداً.

الضابط: ولكن سوف نغلق المكتب الذي تعمل به.

أنا: إذا كان بسببي فسوف أترك العمل في المكتب ولا داعي لمضايقة الآخرين بسببي.

الضابط: وكيف ستعيش بدون عمل؟

أنا: الله يتكفل بالرزق.

الضابط: أنا ذاهب الآن، وسوف تأتي سيارة من إدارة المباحث العامة (التحقيقات) وأنت متهم بالتحريض على كراهية النظام وعقوبتك ثلاث سنوات، فهل تريد أن تنقذ نفسك من هذه التهمة والعقوبة قبل أن أذهب عنك؟

أنا: صامت.

الضابط: تكلم يا حيوان يا يا يا ...

أنا: ليس لدي تعقيب، لأنني مصدوم، كيف أكون متهما بتهمة لم أرتكبها ولم تحقق معي في مثل هذا الاتهام.

الضابط: أنت لا تعرف من نحن؟

أنا: بلى، جهاز الأمن الوطني.

الضابط: صحيح، ولكن هل تعرف المسمى السابق؟

أنا: أمن الدولة.

الضابط: أنت ذكي، ولكن خبيث.

وهنا يخرج الضابط ويدخل أحد معاونيه، ويعطيني ملابسي، القميص والبذلة والحزام وهاتفي (الذي تم تفتيشه) وهويتي ويطلب مني اللباس بسرعة، وما إن لبست ملابسي أخذني للحمام.

وما إن دخلت الحمام عرفت بأن الوقت وقت غروب الشمس من خلال النافذة الصغيرة، وكنت أعتقد بأن الليل حان، وبعد أن خرجت من الحمام أعطاني قنينة ماء صغيرة وقال لي اشرب، أخذت رشفة بسيطة، وأرجعني للغرفة مرة أخرى وقال لي الآن تستطيع الجلوس باتجاه الزاوية.

وبعد خمس دقائق جاء ضابطان وطلبا مني الوقوف وقالا: أنت الآن اذهب لأمك وسوف نتصل بك مرة أخرى لتأتي، ولن نأخذك لمبنى التحقيقات (الإدارة العامة للمباحث) فهناك مزدحم بالحيوانات. ورافقنا أحدهم لباب المصعد وطلب مني أن أخرج من المبنى دون رفع رأسي حتى الوصول للشارع.

 

ثالثاً: الاستدعاء الثاني:

 

في يوم الأربعاء الموافق 31 مايو/ أيار 2017 اتصل جهاز الأمن الوطني بي مجدداً من رقم الهاتف 17188888 وحينها كنت نائماً ولم أجب على الاتصالات المتتالية وعند الساعة العاشرة والربع صباحاً استقبلت المكالمة من ضابط في الأمن الوطني، ويطلب مني الحضور فوراً.

وصلت لمبنى جهاز الأمن الوطني بالمحرق عند الساعة الحادية عشر صباحاً، وعلى الفور أدخلوني على غرفة التحقيق بها خمسة ضباط وبدون تفتيش وأجلسوني على كرسي وجلست مقابل طاولة الضباط وكان ثلاثة يلبسون الثوب الأبيض وشماغ أحمر واثنان من الضباط يلبسون الجينز واحد منهم جينز أزرق وفانية سوداء والآخر بجينز لون بحري وفانية حمراء. وقد تمكنت من مشاهدة وجوههم والتعرف على الوجوه وكان أربعة منهم نفس الأصوات التي حققت معي في المرة السابقة وواحد يبدو أنه أعلى منصبا ويتحدث بهدوء وهو من حقق معي في هذه المرة والبقية كانوا يستمعون فقط.

الضابط: أهلا أستاذ إبراهيم سرحان، معك أبو محمد وأنا سمعت أنه تم التحقيق معك يوم الأربعاء الماضي، وللأسف قد حصل لك بعض الأمور التي يجب ألا تحصل، وأنا أتمنى منك التعاون معي كي لا يحصل لك ذلك مرة أخرى.

أنا: أنا متعاون معكم وأنتم جهة أمنية وعلى كل مواطن أن يتعاون مع الأمن وذلك للمصلحة العامة وهذا يخدم البلد.

الضابط: عرفت بأنك مستشار قانوني ولك موقعك في المجتمع وأنا أرغب بأن يكون لك دور إيجابي في عملنا.

أنا: كيف؟

الضابط: عليك أن تعطينا ما لديك من معلومات تهدد أمن الوطن.

أنا: عفواً، لم أحصل على معلومات كهذه، وليس لدي معلومات يمكن أن تكون مهددة للوطن، والوطن ولله الحمد غير مهدد بالإرهاب أو جماعات إرهابية.

الضابط: ولكن هناك معارضة؟

أنا: المعارضة تعمل وفق القانون وفي العلن وليس هناك تنظيمات سرية وما شابه، وكل المعلومات متوافرة على شبكات التواصل الاجتماعي.

الضابط: وهل أنت من المعارضة؟

أنا: أنا لا أصنف نفسي معارضا، وكل عملي في مجال القانون وهذا المجال يخدم الوطن وأعتبر نفسي خادما للوطن.

الضابط: ولكن تنتمي لجمعية الوفاق وهي جمعية إرهابية.

أنا: عفوا حضرة الضابط، الجمعية عملت وفق القانون ومرخصة من وزارة العدل وحينها كنت عضوا فيها، ولكن بعد إغلاقها لم تعد العضوية سارية، ولذلك توقف عملي معهم.

الضابط: ولكن لديك تواصل مع قياداتها.

أنا: تواصل اجتماعي ليس به شبهة جنائية.

(...)

الضابط: لماذا لا تنتقل للعمل مع المؤسسة الوطنية لحقوق الإنسان بعد إغلاق الوفاق؟

أنا: مجلس إدارة المؤسسة يعيّن من الملك وموظفوها عموميون، ومهنة لا تقبل المزج بين مهنة المحاماة والوظيفة العامة، ومدخولي من المهنة أفضل، ومهنة المحاماة حرّة ولا أرغب بترك العمل الحر.

الضابط: لماذا لم تنشر ما حصل لك في الاستدعاء السابق؟

أنا: لا أرى حاجة في ذلك.

الضابط: هل أنت حاقد وتريد الانتقام من الذي حصل لك؟

أنا: الحقد صفة ليست جميلة بالإنسان، والانتقام لغة الضعفاء والجهلاء، وأنا لست حاقداً عليكم وليس في عقلي ذرة من فكرة الانتقام، فنحن بشر نخطئ ونغفر ونصفح.

الضابط: هل تعتبر ما حصل لك خطأ وقع منا؟

أنا: أتمنى ألا يتكرر لأنه خلاف توجيهات القيادة السياسية وعلى رأسهم ملك البلاد.

الضابط: أين تعلمت القانون؟

أنا: في مصر.

الضابط: وأين تعلمت الفلسفة؟

أنا: لم أتعلم الفلسفة.

الضابط: ولكنك تستخدم الفلسفة في إجاباتك، بدليل السؤال السابق وهو (هل تعتبر ما حصل لك خطأ)؟

أنا: أعتقد أن هذا منطق وليس فلسفة.

الضابط: ليس مهماً الآن، ما علاقتك بالسيدة/ ابتسام الصائغ؟

أنا: لا علاقة لي بها.

الضابط: ولكنها تقول بأن لديها علاقة معك في مجال حقوق الإنسان.

أنا: لا أعتبر أن مجرد اتصالات أتلقاها من عشرات الأشخاص يطلبون استشارة قانونية أو استفسارا قانونيا يمكن أن نطلق عليه علاقة.

الضابط: أهااا، وما علاقتك بالسيد/ رضي القطري؟

أنا: لا علاقة لي به.

الضابط: ولكنه يقول بأنه أعطاك مبلغا من المال ولديه عمل مشترك معك؟

أنا: هذا غير صحيح، وأنا لست بحاجة لأموال أو عمل مشترك مع أحد، فما أملكه من مدخول يغنيني عن مثل هذا المال أو هذه الأعمال.

الضابط: أنت وسيم، وشخصيتك قوية، وتتمتع بفطنة، وأنا أرغب بأن تعمل مع جهاز الأمن الوطني.

أنا: عفواً، كيف؟

الضابط: أن تتواصل معي عبر الهاتف والواتساب وتعطيني استشارات قانونية ومعلومات وأخبار عامة ونكون أصدقاء.

أنا: جهاز الأمن الوطني لديه ما يكفي من رجال الأمن يسهرون على حفظ الأمن والجهاز ليس بحاجة لشخص مثلي منهمك في عمله، وأنا لا أتمتع بعلاقات اجتماعية ولا أتابع الأخبار والأحداث لأن وقتي جله في كتابة المرافعات والاستشارات القانونية.

الضابط: هل لديك رغبة بأن تكون عضوا نيابيا؟

أنا: لا، مسؤولية المشرع ثقيلة وأنا لا أعتبر نفسي مؤهلا لحمل مثل هذه المسؤولية.

الضابط: هل الموجودون أفضل منك؟

أنا: لست متابعا، ولا أستطيع تقييم أعضاء مجلس النواب.

الضابط: ولكنك تنتقد عملهم.

أنا: عفواً، أنا أنتقد بعض القوانين التي بحسب نظري تحتاج لتعديل لتكون أكثر تقدماً، ولا أنتقد عمل النواب.

الضابط: وتنتقد القضاة؟

أنا: الطعن بالاستئناف أو بالتمييز عمل المحامي وهو أساس المهنة والطعن ليس انتقادا، لأن القاضي والمحامي ينشدان العدالة وكلاهما يكملان الآخر.

وهنا صرخ أحد الضباط وقال أنت شخص مراوغ وكذاب، وفجأة قاطعه الضابط الذي يحقق معي مشيرا له بالسكوت، واستمر التحقيق على هذا المنوال وبعد ثلاث ساعات من التحقيق طلب مني الضابط مغادرة المبنى وأنه سوف يتواصل معي لاحقا.

 

تنويه: تم حذف بعض الأجزاء من الإفادة حفاظاً على سلامة آخرين تطرّق التحقيق لهم

 


التعليقات
التعليقات المنشورة لا تعبر بالضرورة عن رأي الموقع

comments powered by Disqus