صنقور: ليس من الإنصاف أن يكون الفقراء الجسر الذي نعبر عليه لتخطي الأزمة الاقتصادية

2016-01-23 - 6:22 م

مرآة البحرين: تطرق الشيخ محمد صنقور في خطبة الجمعة بجامع الإمام الصادق بالدراز أمس إلى الأزمة الاقتصادية التي تعاني منها البحرين بعد هبوط أسعار النفط، متسائلاً عن الأموال التي ادخرتها البحرين طيلة فترة ارتفاع أسعار النفط، وأين ذهبت، داعياً إلى مراجعة لجذور الأزمة التي من ضمنها عدم تنويع مصادر الدخل، ورافضاً تحميل الفقراء وذوي الدخل المحدود أعباء الأزمة.

وفي خطبته، قال صنقور: «حين تَعصفُ ببلدٍ أزمةٌ اقتصاديَّةٌ فإنَّ الحكمةَ تَقضي بأنْ تُساسَ الأزمةُ على قاعدةِ التعقُّلِ والإنصافِ؛ أما التعقُّل فيَفرضُ المراجعةَ الصادقةَ والجادَّةَ لجذورِ الأزمةِ ومنابعِ نشوئها، ويَفرضُ الجرأةَ الكاملةَ غيرَ المنقوصةِ على الحفرِ في أسبابِ الأزمةِ والاستعدادَ التام بعدَه للاعترافِ بالنتائجِ أيَّاً كانت والبناءِ عليها. أما حينَ تجدُ المعنيينَ بالأزمةِ مستميتينَ في تبريرِها وتعليقِها على أسبابٍ خارجةٍ عن اليدِ والاختياِر، فاعلم أنَّه ليس ثمة من جدِّيةٌ في معالجةِ واقعِ الأزمةِ. ودعوى أنَّ الأزمةَ الاقتصاديّةَ في البلادِ طارئةٌ وليس لها جذورٌ، فهي إنَّما نشأتْ عن هبوطِ أسعارِ النفطِ ليس أكثر، فلا يصحُّ توظيفُها سياسياً، هذه الدعوى لا يُمكنُ قبولُها، فظهورُ النفطِ في البلادِ قد مضى عليه عقودٌ طويلةٌ من الزمنِ، وليس يخفى على أحدٍ أنَّ أسعارَ النفطِ -منذُ ظهورِه- متأرجحةٌ وخاضعةٌ للتوازناتِ السياسيَّةِ ومصالحِ المستهلكينَ الكبارِ، بل وكذلك هي خاضعةٌ لمصالحِ المنتجينَ المتباينةِ. كما لا يخفى على أحدٍ أنَّ أدواراً كثيرةً وطويلةَ الأمدِ كانت فيها أسعارُ النفطِ مُنتعشةً، وكان الجميعُ يُدركُ انَّها لنْ تظلَّ كذلك أبداً، وأنَّ المستهلكينَّ الكبارَ لا يَروقُ لهم أنْ تظلَّ أسعارُ النفطِ منتعشةً بل ولا يروقُ لهم أنْ تكونَ أسعارُه مستقرَّةً، وأما المنتجونَ فمقدارُ الإنتاجِ عندَهم تَحكمُه، مضافاً إلى توازناتِ كبارِ المستهلكينَ وابتزازِهم، تَحكمُه مصالحُهم المتباينةُ وطبيعةُ ثقافاتِهم وصراعاتِهم وسياساتِهم وتكتلاتِهم، فإذا كان الأمرُ كذلك، فالتعقُّلُ البيِّنُ يقتضي أولاً الادخارَ لمقدارٍ معتدٍّ به من عوائدِ النفطِ، وخصوصاً في الأدوارِ التي تكونُ فيها أسعارُ النفطِ مرتفعةً، وهذه الأدوارُ قد اتَّفقَ وقوعُها كثيراً جدَّاً ولم تكنْ مددُها قصيرةً».

وأضاف «حين يتمُّ الادخارُ فإنَّ التعقُّلَ يقتضي ثانياً الاستثمارَ للعوائدِ على أوسعِ نطاقٍ ممكنٍ، وذلك بالاستعانةِ بالكفاءاتِ الوطنيَّةِ وتجاربِ الآخرينَ، وطولُ الزمنِ سيُفضي حتماً إلى عدمِ الحاجةِ في الاستهلاكِ إلى غيرِ ما سيُنتجُه استثمارُ العوائدِ المُدَّخرةِ».

وأردف «تأرجُحَ أسعارِ النفطِ وصيرورتَها في بعضِ الأدوارِ إلى أدنى المستوياتِ يَفرضُ على المعنيينَ ثالثاً تنويعَ مصادرِ الدخلِ، فإذا كانَ ذلك كلُّه هو ما قد تمَّ اعتمادُه منذُ زمنٍ طويلٍ كما هو المظنون فلماذا العجْزُ إذاً؟ وأينَ هي المُدَّخراتُ وعوائدُها؟ لماذا لا يتمُّ سدُّ العجزِ بواسطتِها؟ وأينَ هي مصادرُ الدخلِ الأخرى؟ لماذا لا تستعينُ الحكومةُ بها على سدِّ العجز؟ ولماذا تحتاجُ لسدِّ العجزِ إلى أقواتِ الفقراءِ وذوي الدخلِ المحدودِ؟ ألا يقالُ إنَّ الادخارَ يكونُ لليومِ الأسودِ؟ فها هو اليومُ الأسودُ قد خيَّم علينا فماذا أنتم صانعونَ؟ وإنْ لم تكنْ الحكومةُ قد اعتمدتْ سياسةَ الادَّخارِ واستثمارِ العوائدِ وتنويعِ الدخلِ، فما هي تلك السياسةُ التي اعتُمدتْ فأفضت بنا إلى هذا المصيرِ البائس؟».

وأشار صنقور إلى أن «كلا التقديرينِ يثبتُ أنَّ الأزمةَ ليستْ طارئةً، وأنَّ ثمةَ خللاً عميقاً له جذورٌ كشفَ عنه جلياً العجزُ الذي اقتضى بنظرِ المعنيينَ الحاجةَ إلى سدِّه من أقواتِ الناسِ وأرزاقِهم، فأينَ هو مكمنُ هذا الخللِ؟ ألا يجبُ البحثُ عنه إخلاصاً للوطنِ ودرءًا للوقوع فيما هو أعظمُ؟ وهل يَسوغُ لدى العقلاءِ نفيُ الخللِ لمجرَّدِ أنَّ دولاً أخرى تُعاني من ذاتِ العجزِ؟ أليستْ تلك الدولُ تُواجهُ ذاتَ الإشكاليَّةِ؟ وحيث أنَّ هذا الخللَ أمرٌ لا محيصَ عن الإقرارِ بوجودِه، أفلا يجبُ البحثُ عنه وعن جذورِه؟ وهل يُمكنُ معالجةُ الداءِ قبل تشخيصِه؟ ثم إنَّه أليس من حقِّ الناسِ الذين يُرادُ تحميلُهم تبعاتِ هذه الأزمةِ أنْ يُصغى إلى رؤيتِهم في تشخيصِ مكامنِ الخللِ، وأنْ يُشاركوا في بلورةِ العلاجِ لهذِه الأزمةِ؟ وهل يُمكنُ أنْ يتمَّ ذلك دونَ شفافيَّةٍ ذاتِ مصداقيَّة؟ ودونَ حوارٍ ومصارحةٍ؟ ودونَ اعتمادِ سياسةِ المشاركةِ في بناءِ الدولةِ ومواجهةِ الأزماتِ؟».

وتابع «هذا ما يقتضيه التعقُّلُ، وأما ما يقتضيه الإنصافُ فهو حمايةُ الطبقةِ الفقيرةِ وذوي الدخلِ المحدودِ من تبعاتِ هذه الأزمة، فلا ينبغي أنْ يكونَ الفقراءُ وذوو الدخلِ المحدودِ هم الجِسْرَ الذي نعبرُ عليه لتخطِّي أزماتِنا، فإنَّ ذلك مجافٍ للإنصاف، فإذا كان ثمة من برامجَ ومشاريعَ يُرادُ بها استدراكُ شيءٍ من تداعياتِ هذه الأزمةِ فالمتعينُ هو النأيُ بها عن أقواتِ وأرزاقِ هذه الطبقةِ، فهم أضعفُ من أنْ يتحمَّلوا فوقَ ما يتكبَّدونَه من أعباءٍ، وهم لم يَنعموا حقيقةً بعوائدِ النفطِ حين كانتْ أسعارُه مرتفعةً، ولم يكونوا سبباً في الابتلاءِ بهذه الأزمةِ، فالإنصافُ هو النأيُ بهم عن تداعياتِ هذه الأزمةِ، كما أنَّ الإنصافَ هو أنَّ مَن كان له الغُنْمُ فعليه الغُرْمُ».

وأكمل «دعوى أنَّ سياسةَ التقشُّفِ تفرضُها المرحلةُ وهو قرارٌ لا نختصُ به فنحنُ أُسوةٌ بمَن حولَنا، هذه الدعوى لا تَصحُّ، ذلك لأنَّ مَن حولنا حينَ انتعشَ النفطُ انتعشتْ أحوالُهم، كما انَّ التقشفَ لن يَضرَّ بمعاشِهم، فرواتبُهم مُجزية وضروراتُهم مكفيَّةٌ، وأما ذوو الدخلِ المحدودِ عندنا فدهرُهم التقشفُ فهم يتنفسونَ التقشُّفَ ويلتحفونَ به عامةَ أيامهم، فمضاعفتُه في حقِّهم سينتهي بالكثيرِ منهم إلى ما دونَ خطِّ الفقرِ المُدقعِ. فاتقوا اللهَ فيهم، فإنْ كان لا يسعُكم التوسعةُ عليهم فكفُّوا أيديَكم عن أرزاقِهم».

وختم صنقور خطبته بالقول «إذا كان لا بدَّ من التقشُّفِ، فليكنْ ذلك بالاستغناءِ الكاملِ عن الكثيرِ من المصروفاتِ والامتيازاتِ والمشاريعِ التي لا يجدُ الناسُ لها عائداً، وأما المشاريع التي لا بدَّ منها، فاللازمُ هو الترشيدُ في الإنفاقِ عليها، كما أنَّ الاستقرارَ الذي يَصنعُه الإصلاحُ السياسيُ، وهو الأهمُّ، سيُوفِّرُ على البلادِ الكثيرَ من النفقاتِ. ثم إنَّه إذا تمَّ الأخذُ على أيدي المبذِّرين والمتورِّطينَ بالفسادِ وهدْرِ المالِ العام، فإنَ الأزمةَ سينحسرُ خطرُها إنْ شاء اللهُ تعالى دون الحاجةِ إلى الاستعانةِ بالفقراء».

 


التعليقات
التعليقات المنشورة لا تعبر بالضرورة عن رأي الموقع

comments powered by Disqus