البحرين تواجه التّقشف من دون احتجاجات

كريستين ديوان سميث - معهد دول الخليج العربية في واشنطن - 2016-04-25 - 4:28 م

ترجمة مرآة البحرين

في الوقت الذي تدخل فيه الدّول الخليجية حقبة جديدة من انخفاض أسعار النّفط، تواجه البحرين اختبارًا صعبًا. كان لديها أعلى سعر في التّعادل المالي في الخليج، وعلى عكس جيرانها الأكثر ثراء، تفتقر إلى الاحتياطيات لتغطية العجز في الميزانية لفترة طويلة جدًا. وقد أصبح الاقتراض من سوق الائتمان أيضًا أكثر صعوبة وأغلى كلفة: في فبراير/شباط، عانت البحرين من التّمييز المخزي بكونها البلد الخليجي الأول الذي يسقط تصنيفه الائتماني إلى ما دون درجة الاستثمار. ولا مفر من التّخفيضات الضّريبية الكبيرة.

يمكن توقع المقاومة السّياسية المهمة للتّخفيضات في الدّعم والتّوظيف الحكوميين نظرًا للتّاريخ المتميز للبحرين على مستوى النشّاط العمالي والجمعيات السّياسية القوية. مع ذلك، فإن الخطوات الأولية التي قامت بها الحكومة للتّخفيف من النّزيف المالي مرت من دون رد فعل من قبل المجتمع. ما الذي يفسر هذا الهدوء السّياسي؟

العصر الجديد للتّقشف الاقتصادي

انضمت الحكومة البحرينية إلى جيرانها الخليجيين في خفض المعونات للشّعب ردًا على انخفاض أسعار النّفط. تم رفع الدّعم عن اللّحوم في أكتوبر/تشرين الأول، وتجاوزت الأسعار ضعفي قيمتها ردًا على ذلك. وسمح خفض الدّعم على الغاز في يناير/كانون الثّاني بازدياد الأسعار بنسبة 60 بالمائة. وكان من المقرر خفض الدّعم على الكهرباء والمياه في مارس/آذار للشّركات الكبيرة والأجانب والبحرينيين الذين لديهم منزل ثانٍ. وحتى مع القدرة على تطبيق عمليات السّداد استنادًا إلى الدّخل من قبل الحكومة، فإن ارتفاع تكلفة المعيشة النّاجم عن هذه التّغييرات سيُضاف إلى الضّغوط في ما يتعلق بميزانية المنزل.

لن يتحقق العجز المالي عن طريق خفض الّدعم على المعونات وحده؛ فمن المؤكد أن التّوظيف الحكومي والرّواتب سيتأثران بالأمر. في العام 2015، خفضت الحكومة عدد الوزارات ووضعت مخططات لدمج الدّوائر الحكومية. ويبدو القطاع الخاص ملجأ غير مضمون، إذ يواجه عدد متزايد من البحرينيين الذين افتتحوا أعمالًا صغيرة ومتوسطة تكاليف مرتفعة، وبالنّسبة للكثير منهم، هناك انخفاض في الطّلب على السّلع الاستهلاكية، ويعود ذلك إلى انخفاض الدّخل المتوفر. سيشعر النّاس بالتّراجع في مستويات المعيشة، خاصة في الطّبقتين الفقيرة والمتوسطة.

أصبح المواطنون الخليجيون يدركون للقواعد الجديدة مع تفاعل حكوماتهم، مع بعضها البعض على ما يبدو، لخفض أسعار النّفط مع تخفيض الّدعم الحكومي. هناك حتى بعض القبول، لا سيما في أوساط رجال الأعمال، لعدم استدامة مستويات الدّعم والتّوظيف الحكومي المضمون. على الرّغم من ذلك، ليست هذه التّحركات شعبية على المستوى السّياسي.

في مثل هذه الأوقات من التّقشف الاقتصادي، قد تسمح السّلطات التّشريعية المنتخبة في الممالك الخليجية، أي البحرين والكويت ومؤخرًا عمان للمواطنين على حد سواء بالتّنفيس من الإحباطات السّياسية، وعلى الأرجح، التّفاوض من أجل تقسيم الأعباء. مع ذلك، يصبح واضحًا أنّه في البحرين، تعثر الحكومة التي تقودها الأسرة الحاكمة على سبب وجيه لتقديم تسويات. وهذه نتيجة للتّراجع في الجمعيات السّياسية وكذلك الديناميات البرلمانية في البحرين.

تراجع الجمعيات السّياسية في البحرين

تركت خمس سنوات من الاضطراب السّياسي والانقسام الاجتماعي بصماتها على السّياسة في البحرين. تم تهميش كل الجمعيات السّياسية الشّرعية في البلاد (الجمعيات السّياسية محظورة في البحرين والخليج). الجمعية السّياسية الأكبر في البحرين، وهي الجمعية الإسلامية الشّيعية الوفاق، حُيٍّدَت. وقد استقال نوابها الـ 18 بشكل جماعي من البرلمان المُكون من 40 نائبًا ردًا على القمع العنيف للحكومة على الاحتجاجات السّياسية في العام 2011، كما قاطعت الانتخابات النّيابية في العام 2014. وحُكِم على الأمين العام للوفاق، الشّيخ علي سلمان، بالسّجن 4 سنوات في العام 2015، على خلفية اتهامه بالتّرويج للعصيان والتّحريض على الكراهية. المسيرات الأسبوعية في الشّارع التي نظمتها الجمعية مُنِعت منذ تعديل البحرين لقانون الإرهاب في العام 2013 ليشمل حظرًا شاملًا على التّجمعات في العاصمة المنامة. والأهم من ذلك أن الوفاق تواجه أزمة في الهُوية. لقد برزت في فترة إصلاح سياسي، وعثرت على مبرر لوجودها في مشاركة الحكومة. ومن دون أي عملية تفاوض، أو تسوية حكومية كافية لإعادة الوفاق إلى النّظام السّياسي، فإن أهميتها، إن لم يكن وجودها نفسه، مهددان.

لقد أضعف تهميش الوفاق تحالف المعارضة. وتحت الضّغط الذي سببه تصاعد الطّائفية في أعقاب العام 2011، فقد عانت الجمعيات السّياسية اليسارية الأصغر، المُشاركة في تحالف المعارضة المكون من سبع جمعيات - وعد والمنبر التّقدمي والتجمع القومي- من الانشقاقات، خاصة من قبل السّنة. ويبدو الآن أنّهم ينأون بأنفسهم عن الوفاق ويعملون على تشكيل تحالف ديمقراطي جديد. وعلى الرّغم من انخفاض رتبته وحرمانه من قياداته بسبب الاعتقالات، فإن تحالف المعارضة يناضل من أجل خلق تأثير في السّاحة السّياسية.

حتى الجمعيات السّياسية الإسلامية السّنية لم تنج من آثار الاضطراب السّياسي. فقيادة جمعية الأخوان المسلمين في البحرين والجمعيات السّياسية السّلفية تخضع للتّحدي من قبل تعبئة السّنة على الأغلب، والتي ظهرت ردًا على الانتفاضة السّياسية ذات الأغلبية الشّيعية. على الرّغم من ذلك، فإن هذا التّشكيل السّياسي الجديد، تجمع الوحدة الوطنية، فشل في تشكيل قوة سياسية مؤسساتية، وفي انتخاب عضو واحد حتى في الانتخابات البرلمانية في العام 2014.

وشهد الإخوان المسلمون تقلص فضائهم السّياسي في الوقت ذاته الذي انقلب فيه الخليج بشكل عام ضد الحركة منذ الرّبيع العربي. تم استبدال وزرائهم في الحكومة، كما قلّلت إعادة التّنظيم الدّوائر الانتخابية بمرسوم من قبل الحكومة تمثيلهم النّيابي في انتخابات العام 2014 إلى مقعد واحد. وكان أداء الجمعيات السّياسية السّلفية أفضل إذ حافظت على وزير في الحكومة فحظيت بتحالف برلماني صغير تَشَكّل من نوابها الاثنين، والمستقلين الموالين لها. مع ذلك، ليس هناك من ينكر التّراجع العام في البحرين في الجمعيات السّياسية الإسلامية التي كانت ذات نفوذ سابقًا، السّنية والشّيعية على حد سواء. وقد حلت مجموعة من المستقلين الموالين للحكومة مكانهم.

برلمان قليل التّجربة

جرت الانتخابات النّيابية في العام 2014 في  ظل مقاطعة انتخابية مستمرة من قبل المعارضة، وتوزيع جديد للدّوائر الانتخابية لم يكن في صالح الجمعيات الإسلامية السّنية التي كانت ذات نفوذ في ما مضى. وكشفت الانتخابات أيضًا عن مستوى من الإحباط الشّعبي من الطّبقة السّياسية. وقد كان ثلاثة أرباع النّواب المنتخبين، وهي نسبة لا تُصَدّق، حصلوا للمرة الأولى على هذا المنصب، بأغلبية ساحقة من المستقلين الموالين للحكومة.

لم يكن هذا البرلمان، ذي الأغلبية الموالية للحكومة، قادرًا على وقف عملية خفض المعونات، على الرّغم من الانعدام العام لشعبية هذه السّياسات لدى الجمهور البحريني. عارض البرلمان خفض الدّعم في موازنة الدّولة للعامين 2015-2016، ودفع الحكومة إلى التّشاور بشأن مثل هذه الخطط. مع ذلك، وبعد شهر من المفاوضات مع المُشَرعين بشأن رفع الدّعم عن اللّحوم، مضت السّلطة التّنفيذية قُدُمًا في ذلك على الرّغم من استياء المُشرعين. وكان من المُفتَرَض أن تناقش لجنة برلمانية دعم الغاز أيضًا، لكن السّلطة التّنفيذية، رفعت الأسعار من طرف واحد -إن لم نقل دستوريًا- بعد إشعار لم تتجاوز مدته يومًا واحدًا. وكذلك تم وقف الدّعم عن الكهرباء والماء من خلال القضاء بين ليلة وضحاها على اتفاق سابق مع البرلمان بتأجيل الأمر حتى العام 2017.

قلة الخبرة وانعدام التّماسك داخل البرلمان كانا بارزين في إدارته لعملية رفع أسعار الغاز التي فرضتها الحكومة. وكانت ردة فعل الشّعب سلبية جدًا، مع الضّغط على المُشَرعين لمساءلة وزيري المال والطاقة علنًا على خلفية استخدامهما صلاحيات تعزيز الرّقابة الممنوحة لهما من قبل البرلمان في التّعديلات الدّستورية التي أُجرِيت في العام 2012 كنتيجة لعملية الحوار الوطني.

مع ذلك، فشل الإجراء بسبب تغيير البرلمان لنُظُمه الدّاخلية ورفعه مستوى السّماح لاستجواب الوزراء من 50 إلى 75 بالمائة من الأصوات في المجلس. النّاخبون الغاضبون حملوا الأمر إلى وسائل التّواصل الاجتماعي ولوحق عدد منهم من قبل الأمانة العامة لمجلس النّواب، التي رفعت دعاوى تشهير ضدهم نيابة عن البرلمان. وقد نتج عن ذلك بيان مشترك نادر دانت فيه 11 جمعية سياسية بحرينية هذا الإجراء.

حركة عمالية متصدعة

إدراج النّقابات المُمَثلة في الاتحاد العام للنّقابات العمالية في البحرين كان أحد أهم الإصلاحات ذات المغزى، التي نفذها الملك حمد بن عيسى آل خليفة في أوائل العام 2000. على الرّغم من ذلك، أضعفت الحكومة البحرينية منذ العام 2011 الاتحاد العمالي، الذي نُظِر إليه على أنّه متحيز بعد تنسيقه إضرابات في العام 2011 مع المعارضة البحرينية. وقد فتح مرسوم ملكي صدر في العام 2011 الباب أمام تأسيس عدة اتحادات، ونتج عنه إنشاء اتحاد نقابات العمال الحرة في البحرين. وليس الاتحاد الجديد جديرًا بالذّكر على خلفية وجود نسبة عالية من العمال الأجانب الذين قُبِلت عضويتهم فيه، وهو أمر يتماشى مع سياسة عامة تقضي بتعزيز العمالة الأجنبية.

قوانين العمال في البحرين مصاغة بطريقة تجعل من الصّعب على الاتحادات مقاومة التّخفيضات المُتَوقعة في قطاع التّوظيف والرّواتب الحكومية. لا يستطيع موظفو القطاع الحكومي إنشاء اتحادات؛ في حين يمكنهم الانضمام إلى اتحادات القطاع الخاص، ولا تستطيع تلك الاتحادات التّفاوض باسمهم. علاوة على ذلك، فإن الإضرابات العمالية محظورة في 10 قطاعات حيوية في البحرين، بما في ذلك النّفط والغاز. وبالتّالي، لن يكون بإمكان العمال البحرينيين اتخاذ إجراءات عمالية مثل تلك الحاصلة في قطاع النّفط الحرج في الكويت اليوم.

هيمنة الأمن والتّسليم

لا يتردد صدى الشّجارات داخل البرلمان بالنّسبة لكثيرين من المجتمع البحريني، حيث أصبحت السّياسة شيئًا بغيضًا. ارتباط السّياسة بالانتفاضة السّياسية التي هزت الجزيرة في فبراير/شباط 2011 دفعت الكثير من البحرينيين، خاصة داخل المجتمع السّني، إلى مساواة المعارضة بانعدام الولاء. وقد استُخدِم هذا الميل بسبب تأثيره الكبير من قبل السّلطة التّنفيذية في البحرين، التي وجهت الإحباط بشأن برامج التّقشف المرتبطة بالانكماش الاقتصادي نحو البرلمان.

بالنّسبة للبحرينيين الذين دعموا الانتفاضة، فإن البرلمان كذلك غير مرتبط بها. تكتيكات  الحكومة الأمنية والقانونية، بما في ذلك اللّجوء إلى سحب الجنسية، قلّصت بشكل حاد الاحتجاجات اليومية. لكن من دون وجود حوار للحديث بين الحكومة والمعارضة، تبقى السّياسة مُجَمدة. اقتصاديًا، ستتحمل الجماعات الشّيعية تكاليف باهظة للتّقشف، نظرًا للمعاملة التّفضيلية التي يحظى بها السّنة في قطاع الأمن، و-وفقًا لما يُروى- في العقود الحكومية. على الرّغم من ذلك، قد يُصبِح البحرينيون أكثر تنافسًا في القطاع الخاص، مع ارتفاع نسبة العمالة الأجنبية للتّعويض عن خفض المعونات والرّسوم المفروضة بشكل غير متناسب من قبل الأجانب..

قد تُسَر الحكومة البحرينية حتى الآن بإدارتها السّياسية للخطوات الصّعبة في عملية التّقشف. لكن المخاطر المالية والسّياسية تبقى مرتفعة. في الأسبوع الماضي فقط، صنّفت خريطة الإرهاب والعنف السّياسي التي تصدرها مجموعة التّأمين العالمي أيون AON الخطر في البحرين على أنّه الأعلى في دول مجلس التّعاون الخليجي، إلى جانب المملكة العربية السّعودية. وتُذَكّرنا الهجمات البدائية بالقنابل مثل تلك التي حصلت في قرية شيعية الأسبوع الماضي بالمستوى المنخفض للاضطراب المدني وبالهجمات بالقنابل التي حصلت خلال التّراجع الأخير للنّفط في منتصف التّسعينيات. وربط الحكومة لمثل هذه الهجمات بمحاولات إيرانية لتأجيج الاضطرابات في البحرين يزيد الحيز المُتاح لها للمناورة مع الشّعب. لكن التّاريخ يُسَلط الضوء أيضًا على مخاطر الرّكود والجبر السّياسيين السّائدين بين الجمعيات السّياسية في المملكة اليوم. وقد تحدث أحد النّشطاء السّياسيين وفقًا للوتيرة ذاتها فقال إن "الجميع يشعرون بالعجز، وكأن الأمر خارج عن إرادتنا".

 

*كريستين سميث الديوان هي باحثة في معهد دول الخليج العربي في واشنطن.

 

التّاريخ: 20 أبريل/نيسان 2016

النّص الأصلي


التعليقات
التعليقات المنشورة لا تعبر بالضرورة عن رأي الموقع

comments powered by Disqus