أغلى "إصبع" في العالم... رفعها للإشارة فطارت الوزارة
2016-03-05 - 2:44 ص
مرآة البحرين (خاص): حطمت حركة إصبع شقيّة أحلام وزير بحريني شاب أتي به في العام 2014 لتقوية موقع ولي العهد الضعيف في الحكومة. عيسى بو جيري، وهو الاسم الذي طالما عرف به عند جماهير النادي الأهلي الذي شغل في وقت سابق عضوية مجلس إدارته قبل أن يصبح مستشاراً إعلاميا في مكتب ولي العهد ثم وزيراً للإعلام ويتغير اسمه إلى عيسى بن عبدالرحمن الحمادي، انتهى سياسياً بشكل مباغت حين صوّر إصبعه الوسطى في مجموعة "واتس اب" للسخرية من مهرجان رياضي يرعاه نجل ملك البحرين.
الحركة التي تم تداول صورة "كابچر" لها في وسائل التواصل الاجتماعي وضعت نهاية ساخرة لطموحات الوزير الشاب الذي يهوى تدخين "السيجار" ورياضة ركوب الدرّاجات لمسافات طويلة. منذ اليوم الجمعة (4 مارس/ آذار 2016) صار هناك وزير الإعلام السابق رقم 10 في البحرين في خلال مدى زمني قصير يناهز العشرين سنة.
لقد نجا الحمادي غير المنتمى إلى العائلة الحاكمة والذي شكلت حقيبته بؤرة استهداف طالما حام حول حماها وزراء مروا على المنصب إيّاه في خلال فترات سابقة، (نجا) العام الماضي 2015 من حملة استهدفته عقب استضافة تلفزيون البحرين رجل دين الشيعي محمد سعيد العرادي الذي عبر عن آراء تخالف تصريحات أطلقها وزير الداخلية راشد بن عبدالله آل خليفة ضد المرشد الإيراني. ولم يفلح غياب الوزير في إجازة خارج البلاد في تجنيبه سهام موالي الحكومة التي انطلقت بشراسة عقب بث الحلقة على شاشة التلفزيون الذي يقع تحت إدارته بحكم المنصب.
لكن على ما يقول المثل الشعبي البحريني "ليس في كل مرّة تسلم الجرّة". فهذه المرّة بالذات كان خصمه في الحملة التي استهدفته هو ناصر بن حمد آل خليفة. ليس عاديّاً في ديكتاتورية صغيرة أن تدير إصبعك الوسطى للهزء من مهرجان يرعاه نجل الملك. وقد وقع الحمادي في ما هو "غير عادي" فصار قصّة في المسلسل المكسيكي الطريف الذي لا تلوح له نهاية لخطايا المتعاقبين على هذا المنصب.
لقد سبق للوزير السابق جهاد بو كمال أن أقيل من منصبه في 24 نوفمبر/ تشرين الثاني 2008 بعد استضافة تلفزيون البحرين الأمين العام السابق لجمعية "وعد" المعارضة إبراهيم شريف في لقاء حواريّ. كما سبق أيضاً لوكيلة قطاع الثقافة بوزارة الإعلام السابقة مي آل خليفة أن أعفيت من منصبها في مايو/ أيار 2008 إثر خلافات مع وزير الإعلام قبل أن تعاد لموقعها في وقت لاحق إثر تدخل زوجة الملك وإقالة الوزير بوكمال.
وشكل إحلال سميرة رجب وزيرة للإعلام بدلاً من نجل وزير الداخلية السابق فواز بن محمد آل خليفة في أبريل/ نيسان 2012 دافعاً لقيادة الأخير بالتكاتف مع قوى في عائلته حملة ضدّها انتهت بإزاحتها من منصبها. وها هو الوزير الحمّادي ينتهي إلى المآل إيّاه. مياه متحرّكة باستمرار تسري تحت أرجل كرسيّ هذا المنصب، الذي يبدو للجالس فوقه أنه ثابت بقوّة قبل أن يتداعى فجأة ويرتطم بالقاع.
في أول تعليق له على قرار إقالته المهين اختار الحمادي أن يتأسّى بالممثل المصري علاء ولي الدين في فيلم "الناظر" عند تورطه في مشاجرة بمطعم. فحين اشتدّ الضرب أحنى هذا رأسه وراح ناصحاً صديقه أحمد حلمي "اعمل نفسك ميت.. اعمل نفسك ميت". وهكذا فعل وزير هيئة شئون الإعلام. لقد عمد إلى تمرير تهنئة إلى خلفه في المنصب في حسابه على شبكة التواصل الاجتماعي "تويتر" قائلاً "أبارك لأخواني الأعزاء غانم البوعينين وعلي الرميحي الثقة الملكية السامية. سنبقى دوماً جنوداً مخلصين لسيدي جلالة الملك المفدى حفظه الله للوطن".
عمل الحمادي نفسه ميّتاً؛ فإذا كانت الوزارة قد طارت من بين يديه بفعل حركة الإصبع المسيئة، فهو على الأقل يريد السلامة لنفسه: أن يتمّ قبوله كجندي. جندي مخلص فقط!
بحكم عمله السابق كمذيع ومقدم برامج في إذاعة البحرين فقد عرف الحمادي الذي بدّل ألقابه في فترة قياسية باستمرار خبايا هذا "الكار" جيّداً. نسج أولاً علاقة جيّدة مع وزير الدولة لشئون الاتصالات فواز بن محمد آل خليفة الذي كان قد سبقه في شغل المنصب. وأعاد ثانياً الاعتبار إلى القوى الصغيرة النافذة في وزارة الإعلام التي همشتها الوزيرة السابقة سميرة رجب. ووطد ثالثاً علاقة قوية مع رؤساء تحرير الصحف المحلية جنّبته أن يصبح مادّة لحملاتها التي شكلت عناصر إزعاج وكدر مستمرّين لغير وزير سابق.
لكنّ ما لم يعرفه بالذات هو "الزّمان حين يدور". طوال أشهر دافع الحمّادي بشكل دوري عن سجن المغرّدين ومديري وأعضاء مجموعات الدردشة على الهواتف الذكية. نحو 26 حكما قضائيا صدر عن المحاكم البحرينية في خلال السنة الأولى فقط من تسلمه منصب الإعلام (2015) ضدّ مغرّدين ومديري حسابات افتراضية وجهت لهم تهم واهية مثل "إهانة الملك" و"إهانة الجيش" و"التحريض على كراهية النظام" و"بث أخبار كاذبة في زمن الحرب". وقد شملت هذه الأحكام فرض غرامات على صحافيين والسجن بمدد قاسية وصلت إلى 10 سنوات. وقد دار الزّمان دورة كاملة، وها هو الوزير يُطاح به في أمر استمات جهازه الإعلامي بالذات في إطاحة المواطنين به: صورة في مجموعة خاصّة على "واتس اب" نال فيها من نجل الملك.
دورة واحدة بدرّاجته التي اعتاد ركوبها أسبوعياً وحوّلها إلى هواية لغالبية المسئولين في وزارته كانت سبباً كافياً لتجريده من كافّة مناصبه: شؤون الاعلام وشؤون مجلسي الشورى والنواب. عصفوران طاحا بحجر واحدة. لقد توقف معهم كي يطبع في "كاميرا" هاتفه الذكي إصبعه الوسطى عند مشاهدة اسم مهرجان "يلا رياضة" مطبوعاً على الأرض. لسبب ما صار الجميع الآن يعرفه، سترافقه هذه الصورة إلى الأبد.