الخواجة الشاهد العنيد

عباس المرشد - 2012-02-24 - 7:04 ص


عباس المرشد*

بدلا من يكون شاهدا يدلي بشاهدته على جملة الانتهاكات الحقوقية التي تمارس سلطات البحرين، يقف الناشط الحقوقي أمام محاكم القضاء المعتل في البحرين كمتهم ولا يبالي أن يصف ملك البحرين  بالمجرم. 

 الخواجة الذي مارس عمله كحقوقي لأكثر من عشرين عاما يخوض حربا نوعية من استبدادية السلطات البحرينية عبر إعلانه الإضراب المفتوح عن الطعام منذ أسبوعين احتجاجا على القضاء غير النزيه الذي يشرف على محاكمته هو ومجموعة من الرموز والقيادات السياسية المعارضة. في آخر جلسة عقدتها المحاكم البحرينية لأحد أولئك الرموز وهو الشيخ محمد حبيب سرد ما تعرض له من تعذيب ممنهج وذكر بأن واحدا من أبناء الملك قد مارس التعذيب بنفسه انتقاما من مشاركة الشيخ محمد حبيب في مسيرة قصر الصافرية في مارس 2011 وكان القاضي المكلف بمحاكمة المقداد رفض تدوين شهادة المقداد أو الأخذ بها رغم أن تقرير لجنة تقصى الحقائق الذي كتبه السيد بسيوني أشار بوضوح تام إلى أن القيادات السياسية المسجونة قد تعرضت لتعذيب منهجي يسقط كل الاعترافات والتهم الموجهة إليهم.

عبد الهادي الخواجة الذي عاد إلى البحرين مطلع 2001 وهو يحمل معه ملفاته الحقوقية التي حملها منذ مغادرته البحرين في منتصف ثمانينات القرن الماضي. فور عودته أسس لنفسه مركز البحرين لحقوق الإنسان ليقوم بمهمة لم تكن مطروحة على طاولة الحقوقيين العاملين في البحرين آنذاك فهو المركز الاول من نوعه على مستوى الخليج العربي الذي عمل على تأصيل الجيل الثالث والجيل الرابع من حقوق الإنسان، وهو ما جعل من المركز محل انتقام من قبل السلطات البحرينية التي عمدت لإغلاقه في 2004.

إن إصرار الخواجة على عمله كحقوقي من الدرجة الاولى جعله يستمر في نشاط المركز وأن يتجه لخلق جيل حقوقي يستهدف تحقيق كافة حقوق الإنسان حتى ولو كانت غير منظورة، فلم يقتصر عمله على جانب رصد الانتهاكات الجسدية وانتهاكات حقوق الإنسان المعروفة كالتعذيب وخنق الحريات، بل توجه ناحية حقوق الإنسان في العيش بكرامة ومحل سكن وضمان عمل وبيئة صحية ومحاربة الفساد والفقر.

على إثر تقرير المركز الأشهر حول الفقر في البحرين، كشف الخواجة أن نسبة الفقر في البحرين في تصاعد مستمر وأن هناك فسادا من خلفه يجعله يسير ناحية سياسية ممنهجة تقوم على إفقار أفراد الشعب وغنى فئة بسيطة من أفراد السلطة. التقرير والندوة التي أقامها المركز للإعلان عنه جعلت السلطة تقوم  باعتقال الخواجة بحجة الإساءة لرموز الحكم والدعاء عليهم. استمر استهداف السلطة لنشاط الخواجة مرارا وتكرارا وبصيغ مختلفة وتم اعتقاله مرة أخرى في أواخر 2008 عندما طرح فكرة إقالة رئيس الوزراء والدعوة لإسقاط الحكومة وعملا بحرية الناس في حرية انتخاب حكومتهم وحقهم في التمثيل السياسي المناسب لهم.

قبل ذلك عمل الخواجة وبجهد متفانٍ على خلق هئيات وفاعلين جدد في الساحة السياسية والحقوقية أبرزها عمله الدؤوب على تشكيل اللجان الأهلية للدفاع عن حقوق الفئات المهمشة في المجتمع كالعاطلين وأصحاب الأمراض المزمنة وأصحاب الطلبات الإسكانية المتقدمة زمنيا، وقد حققت هذه اللجان نشاطا ميدانيا جعل الحكومة تقر بشرعية بعض تلك اللجان وبالأخص لجنة العاطلين التي قادت انتفاضة ضد البطالة وخرجت بانتصار يحسب لها وهو إقرار قانون التأمين ضد التعطل.

 عمل الخواجة في هذه اللجان كان محوريا ليس في دعمها والمشاركة في تشكيل هياكل إدارية لها فقط، بل تمثل في حرصه الشديد على الدفاع عن أشخاصها عندما يتعرضون لأذى السلطة فعندما تعرض الناشط موسى عبدعلي لاعتداء جنسي من قبل أفراد في الجهاز الوطني، كان الخواجة خارج البحرين وكان يتواصل مع أعضاء اللجان الشعبية بشكل يومي وبعث برسالة أنه سيقوم بالمشى للديوان الملكي ماراً بسلسلة قرى منطقة سترة كاحتجاج سلمي لما يتعرض له الناشطون في مجال حقوق الإنسان.

الجانب الآخر في نوعية عمل الخواجة الحقوقي إنه عمل ميداني يقوم على مبدأ النهج السلمي وإضعاف السلطة ومقاومتها، وهذا ما يكلف الكثير عادة ويجعل المتصدى في مرمى سهام ورصاص وسياط السلطة دائما. فعندما نشطت دعوة يوم الغضب في 14 فبراير كان الخواجة يدير قسم الشرق الأوسط في منظمة حقوقية عالمية هي (فرونت لاين) إلا أنه قدم استقالته من عمله لتفرغ لمتابعة أيام الغضب وليكون شاهدا على ما ستقوم به السلطة من قمع مرتقب ومتوقع.

 اللقاء الاخير مع الخواجة كان قبل اقتحام الدوار للمرة الثانية  بليلة واحدة حيث كان يصر على ضرورة المقاومة المدنية والسلمية في حال اقتحام الدوار عسكريا من قبل الجيش البحريني وقوات درع الجزيرة، وبالفعل هاجمت تلك القوات الدوار ونشطت المقاومة المدنية مسطرة أورع صيغ المقاومة المدنية بكافة صورها(1).

الخواجة الشاهد المغيب يجنح للصمود في إضرابه المفتوح وهو يعني ما يقوله أن الإضراب مفتوح حتى تحقيق الحرية. الحرية التي دافع عنها الخواجة هي التي يدافع عنها جيل واع من الشباب، جيل يعرف أن البقاء للأقوى وليس للمستبد والمتسلط.

*كاتب بحريني.

(1) انظر: البحرين: سيرة المقاومة المدنية.


التعليقات
التعليقات المنشورة لا تعبر بالضرورة عن رأي الموقع

comments powered by Disqus