» تقارير
كريم رضي المثقف والنقابي في شهادته على حكاية ثورة 14 فبراير: هذه لؤلؤتي
2012-04-16 - 11:28 ص
كريم رضي*
أما أنا يا صديقي فابن الحكاية. لا أعدل بها شيئا ولا أقايض بها مغنما. لا دم شهيد ولا رزق مفصول ولا حرية سجين. الحكاية ولا شيء غير الحكاية. فو الله يا صديقي لو أن لدي عصا موسى فأهش بها على الطغاة فتصبح أفعى تلتهم لحمهم اللدن أو لدي كف عيسى فأمسح بها على القتلى فيقومون أصحاء على أمشاط أرجلهم لما عادل ذلك عندي شيئا إلا أن يعترف أعداء الحكاية بتزويرهم. فينصفوا نصها الأصلي. لهذا غضبي الذي لا تطفئه مياه العالم. ستدرك معنى أن يكون لك حكاية ترويها لابنك أو لأحفادك.
لا يعرف ثمن الحكاية العظيمة إلا الأجداد الذين يقدرون معنى حديث كهل لطفل في ليلة مشتية. وحين تتخلق الشعوب حول نارها كما يفعل هنود أمريكا الحمر وفلسطينيو الأرض السليبة سيجدون لديهم ما يقولون لأطفالهم ليزرعوا فيهم وطنا من الكلام. إن الأوطان التي تبنى من الكلمات خالدة إلى الأبد. سيجلس التونسيون يروون حلم النار في جسد البوعزيزي وأنين قوافل الشهداء. سيجلس المصريون يروون عذابات خالد سعيد وصرخات المئات من شهدائهم وسط أزيز الرصاص.
سيجلس الحكواتيون في الشام يطرزون قصص البطولة بمواويلهم المؤلمة. سيغني الليبيون لأبنائهم وبناتهم قصائد كفاح المدن المستباحة. سيحكي اليمنيون لأشبالهم عن سلمية شعب كان السلاح طوع يديه. إلا أنا. غاضبٌ لأنهم اغتصبوا حكايتي. لم يتركوا لي ما أقصه على أولادي وأحفادي دون أن يكون مشوبا بأكاذيبهم. كلما أردت أن أقرأ اسم شهيد أو قصة مواجهة مع الطغيان قفزت إلى ذهني تصنيفاتهم التي تقسم الدم إلى درجات في الطهارة بحسب المذهب والأيديولوجيا.
يريدون أن تكون حكاية شطر من هذا الشعب لا حكاية الشعب كله. كم أحتقرهم. أصدقك القول إنني أحتقر بشكل أكبر أولئك المثقفين الذين تبرعوا ليضيفوا سردا للحكاية المزورة أو ليحذفوا مشهدا من الحكاية الأصلية. هؤلاء هم القتلة الحقيقيون. أما العسكر الذي أطلق النار. أما السجانون الذين عذبوا رهائنهم. فهؤلاء لم يقوموا بخطأ ذي أهمية بالنسبة لي. لم يقوموا بأكثر مما يفترض من درك عربي جاهل. لكن المثقفين. يا إلهي. ليتهم مزقوني وتركوا نسيج حكايتي كاملا. ليتهم صمتوا. كل كلمة كتبوها عن ادعاء "ولاية فقيه وثورة فئوية وعمالة للأجنبي و .. و .. و طعموا حديثهم بالدفاع عن التنوير والحداثة والوحدة الوطنية" أدمتني واخترقت روحي وجسدي كما لم يفعل الرصاص. إنني أتألم. اللغة تقتل يا صديقي. اللغة تطعن يا صديقي وتسيل دما حقيقيا من الهيموجلوبين. هل أنا واضح بما يكفي يا صديقي؟.
إياك أن تظن أن غاية أية ثورة يا صديقي هي كما علمونا تحرير الشعب أو إسقاط النظام أو صناعة التاريخ أو بناء الدولة أو التلذذ بالشهادة أو مكافحة الفساد أو تأميم الأملاك العامة. أبدا يا صديقي. هذا كله بسيط ومقدور عليه. بل غاية كل ثورة يا صديقي أن تصنع حكاية. الغاية الكبرى للثورة هي خلق حكاية كبرى. Grand Narrative لتكون جزءا من تراث أمة. تنام عليه زمنا وتتغنى به وتحلم بأبطاله حتى تأتي حكاية أكبر منها فتحل محلها في كتاب الشعب. هذا ما أنا غاضبٌ من أجله. وهذا ما أنا مستعدٌ لبذل حياتي من أجل الدفاع عنه. الحكاية الكبرى وما أدراك.
تبلغ مساحة دوار اللؤلؤة نحو 3100 متر مربع. على نحو ما يبدو فيه شيء من ميدان التحرير. أسميه ميني تحرير سكوير. خاصة حين تنظر إلى الكوبري الذي يحده من الأعلى من جهة الشمال. يوم هجوم الدرك على الدوار من فوق الكوبري تخيلت الصور تماما كميدان التحرير. له موقع فريد. من الشمال يحده البحر حيث الجوار المترقب والمتحفز. من الشرق المحرق الشماء جزيرة البدايات القومية والوطنية البحرينية. من الغرب قرى مثلث الصمود التي كانت خزان الشهداء دائما. من الجنوب المنامة التي ليس فيها من المنام إلا اسمها إذ هي المستيقظة دائما على أنغام الحرية والانعتاق.
ذات ليلة من ليالي الدوار المجيدة. حاضرتُ لفتية متحفزين عن آليات وتقنيات العصيان المدني. قمت بعد ذلك أمشي في حواري الدوار المتمثلة في خيام بسيطة. في إحدى الخيام وجدت شيئا مذهلا. يحمل أحدهم ورقة وضع فيها خيارات الشعب في جدول يختار منه الشباب ما يريدون. جمهورية ديمقراطية. مملكة دستورية. أخرى. بلغ الحلم مداه حتى لم يعد تحده الجغرافيا والتاريخ. في عيون من يضعون إشارة √ على الاختيار الأنسب ألق غريب وشعور أنهم كانوا فعلا يحصلون على ما يريدون. أحدهم ينادي حامل الورقة مرة أخرى. ممكن أغير من مملكة دستورية إلى إسقاط النظام؟ أو العكس؟
كلما مررت الآن ورأيت الآليات العسكرية قبيحة المنظر تحتل الميدان. أغمض عيني لأكتفي بالسمع بدل الرؤية. أسمع أرواح المتظاهرين تهتف. إذاعة الميدان تنادي. (السيدة .. زوجك يرجو حضورك عند النخلة رقم ... رجاء الاهتمام بالنظافة... نبث الآن كلمة ولي العهد .. حافظوا على سلمية ثورتكم .. بالروح بالدم نفديك يا بحرين .. تحية تحية للمرأة البحرينية .. الشعب يريد)
لم تضع جماعة ليبرالية في العالم العربي فرصتها التاريخية لتقود التغيير كما صنع ليبراليو البحرين في غالبيتهم. اكتفوا بالوقوف على الهامش. مع أن الشباب كانوا متشوقين لهم ليحملوا الراية. كان شباب اللؤلؤ كشباب الربيع العربي عامة قد سئموا من قيادة منفردة لرجال الدين. كانوا يريدون مشايخهم بعيدا أو في أحسن الأحوال جزءا وليس كلا من قيادة الثورة. كانوا يتلقفون أي ليبرالي بالأحضان ويضعونه في مرتبة عالية معتزين بأن ثورتهم ليست حركة دينية بل مدنية. خذل الليبراليون الثورة خذلانا فاضحا. فيما عدا مجموعة من قيادات وعد والتقدمي وبعض الأحزاب الصغيرة، فقد تعامل معظم الليبراليين بنذالة وبراغماتية خسيسة لم تكن تليق بتاريخ الليبراليين واليساريين الذين طالما وقفوا مدافعين عن سجناء الحركات الإسلامية منذ بدء حركة الإسلام السياسي في البحرين.
وقف معظم قيادات الليبراليين على رصيف الصمت والمراقبة. لما حسم درع الجزيرة الأمر لصالح النظام. كشروا عن أنيابهم يشتمون المعارضة. أو هزوا أكتافهم بلا اكتراث وواصلوا طريقهم. شذ عن هذه القاعدة فقط المحامون. لقد ظلت نخبهم حتى هذه اللحظة المجموعة المدنية الأكثر إيمانا بحقوق المناضلين السياسيين والمدافعين عن حقوق الإنسان بغض النظر عن هويتهم المذهبية والسياسية.
والآن سأعيش معك بالعكس. لطالما فتنتُ بقدرة الإنسان الفريدة على أن يعيش زمنه معكوسا. في المقدمة الحزينة الرائعة لفيلم "بنجامين باتون" الذي يقوم ببطولته الممثل الوسيم "براد بيت" ينهض الشباب الذين قتلوا في المعارك من موتهم عائدين إلى مصانعهم وحقولهم في أمنية إنسانية مستحيلة باستعادة من خطفهم الموت بلا رحمة. سأعود بك القهقرى من لحظتي الحاضرة حتى انبثاق الحكاية.
21 ديسمبر: أنا في نادي العروبة. الندوة النقابية ضد المكارثية البحرينية التي فصلت نحو أربعة آلاف من أرزاقهم. شهادات مروعة عما حدث في شهري مارس وإبريل. عن تحقيقات تمت في مواقع العمل في المصانع والمكاتب. عن العسكريين الذين دخلوا في شركات مثل طيران الخليج، وغاز البحرين، وخدمات مطار البحرين، يفصلون بين العاملين على تصنيف من شارك ومن لم يشارك في ثورة اللؤلؤة. كان يمكن التمييز بين هؤلاء وأولئك حتى من السحنات والأسماء. ويبدؤون حفلة التنكيل. عصر نفس اليوم جلسنا مع حقوقيين وممثلين للمجتمع المدني الأمريكيين. قال زميل منا لهم ما حصل فريد من نوعه. لم يحدث في العالم أن استهدف هذا الكم من العاملين (5%) من الطبقة العاملة بالفصل. هذا لم يحدث في أي دولة من دول الربيع العربي. همستُ له: لاحظ أنت تتحدث عن ثورة مغدورة لا منتصرة. أنت لا تعلم لو انتصر النظام في مصر وتونس ماذا كان سيحصل.
&&qut2&& |
15 ديسمبر: سقط الشاب علي القصاب من قرية أبوصيبع شهيدا. لاحقته قوات الأمن بالسيارة فاضطر للقفز على حاجز عبور حيث دهسته سيارة. تأخرت السلطات في تسليم جثته. ثم قمعت مشيعيه.
11 ديسمبر: استشهاد الرضيعة ساجدة جواد ذات الخمسة أيام مختنقة بغاز مسيل الدموع. قالت الداخلية إنها ماتت بالتسمم في الدم. اعتصام مئات المفصولين أمام وزارة العمل. هذه المرة كان للاعتصام مذاق الثقافة. حضر المفصولون من قطاع الثقافة. الموسيقي أحمد الغانم عازف الفلوت والذي تلقى رسائل تضامن عالمية من منظمات موسيقية. مصمم الجرافيك موسى الموسوي. آخرون من بسطاء العاملين في أجهزة الإعلام. قيل لهم أنتم خونة ومتآمرون وانقلابيون ولا تستحقون العمل في الدولة. قلت للجميع في سؤال بسيط. هل هذا بلد يستحق أن يستضيف فعاليات عاصمة الثقافة العربية. المعتصمون الذين بلغوا نحو الألف. ردوا جماعيا. لا. عدت إلى جهازي. كتبتُ رسالة من الغضب المهذب إلى بعض مسئولي برامج وزارة الثقافة باعتذاري عن عضوية إحدى اللجان المعنية بالإبداع الشعري ضمن فعاليات ربيع الثقافة. كتبتُ لا يمكنني قبول هذه العضوية في بلد يفصل المثقفين والمبدعين على خلفية آرائهم وعقائدهم.
10 ديسمبر: اليوم العالمي لحقوق الإنسان. مسئولو الدولة يؤكدون احترام حقوق الإنسان في البحرين. في هذا البلد مفارقات غريبة. مثلا توقفت جريدة (الوقت) الليبرالية الحرة في يوم حرية الصحافة العالمي 3 مايو في العام الماضي!!. أتذكر عبارة أحد الحقوقيين الأوروبيين. تستطيع معرفة البلد الأكثر انتهاكا لحقوق الإنسان بزيادة عدد مؤسسات حقوق الإنسان فيه. في البحرين وزارة حقوق إنسان، مؤسسة وطنية لحقوق الإنسان، لجنة نيابية لحقوق الإنسان، نصف دستة منظمات غير حكومية لحقوق لكن ليس منها مستقلا فعلا عن الحكومة إلا واحدة أو اثنتان.
3-7 ديسمبر: كيوتو – اليابان – تحدثت إلى ممثلي النقابات الآسيوية والعالمية عن ما أسميته "حرب التجويع". فصل الآلاف من الأطباء والمدرسين والمهندسين والأكاديميين و..وتوقفت قليلا لحشرجة طارئة ... وأضفت .. والموسيقيين والممثلين والرسامين. الكل يفغر فاه متسائلا معتقدين أن لذلك علاقة بأزمة الكساد العالمي وديون اليونان وانهيار اليورو. ابتسمتُ بمكر. لا. بل بالربيع العربي. كم أحب هذه الكلمة. أكثر ما يعجبني فيها أنها تغضب النظام إلى أبعد الحدود. لقد بذل النظام جهدا مضنيا دون جدوى ليقنع العالم أن ما حدث لدينا ليس جزءا من الربيع العربي. سافر وفد من محازبي النظام إلى عواصم العالم العربية والأجنبية ليقولوا "أنتم فاهمين غلط، ما حدث في البحرين ليس جزءا من الربيع العربي" لكنهم فشلوا في إقناع بسطاء الناس ناهيكم عن نخبهم. لذلك أحب هذا المصطلح على أنه ليس اختراعا عربيا.
هي تسمية أطلقت أول مرة على الحركة الإصلاحية التي أراد إدخالها الزعيم الشيوعي التشيكي المستقل ألكسندر دوبتشيك على البنية الشيوعية للنظام بجعله أكثر تشاركية وديمقراطية في عام 1968 لفترة ستة أشهر قبل أن تنقض قوات حلف وارسو لتنحية دوبتشيك وإعادة الدكتاتورية. بالعكس من بروباغندا البلطجية فإن البحرين، بهذه الخلفية التاريخية تستحق البحرين هذا اللقب بامتياز بالنظر إلى تدخل "درع الجزيرة" لإجهاض الثورة في مهدها جريا على تدخل حلف وارسو في براغ.
23 نوفمبر: البروفسور محمود شريف بسيوني يسلم تقرير اللجنة البحرينية المستقلة لتقصي الحقائق إلى الملك. كتبتُ في صفحتي على الفيسبوك عن عظمة القاضي بسيوني وهو يقف بشعره الأشيب بينما الملك وحاشيته يستمعون إليه متجهمين وهو يسرد مختصر تقريره الضخم من مئات الصفحات وكأنه يطلق رصاصات الحقيقة من فمه على نظام كذب كثيرا حتى صدق كذبه. أعجبت برسم كاريكاتير لفنان صديق رسم التقرير كتابا يسيل منه الدم. كتبتُ يومها قصيدة نثر. (لا تظن أن ثقل الورق يحني خشب الرفوف، بل ثقل ما في الورق من الأسى).
يوم تسلم بسيوني مهمته في يوليو 2011 سميته "فارس الحقيقة". آمنتُ بهذا الرجل. مهما تبلغ المغريات فلن يضحي بتاريخه الحقوقي الناصع. لم يعجبني كل ما كتبه وما صرح به. لكن وقفته ذلك المساء الشتوي في قصر الصخير الصحراوي تساوي محاكمة النازيين ومجرمي الحرب. الأهم أنه نفى كل أكاذيب النظام حول المؤامرة الخارجية والعمالة لأمريكا وإيران وغير ذلك من الأباطيل وسمى الأشياء بأسمائها تعذيبا وتجويعا وقتلا. مع أنه حرص على نفي المنهجية عن هذه الانتهاكات في محاولة لتبرئة رؤوس النظام لتلقى المسئولية على صغار الموظفين.
6 نوفمبر: عيد الأضحى. الزيارة الدورية لبيوت الأهل. شقيقي الأصغر يجيب على سؤالي لماذا يبدو الناس بدون عيد. إجابة مسجوعة. يقول اجتمع المطـَـر والسفــَـر والقهـَـر لمنع الناس من المعايدة. المطر الذي جاءت به تباشير الشتاء، السفر إلى الحج، القهر من مصير ثورة غدرها محيطها. مع ذلك عيون الأطفال تلمع بمستقبل مجهول. لا أفرط في الاحتفال بأي عيد كرامة لأطفالي. لستُ مع من يطالبوننا بفرض الحداد على الأطفال. زرتُ بيت قريبي الفنان الكبير أحمد عيسى. سألته عن مصير ولده الأكبر الذي اختفى بعد توجهه لدولة خليجية. لا معلومات. سيقال رسميا فيما بعد أنه عضو في شبكة تخريبية. وأن الدولة التي قصدها سلمته للنظام. يزيد عدد الشبكات الإرهابية المكتشفة في البحرين عن شباك صيد الأسماك.
3نوفمبر: اغتيال والد نائب رئيس جمعية الوفاق السياسية المعارضة ويبلغ من العمر سبعين عاما.
6أكتوبر: استشهاد الطفل علي القطان 16 عاما مصابا برصاص الشوزن المحرم دوليا. الشوزن هو الاسم المتداول للرصاص الانشطاري الذي يستخدم لصيد الطيور. وحالما يدخل الجسم ينتشر في كل الأعضاء. وهو عبارة عن كرات معدنية وخلفها البارود. ويمكن تعديل زاوية الانتشار حسبما يختار المطلق بوضع قطعة توجهه في اتجاه محدد على فوهة السلاح. أصل تسمية الشوزن هو تصحيف شعبي للكلمة الانجليزية shotgun. وحيث إن الشوزن عدة عيارات فقد ادعت وزارة الداخلية أن عيار الرصاص في جسم الشهيد غير ذلك الذي لديها.
25 سبتمبر: أول تجرؤ لي على ظهور في أمسية عامة بعد رعب فترة الطوارئ. قصيدتي "نشيد الأرخبيل". في تأبين القائد الوطني والقومي الكبير عبد الرحمن النعيمي رئيس ومؤسس جمعية العمل الوطني الديمقراطي (وعد). كان التأبين شهادة شعبية على أن كل بروباغندا الطائفية التي أوفدها النظام قد فشلت. كانت الأمسية استفتاء على وطنية الثورة ووطنية المعارضة فقد أم المكان طيف واسع من كل الاتجاهات إسلامية ووطنية. عندما قرأت منها:
سيقال متُ
سيحفرون لدفني الأرض الحبيبة
عندما أصحو أنيقا في ثياب الشعب
أمسح عن جمالي الطين
أمشي في قناديل المساء
سأسير في الطرق الفقيرة
واصلا بين العواصم
هذه بيروت في إيمانها العربي
تلك دمشق تختبر الطغاة بدمها
صنعاء تشهر جوعها وضلوعها
بغداد تنهض في نشيد الرفض
تونس تبتكر اللقاء مع السماء
كنانة الله البسيطة تحتفي بربيعنا العربي
في موت الشتاء
وأسير من شط المحرق للمنامة
أعبر الطرق الغفيرة
أقرأ الشهداء أسماء وأمكنة وأحلاما
مساء الخير يا شعبي الوحيد بلا غطاءْ
&&qut1&& |
31 أغسطس - 1 سبتمبر: مع عيد الفطر، وفاة الزعيم الوطني والقومي مؤسس وزعيم جمعية العمل الوطني الديمقراطي عبد الرحمن النعيمي بعد جلطة دماغية لسنوات. سقوط الشهيد الطفل علي جواد الشيخ عن 14 عاما بإصابة مباشرة في الرأس في حادث مشابه لمقتل العديد من الشهداء. حيث القاتل غير معروف. وعدت الدولة بالتحقيق لكن دون جدوى. كان رحيل شيخ المحرق النعيمي ويافع سترة علي جواد ذا دلالة بالغة على امتداد الثورة بين جغرافية المكان من شمال البحرين إلى جنوبها وبين أجيالها من كهولة المناضلين إلى يفاعة صناع الربيع. وهي ذات دلالة أيضا على أننا مثل (أحمد هرمنا) فيما دولتنا تواصل أزماتها بسبب الاستبداد وغياب الديمقراطية.
نهاية يوليو: الظهراني رئيس النواب يسلم الملك المرئيات الختامية لما سمي بحوار التوافق الوطني. كنت قد شاركتُ بحماس في هذا الحوار. صدمني وجود جمعيات مجتمع مدني تطلب مزيدا من القيود على حركة المجتمع المدني !!!. مثقفون يطالبون بقطع الرؤوس. سياسيون يدّعون المعارضة ويطالبون بسجن المعارضين والتنكيل بهم. بدا المثقفون ضائعين في هذا الحوار البائس. جاءوا يطلبون الحرية من قامعها. نعى رئيس أسرة الأدباء الشاعر ابراهيم بو هندي على إدارة الحوار تجاهل الشأن الثقافي تماما. لم يعر أحد هذه الملاحظة أي اهتمام. كانوا مشغولين بمهمة واحدة صممت طاولات الحوار من أجلها. إظهار المعارضة بمظهر الأقلية والموالاة بمظهر الأغلبية.
منتصف يونيو: عمومية أسرة الأدباء والكتاب. فضلنا نحن الإدارة القائمة أيام ثورة اللؤلؤ عدم الترشح. بل بادر بعضنا بالاستقالة من الأسرة. كان الجو مرعبا ومليئا بالمكارثية والاستهداف السياسي. اتهمنا باختطاف الأسرة لصالح أجندة انقلابية. حضر العمومية فقط 18 شخصا موجهين رسميا من واقع نحو ثمانين عضوا. تم اصطناع توكيلات شكلية لينوب الحضور عن الغياب في مخالفة واضحة للقانون. كان الهدف محددا. استغلال الحالة الأمنية وهلع الإدارة المستقيلة خشية الاعتقال لفرض إدارة جديدة تؤمن بفصل الأسرة تماما عن أي حراك سياسي. مع ذلك شكرتُ لمعظم الحضور موقفهم برفض أي نيل مباشر في الاجتماع من موقف الإدارة المستقيلة أو شخوصهم. فيما عدا الروائية فوزية رشيد التي تبرعت بأن تكون الأكثر نهشا في لحمنا. هي لا تزال كذلك حتى لحظة هذه الشهادة. دائما أتذكر قتالنا عن اختيار روايتها لتكون ضمن مائة مترجمة في مشروع الاتحاد العام للكتاب العرب.
1يونيو: رفع حالة السلامة الوطنية. تنفسنا الصعداء ربما ظاهريا. ظنا منا بأن حالة الطوارئ رفعت. يقال إن الملك اتخذ هذا القرار لوحده بعيدا عن نصيحة الطاقم الأمني المرعب بأن يطيل أمد الطوارئ حتى سبتمبر. لطالما كانت مشكلة هذا البلد – كأي بلد عربي - أن أجهزة الدولة الأمنية تكبح أية عملية إصلاحية. لم يحدث انفراج أمني وسياسي في هذا البلد إلا عبر تجاهل نصيحة الأجهزة الأمنية. مشكلتنا أن الملك لا يقوم بذلك كثيرا. و حين يقوم به أحيانا سرعان ما تستعيد الأجهزة حضورها وطغيانها بلباس آخر وهوية أخرى.
15 مارس – يونيو: حالة السلامة الوطنية. يا إلهي كم يكتشف الإنسان عظمة الشمس. مجرد وجودها كان يبعث الشعور بالاطمئنان. كانت تصلنا أنباء الاعتقالات الاستهدافية للناشطين ليلا أو فجرا. ما أن يحل المساء حتى أبادر إلى تطبيق نصيحة الزملاء. لا تأكل ولا تشرب كثيرا. لأنك في أول 24 ساعة اعتقال ستمنع من الحمام. نم بملابسك في الصالة. لئلا يدخل زوار الفجر غرفة نومك. وما أن تطلع الشمس حتى تشعر بشعور غريب وقوة غامضة مجهولة المصدر.كأنك تقول لنفسك: ليأتوا الآن. أنا على استعداد للاعتقال. وما أن يحل المساء التالي حتى يباغتك الرعب مرة أخرى.
لم يكن الاعتقال وحده ما يخيف. الاعتقال كان أهون الشرور. بالنظر إلى أنه سيكون معروفا في النهاية أين أنت. كان القتل خارج القانون وخارج الاعتقال هو الأخطر. قضى عبد الرسول الحجيري من بوري وسيد عدنان المحفوظ وسيد أحمد شمس من سار وغيرهم من أماكن أخرى بطريقة غامضة.
كان ملجؤنا الوحيد مقاهي الكوستا والستاربكس حيث ندردش ونعطي بعضنا أملا متصيدين أقل الإشارات أهمية ومبالغين في التفلسف والتحليل كعادة المثقفين.
1مايو: خصصت حلقة التليفزيون من برنامج المكارثية الإعلامية (الراصد) لأسرة الأدباء والكتاب. ظهرت صور الزملاء من المثقفين والشعراء في مسيرة المثقفين وجمعيات المجتمع المدني وعلى وجوههم دوائر كخونة ومتأمرين ومخططين لقلب الحكم ومختطفين للأسرة وناكري جميل الدولة التي رعت وساندت الكتاب وغير ذلك من البروباغندا الرخيصة. ظهرتُ في صورة قديمة وأنا أشكر الملك على تقديم بيت هبة كمقر للأسرة. لا أعرف ما علاقة هذا بحق الشاعر في أن يقول كلمته للنظام أو للقوى السياسية.
الشاعران الزميلان في الحلقة كانا في مأزق وحاولا بقدر ما إمساك العصا من المنتصف ليقولا كلمة هنا عن إدارتنا التي "سيست" العمل الثقافي ولكن ليضيفا أيضا عبارة هناك عن أن العامل السياسي كان دائما حاضرا في تاريخ الأسرة منذ فترة المد اليساري فيجبُّ هذا ذاك. أما الروائية فوزية رشيد فقد افترت وذهبت بعيدا جدا في تخويننا والنيل منا حتى ظننتُ أننا موشكون على الاعتقال الليلة، تأسيسا على سوابق أن كل حلقة عن مجموعة معينة في البرنامج المذكور كانت تنتهي بحل المنظمة أو اعتقال أفرادها. حدث هذا للرياضيين وغيرهم من النشطاء. لكنها عدت على خير حتى تسلم إدارة الأسرة الفريق الذي كلف باستلامها منا.
إبريل: اشتدت الهجمة الأمنية والإعلامية على كل المعارضين. كنقابي شهدتُ انطلاق عمليات فصل ووقف العمال من كل مواقعهم أطباء مهندسين ممرضين عمال مدرسين تجار خاصة بعد صدور كلام مضمونه "لا عفو عما سلف" و حملة صحافية وتليفزيونية مسعورة لم أجد لها مثيلا في حياتي. ورأيت عوائل بأكملها تتدفق على مقر النقابة فتجد الأب والأم والأبناء مفصولين أو موقوفين وممنوعين من الحصول على تأمين التعطل بل وممنوعين حتى من تسجيل حالة الفصل. برغم هذا هم يبتسمون. احترتُ في فهم هذا الشعب الذي لا تفارق البسمة محياه وهو في عين الكارثة.
18 مارس: في الصباح الباكر جاءت الجرافات وهدمت دوار اللؤلؤة وبرر وزير الخارجية للتخلص من ذكرى سيئة.
14 مارس: هجمت قوات ما يسمى بدرع الجزيرة والتي قوامها قوات السعودية والإمارات رافعة علامة النصر ومسبوقة ببروباغندا حقيرة لن أغفرها ما حييت بأن هذا التدخل جاء لأنقاذ البحرين من مؤامرة احتلال بين المعارضة والخارج. ذهبت القوات في لباس القوى المحلية واشتبكت بحسب روايات المحتجين مع الناس في القرى وخاصة سترة وقتل وأصيب عدد من الأبرياء المسالمين. كتبتُ يومها لزميل لم يعد كذلك اليوم، عارضا عليه أن يقوم بتشكيل صوت من المثقفين ليبراليي الهوى وأن يكونوا منتمين طائفيا لمن هم محسوبين على النظام ليقولوا كلمة حق بين المعارضة والموالاة. أذكر أني قلت له إن ما سيفعله درع الجزيرة بهذه الجزيرة الصغيرة سيكون مروعا. ذكرتُ له أني لا أصلح لمهمة كهذه لأني معارض. لكنه رد بتجاهل وتقليل من شأن ما حذرت منه. فيما بعد وحتى اليوم سيتبرع هذا المثقف بإنشاء الرافعة الفقهية الليبرالية للنظام التي ستكرس مقولة إن ما حدث لم يكن سوى عدوان جماعات ظلامية تريد إنشاء دولة ولاية فقيه بالتأمر مع القوى الإقليمية.
13 مارس: هجوم قوات الأمن على المعتصمين في منطقة المرفأ المالي. هجوم البلطجية وقوات الأمن على الجامعة وافتعال اشتباكات ليتهم فيها الطلبة المتظاهرون بالتخريب. هجوم على مدارس الطلبة وافتعال اشتباكات فئوية بين الطالبات على أسس عرقية وطائفية. دعوة النقابات إلى الإضراب العام.
12 مارس: الآلاف يزحفون على قصر الصافرية الملكي هاتفين بسقوط النظام.
11 مارس: مسيرة الديوان الملكي والأمن يطلق أوباش البلطجية على الناس ليفتعل معركة أهلية يتدخل بعدها لصالح أحد الطرفين.
10 مارس: دول التعاون الخليجي تقر 20 مليون دولار للبحرين وعمان لإصلاح أوضاعهما. ذريعة مناسبة للمزيد من ابتزاز تقوم البحرين لدول مجلس التعاون بواسطة دمائنا. كل ما متنا أكثر زاد رصيد ما يحصلون عليه من دول التعاون.
8 مارس: الائتلاف من أجل الجمهورية المدنية يدعو إلى إسقاط النظام.
7مارس: تظاهرنا أمام السفارة الأمريكية منتقدين صمت الولايات المتحدة مقارنة بموقفها مع احتجاجات تونس ومصر.
6 مارس: اعتصمنا بالآلاف أمام مقر الحكومة مطالبين بإسقاطها.
5 مارس: سلسلة بشرية بالآلاف مناهضة للطائفية من منطقة الفاتح حتى دوار اللؤلؤة.
2 مارس: أنباء عن مشروع مارشال خليجي للبحرين وعمان لتوفير مزيد من الأموال والوظائف.
28 فبراير: سياج بشري حول البرلمان والتليفزيون احتجاجا على مواقفهما المخزية من الحركة المطلبية.
27 فبراير: عودة بعض قيادات المعارضة من المنفى.
26 فبراير: مسيرة المثقفين من كتاب وفنانين وناشطين ومنظمات المجتمع المدني. قادتها إدارة أسرة الأدباء والكتاب بشكل أساسي تحت شعار سكته الأسرة وهو (اشهقي أيتها الحرية لئلا يصاب العالم بالبكم). من مجمع الدانة إلى دوار اللؤلؤة. ستصبح هذه المسيرة لاحقا بعد تصوير كل صف فيها وكل وجه مشارك بكاميرا المخابرات هي الأرضية التي سيفصل عليها العمال والموظفون فعقاب كل من له صورة طرد تعسفي من العمل أو اعتقال وتعذيب أو مضايقات في أحسن الأحوال. في مساء نفس اليوم زرنا الجرحى في المركز الطبي وحملنا لهم الأزهار.
20 فبراير: تدفق الناس على دوار اللؤلؤة بعد انسحاب قوات الجيش والأمن بأمر من ولي العهد. سيستمر هذا الاعتصام والفعاليات باطمئنان من الناس بينما كانت الحكومة طوال هذه الفترة توثق كل شيء وتصور كل الوجوه والحركات وصفوف المسيرات. سنكتشف بعد هدم الدوار وفرض حالة السلامة الوطنية أن الفترة من 20 فبراير – 15 مارس كانت لجمع المعلومات من أجل الانتقام.
19 فبراير: النقابات تعلن الإضراب عن العمل ما لم تنسحب قوات الجيش والأمن من الطرقات وتضمن الحكومة حرية التظاهر.
فجر 17 فبراير: دوار اللؤلؤة ممتلئ بالناس. الثالثة فجرا، داهمت قوات الأمن المحتجين المسالمين. سقوط أربعة شهداء وعدد من الجرحى نتيجة للهجوم الغادر.
16 فبراير: شيعنا الشهيد الثاني فاضل المتروك الذي سقط أثناء تشييع الشهيد الأول. توجهنا بالآلاف إلى المشرحة. بعد استلام جثة الشهيد انطلقنا إلى مقبرة الماحوز. الهتافات تحيي روح الشهيد وتنادي بإسقاط النظام.
15 فبراير: تشييع الشهيد الأول من داخل مجمع السلمانية الطبي إلى المقبرة. ضربت مسيرة التشييع فسقط الشهيد الثاني. داخل المستشفى أطلق غاز الدموع. اقتلع صديقي زهرة من نبات المشموم المستخدم للأعراس والأحزان وللأفراح والجنائز. طلب مني أن أشمه. اكتشفت فائدة جديدة للمشموم هي مقاومة مسيل الدموع. بدءا من هذا اليوم توجه الآلاف إلى دوار اللؤلؤة لتبدأ مرحلة الاعتصام فيه منذ ذلك اليوم.
14 فبراير: شهد صباح هذا اليوم تجمعات متفرقة في عدد من القرى منذ الفجر حيث سقط الشهيد الأول في هذا اليوم وهو الشاب علي مشيمع في منطقة الديه ما ألهب حماس الناس لتتحول إلى شعار إسقاط النظام.
*كاتب ونقابي وشاعر بحريني، وهذه شهادته كمثقف ونقابي.
اقرأ أيضا
- 2024-11-25هل تُقفل السلطة ملفات الأزمة في ديسمبر 2024؟
- 2024-11-13صلاة الجمعة.. لا بيع أو شراء في الشعيرة المقدّسة
- 2024-11-13ملك المستعمرة أم ملك البحرين: كيف تتعامل المملكة المتحدة مع مستعمرتها القديمة؟ ولماذا لم تعد تثير أسئلة حقوق الإنسان على فارس صليبها الأعظم؟
- 2024-11-05الجولة الخائبة
- 2024-11-03هكذا نفخت السلطة في نار "الحرب" على غزة كتاب أمريكي جديد يكشف دور زعماء 5 دول عربية منها البحرين في تأييد عمليات الإبادة