موقع جاكوب ميناغ: "نموذج ميامي" في البحرين
لوكاس وايمان - موقع جاكوب ميناغ - 2016-09-21 - 4:32 م
ترجمة مرآة البحرين
الأسبوع الماضي، توفي جون تيموني -الرّئيس السّابق لقسم شرطة نيويورك الذي تولى قيادة قوات الشّرطة في فيلادلفيا وميامي- عن عمر 86 عامًا.
وبالنّسبة لشرطي أمضى عقودًا في دائرة الضّوء، فلقد كانت بيانات الرّثاء لامعة.
صحيفة النّيويورك تايمز وصفت تيموني كشرطي "امتلك الجرأة على تغيير العقول، في كل قسم شرطة على حدة".
بيان نعي آخر في التّايمز ذكر جذوره في الطّبقة العاملة، وشهاداته في التّاريخ والتّخطيط الحضري، مشيرًا إلى أن رئيس الشّرطة "رسم استراتيجيات مبتكرة ساعدت في عكس سنوات التّزايد الصّاروخي في عالم الجريمة".
ووفقًا لصحيفة النّيويوركر، "كان جون تيموني شرطيًا جيدًا. وليس شيئًا صغيرًا في أمريكا، في العام 2016".
ولكن بالنّسبة لناقدي السّياسات العسكرية في الولايات المتحدة، يحضر تيموني في الذّاكرة لريادته في استخدام القوة المفرطة ضد المتظاهرين.
في المؤتمر الوطني لحزب الجمهوري في العام 2000 في فيلادلفيا -ومرة أخرى في منطقة التّجارة الحرة في قمة الأمريكيتين في ميامي- استخدم تيموني سلسلة من طرائق قمع الحشود عُرِفت لاحقًا باسم "نموذج ميامي": اعتقالات جماعية تبعتها أحكام براءة جماعية؛ تجريم التّجمع السّلمي من خلال الحرمان من تصاريح الاحتجاج ومنع أمور الحياة اليومية، حجز المراسلين، وتجنيد "عملاء" في جماعات المعارضين؛ والاستخدام غير المحدود للغاز المسيل للّدموع، والرّصاص المطاطي، وغير ذك من الأسلحة "الأقل فتكًا".
وكذلك ذكرت التّايمز وميامي هيرالد وتقريبًا أي وسيلة إعلامية أخرى ما بدا أنّه لا يتوافق مع خط السّيرة الذّاتية لتيموني: مستشار في وزارة الدّاخلية البحرينية بين العامين 2011 و2013.
لكن العلاقة بالبحرين لم تكن أمرًا مفاجئًا، ولا عرضيًا كما قد يبدو من الوهلة الأولى.
أتينا، شاهدنا، وضُرِبنا بالهراوات
كان تيموني بعيدًا جدًا عن "الخبير الأول" الذي تم إحضاره لإصلاح الشّرطة البحرينية.
برزت القوة في أوائل القرن العشرين حيث سعى مسؤولو الإمبراطورية البريطانية إلى إضفاء الطابع المهني -وبذل المزيد من السّيطرة- على قوات الأمن في الجزيرة، والتي كانت مكونة منذ مدى طويل من حراس شخصيين وظفتهم الأسرة الحاكمة وكبار التّجار.
في البداية، كان غير البحرينيين جوهر القوة. المسؤولون المستعمرون حاولوا تفادي تدريب القوى العاملة المحلية بهدف الحد من التّكلفة واعتقد كثيرون أن البحرينيين كانوا على المستوى العنصري أو الثقافي لا يناسبون عمل الشّرطة.
بدلًا من ذلك، اعتمدوا على قوات الشّرطة من كافة أنحاء الإمبراطورية، وكانوا أنفسهم غالبًا من بين ما يُدعى بـ "الأنواع القتالية" المستخدمة كتعزيزات من قناة السّويس حتى سنغافورة.
في الثّلاثينيات، عملت قوات الشّرطة المختصة بالتّعاون مع قوات الأمن الخاصة بشركات النّفط من أجل حماية البنية التّحتية الهامة للنّفط والغاز، وكذلك الأوروبيين والأمريكيين الذين يديرونها.
وكما كتب روبرت فيتاليس وآخرون، أنشأت شركات النّفط الأمريكية والبريطانية في أرجاء الخليج مناطق معزولة لموظفيها "الكبار"، والتي كانت بيضاء حصريًا على نحو تقريبي دائم.
وكان لهؤلاء "المسؤولين الكبار" أحواض السّباحة الخاصة بهم، ومستشفياتهم وأحياء مرتبة مع تكييف مركزي.
ومع تراجع برامج التّدريب للمحليين في البحرين وبدء الشّركات الخاصة بتوظيف أعداد متزايدة من العمال المهرة من خارج الجزيرة، وجدت الشّرطة نفسها مشغولة بالاحتجاجات العمالية المتزايدة التي طالبت بإنهاء التّمييز وتوزيع أكثر عدلًا للموارد.
بعد الاستقلال، وخصوصًا بعد الثّورة الإيرانية، تم النّظر إلى هذه التّوترات من خلال عدسة تزداد طائفية.
سعت الأسرة المالكة لأن تموضع نفسها على أنها المعقل السّني في وجه التّوسع الإيراني، ومالت، أكثر من أي وقت مضى، إلى الاعتماد على السّعودية، جارتها القوية.
النّسبة الكبيرة من الشّيعة من سكان البحرين، التي لطالما تم عزلها عن الأسواق الحضرية السّاحلية الأكثر ربحًا، واجهت ازدياد التّمييز الواضح والقاسي.
لكن حتى مع تغير هدف الشّرطة في ذلك القرن، بقي المستشارون الأجانب أساسيين. ترأس بريتون جيم بيل القوة في السّبعينيات، في حين اتّهم إيان هندرسون، وهو ضابط بريطاني سابق، بتعذيب المعتقلين لصالح الدّولة البحرينية حتى التّسعينيات.
وكمركز للأسطول الأمريكي الخامس، القوة البحرية الواقفة بين إيران وأكبر احتياطيات النّفط في العالم، لطالما نُظِر إلى البحرين على أنّها مركز استراتيجي من المهم التّحالف معه. لا أحد يريد كبح جماح المرتزقة.
أدخلوا الشّرطي الخارق
انفجرت التّوترات في العام 2011. وردًا على التّظاهرات الجماعية، لجأت قوات الأمن إلى تكتيكات كانت روتينية وشيطانية في الوقت ذاته: اعتقال الآلاف تعسفيًا، وتعذيب المعارضين، (حتى الموت أحيانًا)، وحتى اضطهاد الكادر الطبي الذي عالج المحتجين الجرحى.
على الرّغم من ذلك، خلق كل هذا مشكلة جدية على مستوى الصّورة. بعد تجاوز كل الرّوادع في سحق الانتفاضة، وفي يونيو/حزيران وظفت الحكومة البحرينية فريقًا من خبراء حقوق الإنسان المعروفين دوليًا وأعلنت أنّها ستطلق تحقيقًا واسع النّطاق بشأن الأحداث.
وفي نوفمبر/تشرين الثّاني، صدر تقرير "اللّجنة البحرينية المستقلة لتقصي الحقائق".
وكاعتراف بالذنب، كان التّقرير صريحًا ومباشرًا، ووثّق الانتهاكات والتّعذيب المنهجي من قبل قوات الأمن وصولًا إلى أعلى المستويات.
لكن بدلًا من مواجهة التّمييز والفساد المنهجي، والحكم التّعسفي الذي تسبب بالاحتجاجات، وظفت البحرين شركات علاقات عامة إضافية من الولايات المتحدة وبريطانيا، وأنفقت الملايين في حملة متواصلة لتشكيل رسالة جديدة.
النّخب البحرينية انتهجت عدم تسييس الانتهاكات المتواصلة لحقوق الإنسان، بدلًا من تأطيرها كمسألة "للتّطوير". قوات الأمن كانت ببساطة غير مستعدة ومغلوبة على أمرها؛ لم تكن مدربة بشكل كافٍ؛ ولم تكن مهنية بما فيه الكفاية.
تمت إعادة صياغة الاستنتاجات القاسية للتّقرير في دعوة من أجل إنفاق المزيد على الأجهزة القمعية للحكومة، باستخدام خطابات التّخصصية والمهنية التي قد تكون مألوفة للمسؤولين البريطانيين في الثّلاثينيات. وحتى حل المشكلة كان ذاته: المزيد من خبراء الأمن الأجانب.
لإيجادهم، تواصلت البحرين مع السّفارة الأمريكية، التي أصبحت نوعًا من جهة توظيف، تربط بين السّماسرة البحرينيين ورجال الشّرطة الأمريكيين المخضرمين.
وفي وثيقة مذهلة لويكيليكس سربتها منظمة بحرين ووتش، سلّطت السّفارة الضّوء على عرض وظيفة "ما يقرب من 300 ألف دولار + بدل سكن + سيارة+ إجازتان مدفوعتان (بما في ذلك تذاكر طيران للعودة إلى الوطن كل عام) كحد الأدنى للبداية"، ولفت إلى أن البحث "يُنظَر إليه على أنّه فرصة التزام مع حليف أساسي خارج النّاتو".
هناك شرطي صارم، ذو سمعة حديدية، تيموني، كان الرّجل المناسب لتلك المهمة.
وفي تغريدة معبرة، قالت وزارة الدّاخلية البحرينية إنه "تم اختيار تيموني من بين لائحة من "الشّرطيين الخارقين" ذوي "الخبرة الكبيرة والمُثبتة".
في نهاية المطاف، تم الإعلان عن أن الوزارة كانت تهيئ مجموعة "ذات خبرة في هذا المجال" وأن تيموني سيكون لديه فريقه الخاص الذي يتواصل مباشرة مع الوزير.
الغضب أكثر من أي شيء
من المستحيل معرفة ما الذي فعله تيموني تحديدًا في الوزارة.
لكن هناك أمران واضحان. الأول، أن تيموني تصدر نهج الحكومة بأن الاضطراب كان يعود إلى مثيري شغب شباب يجب مواجهتهم بأجهزة أمن عسكرية.
والثّاني، أن الشّرطة في كل من البحرين وميامي تعمل بطرق متشابهة على نحو بارز.
حين استلم تيموني منصبه في البحرين، أثار عدد من وسائل الإعلام، على نحو مفهوم، أسئلة بشأن قراره. وبالحديث إلى الإذاعة الوطنية العامة، نفى تيموني مرارًا كونه يلعب دورًا سياسيًا، لكنه مع ذلك قال إنّه "هناك بعض الجهود باتجاه الإصلاح السّياسي". وزعم أيضًا أنّه تحدث إلى الملك، قائلًا إنه "من الواضح أن هناك وعي، إذا صح التّعبير، موقف للحصول على الشّيء الصّحيح".
كان تيموني سريعًا في الإشارة إلى مقتل عدة رجال شرطة بحرينيين في الانتفاضة البحرينية، وأنّه "هناك حوالي أربع أو خمس أجانب تمت مهاجمتهم من قبل الحشود".
باستخدامه مصطلح غير المواطنين من طبقات عليا، وتأطيره المتظاهرين كتهديد لأمنهم، أعاد تيموني إحياء مخاوف شركات النّفط الإنكليزية-الأمريكية منذ حوالي نصف قرن مضى.
أطّر تيموني عمله بصورة فنية، لإقامة "مدونة سلوك جديدة للشّرطة" و"نظام مساءلة" والمساعدة في "الإصلاحات". كانت الاحتجاجات قد أصبحت خطيرة لأنها أعاقت السّير في "الشّوارع الضّيقة" في البحرين، وهي حجة سرعان ما تبنتها الحكومة نفسها.
وبمروره بشكل فعال على تاريخ القرن العشرين للبحرين، أطر الاحتجاجات كصدمة، قائلًا "إني لا أعتقد أننا شهدنا هذا النوع من الاضطراب في الماضي". الرواية كانت خيالًا كاملًا، لكنها كانت تحديدًا ما أرادت الدّولة البحرينية سماعه.
الآراء المعلن عنها سابقًا لتيموني بشأن المتظاهرين، بدت مشابهة لآراء النّظام البحريني. قبل ميثاق العام 2000، أعلن رسميًا أن "ما لدينا هنا -أصبح واضحًا بالنّسبة لي- هم متآمرون، وليس هناك اسم آخر نطلقه عليهم -الأشخاص الذين يجتمعون ويتآمرون للدخول إلى مدينة بعد مدينة، للتّسبب بالفوضى، وارتكاب العنف ضد عناصر الشّرطة والمواطنين".
هذا الموقف أدى إلى عدم تسييس الاحتجاجات في البحرين أيضًا.
وفي مقال لرويترز تحت عنوان "البحرين جدية بشأن الإصلاح لكن عنف الشّباب يمثل مشكلة"، اقتُبِس عن تيموني قوله إن "الأطفال يظهرون في الساحة ويسخرون من ضباط الشّرطة ويرمون المولوتوف والقضبان الحديدية، عادة في الأزقة الخلفية. من الصعب إيجاد رسالة سياسية تأتي من وراء هذا. إنه الغضب أكثر من أي شيء آخر".
وقال تيموني للغلف نيوز إن "رجال الشّرطة الذين يذهبون ببساطة للقيام بواجباتهم اليومية ويواجهون قنابل المولوتوف، والآن، في الأشهر القليلة الماضية، التّفجيرات. الإشارة إلى أن هؤلاء الأشخاص محتجون أمر مخادع ومضلل وكل التّغطية الشّاملة من قبل الصّحافة الغربية ليست بعيدة عن التّحيز إلى اتجاه محدد".
إرث من العنف
تيموني والنّظام البحريني كانا متناغمين تمامًا -وليس فقط على مستوى الخطاب.
في فيلادلفيا وميامي، استخدمت شرطة تيموني القوة والتّهويل لمنع المحتجين من ممارسة حقوقهم في حرية التّعبير.
وحين رفع اتحاد الحريات المدنية الأمريكية دعوى قضائية في أعقاب حادثة ميامي، صرح رئيسه المحلي بأن ""نموذج ميامي" كان تكتيكًا للشّرطة صُمّم لتهويل المتظاهرين السّياسيين وإسكات المعارضة وتجريم الاحتجاج ضد سياسات الحكومة".
حتى تقرير مدينة ميامي نفسها في العام 2006 بشأن الاحتجاجات توصل إلى ذلك في بعض المواقف، حيث قال إن شرطة ميامي "لم تحم بشكل مناسب حقوق التّعديل الأول للمتظاهرين".
في الواقع، "الوجود السّاحق لعناصر الشّرطة الذين يرتدون ملابس مكافحة الشّغب هول المتظاهرين وردعهم عن ممارسة حقوقهم وفق التّعديل الأول"، في حين "تم استخدام القوة بشكل عشوائي ضد المتظاهرين".
الصّحافيون القلائل الذين تجاهلوا التّعليمات لـ "حماية أنفسهم" مع الشّرطة المحلية رووا قصة مماثلة. ووفقًا لمقال في البوسطن غلوب، "أفادت حوالي 40 وكالة عن إرسال 2500 عنصرًا يرتدون دروعًا واقية إلى المدينة، سيرًا إلى وسط مدينة ميامي مع دخولهم مشاة وعلى الدّراجات وفي السّيارات وعلى الأحصنة ومسيطرين على التّقاطعات الهامة".
على الرّغم من ذلك، كانت طائرات الهليكوبتر تغطي الاحتجاجات على نطاق واسع بسبب القوانين المقيدة للصّحافة، الأمر الذي ساعد شرطة ميامي على إظهار المحتجين كمصدر للعنف، وتجنب القلق الأكبر لتيموني في اتفاقية فيلادلفيا:
"دعوني أقدم لكم هدفكم، الهدف العام، الهدف الوحيد الذي أردته، الهدف الأسمى لقسم الشّرطة في فيلادلفيا. أن لا نظهر في نشرة أخبار السّاعة السّادسة مساء نضرب المحتجين في وضح النهار. لقد كان هذا الهدف الأول".
على نحو غير مفاجئ، بدا أن "إصلاحات" تيموني في البحرين كانت تجميلية محض.
النّصر الوحيد الذي بدا أنّه ذكره بشكل خاص هو أنه تم وضع كاميرات في بعض مراكز الشّرطة. لكن قوات الأمن البحرينية تجاوزت هذا القيد إما من خلال تعذيب المحتجين في مراكز ليس فيها كاميرات، أو ببساطة من خلال تجاهل كل ادعاءات وأدلة الانتهاكات.
بدلًا من ذلك، كان التّأثير الأكبر لتيموني في كل من البحرين والولايات المتحدة عمله على تحويل الاحتجاجات من أعمال سياسية شرعية إلى تعبيرات غير عقلانية عن الغضب، بحيث لا يمكن الرّد عليها إلا بالشّرطة العسكرية المهنية.
تم إسكات التّمييز والإرهاب اللّذان أثارا الحراك العام، في حين تم وسم النّشطاء -الذين تعرضوا في البحرين لأخطار قاتلة في كل مرة شاركوا فيها بمظاهرة - بمثيري الشّغب.
بعيدًا عن ما يمثل قطيعة مع الماضي، بنى تيموني إرثًا عالميًا للشّرطة كمعزز لسيادة الرّجل الأبيض والتسّلسل الإمبراطوري. في البحرين المعاصرة، أعيد توظيف هذا النّوع من الخبرة لدعم نظام قمعي وسياساته المناهضة للشّيعة.
الرّثاءات المتوهجة لتيموني في الصّحافة الرّئيسية تدعي أنه شكل استثناء نادرًا، "شرطيًا خارقًا" في حقل مليء بالتّفاح الفاسد.
لكن كما رأينا الأمر من فيرغسون إلى القاهرة، ومن المنامة إلى ميامي، فإن إرث العنف والقمع الذي خلّفه تيموني بعيد عن كونه استثنائيًا.
- 2024-11-13وسط انتقادات للزيارة .. ملك بريطانيا يستضيف ملك البحرين في وندسور
- 2024-08-19"تعذيب نفسي" للمعتقلين في سجن جو
- 2024-07-07علي الحاجي في إطلالة داخلية على قوانين إصلاح السجون في البحرين: 10 أعوام من الفشل في التنفيذ
- 2024-07-02الوداعي يحصل على الجنسية البريطانية بعد أن هدّد باتخاذ إجراءات قانونية
- 2024-06-21وزارة الخارجية تمنع الجنسية البريطانية عن ناشط بحريني بارز