زينب الخواجة: اخترنا مقاومة الطّغاة لأننا نريد تغييرًا حقيقيًا

زينب الخواجة - ميدل إيست آي - 2016-07-16 - 1:37 ص

ترجمة مرآة البحرين

عندما اضطر زملائي من الثّوار والنّاشطين لمغادرة البحرين، كنت دائمًا ممتنة لعدم كوني مكانهم. لقد وُلِدت وعشت في المنفى، حتى سن السّابعة عشر. حتى ذلك الوقت، لم أكن أبدًا قد رأيت بلادي، ولم أتعرف إلى غالبية أقربائي، ولم يكن لدي أي شيء رسمي على الإطلاق لإثبات جنسيتي. لكن هذا جعلني أكثر شغفًا بالبحرين، وأكثر عزمًا على مساعدة شعبي.

بالنّسبة لي ولعائلتي، كان يجب أن يموت أمير ليُسمَح لنا بالعودة إلى أرضنا. وبمجرد ما وضعت أقدامي على أرضها، وأخذت نفسًا عميقًا من ذلك الهواء الرّطب، عرفت أني كنت في الوطن.

بعد مضي خمسة عشر عامًا، عدت أدراجي إلى المطار نفسه، بصحبة ولديّ وقلبي مُثقَل بالحزن، مُجبَرة على الرّحيل عن أرضي، ووطني، وأقربائي.

إبقاء طفلي معي في السّجن كان أمرًا مكلفًا جدًا بالنّسبة للحكومة البحرينية، وقد قرّرت أن معاقبتي بالنّفي لن يجذب الكثير من الانتباه إلى جرائمها.

الضّغط الدّولي أجبر النّظام الذي وضعني في السّجن أثناء حملي -وهو النّظام ذاته الذي اعتقلني في منزلي مع طفلي- على الإفراج عني لأسباب "إنسانية". لا أحد يعرف النّظام البحريني جيدًا سيُخدَع بتصرفات مماثلة، بمن في ذلك الحلفاء الدّيمقراطيون للنّظام، المهتمين بمصلحتهم الشّخصية، لا سيما عندما تعقب هذه التّصرفات تهديدات بإعادة الاعتقال وبالمزيد من التّهم الزّائفة الموجهة إلي.

في يوم الإفراج عني، ولثقته بأن أحدًا لن يهتم بما يكفي لأمر أبناء وطني، أقر النّظام عقوبة الإعدام ضد ثلاثة أشخاص. ثلاثة أشخاص كانوا منخرطين في الحراك المطالب بالدّيمقراطية في البحرين. إنّهم أشخاص عُذّبوا بقسوة، وأحدهم سامي المشيمع.

عندما تم اقتياد أحد أصدقائي، وهو ناجٍ من غرف تعذيب النّظام، إلى السّجن، أتت كلمات الدّعم الأولى التي سمعها من ذلك السّجين. كان صديقي قد تعرض للتّعذيب الشّديد، بالكاد كان يستطيع المشي، واقتيد وهو معصوب العينين ليتم حلق رأسه (يفعل النّظام ذلك في بعض الأحيان إمعانًا منه في إذلال السّجناء). وقد اعتقد صديقي أن أحد حراس السّجن هو الذي يحلق رأسه.

لكن سامي انحنى بسرعة وهمس له: "كن قويًا، لقد انتهى الجزء الأصعب". قد لا تعني هذه الكلمات الكثير لنا، لكن بالنّسبة لشخص تعرض للتّعذيب بحيث لم يعد يستطيع المشي، لشخص كان غارقًا في الظّلام الدّامس، وكان عليه أن يزحف للانتقال من مكان إلى آخر، لشخص لم يسمع أي كلمات لم تكن تهدف إلى شتمه أو تهديده أو الانتقاص من إنسانيته، كانت هذه الكلمات كل ما يملكه ليتعلق به.

لم يكن لدى مشيمع، الذي حاول تهدئة صديقي، أي شخص ليهدئه. لقد تعرض للتّعذيب أيضًا، وقد أخبره جلادوه أنّهم سيحظون به مرة أخرى، وأنّه في المرة المقبلة، سيلصقون القضية الأسوأ به. كان جلادو سامي غاضبين لسبب ما. بعد اعتقاله الأخير، تحدث عن التّعذيب الذي  تعرض له، وذكر أسماء بعض جلاديه حتى.  

وتصديقًا لكلامهم، تم الإفراج عن سامي وبعدها إعادة اعتقاله، ومن ثم حُكِم عليه بالإعدام على خلفية اعترافات وقع عليها بعد تعذيب قاسٍ تعرّض له وهو معصوب العينين. وبعد أن تم تعذيبه لمدة 25 يومًا، تم اقتياده إلى السّجن على كرسي متحرك. قبل اعتقالي في المرة الأخيرة، كان سامي قد اتصل من مبنى الأمن الذي كان فيه، ليطلب أمرًا واحدًا: "أعلم أنه ليس هناك أمل في حالتي، ولكن أرجوكم، حاولوا أن تؤمنوا محاميًا لأخي". أخوه هو أيضًا سجين سياسي يقضي حكمًا بالسّجن مدى الحياة. وفي حين قد يعتقد سامي أنّه ليس هناك أمل في حالته، علينا أن نثبت خلاف ذلك. على المجتمع الدّولي أن يهتم بشأن كل أولئك الذين هم ضحايا لهذا الاستبداد العنيف. وليس فقط أولئك الحائزين على المزيد من الاهتمام الإعلامي.

بعد إبلاغي بأنّه سيتم الإفراج عني، وبعد أن وضعت أغراضي القليلة في كيس بلاستيكي، رأيت طيبة درويش خارج زنزانتي. وقفت خارج زنزانتي، وهي تمسك بالقضبان الحديدية، والدّموع تملأ عينيها. هل أنت ذاهبة؟ سيفرجون عنك؟

طيبة سجينة سياسية. عمرها 41 عامًا، وهي أم لثلاثة أولاد. هي سجينة سياسية اعتقلت وحُكِم عليها على خلفية إيوائها الهاربين، الأمر الذي يعني في البحرين، إيواء أولئك المطالبين بالّديمقراطية في وجه نظام مجرم يحكم على الأشخاص الأبرياء ويعذبهم. كانت طيبة في السّجن منذ عام، وهي تعاني من عدة أمراض.

إنّه لأمر ذي مغزى، أن نعلم أنّه عند نقل السّجناء إلى المستشفى، كانت طيبة الوحيدة التي كُبِّلت يداها. قيل لها إنّه يجب فقط تكبيل أيدي السّجناء السّياسيين. في زيارتها الأخيرة للطّبيب، وبّخها وقال لها إنّه سيقدم شكوى رسمية بحقها على خلفية طلبها العناية الطّبية غالبًا. أجد طيبة غالبًا في زنزانتها، جالسة على سريرها، تبكي أو تبدو قلقة للغاية. كانت تعاني من أحلام مريعة.

هي تقلق بشأن أطفالها طيلة النّهار، وبعدها تنام، فقط لتشهد كوابيس حول ما يمكن أن يحص لهم أثناء احتجازها في زنزانة. في زيارة حديثة، حين حاول ابنها القفز فوق الحاجز، للجلوس في حضنها، اقتحم مدير السّجن غرفة الزّيارات وصرخ بوجهها، قائلًا إنّه في حال لم يعد طفلها إلى النّاحية الأخرى من الطّاولة، فسيتم إلغاء الزيارة.

نظرت إلى طيبة من دون أن أعرف ما الذي يتوجب علي قوله. كان يجب أن يؤدي أي إصلاح في البلاد إلى الإفراج عني وعنها، وعن كل سجناء الرّأي في البحرين، وليس أنا وحدي. كل ما أمكنني قوله لها، إنّه، في حال ذرفت أي دموع، لن أرحل. فمسحت وجنتيها المبللتين بسرعة، وابتسمت، وقالت لي: "اذهبي إلى المنزل، إلى جود والطّفل هادي. إنّهما يحتاجان أمهما".  نظرت إليها بصمت، مدركة أنّ أطفالها يحتاجون أمهم أيضًا.

أُطلِق سراحي من السّجن، ليس لأنّ النّظام في البحرين "يسير في الاتجاه الصّحيح" كما يود وزير الخارجية البريطاني أن يعتقد. تم الإفراج عني لأن الدّكتاتورية في البحرين تطوّرت. لقد لجأت إلى خدمات مستشارين أجانب، وتعلمت بعض الدّروس الفاعلة للغاية. أنّه يجب أن يكون لديها فئات مختلفة من الضّحايا؛ أولئك الذين يعرفهم العالم، والمجهولون. لقد تعلموا كيف يزيفون الإصلاح، من خلال معاملة بعض البحرينيين، على نحو أفضل قليلًا من الآخرين.

لقد تعلموا كيف يخلقون انطباع الإصلاحات من خلال إنشاء هيئات وُضِعت نظريًا لحماية المدنيين، لكنّها في الواقع تهدف إلى تبييض انتهاكات النّظام. هذه التّغييرات أُجرِيت أيضًا لتقديم "دليل" للحلفاء الخارجيين الذين تكمن مصلحتهم في إثبات أن شّيئًا ما قيد التّغيير في البلاد.

نحن البحرينيون اخترنا مسار مقاومة الطّغاة، وعانينا بإرادتنا، لأنّنا نريد تغييرًا حقيقيًا. هذه الإصلاحات الزّائفة قد تُسعد الحكومات في الولايات المتحدة وبريطانيا، لكن بالنّسبة لنا، نحن البحرينيين، هي دليل على آلية بقاء تهدف إلى تمديد حكم دكتاتورية قمعية.

*زينب الخواجة هي ناشطة بحرينية من أجل حقوق الإنسان. احتُجِزت في سجن مدينة عيسى للنّساء لأكثر من ثلاثة أشهر، مع ابنها البالغ من العمر سنة واحدة. وتتضمن التّهم المُوجهة إليها "تدمير ملكية عامة" بعد أن مزقت مرتين صورة لملك البحرين.

 

التّاريخ: 13 يونيو/حزيران 2016

النّص الأصلي


التعليقات
التعليقات المنشورة لا تعبر بالضرورة عن رأي الموقع

comments powered by Disqus