خولة مطر "البحرينية الشجاعة في دوائر الصراع" تسترجع ذاكرة الموت من سوريا
2017-07-01 - 1:21 م
مرآة البحرين (خاص): قرابة ساعتين، قضتها البحرينية خولة مطر، الأمين العام بالوكالة للجنة الاقتصادية والاجتماعية لغرب آسيا (الإسكوا)، وهي تتحدث عن التجربة الإنسانية التي خاضتها في مناطق النزاع في سوريا، عندما ذهبت ممثلة عن الأمم المتحدة مع وفد خاص في العام 2016، كانت هذه المناطق تشهد آنذاك قصفاً متواصلاً من الجهات المتصارعة، التقت خلالها خولة مدنيين ونساء وأطفال، فضلاً عن الفصائل المسلّحة المسيطرة عليها، واستحقت عنها جائزة الأمم المتحدة في "الشجاعة".
الاتحاد النسائي البحريني نظّم مساء يوم الخميس 29 يونيو 2017 لقاءاً مفتوحاً تحت عنوان "البحرينية الشجاعة في دوائر الصراع"، وذلك في صالة جمعية نهضة فتاة البحرين. حظي اللقاء بحضور كبير.
خولة التي كانت تتنقل هناك بمعية وفد الأمم المتحدة في سيارات مصفّحة، رفضت وضع الخوذة على رأسها وارتداء الملابس الواقية التي طلب منهم ضرورة الالتزام بها حماية لحياتهم، قالت: لست أفضل من السوريين هنا، وما يصيبهم يصيبني، وهكذا تبعها باقي الوفد بفعل الشيء نفسه.
تحدثت خولة عن الفصائل المسلّحة الكثيرة التي التقتها في سوريا، وهي وفق قولها تنظيمات مختلفة وجميعها تعتبر نفسها إسلامية تدافع عن الاسلام، لكن الخلافات بينها شديدة. تفيد خولة أنه بعد دخولها إلى حمص وحلب، وبعد تراكم مشاهداتها ولقاءاتها معهم، وجدت أن "الفوارق ليس لها علاقة بالدين ولا الحريات وحقوق الإنسان". ثم أردفت: "لكن لأن هذه الفصائل تحصل على أموال بشكل وبآخر، فهي قادرة أن تقوم بالكثير".
من جانب آخر أثار خولة أن "الحكومة السورية ما زالت تدفع رواتب المعلمين وعمال البلدية والكهرباء والاتصالات، وتُصلح كل ما يخرب حتى في المناطق المحاصرة"، توضّح "أحياناً عند بعض الحواجز يقال لنا إنه يوم التسليم، ويكون هناك موظف حكومي يحمل حقيبة فيها رواتب الموظفين في المناطق المحاصرة يسلمها إليهم باليد".
وأشادت بالدور الاستثنائي الذي يلعبه المعلمون في هذه المناطق "المعلمون والمعلمات يقومون بدور مثير جداً، إنهم ملتزمون بالتعليم وكذلك الطلاب رغم الظروف الأمنية والأوضاع الصعبة بشكل عام، البرد في سوريا قارس، والكهرباء غير متوفرة والمياه شديدة البرودة ومع ذلك الجميع ملتزمون بالدرس والحضور، وأمنياتهم فقط أن يتوقف القصف ليكملوا".
ثم تحدثت عن ضحايا الحرب الأكبر شريحة وهم الأطفال، صاروا يبدون أصغر سناً من أعمارهم بسبب ضعف نموهم جراء الجوع، كما أنهم يعانون من ضعف النظر بسبب العتمة والمذاكرة في الظلام، بالإضافة إلى مشاكل في السمع بسبب أصوات الانفجارات الدائمة، وأشارت أن مشاكل النظر والسمع صارت شائعة في هذه المناطق. وروت عن أحد الأطفال الذي بقى ممسكاً بيدها خلال إحدى جولاتها، وهو يقول لها: أريد أن أقول لك شيء لوحدك، ثم وشوش لها في أذنها سائلاً إياها أن تحضر معها في المرة القادمة بطارية من أجل سماعة أذن أخته لأنه لا يمكنه السماع من دونها.
مطر تحدثت أيضا عن محاولة أعضاء البعثة توفير سماعات للأطفال في الزيارة التالية، وعن (تهريبها) لبعض المواد الغذائية البسيطة التي طلبها منها الأطفال مثل الحلويات والجوكليت، والقهوة التي طلبتها منها إحدى الطبيبات هناك.
وكان الدور الموجه الذي مارسه الإعلام العربي والأجنبي هو أحد الأمور التي عايشته خولة واقعاً خلال تجربتها هناك، تقول: "أنا إعلامية وأزعجني كيف تغطّى الحرب في سوريا من الإعلام. كل الإعلام الأجنبي والعربي. الجميع في سوريا أخذ موقف ما. صحيفة الجارديان أخذت موقف ولذلك هاجمت الأمم المتحدة حتى في تقديمها للمساعدات، صحيفة الاندبندت لها موقف مختلف، بي بي سي لديهم فريق مع وفريق ضد. الكل منقسم".
ثم تقول بأسف "الهلال الأحمر السوري الذي لا يتحدث عنه أحد، موجود في المناطق المحاصرة والمناطق التي يسيطر عليها النظام. والهلال الموجود في مناطق النظام ينقل سيارات الإسعاف التي يتلقاها من اليابان والصين والمعونات الأخرى إلى الهلال الموجود في المناطق المحاصرة. هناك شبكة واسعة. وكل أعمالنا مع الهلال متطوعين من الشابات والشباب، وفي كل مرة نفقد عدد من هؤلاء المتطوعين، ولا يتحدث عنهم أحد، وذلك بسبب التقسيم الحاد، وكأن الذي أراد أن يبقى في وطنه ارتكب جريمة".
وترى أن "اللاجئين في دول الجوار تم استغلالهم بشكل أو بآخر للحصول على دعم ومساعدات، وتم نسيان السوريين في داخل المناطق المحاصرة".
داعش ليست واحدة، بل هناك دواعش مختلفة. كل داعش لها تنظيم خاص، وكل تنظيم يوجد في منطقة مختلفة. هناك جماعات مسلحة رفعت علم داعش فقط لأنها لم تجد تمويل، ففي اليرموك مثلاً، من يقود داعش عرف عنه أنه كان حرامي صغير واعتقل أكثر من مرة وله قصة طويلة، لكنه في لحظة ما انتمى إلى النصرة، ثم صار بينه وبينهم نزاع بعد أن قتلوا بعض رفاقه بحسب قوله، فوجد نفسه يرفع علم داعش، ووصلته الأموال والتمويل رأساً.
عندما كانت مضايا تموت جوعاً، كان الدواعش يمتلكون كل أنواع اللحوم وكل أنواع الفواكه، لقد ذبحوا خروفاً لفريق الأمم المتحدة، أخذوا منطقة في مضايا ولديهم الدولارات والأكل والأدوية وكل شيء، وكان أطفالهم ناصحين. وهذا المشهد رأيناه في كل مكان. القريبين من الفصائل يملكون كل شيء، ومن ليس قريباً غير قادر على توفير شيء.
كثير من المسلحين والدواعش هم شباب عانوا من إحباط شديد في دولهم، وهم ليسوا فقط من سوريا هناك تركمان وشيشان وجنسيات من كل مكان. تحدثنا مع مصري من داعش في الرقة وهو يسمى أميراً الآن، قال لنا: أنما كنت في قريتي في مصر لا أحد. أنا الآن أمير. وفي منطقة "القريتين" في حمص، عينت داعش أمير تونسي بعد أن استولت عليها.
تنفي خولة التهمة التي وجهت للأمم المتحدة بتغيير الهوية الديموغرافية لبعض المناطق في سوريا، تقول: "عندما عملنا تبادل في ديسمبر 2015. نقلنا بالطائرات عوائل وأسر من الفوعة وكفريا (قريتين في شمال إدلب) عبر الحدود التركية بالطيران لبيروت ومنها لدمشق، ونقلنا بالمقابل وبالطائرات نفسها نساء ومرضى من مضايا والزبداني عبر الحدود من دمشق إلى إدلب. ولأني كنت المسؤولة عن هذه العملية استغربت أن تم اتهامنا بأننا قمنا بتغيير ديمغرافي. الفوعة وكفريا قريتين شيعيتين، مضايا والزبداني سنة. قيل لنا أنكم نقلتم الشيعة إلى مناطق السنة ليكونوا على الحدود مع لبنان. هذا لم يحدث. كذب الإعلام. السنة من مضايا والزبداني ذهبوا إلى إدلب برغبتهم، والفوعة وكفريا كانوا محاصرين بشكل كبير جداً. أصبحوا ضحايا للنزاع الأكبر.
تصف خولة المشهد في سوريا بأنه معقّد جداً، تقول "أنت متهمة من قبل كل الأطراف، سواء عملت أم لم تعملي. لذلك دائما ما أقول بأننا يجب أن نكون كمن يغمض عينه عن كل شيء، ويرى الشعب السوري فقط، دورنا هو هذا". وتصف الحياة في كل مخيمات اللجوء في دول الجوار بأنها صعبة جداً، بحيث تحفّز السوريين إلى الرجوع، إذا توفر الأمن والحماية، هناك عوائل كاملة تخشى من العودة لأن بعض أفرادها ينتمون إلى جماعات مسلّحة.
وفي ختام حديثها تؤكد خولة أن الكثير ممن التقتهم في المخيمات، يؤكدون أنهم يودون العودة إلى سوريا إذا ما توافر "بس شوية أمن وشوية سلام"، وتقول أن السوريين يمكنهم أن يعيدوا بناء بلدهم بشوية أمن وشوية سلام، لكن الأهم أن "الكل يرفع يده عن سوريا".