» رأي
9 مارس: استفتاء الوجود والتغيير
عادل مرزوق - 2012-03-05 - 9:58 ص
عادل مرزوق*
بحجم التحديات القائمة، وتفاصيل صراعات الإقليم المريض، ومصالح شتى اللاعبين الأساسيين في المنطقة، تبدو عزيمة البحرينيين في الوصول لمطالبهم العادلة، قوية، مثابرة، صلبة لا تلين أو تنكسر.
لا شك أن حجم ما يحيط بهذا الثورة من تحديات ومخاطر وحسابات متشابكة هو كبير وصعب، خصوصاً وأن حسابات البحرين باتت أكبر منها، تعداداً وجغرافيا. إلا أن تفاصيل عام مضى على اندلاع الاحتجاجات في البحرين تشي وبوضوح أن لا عودة لما قبل 14 فبراير 2011 أولاً، وأن لا استقرار في البحرين ما بقى النظام يعيش هذا التعالي المصطنع والمفضوح أمام العالم.
الأدوات الرئيسية بيد الشارع لم تتغير، مسيراته، اعتصاماته السلمية، شعاراته، جمعياته السياسية، شباب 14 فبراير، وأطياف المعارضة في الخارج. الجديد في هذا الحراك هو أنه حراك استطاع أن يستثمر حمى البحث عن الديمقراطية في المنطقة العربية أولاً، وأنه أدرك أن أداة (التكتيم الإعلامي) التي اكتوى بها لمئات السنين قد انتهت ثانياً. الأكثر من ذلك، أن ذلك الفضاء البسيط من الإعلام المفتوح بات يكفي ويزيد لتكون صورة النظام البائس مفضوحة أمام العالم.
استطاعت قوى المعارضة أن تستثمر هذه الأدوات وأن تقوم بتوظيفها في خدمة هذا الحراك الشعبي ومطالبه العادلة. وكان الإمساك بزمام المبادرات والإبداع فيها سمة من سمات هذا الحراك، وفعاليته وتأثيره. بقى أن يستطيع الشارع مجاراة لعبة النظام القديمة (الوقت)، وأن يتغلب عليها. وهو الرهان الكبير الذي يجب ان تلتفت له أطياف المعارضة في مستوى القيادات والرموز، وأن تنجح تبعاً لذلك في تهيئة الجماهير له.
اليوم، تترقب الأوساط السياسية في الداخل والخارج مسيرة التاسع من مارس التي دعا لها الأب الروحي لجمعية الوفاق الوطني الإسلامية - كبرى تنظيمات المعارضة في الداخل - الشيخ عيسى قاسم. قفزت الدعوة من فضاء أن تكون مسيرة للجمعيات السياسية إلى مسيرة جماهيرية شعبية جامعة لشتى أطياف المعارضة. ومن المتوقع ان تكون هذه المسيرة الأكبر في عمر الحراك الشعبي منذ بداية الثورة، وهو ما يحيل إلى ضرورة أن يكون لها الزخم الإعلامي الذي يناسبها، والتوظيف الدقيق للرسائل السياسية التي ستصدر عنها.
تبدو مسيرة 9 مارس أشبه بالاستفتاء الشعبي على ما تشهده الساحة البحرينية من تفاصيل. بهذا التوصيف كانت تشي كلمات ودعوة الشيخ عيسى قاسم، هي مسيرة الوجود إذن، والتأكيد على أن مطلب التغيير قائم لم يتحرك.
منذ شهرين والدولة ترسل للعالم رسالتها - المعتادة - لتؤكد أن ثورة البحرين قد أتمت فصولها. ومن واجب المعارضة في هذه المسيرة أن تؤكد للعالم أن الأزمة مستمرة، وأن المطالب الشعبية ثابتة. وأن مجمل الألاعيب التي قام بها النظام منذ إطلاق تقرير لجنة تقصي الحقائق الملكية (لجنة بسيوني) آواخر نوفمبر 2011، وما تلاه من إجراءات مفضوحة وتقديم التعديلات الدستورية (الصورية)، كلها ألاعيب لم تستطع أن تنهي تفاصيل الحكاية. وهي رسالة مهمة كانت المعارضة قد نجحت في إيصالها في 14 فبراير الماضي، وستؤكدها في 9 مارس مجدداً.
ما نحتاجه فعلاً، هو أن يرسل البحرينيون في مسيرة التاسع من مارس الجاري نتيجة استفتائهم التاريخي والكبير على التغيير، وهو المطلب الكبير والقادر على أن يجمع أطياف المعارضة في قالب واحد. وهو ذاته المطلب الذي جمع البحرينيين في مارس الخمسينات والستينات على قلب واحد.
هذا الاستفتاء استفتاء الوجود، وهو استفتاء مفتوح، لوثيقة المنامة، ولإسقاط النظام، وللملكية الدستورية، وللحكومة المنتخبة، وللمجلس التأسيسي، ولكل مطلب ديمقراطي ضمنت شرعيته ما توافقت عليه الإنسانية من مواثيق وعهود دولية.
لعله قدر البحرينيين أن يكون شهر مارس دائماً وأبداً شهر الوحدة والثبات والوقوف أمام عنجهية النظام وتكبره وهمجيته. وإذ نستذكر الخامس عشر من مارس 2011 وما تلاه من جرائم وإنتهاكات، نستذكر معه أن الهمجية والبربرية الحكومية التي لم تفرق بين ابراهيم شريف وعبدالهادي الخواجة، بين جمعية الوفاق ووعد. إن ما يفصل بين الباكر والعليوات وشريف والخواجة سنوات التاريخ، لكن القضية ذاتها، والمشهد ذاته، لم يتغير.
في التاسع من مارس سيقدم البحرينيون رسالتهم لهذا النظام وللعالم واضحة: "لو يعود بنا الزمان لما قبل الرابع عشر من فبراير 2011 لعدنا. إن شيئاً لم يتغير، مطالبنا ثابتة، ولم تزد همجية وجرائم النظام عزيمتنا إلا صلابة وقوة".
*كاتب بحريني.
بحجم التحديات القائمة، وتفاصيل صراعات الإقليم المريض، ومصالح شتى اللاعبين الأساسيين في المنطقة، تبدو عزيمة البحرينيين في الوصول لمطالبهم العادلة، قوية، مثابرة، صلبة لا تلين أو تنكسر.
لا شك أن حجم ما يحيط بهذا الثورة من تحديات ومخاطر وحسابات متشابكة هو كبير وصعب، خصوصاً وأن حسابات البحرين باتت أكبر منها، تعداداً وجغرافيا. إلا أن تفاصيل عام مضى على اندلاع الاحتجاجات في البحرين تشي وبوضوح أن لا عودة لما قبل 14 فبراير 2011 أولاً، وأن لا استقرار في البحرين ما بقى النظام يعيش هذا التعالي المصطنع والمفضوح أمام العالم.
الأدوات الرئيسية بيد الشارع لم تتغير، مسيراته، اعتصاماته السلمية، شعاراته، جمعياته السياسية، شباب 14 فبراير، وأطياف المعارضة في الخارج. الجديد في هذا الحراك هو أنه حراك استطاع أن يستثمر حمى البحث عن الديمقراطية في المنطقة العربية أولاً، وأنه أدرك أن أداة (التكتيم الإعلامي) التي اكتوى بها لمئات السنين قد انتهت ثانياً. الأكثر من ذلك، أن ذلك الفضاء البسيط من الإعلام المفتوح بات يكفي ويزيد لتكون صورة النظام البائس مفضوحة أمام العالم.
استطاعت قوى المعارضة أن تستثمر هذه الأدوات وأن تقوم بتوظيفها في خدمة هذا الحراك الشعبي ومطالبه العادلة. وكان الإمساك بزمام المبادرات والإبداع فيها سمة من سمات هذا الحراك، وفعاليته وتأثيره. بقى أن يستطيع الشارع مجاراة لعبة النظام القديمة (الوقت)، وأن يتغلب عليها. وهو الرهان الكبير الذي يجب ان تلتفت له أطياف المعارضة في مستوى القيادات والرموز، وأن تنجح تبعاً لذلك في تهيئة الجماهير له.
اليوم، تترقب الأوساط السياسية في الداخل والخارج مسيرة التاسع من مارس التي دعا لها الأب الروحي لجمعية الوفاق الوطني الإسلامية - كبرى تنظيمات المعارضة في الداخل - الشيخ عيسى قاسم. قفزت الدعوة من فضاء أن تكون مسيرة للجمعيات السياسية إلى مسيرة جماهيرية شعبية جامعة لشتى أطياف المعارضة. ومن المتوقع ان تكون هذه المسيرة الأكبر في عمر الحراك الشعبي منذ بداية الثورة، وهو ما يحيل إلى ضرورة أن يكون لها الزخم الإعلامي الذي يناسبها، والتوظيف الدقيق للرسائل السياسية التي ستصدر عنها.
تبدو مسيرة 9 مارس أشبه بالاستفتاء الشعبي على ما تشهده الساحة البحرينية من تفاصيل. بهذا التوصيف كانت تشي كلمات ودعوة الشيخ عيسى قاسم، هي مسيرة الوجود إذن، والتأكيد على أن مطلب التغيير قائم لم يتحرك.
منذ شهرين والدولة ترسل للعالم رسالتها - المعتادة - لتؤكد أن ثورة البحرين قد أتمت فصولها. ومن واجب المعارضة في هذه المسيرة أن تؤكد للعالم أن الأزمة مستمرة، وأن المطالب الشعبية ثابتة. وأن مجمل الألاعيب التي قام بها النظام منذ إطلاق تقرير لجنة تقصي الحقائق الملكية (لجنة بسيوني) آواخر نوفمبر 2011، وما تلاه من إجراءات مفضوحة وتقديم التعديلات الدستورية (الصورية)، كلها ألاعيب لم تستطع أن تنهي تفاصيل الحكاية. وهي رسالة مهمة كانت المعارضة قد نجحت في إيصالها في 14 فبراير الماضي، وستؤكدها في 9 مارس مجدداً.
ما نحتاجه فعلاً، هو أن يرسل البحرينيون في مسيرة التاسع من مارس الجاري نتيجة استفتائهم التاريخي والكبير على التغيير، وهو المطلب الكبير والقادر على أن يجمع أطياف المعارضة في قالب واحد. وهو ذاته المطلب الذي جمع البحرينيين في مارس الخمسينات والستينات على قلب واحد.
هذا الاستفتاء استفتاء الوجود، وهو استفتاء مفتوح، لوثيقة المنامة، ولإسقاط النظام، وللملكية الدستورية، وللحكومة المنتخبة، وللمجلس التأسيسي، ولكل مطلب ديمقراطي ضمنت شرعيته ما توافقت عليه الإنسانية من مواثيق وعهود دولية.
لعله قدر البحرينيين أن يكون شهر مارس دائماً وأبداً شهر الوحدة والثبات والوقوف أمام عنجهية النظام وتكبره وهمجيته. وإذ نستذكر الخامس عشر من مارس 2011 وما تلاه من جرائم وإنتهاكات، نستذكر معه أن الهمجية والبربرية الحكومية التي لم تفرق بين ابراهيم شريف وعبدالهادي الخواجة، بين جمعية الوفاق ووعد. إن ما يفصل بين الباكر والعليوات وشريف والخواجة سنوات التاريخ، لكن القضية ذاتها، والمشهد ذاته، لم يتغير.
في التاسع من مارس سيقدم البحرينيون رسالتهم لهذا النظام وللعالم واضحة: "لو يعود بنا الزمان لما قبل الرابع عشر من فبراير 2011 لعدنا. إن شيئاً لم يتغير، مطالبنا ثابتة، ولم تزد همجية وجرائم النظام عزيمتنا إلا صلابة وقوة".
*كاتب بحريني.