الطائفة المخطوفة : لماذا وقفت الطائفة السنية ضد الربيع البحريني؟

عباس المرشد - 2012-03-08 - 7:50 ص


عباس المرشد*

إن تعبير اختطاف الطائفة السنية ليس عبارة مجازية للتهويل بقدر ما تعكس حقيقة اجتماعية تلجأ إليها الأنظمة لحماية نفسها وتحطيم خصومها. فالطائفة السنية تعيش تحت وابل من التهديد والتخويف والإرهاب المنظم الذي تمارسه مؤسسات النظام وقيادات الموالاة بهدف توظيف الطائفة السنية في صراع السلطة مع قوى المعارضة دون أن تكون هناك مكتسبات حقيقية للطائفة السنية فما يحصل هو توزيع ما يعتبر غنائم على مجموعات متربطة عضويا بالنظام ويوحى للطائفة السنية أن لديها القابلية لأن تحصل على ما يحصل عليه أولئك لو اندكوا واندمجوا مع النظام وتحولوا لأدوات مبرمجة في أيدى تلك القيادات السياسية الموالية.

يؤكد هذا التحليل أعداد المشاركين والمؤيدين لما عرف بتجمع الفاتح والذي تحول لجمعية سياسية تحت اسم تجمع الوحدة الوطنية. فالأرقام الرسمية التي تصر الأدوات الإعلامية على تسويقها تناهز نصف سكان البحرين وثلثي المواطنين في حين أن الأعداد الاقرب للواقع لا تتجاوز الخمسين ألفا يشلمون السكان والمواطنين وبعض مواطني دول مجلس التعاون الخليجي.

فمثل هذه الحيلة الإعلامية لا تستهدف الرأي العام المراقب فقط وإنما تستهدف الطائفة السنية بكامل ألوانها لتعيش تحت هيمنة تلك القوى الموالية من جهة وأن تخضع للابتزاز تحت ذريعة الإرهاب والقتل والحرب الأهلية التي ستكون عليها البحرين في حالة تنامي قوة قوى المعارضة وعدم التصدى لمشاريعها.ولعل إشارة ملك البحرين في لقائه مع ملتقى الإعلاميين الشباب مطلع مارس 2012 وإشارته إلى أن شعب البحرين سنة وشيعة قد جاء من الزبارة هي واحدة من ضمن هذه الأساطير المؤسسة لشرعية الاستلاب والابتزاز.

إذن نحن أمام مجموعة من الأوهام والأساطير المؤسسة لشرعية نظام الحكم يتم توظيفها بدقة متناهية في استمرار اختطاف الطائفة السنية وإبقائها تحت استلاب سياسي واجتماعي فالطائفة السنية في البحرين تعيش وضعا مختلفا عن مثيلاتها في البلدان العربية من حيث سقف مطالبها السياسية ونمطية نظرتها للحراك الديمقراطي الذي عرف بالربيع العربي. بل إن هذا الاختلاف يطال الطائفة السنية في دول الخليج العربية حيث تعيش الطائفة السنية في تلك الدول أوضاعا اقتصادية أفضل حالا بكثير من الطائفة السنية في البحرين ويكاد تنطلبق عليها قاعدة "دولة الرفاهية" من حيث انعدام الضرائب مقابل غياب التمثيل السياسي وخدمات الرعاية التي تقدمها الدولة للمواطنين.

في فترات متأخرة لم تكن هذه الوضعية التقليدية والمتلاحمة مع النظام بمثل هذه القوة وهذا التأثير فالعديد من القيادات السياسية المعارضة كانت من الطائفة السنية مثل عبد الرحمن الباكر وعبد العزيز الشملان وعلي فخرو وبالرجوع لقائمة الأسماء الخاصة بالتنظيمات السياسية التي برزت بعد وأد حركة 1954 يمكن فرز أسماء كثيرة من الطائفة السنية كمعارضين شرسين ومن أهم العلائلات السنية كالذواذي والعجاجي والبونفور وسنجد أيضا قوائم خاصة بالهولة منخرطين في صفوف قوى المعارضة الوطنية.

يمكن الإشارة هنا إلى أن التنظيمات السياسية السنية حاليا حتى أواخر السبعينات كانت منبوذة في أوساط الطائفة السنية ومحل إزدراء وغالبا ما يتم توجيه الاتهامات لها بالعمالة والمصلحية والارتباطات المشبوهة مع أركان الحكم. فعلى سبيل المثال يشير الباكر في مذكراته إلى أن جماعة الإخوان المسلمين هم شرذمة قليلون يقفون ضد الحركة الوطنية حتى في أبسط صورها.

السؤال عن كيف تمت عملية استلاب الطائفة السنية وخطفها من مجال المعارضة والحراك السياسي الفعال لحيز الموالاة والخمول السياسي بل والمزايدة على مواقف النظام من الديمقراطية والحريات العامة، يتطلب ذلك فحص وضعية الاتجاهات السائدة حاليا لدى الطائفة السنية.

عمليا تتوزع الطائفة السنية على ثلاثة اتجاهات رئيسية مثلها مثل أي مكون اجتماعي أو طائفي:

الاتجاه الأول : الجماعات المندكة مع النظام والمتلاحمة معه بشكل عضوي من خلال مصاهرات تزاوجية وعبر شبكات مصالح اقتصادية ممثلة في إدارة مشاريع اقتصادية وتجارية وفي الإطار نفسه نجد مفاعيل قانون الحظوة المعمول به من قبل النظام الذي يعتبر كنوع من الرشوة الاجتماعية والسياسية. يمثل هذا الاتجاه العائلات السنية الكبيرة في البحرين ذات الأصول القبلية ( تزواج) وفي الجمعيات السياسية الموالية مثل جماعة الإخوان المسلمين والجماعات السلفية (مشاريع/ حظوة) وفي بعض التكوينات الليبرالية ذات التاريخ اليساري ( حظوة).

الاتجاه الثاني: الجماعات التي تفتقد لمقومات العلاقة مع النظام ( مصاهرات/ مشاريع/ حظوة) وبتعبير فؤاد الخوري فإن أصول هذه الجماعات إما أن تكون مدينية أو من أصول قبلية أقل درجة من نفوذ القبائل المتحالفة مع النظام تاريخيا. وتتأرجح هذه المجموعات في توجهاتها السياسية ما بين المعارضة الناعمة والموالاة المندكة مع النظام.

الاتجاه الثالث: الجماعات السياسية المعارضة وهي عبارة عن خليط غير متجانس من الأفراد الخارجين على انتماءتهم التقليدية وفي الغالب هم منتمون لبعض التيارات السياسية التي نشات فترة صعود قوى المعارضة في ستينات وسبعينات القرن الماضي مثل الجبهة الشعبية وجبهة التحرير وحركة القوميين العرب.

في المرحلة السابقة فإن الاتجاه الأول كان ضعيفا وهزيلا  مقارنة بوضعه الحالي الذي يكاد يسيطر على تفكير وتشكيل الحراك الخاص بالطائفة السنية. وبالمثل فقد تراجع كل من الاتجاه الثاني والاتجاه الثالث لصالح الاتجاه الأول راسما هذا الحراك استراتيجيات احتواء وتدجين قام بها زعماء الاتجاه الاول وحكماء النظام لمواجهة خطر صعود وتزايد قوة القوى المعارضة بكافة أطيافها.

من ناحية تحليلية يمكن وضع مجموعة من الاستراتيجيات التي ساعدت النظام على اختطاف الطائفة السنية وتحويلها لطائفة مستلبة الحقوق ومشوهة المطالب وهو وضع يتحمل النظام والقيادات السنية مسئوليته تماما.

أولا: قدرة الأجهزة الامنية على القضاء وتحجيم التنظيمات السياسية المختلطة طائفيا وعزل القوى المعارضة ذات الاتجاه الطائفي عن باقي المكونات الاجتماعية والسياسية الأخرى. فعبر تحجيم التنظيمات المختلطة طائفيا وعزل الطوائف المعارضة تتضاءل فرص تجنيد أفراد الطائفة السنية خارج الوعي الطائفي أو خارج التنظيمات السياسية الموالية. وهذا ما حدث بالفعل عندما استطاعت الأجهزة الأمنية أن تحجم دور الجبهة الشعبية وجبهة التحرير واتحاد الطلبة وغيرها من التنظيمات المختلطة وأن تعزل القوى الإسلامية الشيعية الصاعدة لكي تصبح الطائفة السنية مكشوفة ومعزولة أيضا ومعرضة لأن تعيش المعاناة والحرمان مقابل انخراطها في المشروع السياسي الخاص بالنظام والموالاة.

ثانيا: تبني النظام والموالاة  النخبة السياسية المغلقة التي يحكم السيطرة عليها والتففن في إدماج من يرغب وإقصاء من يريد وقد ظلت هذه المعادلة قائمة منذ 1975 حتى 2002 ومن ثم طور النظام مفهوم النخبة بمعادل مكافئ في الانتخابات والتحكم فيها عبر رسم الدوائر الانتخابية وتهيئة النخب البرلمانية المعدة سلفا لشغل هذه الدوائر المغلقة على الطائفة السنية مقابل الدوائر المغلقة على الطائفة الشيعية. وإذا كانت الدوائر الشيعية مغلقة على قوى المعارضة فمن المهم أن تكون الدوائر السنية مغلقة على النظام ليحكم بها ميزان القوى السياسي.

ثالثا: احتكار الذاكرة والهوية الاجتماعية من أجل انتاج منظومات مفاهيمية خاصة تدعم النمط التوراثي البلي لنظام الحكم وقد تاتي ذلك من خلال محاولة رسمنة " جعلها رسمية" اللهجة البحرينية في المسلسلات والبرامج التلفزيونية والإذاعية ومن خلال تصوير البحرين أحادية المذهب وتغييب الانقسام الاجتماعي والطائفي تحت ذريعة الوحدة الوطنية. وقد وفت هذه الاستراتيجية مجموعة هائلة من الآليات الداعمة لاختطاف الطائفة السنية وعزلها عن محيطها الاجتماعي سواء في مشاريع الإسكان أو مشاريع الذاكرة السياسية وكتابة التاريخ وفق وجهة نظر حكومية.

تحت هذه الاستراتيجيات تقع الكثير من الآليات التنفيذية والخطط الأمنية والثقافية ولعل انتشار فضحية تقرير البندر قد كشف جزءا كبيرا من الرؤية الاستراتيجية التي تحاول تدجين الطائفة السنية تحت عنوان مقاومة الخطر الشيعي. وفي الواقع فإن الدور الذي يبدو عليه واقع الطائفة السنية في تقرير البندر ما هو إلا واقع القيادات الموالية وتعزيز مكانتها أمام احتمالات التطور الديمقراطي وصعوده بما يهدد استراتيجيات العزل الطائفي وينهي عملية الاستلاب والاختطاف للطائفة السنية.

شكل قيام ثورة 14 فبراير 2011 وصعودها المفاجئ إرباكا شديد وصعبا للنظام وبات من الواضح أن هناك التفافا شعبيا حول الحراك السياسي الجديد وأن هناك رغبة شعبية ربما تداخلت معها العوامل الطائفية والسياسية للدخول فيما عرف بالزمن الجديد وهو زمن يقوم على تمجيد الإرادة الشعبية والارتكاز على المطالب الديمقراطية ممثلة في حق تقرير المصير والعدالة والحرية. من هنا وجد النظام نفسه محاصرا ومحتاجا لأن يطلق استراتيجيات وآليات جديدة تحافظ على موقع الطائفة السنية في المعادلة السياسية وهو الإقصاء والإبعاد الحقيقي مفضلا بقاء السنة في الاستلاب والاختطاف.

في ما تبقى من هذه المقالة سنناقش تفاصيل عملية اختطاف الطائفة السنية وكيف قدر لها ليس أن تكون معزولة عن الربيع العربي والربيع البحريني وحسب بل أن تتوحد مع خاطفيها وتتدافع عنهم في شكل درامي.

*كاتب بحريني.

التعليقات
التعليقات المنشورة لا تعبر بالضرورة عن رأي الموقع

comments powered by Disqus