رونالد نيومان: ترحيل الشّيخ عيسى قاسم سيؤجج الوضع في البحرين

رونالد نيومان - ذا أميريكان إنترست - 2016-08-09 - 10:44 م

ترجمة: مرآة البحرين 

يبدو أنّ قمع البحرين للجمعية المعارضة الرئيسية، الوفاق، وسحب جنسية رجل دين شيعي بارز علامة بارزة على الأقل حتى الآن، على نهاية عملية الإصلاح التي بدأت في العام 2001. وهناك احتمال نظري ولكن ضئيل، مفاده أنّ حملة القمع سوف تنجح واحتمال آخر، بالنّسبة ذاتها،  باندلاع العنف على نطاق واسع. النّتيجة الأكثر ترجيحًا هي استمرار الاضطرابات المدمّرة للإقتصاد، جنبًا إلى جنب مع المزيد من الانتقادات من قبل حلفاء البحرين.

سبب تصرّف البحرين على هذا النّحو أثار دهشة معظم المراقبين. وكانت تغطية وسائل الإعلام الغربية لأحداث البحرين سطحية. هي تميل إلى إظهار الوضع بأسلوب مباشر: الناس في وجه الحكومة أو الديمقراطيّة مقابل القمع. في الواقع، السياسة أكثر تعقيدًا من ذلك بسبب الانقسام الطّائفي العميق في الجزيرة. فالشّيعة يُشَكلون غالبية السّكان، ولكن هناك مجتمع كبير من الطائفة السنية التي، باستثناء الفصيل المتطرّف منها، تدعم الملكيّة في البلاد بقوّة وتعارض الهيمنة الشيعيّة.

لدى كلّ من السنة والشيعة على حدّ سواء انقسامات داخلية خاصّة بهما. الطّائفة السّنية تتضمن أيضًا مجموعة مُتَطرّفة، مناهِضة للملكيّة، أرسلت مقاتلين للانضمام إلى الدولة الإٍسلاميّة. وعلى الرّغم من تجاهل الموضوع  إلى حدّ كبير في الصّحافة الغربية، إلّا أنّ السّلطات البحرينية تواصل قمعها للمتطرفين السنّة  وكذلك للشّيعة. وفي 23 يونيو/حزيران، تمّ الحكم على 24 شخصًا من السّنة على خلفية علاقات مع الدّولة الإسلاميّة وهجمات ضد الشيعة. وتمّ تجريد 13 من بينهم من جنسيّتهم.

وتمّ تحديد حصيلة الثّقافة السّياسية للبحرين على أنّها "منعدمة". فليس هناك أيّ نظام للضّوابط والتّوازنات أو حماية حقوق الأقليات. وإمكانيّة أن يستطيع الخاسرون أن يصبحوا فائزين، الأمر الضّروري جدًا من أجل تحقيق الاستقرار الدّيمقراطي، غير متوفرة.  وفي هذه الظروف، يمكن لمعنى ديمقراطيّة "شخص واحد، صوت واحد" أن يعني حكم مجتمع بشكل دائم لمجتمع آخر. وفي حين تهيمن العائلة المالكة الآن،  غالبًا ما يُنظَر إلى دعوة الشيعة لإنشاء برلمان موحّد على أنّها رمز لسيطرة الشيعة. وليس من الضرورة أن يمثل هذا نتيجة ديمقراطيّة مثالية. ومسألة ما إذا كانت الجمعيات مثل الوفاق ديمقراطية أو طائفية أو ثيوقراطيّة بطبيعتها، تثير جدلًا كبيرًا في الجزيرة. وكما قال لي زعيم سياسي سني في العام الماضي، "أفضّل الديمقراطية، ولكنّي سأختار الدكتاتورية بدلًا من الحكم الثيوقراطي".

عندما تسلّم الأمير (الآن الملك) حمد بن عيسى السلطة في العام 1999، قدّم وعودًا بالإصلاح ، حظيت بترحيب جيّد، وتضمّنت [الإصلاحات] وضع دستور جديد وبرلمان.  مع ذلك، أعطى ميثاق العمل الوطني في العام 2001 الغالبيّة الشيعيّة سلطة سياسيّة أقل مما كانوا يتوقّعونه. وأكّد البرلمان، المعاد هيكلته، أنّهم لن يحصلوا على أيّ أغلبيّة وقد قلّصت إضافة مجلس مُعَين للشيوخ نفوذهم كذلك. ومن ناحية أخرى، أُطلِق سراح سجناء، وعاد المنفيون إلى وطنهم، وشهد مجلس الشيوخ تعيين ممثّلين من النّساء والتّكنوقراط واليهود -وما كان يمكن   أن يكون أي واحد منهم منتخبًا نظرًا للسياسة الطّائفية. وهناك عدة جماعات سياسية شيعية في الجزيرة، ولكن الجمعية الرئيسية هي الوفاق بقيادة الشيخ علي سلمان. قاطعت الجمعية الانتخابات البرلمانية الأولى ولكن شاركت في الانتخابات الثّانية وتلك التي تلتها. واختصارًا للتاريخ، تباطأت وتيرة الإصلاحات السياسية منذ عام 2001، ولكن قبل عام 2011، بدا الانفتاح التدريجي للسّلطة السياسية  ممكنًا.

وباستيحاء من الربيع العربي، اندلعت مظاهرات واسعة النطاق في العام 2011. وطالب الكثيرون بالمزيد من الإصلاحات السياسيّة، ودعا بعض المتظاهرين حتى إلى الإطاحة بالنّظام الملكي. حاول ولي العهد في البحرين التفاوض لفترة وجيزة، ولكن جمعيّة الوفاق رفضت العرض وأصرّت على تقديم تنازلات كشرط مسبق. بالعودة إلى ذلك، اعتقد عدد من قادة الشيعة على أنّ هذا خطأ وفرصة ضائعة: بعد ذلك، قُمِعَت التّظاهرات. تمّ إحضار القوات السعودية والإماراتية لمساندة النظام الملكي (ومع ذلك، لم تُستَخدَم القوات الوافدة لمواجهة المتظاهرين بشكل مباشر). وأُجري تحقيق خارجي بشأن حقوق الإنسان بناءً على دعوة من النظام الملكي. ووثّق [التّحقيق] الكثير من ادّعاءات القمع ولكن ليس جميعها. وأعلن الملك عن سلسلة من الإصلاحات ولكن يبدو أنّ الكثير منها لم يُنفذ.

وعُقدت انتخابات برلمانية جديدة في العام 2014. ودعت بريطانيا والولايات المتحدة وكذلك النظام الملكي، جمعيّة الوفاق للمشاركة في الانتخابات. ولكن كلًّا من الحكومة والوفاق استخدمتا الأساليب القسرية إلى حدّ ما للتّأثير على الإقبال على الانتخابات. من ناحية الحكومة، شمل ذلك ختم بطاقات هويّات الذين أدلوا بأصواتهم،ما أدّى إلى انتشار موجة من الهلع إذ إنّ عدم وجود هذا الختم قد يسبّب  لاحقًا مشاكل في خدمات أخرى كالاستحصال على جوازات السفر.

وعندما لم تتمكن من الحصول على تنازلات مضمونة سلفًا، قررت جمعية الوفاق مقاطعة الانتخابات. واستخدمت الجمعية مسيرات ضخمة وضغوطًا اجتماعية مختلفة في المناطق الشيعية لمنع النّاس من التصويت. (وكان هناك حركة عنف محدودة لمنع الشيعة من التصويت ولكن لم يتّضح ما إذا كان هذا العنف من الوفاق أو من المجموعات السياسية الشيعيّة الأخرى). ولازم كثيرون من الشيعة منازلهم، ولكن على الرّغم من ذلك، بقي الإقبال على الانتخابات كبيرًا، وبالتّالي لم تنجح عملّة المقاطعة كثيرًا. ومهما كانت قوّة حجج قادة الوفاق، تركت نتائج الانتخابات وفشل المقاطعة الجمعية [الوفاق] أضعف مما كانت عليه من قبل.

ازداد قمع النظام الملكي على الوفاق بعد الانتخابات. واعتُقِل عدد من قيادات الجمعية، بمن في ذلك علي سلمان. ويبدو أنّ النظام كان قد توصّل إلى استنتاج مفاده أنّ أيّ اتّفاق ليس ممكنًا. وفي الواقع قد يكونوا محقّين. لم يجِب قادة الوفاق في أكتوبر/ تشرين الأوّل 2015 عندما سألتهم إذا كان يمكنهم الحفاظ على اتّفاق  في حال عارضته المجموعات الشيعية الأخرى وتظاهرت ضدّه. فمن دون ضمانات تؤكّد احترام الاتفاق، ليس هناك أيّ معنى للتّسوية.

وعلى مدى العام الماضي، تواصلت المظاهرات في القرى الصغيرة، ولكن المستوى العام للعنف اخفض (على الرّغم من أنّه ظل هناك بعض الحوادث القاتلة). اشتعل الجدل مرة أخرى في يونيو/حزيران 2016. وفي 14 يونيو/حزيران، أغلقت الحكومة مكاتب جمعيّة الوفاق، وفي 20 يونيو /حزيران، اعتقلت الناشط في حقوق الإنسان نبيل رجب بتهمة "نشر أخبار كاذبة". وفي الوقت ذاته، ألغت الحكومة جنسية رجل الدّين الشيعي البارز في الجزيرة، الشيخ عيسى قاسم. وتم تمديد فترة سجن علي سلمان من أربع إلى تسع سنوات. وتمّ تأكيد حلّ جمعيّة الوفاق من قبل محكمة بحرينية في 17 يوليو/تمّوز 2016.

واندهش الكثير على الجزيرة كما المراقبين الأجانب حول أسباب هذه الإجراءات القاسية. فلم يكن هناك أيّ استفزاز جديد من قِبل الوفاق. فلم تكن الحكومة قد طلبت بقرار جديد رفضه الجمعية المعارضة، ولم يكن هناك أي ضغط جديد محدّد من الخارج. وعلى الرغم من أنّ وزير الخارجيّة [جون] كيري التقى بخمسة من قادة المعارضة (اثنان منهم فقط من جمعية الوفاق) في يونيو/حزيران، إلّا أنّ مستوى هذه الاجتماعات كان خفيفًا، وتحتاج إلى أن لا  تفسيرها كنوع من الاستفزاز.

قد يكون عدد من الأمور تضافر ليؤدي إلى هذا القرار. أولًا، يعاني اقتصاد البحرين بسبب الاضطرابات المتواصلة، و قد يكون النظام أصبح الآن يؤمن أنّ الطريق الوحيد للخروج من هذا الوضع هو سحق المعارضة بشكل كلّي. وقد نجح هذا النّهج في مرات سابقة، ومن الممكن أنّ أولئك الّذين يتذكّرون تلك الفترات يعتقدون أنّ هذه الاستراتيجيّة ستنجح مرّة أخرى.

ثانيًا، لا بدّ من أنّ الوضع الإقليمي قد قدّم الدعم للموقف البحريني. ويمكن أن يكون موقف الحاد والمعادي لإيران للمملكة العربيّة السعوديّة، الداعم الأقوى للبحرين، قد أعطى انطباعًا بأنّ هذا كان الوقت المناسب للتحرك بقوّة ضد المعارضة. ويعود الخوف البحريني من إيران في التاريخ إلى زمن بعيد. إيران ادعت بملكيّة لها في البحرين حتى العام 1971، ومن وقت لآخر تعيد التّصريحات الإيرانية تأكيد الادعاء. إيران  كانت على الأرجح وراء شحنة الأسلحة إلى الجزيرة بعد الثّورة الإيرانية، والبحرينيون مقتنعون، ظاهريًا مع بعض الأدلة،ب أنّ إيران هي أيضًا مصدر لشحنات أسلحة أخرى مؤخرًا هذا العام.

يرى كثير من المراقبين الخارجيين (وأنا من بينهم) أنّ مخاوف المملكة من إيران مُبالغ فيها، ولكنها ليست مجرّد ادعاء كما يزعم بعض. وفي العام 2003، عندما كنت السفير الأمريكي إلى البحرين، رفع المشاركون في المسيرات الدينية الشيعية أعلام إيران وصور القادة الإيرانيين، وأدّت هذه التصرّفات إلى التشكيك في ولاء المتظاهرين البحرينيين. وفي أي حال، سواء كانت مبالغًا فيها أم لا،  فالمخاوف البحرينية من التدخل الإيراني عميقة وطويلة الأمد. وأعادت إيران إحياء هذه المخاوف مؤخرًا بالتصريحات الّتي تبدو كنّها تدعو إلى ثورة عنيفة في البحرين. أحد هذه التصريحات كان للجنرال قاسم سليماني، قائد فيلق القدس للتدخل السريع في الحرس الثوري، إذ قال: "انتهاك حرمة آية الله الشيخ عيسى قاسم هو عبور لخط أحمر سيؤدي إلى نار مشتعلة في البحرين وجميع أنحاء المنطقة، وسوف لن يترك للشعب [البحريني] خيارًا سوى المقاومة المسلحة". وفي حين هناك ما يدعو للاعتقاد أنّ السياسة الداخلية الإيرانية لعبت دورًا كبيرًا في هذا البيان كما في أي أمر يحدث في البحرين، إلّا أنّ اللغة الملتهبة أثارت أسوأ مخاوف النظام البحريني.

ومن المستبعد جدًا أن تستطيع الولايات المتحدة فعل أيّ شيء حيال القمع في البحرين، وقد يمكن مناقشة ما إذا عليها فعل ذلك. ويدعو بعض المراقبين الولايات المتحدة إلى نقل قاعدتها البحرية في البحرين كوسيلة للضّغط على الحكومة للإصلاح. ولكن موقع القاعدة البحرية، مهمّ جدًّا للحفاظ على حرية الملاحة والتدفق الحر للنفط ودعم القوات البحرية الأمريكية داخل الخليج الفارسي. إنّ نقل القاعدة ليس ممكنًا -قد يكلف مليارات الدولارات، و من غير المرجح أن يؤمّن الكونغرس هذا المبلغ، وحتّى لو أمّنه، لن تنجح طريقة المناورات. وقد توحدت الدول الخليجية الأخرى معًا تضامنًا مع البحرين، وليس هناك أي سبب للاعتقاد بأنّ أيًا منها سيوفر موقعًا بديلًا من أجل مساعدة الولايات المتحدة في الضغط على الحكومة البحرينية.

يمكن للمرء أن يسأل بشكل شرعي ما إذا كان على الولايات المتحدة أن تخاطر بالكثير من المصالح الأمنية من أجل الضّغط على حكومة استبدادية لتغيير سياساتها الداخلية. حتى إذا كان الجواب  إيجابًا، على المرء أن يسأل ما إذا كان هذا الضغط سيُنتج التغيير المنشود. ولأنّ الحكومة البحرينية تعتقد أن بقاءها على المحك، فمن المثير للشّكوك أن يستطيع الضغط، والانتقاد الأمريكي الشّديد  حتّى، تحقيق الكثير. الاعتماد الحقيقي للنّظام هو على السعوديّة. ولا شيء يوحي بأنّ السّعوديين يسعون إلى استخدام ضغط شديد لصالح المزيد من الحقوق للشيعة البحرينيين.

الوزير كيري كان قد انتقد الإجراءات البحرينية الأخيرة، قائلًا إنّ "الإجراءات الأخيرة التي اتخذتها الحكومة لقمع المعارضة السلميّة لا تقوم سوى بتقويض تماسك البحرين وأمنها، وكذلك الاستقرار في المنطقة. وتتناقض أيضًا مع الالتزامات المُعلنة للحكومة لحماية حقوق الإنسان وتحقيق المصالحة مع جميع الطوائف في البحرين". ونظرًا لسياستها الطويلة الأمد في مجال حقوق الإنسان، لا يمكن لحكومة الولايات المتحدة التصريح بأقل من هذا، ولكن من غير المُرَجح أن يكون لهذا البيان أيّ تأثير. وكما كان متوقعًا، ردّت الحكومة البحرينية على بيان الولايات المتحدة، قائلة إنّ "التّصريحات والمواقف المماثلة تدخل غير مقبول في الشّؤون الدّاخلية لمملكة البحرين وفي قرارات النّظام القضائي البحريني، الذي يُوَفر كل ما يلزم من معايير العدالة والإنصاف والشفافية والاستقلال". الأمين العام للأمم المتحدة والكثير من الحكومات الأوروبية الأخرى استنكروا كذلك تصرفات النظام.

وكانت الإدارة الأمريكية قد أخّرت الطلب البحريني لشراء طائرات مقاتلة من طراز F-16. ويرتبط تأخير البيت الأبيض بمبيعات أخرى للطائرات لكل من الكويت وقطر. وفي الوقت الراهن، ليس الأمر أداة للضغط السياسي على البحرين، ولكن قد يصبح كذلك. ولكن من غير المرجّح أن يكون له أيّ تأثير مفيد: البحرينيون يعتقدون أنّهم ساندوا الولايات المتحدة في حربين في العراق، إضافة إلى رفع أعلامهم على المركبات الكويتية للدّفاع عنهم ضد إيران، ولذلك فعلينا أن تكون أكثر تفهمًا لحلفائنا.

علاوة على ذلك، أقنع سقوط مبارك والفوضى العامة في أعقاب الربيع العربي الكثيرين في الأسرة الحاكمة بأنّ "الإصلاح" هو الخطوة الأولى على طريق "الإطاحة". وتعطي دعوات الولايات المتحدة إلى "إصلاحات" غير محددة انطباعًا بأنّه ليس لديها معاييرفي ما قد تطلبه، وبالتالي فليس هناك ما يطمئن البحرين بأنّ تلبية هذه الدعوات، حتى في منتصف الطريق، من شأنه درء الكارثة. في الواقع، من المعقول أن نتساءل ما إذا كانت حركة سريعة جدًا نحو الديمقراطية الانتخابية، في دولة تفتقر إلى أيّ اتفاق بين الأطراف على الضّوابط والتّوازنات بين الطوائف المتنازعة، من أجل ضمان حقوق جميع الأطراف، قد لا تؤدي إلى الديمقراطية، بل إلى دولة فوضويّة وفاشلة. وحقيقة أنّ هذا السؤال يُستخدم كذريعة للقمع لا يقلّل من ضرورة الإجابة عليه.

يبدو أنّ حلّ جمعية الوفاق بشكل كامل كحزب سياسي يمثّل نهاية لأيّ فرصة للتسوية. كان هناك جهد متقطع في الحوار ومناقشة التّسويات، وهي عملية تم توقيفها في أفضل الحالات، ولكن يبدو الآن أنّها انتهت فعليًا. ويبدو أنّه من شأن سحب جنسيّة الشيخ عيسى قاسم أن يؤكّد رسالة الحكومة بأنّها ستلجأ فقط إلى العنف. ولم تقدم الحكومة لنفسها أيّ خدمة -عند اتهامها الشيخ عيسى "بخلق بيئة طائفيّة متطرّفة" وأنّه "شجّع على الطائفيّة والعنف". يمكن للمرء القول هنا إنّه على الرّغم من أنّ مطالبة الشيخ عيسى بديمقراطيّة "شخص واحد، صوت واحد" قد تعني سعيه إلى الهيمنة الشيعيّة على الجزيرة، إلّا أنّه عمليًّا لا يمكن لأيّ مراقب في البحرين أن يجد أيّ مصداقيّة في ربط الشيخ عيسى بالعنف. في الواقع، سجله في كلا القطاعين العام والخاص يتضمن الدّعوة إلى "نبذ العنف". حتّى الحكومة قد تدرك أنّها ارتكبت خطأ، مع حديثها عن أن الأساس الرّسمي لسحب جنسيته  قد يصبح غسيل الأموال.

إذا كان من المُرجح لأيّ جانب من جوانب حملة القمع البحرينية هذه إثارة ردّة فعل عنيفة بشكل خاص، فستكون هذه الخطوة ضد الشيخ عيسى، فهو مُبَجل لدى الطائفة الشيعية في البحرين بل وعلى نحو أوسع نطاقًا في المجتمعات الشيعية في الخليج الفارسي. فإذا مضى البحرينيون قدمًا في طرد الشيخ عيسى، فسيجعل هذا الأمر أسوأ بكل بساطة ولن يتلقّوا أيّ إشادة من أي طرف. ليس واضحًا إلى أي مدى تمت مناقشة هذه القرارات الأخيرة داخل العائلة الحاكمة. ويبدو أنّه تم إسكات الأصوات المعتدلة في العائلة حتّى الآن،  على الرّغم من أن سبب ذلك ليس واضحًا.

وبعدم الوضوح ذاته يأتي ما تعتقد الحكومة والعائلة الحاكمة أنّه سيحدث نتيجة لهذا القرار. ومن الممكن أن تنجح عمليّات القمع؛ نجح النّظام في إخماد مشاكل مشابهة الى حدّ ما من خلال القمع المحدود في الماضي. ولكن في العالم الإلكتروني المواصل الحالي، ومع وصول الإجراءات البحرينية إلى أيدي المتشدّدين الإيرانيين، فإنه من غير المرجّح أن تتوقف الاحتجاجات.

وفي الماضي، ظنّ البعض في النظام أنّ إعطاء الشيعة المزيد من الفرص السكنيّة والاقتصاديّة يمكن أن يوقف دعمهم السياسي لقادتهم. ولكنّ تم تنفيذ القليل جدًا من هذه الخطط لاقتصادية. وربّما كانت رعاية العائلة وفسادهاجزءًا من المشكلة. بيد أنّ المشكلة الأكبر هي أنّ البحرين لا تملك الموارد الاقتصاديّة لشراء التّخلص من مشاكلها.

والأمر غير المرجّح أيضًا، على الرّغم من إمكانية حدوثه، هو تصعيد كبير في العنف. البحرين صغيرة جدًا ببساطة وطبيعتها صحراويّة جدًّا بشكل لا يجعلها مكانًا مناسبًا للتمرّد، لا سيما نظرًا لأن الحكومة يمكنها أن تدعو القوى الخارجية من السعودية للمساعدة إذا لزم الأمر. وفي حين يُرجّح أن يستمر العنف على مستوى خفيف في القرى، لدى الحكومة احتكار للقوى [الأمنيّة] وبالتّالي من غير المرجّح أن يكون هناك أيّ انتشار حقيقي للعنف. الحادث الإرهابي الغريب ممكن كما هو الحال في أي مكان آخر في العالم، ولكن من غير المرجح أن يغيّر الوضع الأساسي.

إذا كان من غير المرجح أن يزداد الوضع سوءًا، فإنه من غير المحتمل أيضًا أن يكون لخطوات الحكومة أي تأثير إيجابي. من المرجح أن يدفع قمع الوفاق بعض أنصارها على الأقل إلى تأسيس علاقات وثيقة أكثر مع الفصائل الأكثر تطرفًا. وعلى الرّغم من أنّ قيادة الوفاق كانت ضعيفة بعض الشيء، إلّا أنّها كانت عمومًا صوتًا يدعو إلى نبذ العنف وضبط النفس، بخلاف الجماعات الأكثر تطرفًا داخل المجتمع الشيعي. وإزالة صوت الوفاق من الخطاب السياسي في البحرين لا تخدم أي غرض مفيد.

بالتالي، فإن السيناريو الأكثر احتمالًا على المدى القصير هو استمرار الوضع الحالي غير المُرضي. وسوف يواصل المتطرفون الشيعة إثارة التّظاهرات في القرى. وسيندلع العنف في بعض الأحيان على الرغم من قمع الحكومة له بشكل كبير. وسوف تستمر الاحتجاجات الجارية لتصبح عبئًا على الاقتصاد البحريني. وسيتم تعزيز المتشددين في كلّ من الطائفتين السنية والشيعية، وسوف تواصل بريطانيا والولايات المتحدة انتقاداتهما الدوريّة في حين تحافظان على علاقات أمنية وثيقة مع البحرين. إنه وضع محزن لبلد كان يومًا رائدًا في الخليج على مستوى التحرّر السياسي والتعايش السلمي بين المجتمعات.

على المدى الطويل، فإن الفشل المحتمل لاستراتيجيّة القمع في توفير حل لمشاكل البحرين، سيستمر في توليد النقاش داخل الأسرة الحاكمة المنقسمة حول كيفية المضي قدمًا من هنا. وفي مرحلة ما، قد يؤدّي هذا الى جهد جديد  من أجل  حلّ سياسي. وفي الوقت ذاته، على المعارضة الشيعية المنقسمة البدء بدراسة جادة لأيّ نوع من التسويات الطويلة الأمد، قد تراه مقبولًا، ويمكن الحفاظ عليه مع مرور الزمن، وسيحسّن على الأرجح الرّفاه الاجتماعي. الضغط، سواء كان ناتجًا عن ظروف داخلية أو خارجية،  قد يؤدي بالحكومة إلى إعادة حساباتها، ولكن من غير المرجّح أن تنتج جهودها أيّ شيء من دون وجود نظير شيعي للقيام بتسوية.

الآن، عدم وجود مثل هذا النظير الواضح يواصل تعزيز وجود المتشددين الذين يقولون إنه لا يوجد بديل واقعي للقمع. وبطبيعة الحال، إذا قامت البحرين بترحيل الشيخ عيسى قاسم، قد يكون هناك تصعيد في الاحتجاجات الجماهيرية.

عندما نُقِل لقائد شرطة نابليون خبر اختطاف وإعدام أمير بارز، أدلى بردّه الشّهير بأن الجزاء كان أسوأ من الجريمة، إنّه خطأ. وبالنظر إلى الخطوات الأخيرة للحكومة البحرينيّة، قد تكون هذه العبارة مفيدة الآن.

التّاريخ: 4 أغسطس/آب 2016

النّص الأصلي

 

 

 


التعليقات
التعليقات المنشورة لا تعبر بالضرورة عن رأي الموقع

comments powered by Disqus