صنقور يحذر من تصاعد حالة التذمر ويدعو لـ "حلول جذرية"

2016-02-12 - 8:14 م

مرآة البحرين: قال إمام جمعة جامع الإمام الصادق (ع) بالدراز الشيخ محمد صنقور أن "دعوى طائفية الحراك المطلبي هاجس افتعله رجال بعضهم مسكون بالحس الطائفي والبعض الآخر وجد أن مصالحه الشخصية غير متناغمة مع مطالب الناس"، مشيراً إلى أن هؤلاء عملوا جاهدين على استعداء طائفة على طائفة أخرى تحت ذريعة أن المطالب المرفوعة تستهدف أبناء السنة.

وأضاف صنقور في خطبته اليوم الجمعة (12 فبراير/شباط 2015) إنه وبعد مضي 5 أعوام، فإن السجون "اكتظَّت بأبناءِ البلدِ من مختلفِ الفئاتِ العمريَّة، وعوائلُ السجناءِ وأطفالُهم تسوءُ أحوالُهم المعيشيَّةُ والنفسيَّةُ يوماً بعد يومٍ، وحالةُ التذمُّرِ تتصاعدُ في الأوساطِ نتيجة تردِّي الأوضاعِ الإنسانيَّةِ والأمنيَّةِ"، داعياً ألى المسارعة في "التنفيسِ من حالةِ الاحتقانِ، والمبادرةَ إلى إيجادِ حلولٍ جذريَّةٍ تعودُ بالبلادِ إلى حالةِ الاستقرارِ".

وفيما يلي نص الخطبة:

تمضي الأيامُ والسنونَ والأزمةُ السياسيةُ في البلادِ تُراوحُ مكانَها، فلا الشعبُ قادرٌ على التخلِّي عن مطالبِه لأنَّها عادلةٌ وضروريَّةٌ وملحَّة، ولا يَظهرُ من الدولةِ انَّها بصددِ التخلِّي عن سياسةِ الإعراضِ والمُراوحةِ، وذلك هو ما أنتجَ بقاءَ الأزمةِ عالقةً تنتظرُ الأقدارَ التي لا تخضعُ لإرادةِ أحدٍ، وقد تأتي وفقَ رغبةِ طرفٍ دونَ طرفٍ، وقد تأتي على خلافِ رغبةِ الجميعِ، وقد تسيرُ الأقدارُ وفقَ رغبةِ الطرفِ الأضعفِ، تلك هي سُنَّةُ التأريخِ حينَ يُعلِّقُ أطرافُ الخصومةِ آمالَهم على الأقدار، ويَقبلونَ لأنفسِهم أنْ يكونوا منفعلينَ بما حولَهم، فلا يُبادرونَ إلى صناعةِ مصائرِهم بأيديهم، فإنَّ المصيرَ الذي ينتظرُهم لا يكونُ بالضرورةِ وفقَ ما يّرجونَ بل غالباً يكونُ على خلافِ ما يأمَلونَ.

ولهذا دأبَ علماؤنا وكذلك العقلاءُ في البلدِ على النصيحةِ والدعوةِ بأنْ تتعاطى الحكومةُ مع مطالبِ الناسِ بإيجابيَّةٍ، وحينذاكَ يَحسمُ الوطنُ خيارَه بيدِه، فيحظى خيارُه باحترامِ وتقديرِ الجميعِ. وينعَمُ كلُّ أبنائِه بالتعايشِ والأمنِ والاستقرارِ، ولا يشغلُهم سوى إصلاحِ شأنِهم وأحوالِهم والبناءِ لوطنِهم دون أنْ تَمسَّ شئونُهم شئونَ غيرِهم بسوءٍ. تلك هي غايةُ الحراك، وذلك هو خلاصةُ ما يطمحُ إليه الناسُ: التعايشُ والعيشُ الكريمُ والأمنُ والاستقرارُ للجميعِ والحريةُ والعدالةُ والمساواةُ والشراكةُ في صناعةِ القرارِ والبناءِ للوطنِ والضمانُ لمستقبلٍ واعدٍ يقومُ على أُسسٍ وثيقةٍ تقتضي بطبعِها الديمومةَ والثباتَ. تلك هي مطامحُ الناس، وذلك هو ما يأملونَه في وطنِهم، ولا يجدُ من أحدٍ مندوحةً تبرِّرُ له التنكرُ لعدالةِ هذه المطالبِ أو التنكرُ لضرورتِها ومسيسِ الحاجةِ إليها.

ودعوى أنَّ الاستجابةَ لهذه المطالبِ ينعكسُ سلباً على علاقةِ البلادِ بجيرانِها وأصدقائِها لا تصحُّ فإنَّ أحداً من الناسِ ومن أطرافِ المعارضةِ على تنوعِها لا يخطرُ في رَوعِه الإساءةَ إلى علاقةِ البلادِ بجيرانِها وأصدقائِها، فما يُطالبُ به الناسُ يتَّصلُ محضاً بإصلاحِ شئونِهم الخاصَّة، وهذا المقدارُ لا يشغلُ اهتمامَ الدولِ الأخرى، على أنَّ بمقدورِ الدولةِ لو خلُصت النوايا أن تُبدِّدَ هذه الهواجسَ بيسرٍ عبر قنواتِها. فإنَّها تُدركُ جيِّداً أنَّ مطالبَ الناسِ لا تتعدَّى الإصلاحَ لأحوالِهم ومؤسساتِهم الوطنيَّةِ.

وأما دعوى أنَّ المطالبَ ذاتُ صِبغةٍ طائفيَّةٍ فهي مجانبةٌ تماماً للواقعِ والمصداقيَّةِ، فإنَّ قليلاً من الإنصافِ والموضوعيَّةِ يكفي لتفنيدِ هذه الدعوى، فإنَّ المطالبَ التي انتدبَ الناسُ لها وطنيَّةٌ بامتياز لا يشوبُها أيُّ لونٍ طائفيٍّ في طبيعتِها وآلياتِها وصياغتِها وغاياتِها ومآلِها، فالناسُ حينَ طالبوا بحقوقِهم لم يُطالبوا بها بصفتِهم ينتمونَ لهذا المذهبِ أو ذاك وإنَّما طالبوا بها بصفتِهم من أبناءِ هذا الوطنِ، وأمَّا الانتماءُ المذهبيُّ فهو شأنٌ شخصيٌّ لكلِّ فردٍ، ولا يسوغُ حرمانُ أحدٍ من حقوقِه الوطنيَّةِ لمجرَّدِ انتمائِه المذهبي، ثم إنَّ شعبَ البحرينِ بمختلفِ مكوِّناتِه أبعدُ ما يكونُ عن الحسِّ الطائفي كما يشهدُ لذلك تأريخُه وعلاقاتُه البينيَّةُ وما هو مشهودٌ له من التسامحِ والعفويَّةِ ومناصرتُه وتعاطفُه مع مختلفِ قضايا الأمةِ الإسلاميَّةِ على اختلافِ مذاهبِها.

ثم إنَّ الموضوعيَّةَ قاضيةٌ بالنظرِ في طبيعةِ كلِّ مطلبٍ من مطالبِ الناسِ وتمحيصِه للوقوفِ على أنَّه لو قُدِّر له فتمَّتْ الاستجابةُ له هل سيتمحَّضُ نفعُه لطائفةٍ دون أخرى؟أم سيعمُّ نفعُه لكلِّ أبناء الوطنِ بمختلفِ طوائفه، فالعدالةُ الاجتماعيةُ والمساواةُ والشراكةُ في اتَّخاذِ القرار وغيرُها كلُّها مطالبُ تعودُ بالنفعِ على مجملِ أبناءِ الوطِن بمختلفِ مكوِّناتِه، فأين هي الطائفيةُ في ذلك ؟!

إنَّ دعوى طائفيةَ الحراكِ المطلبي هاجسٌ افتعلَه رجالٌ بعضُهم مسكونٌ بالحسِّ الطائفيِّ والبعضُ الآخرُ وجدَ أنَّ مصالحَه الشخصيَّةَ غيرُ متناغمةٍ مع مطالبِ الناس، ولهذا وذاك عمِلَ هؤلاءِ جاهدينَ على استعداءِ طائفةٍ كريمةٍ على طائفةٍ أخرى تحتَ ذريعةِ أنَّ المطالبَ المرفوعةَ تستهدفُ واقعاً الاستضعافَ لأبناءِ السنَّةِ الكرامِ، وقد أعظموا بذلك على اللهِ الفِريةَ وسوفَ يلقونَ غِبَّ ما صنعوا يومَ يقومُ الناسُ للحسابِ.

وحينَ يأذنُ اللهُ تعالى وتنفرجُ الأزمةُ ويحظى الناسُ كلُّ الناسِ بحقوقِهم سوف يتبيَّنُ للإخوةِ الكرامِ من أبناءِ السنَّةِ أنَّهم كانوا ضحيةً لأراجيفِ هؤلاءِ وإنَّ هواجسَهم لم تكن سوى أوهامِ نسجتْها في أدمغتِهم رجالٌ لم تكنْ تشغلُهم سوى مصالحِهم الشخصيَّة، وأنَّهم اتَّخذوا منهم جداراً للصدِّ يَدرؤونَ بهم عن مصالحِهم الخاصَّة، وسوف يُدركونَ أنَّهم كانوا أحوجَ شيءٍ لإنجاِز هذه المطالبِ، وأنَّه كان عليهم أنْ يؤازروا إخوانَهم لتعجيلِ الوصولِ إلى هذه المطالبِ العادلةِ التي يعمُّ نفعُها كلَّ أبناءِ الوطنِ بمختلفِ مكوِّناتِه وطوائفِه.

أختمُ القولَ بأنَّه وبعد مضيِّ أعوامٍ خمسةٍ للأزمةِ السياسيةِ وما تمخَّضَ عنها من تداعياتٍ إنسانيَّة ينبغي أنْ لا تظلَّ مراوحةً في موضعِها، فإنَّ ذلك سيُفاقِمُ من التبعاتِ الإنسانيَّة والتي لا يصحُّ التغاضي عنها، فالسجونُ قد اكتظَّت بأبناءِ البلدِ من مختلفِ الفئاتِ العمريَّة، وعوائلُ السجناءِ وأطفالُهم تسوءُ أحوالُهم المعيشيَّةُ والنفسيَّةُ يوماً بعد يومٍ، وحالةُ التذمُّرِ تتصاعدُ في الأوساطِ نتيجة تردِّي الأوضاعِ الإنسانيَّةِ والأمنيَّةِ، هذا مضافاً إلى ما فرضتْه الحكومةُ على الناسِ من تحمُّلِ أعباءِ تداعياتِ الأزمةِ الاقتصاديَّةِ، كلُّ ذلك ومثلِه يُحتِّمُ في أعرافِ الدولِ المسارعةَ في التنفيسِ من حالةِ الاحتقانِ، والمبادرةَ إلى إيجادِ حلولٍ جذريَّةٍ تعودُ بالبلادِ إلى حالةِ الاستقرارِ، إذ لا يصحُّ بقاءُ الحالِ على ما هي عليه، ولا يستقيمُ الأمرُ بذلك، ولهذا فإنَّ إطلاقَ سراحِ السجناءِ والدخولَ في حوارٍ جادٍّ مع المعارضةِ سيُسهمُ في الخروجِ من حالةِ الركودِ الذي يُدركُ الجميعُ ضررَه البليغَ على حاضرِ البلدِ ومستقبلِه.


التعليقات
التعليقات المنشورة لا تعبر بالضرورة عن رأي الموقع

comments powered by Disqus