البحرين: السياسات الجديدة للدولة المفلسة: ثورة جياع تلوح في الأفق
2016-02-16 - 4:54 م
"أنتم ترون أن الثورة خمدت، أنا أرى أن الشعب أخذ استراحة قصيرة لالتقاط أنفاسه، 4 سنين من الثورة المتواصلة أمر عظيم بحد ذاته، صدقوني، إن هذه الحكومة مفلسة وقراراتها القادمة ستكون كارثية، هناك جمر تحت الرماد أراه بكل وضوح، ستهب العاصفة، وسترون الجمر ... الهبة المقبلة ستكون أعنف، وسيكون عنوانها اقتصادياً معيشياً، وستشارك فيها فئات أخرى لم تكن معنا في فبراير 2011 ... إنني أرى ذلك بكل وضوح"
إبراهيم شريف في لقاء خاص (يوليو/تموز 2015)
مرآة البحرين (خاص): في أبريل/نيسان 2013 حذر صندوق النقد الدولي البحرين من "كارثة" اذا استمرت سياساتها الإنفاقية على ما هي عليه، تقرير صندوق النقد آنذاك جاء بسبب ارتفاع الدين العام، ودعا الصندوق الدولي البحرين إلى رفع الدعم عن الكهرباء والماء واللحوم والمحروقات والقمح، ورفع الرسوم الإدارية والتعرفة الجمركية، وتجميد التوظيف في الحكومة.
لم يكن النفط حينها شهد هبوطاً حاداً، كان برميل النفط يباع بأكثر من 100 دولار وفق الأرقام الرسمية، إلا أن البحرين التي تصرف أكثر من ثلث موازنتها على العسكرة، تكبدت مصاريف هائلة بسبب سياسات القمع التي اعتمدتها في مواجهة الحراك المطلبي الذي اندلع في فبراير/شباط 2011.
في العام 2013 نشرت منظمة بحرين ووتش وثيقة مسربة عن تخطيط البحرين لاستيراد 1,6 مليون قذيفة و 90 ألف قنبلة يدوية من مسيلات الدموع.
مع مطلع العام 2014 ألقت السلطات بالون اختبار على المواطنين، سربت الصحف مذكرة حكومية تكشف عن نية البحرين رفع الدعم عن اللحوم مقابل تعويضات نقدية للمواطنين بواقع 5 دنانير للبالغين ودينارين ونصف لغير البالغين، وبرميل النفط كان حينها (يناير/كانون الثاني 2014) أيضاً يفوق الـ 100 دولار.
لكن الحقيقة المرة تكشفت بعد أشهر بسيطة من ذلك العام، اكتشف العالم إن الأزمة الاقتصادية التي بدأت تلقي بظلالها على البحرين كانت نتيجة سياسية الإنفاق المهولة على العسكرة، يومها نشرت صحيفة مرآة البحرين وثائق مسربة كشفت عن استئجار البحرين لـ 499 دركيا أردنيا للمساهمة في قمع المواطنين، الأرصدة البنكية التي انفردت الصحيفة بكشفها أثبتت صرف البحرين 1.8 مليون دولار شهرياً على الدركيين الأردنيين المستأجرين، وفي أعقاب ذلك نشر موقع CNN الأمريكي معلومات نقلها عن نائب في البرلمان الأردني تفيد بوجود 2500 أردني يعملون في الأجهزة الأمنية البحرينية من المتقاعدين.
حادثة الدرك الأردني لم تكن الفضيحة الوحيدة للبحرين، تقرير عسكري صادر عن معهد ستوكهولم الدولي لبحوث السلام SIPRI قال إن البحرين حلّت في المرتبة الثانية بعد العراق من حيث نسبة الزيادة في الإنفاق العسكري، وذلك بمعدّل 26%، ليصل إجمالي الإنفاق العسكري في العام 2013 إلى مليار و236 مليون دولار (467 مليون و208 آلاف دينار بحريني).
وأوضح التقرير أن الزيادة في البحرين بلغت 110% بالمقارنة مع العام 2004، في حين لم يتخط مجموع نمو الناتج المحلي الإجمالي منذ العام 2004 نسبة 60%، لتصنّف البحرين ضمن أكثر 23 بلدا على مستوى العالم من حيث الزيادة في الإنفاق العسكري. وقال التقرير إنه من المرجح أن الزيادة في الإنفاق على الدفاع في البحرين مرتبط بالمشتريات الأخيرة من الأسلحة التي تستخدم في قمع الاضطرابات الداخلية.
وفي العام نفسه أعدت شركة «HIS» الأميركية تقريراً حول تصنيف الجيوش في الشرق الأوسط، قالت فيه إن البحرين لديها جيش مكوّن من 13 ألف جندي ويمتلك 180 دبابة و105 طائرات، وينفق سنوياً 730 مليون دولار لتغطية النفقات الدفاعية.
هذه المعلومات تقدم عينة بسيطة من حجم الإنفاق الحكومي على العسكرة، وصفقات السلاح، ناهيك عن حملات العلاقات العامة التي تحاول تحسين سمعة البحرين الحقوقية السوداء أمام العالم من خلال حملات "هذه هي البحرين"، ناهيك عن صرف الملايين كمميزات للأسرة الحاكمة، تأتي في أشكال متعددة أبرزها نزوات الابن المدلل للملك "ناصر".
وبالعودة إلى تقارير صندوق النقد الدولي، يقول اقتصاديون إن صندوق النقد لا يملك حلولاً سحرية، هو يقدم استشارته لهذه الدول، إن ارتفع دين الدولة، قال لها ببساطة: خفضي إنفاقك، قللي مصروفاتك، لا حلول سحرية في هذا الشأن، تقارير صندوق النقد الدولية هي وصفات ثابتة لجميع الدول.
لكن ماذا فعلت البحرين؟ بالتأكيد فإنها استغلت تدهور أسعار النفط، في النصف الثاني من العام 2015 لخدمة أجندتها، وما كانت تريد القيام به في 2013 في ظل ارتفاع أسعار النفط، صار سهلاً تطبيقه الآن، فكل الدول الخليجية تقوم بخطوات مشابهة الآن، أما السخط الشعبي فهو آخر ما تفكر فيه.
والبحرين في واقع الحال لا تملك خيارات عديدة أمام الأزمة الاقتصادية، تقليل الإنفاق العسكري يعني الرضوخ للمطالب الشعبية، وهو أمر مرفوض، أما المساعدات الخليجية (السعودية والكويتية والإماراتية بشكل خاص) توقفت بشكل طبيعي، وكل دولة باتت تفكر بنفسها واقتصادها ووضعها المالي.
خطت البحرين أولى الخطوات في رفع الدعم عن اللحوم، أخرته لشهرين، لكنها نفذت قرارها في نهاية المطاف (أكتوبر/تشرين الأول 2015)، mاستمر بعض باعة اللحوم في الامتناع عن التداول لـ 49 يوماً، لكن أحداً لم يسمع لهم أصلاً، وبذلك قالت البحرين انها وفرت أكثر من 22 مليون دينار.
ولم تخف الحكومة نيتها رفع الدعم عن سلع وخدمات أخرى، كما عممت وزارات حكومية رسالة مفادها وقف ساعات العمل الإضافية ترشيداً للإنفاق.
ومع مطلع العام الجديد 2016، أعلنت هيئة النفط والغاز أنها بدأت بتطبيق القرار الحكومي الجديد في رفع أسعار الديزل والكيروسين، وبعد أقل من أسبوعين قررت الحكومة رفع أسعار البنزين بأكثر من 50٪ دون الرجوع للبرلمان الصوري، وأعلنت هيئة الكهرباء والماء عن التسعيرة الجديدة التي ستدخل حيز التنفيذ في مارس/آذار من العام نفسه، وأجبرت المواطنين من ذوي الدخل المحدود على توقيع تعهد يسمح للهيئة باستقطاع الفاتورة الشهرية بشكل مباشر من الحسابات البنكية، وختمت الهيئة قراراتها بفرض مبلغ ثابت (دينارين) على كل فاتورة لجميع المشتركين دون استثناء، اعتبرتها رسوم إدارية.
ارتفاع أسعار المحروقات والكهرباء والماء، ساهمت في ارتفاع الكثير من السلع والخدمات التي تعتمد عليها، وبرزت مشاكل أخرى في قطاعات مهمة، كالدواجن، التي طالب مربوها برفع الأسعار 25 بالمئة بسبب ارتفاع المصاريف، أما البحارة الذين وعدوا سابقاً بإبقاء دعم المحروقات لهم، كي لا تتأثر أسعار الأسماك، اكتشفوا أن الدولة لم تستثنهم، وهو ما دفعهم إلى اعتصامات لم تفض لشيء يذكر سوى تقديم تقرير لوزير الطاقة عن آثار رفع المحروقات على هذا القطاع، وهم على ما يبدو سلموا للأمر الواقع وقرروا رفع أسعار الأسماك من جهتهم.
لكن القرارات لم تقف عند هذا الحد، بل عمدت الحكومة لرفع الرسوم أينما استطاعت، لجباية أكبر قدر ممكن من الأموال من جيوب المواطنين، هكذا رأينا أن المواصلات رفعت رسوم مغادرة البحرين جواً إلى 5 دنانير، وقررت المؤسسة العامة لجسر الملك فهد الذي يربط البحرين بالسعودية رفع تعرفتها أيضاً، أما وزارة العدل فقررت رفع رسوم التنفيذ، والمنافذ رفعت الضريبة الجمركية على التبغ 200٪ والكحول 225٪.
لكن هذا لم يكن كافياً على ما يبدو، ففي مرئيات وزارة الأشغال التي قدمت للمجلس النيابي، لمعالجة "الازدحامات المرورية"، تقدم الوزير بمقترحات تضمنت "رفع رسوم التسجيل على المركبات الإضافية التي تزيد عن اثنتين لكل أسرة، ربط رسوم تلمك السيارات بدخل الفرد، مراجعة ضريبة الجمارك على السيارات، دراسة إمكانية فرض رسوم على المناطق المزدحمة، دراسة إمكانية تطبيق ضريبة إضافية على مستخدمي سيارات الأجرة، رفع تعرفة عدادات مواقف السيارات".
أما وزارة التربية فبحثت في القوانين ووجدت أن هناك قانوناً للتعليم الإلزامي على المواطنين، وإن التغيب لمدد طويلة دون عذر من قبل الطالب البحريني، يجبر ولي أمره على دفع غرامات مالية تصل إلى 100 دينار، لتقرر أن تقوم بتفعيل هذا القانون لزيادة الإيرادات.
بالطبع فإن قرارات الحكومة العجوزة التي يرأسها خليفة بن سلمان منذ أكثر من 4 عقود، لن تتوقف عند هذا الحد، ستبحث ما استطاعت، عن حلول ونوافذ لفرض المزيد من الضرائب على المواطنين، لكنها تغفل أمراً مهماً، لا يفوت الدول المتقدمة وحتى دول الجوار الصديقة لها.
إن الأمن الغذائي هو أحد أهم عوامل الاستقرار السياسي للبلدان، هذا هو السبب الرئيسي لدعم دول فقيرة للمواد الأساسية، وإن إغفال هذا الأمر، يؤدي إلى ثورات جياع، تطيح أنظمة وحكومات، والبحرين التي تعادي 70٪ من مواطنيها وكلفتها حالة العداء هذه صرف مليار دولار سنوياً على الأمن والعسكر، لكنها استطاعت حينها بفعل عوامل عدة أبرزها التشطير العمودي للمواطنين على أساس طائفي، أن تستميل الـ 30٪ الأخرى إلى جانبها، وتمكنت بفعل أموال البترودولار من شراء المواقف الغريبة، ولاقت دعماً لا محدود من الشقيقة الكبرى، إلا أن ساكن قصر الرفاع عليه أن يعلم، أن الدعم اللامحدود من الـ 30٪ الذي لاقاه طوال السنوات الخمس الماضية، لن يكون موجوداً وحكومة عمه تقود عمليات التقشف التي تستنزف جيب المواطن.
البلد على حافة الإفلاس، كلنا نعلم ذلك، الفساد المستشري في الدولة بالتأكيد لم يتوقف، بل شهد ازدياداً من مسئولين لديهم شعور بأن هذا البلد شارف على الانهيار، ويتعين عليهم سرقة أكبر قدر ممكن من مقدرات الشعب، متى وكيف ما استطاعوا، بل إن الحكومة اشترت لوزرائها وهي تقرر رفع أسعار البنزين، سيارات بي إم دبليو جديدة.
من الطبيعي ونحن على حافة الإفلاس هذه أن نرى السياسية الحكومية وهي تنعكس على الشعب شيئاً فشيئاً، مسئولون يزدادون ثراءً، وشعب يزداد فقراً.
مظاهر الفقر والجوع بدأت بالبروز وستكون واضحة للعيان خلال الأشهر القادمة، هذا الجنون في رفع الأسعار والدعومات، لن يخلف إلا ثورة جياع، هي نبوءة إبراهيم شريف التي تحدث عنها، ها هو الرماد بدأ بالتلاشي، العاصفة هبّت، فمتى نرى الجمر الذي تحت الرماد؟
* منشور بالتنسيق مع صحيفة الأخبار اللبنانية