صنقور: هبوط أسعار النفط هو القشة التي قصمت ظهر البعير ومكمن الأزمة هو الفساد الذي أنشأه الاستفراد بالقرار

2016-01-16 - 5:18 م

مرآة البحرين: قال الشيخ محمد صنقور في خطبته بجامع الإمام الصادق بالدراز أمس (15 يناير/كانون الثاني 2016) إنه من «الواضحُ أنَّ الوضعَ السياسيَّ والاقتصاديَّ والأمنيَّ يتَّجهُ بأبعادِه الثلاثةِ نحوَ الأسوأِ، وينحدرُ بخطىً متسارعةٍ ومرتبكةٍ، وهو ما يكشفُ جليّاً لمَنْ كان متردِّداً عن عمقِ الأزمةِ، وعدمِ جدوى المكابرةِ والتنكُّرِ لضرورةِ معالجتِها جذريّاً».

وأضاف «فعمقُ الأزمةِ في بُعدِها السياسيِّ عبَّرَ عنه أخيراً القرارُ الذي اتَّخذتْه الحكومةُ برفعِ أسعارِ البنزينِ دون مراجعةِ المجلسِ النيابي، فهو تجاوزٌ للمجلسِ النيابيِّ في وضَحِ النهارِ، وقفزٌ على أبسطِ الآلياتِ الصوريةِ المُعتمَدة في تمريرِ القراراتِ، فعلى رغم انَّ مجلسنَا النيابيَّ حملٌ وديعٌ لن تجدَ معه الحكومةُ صعوبةً تُذكر حين تشاءُ تمريرَ أيِّ قرارٍ تُريدُه، ولن يُطالبَها المجلسُ بأكثرَ من صياغةٍ تحفظُ له ماءَ الوجهِ، لكنَّها على رغم ذلك تجاوزتْه دون أنْ تعبأَ به وبالحرجِ المُخجِلِ الذي سيقعُ فيه حتى صارَ من الخُلُقِ الإشفاقُ عليه، إنَّ هذا التجاوزَ يُعبِّرُ عن واقعِ الرؤيةِ للحياةِ النيابيَّةِ في البلدِ والموقعِ الحقيقيِّ الذي يتبوأُه المجلسُ النيابيُّ في منظومةِ اتَّخاذ القرار والتشريعِ والرقابةِ، كما يُعبِّرُ هذا التجاوزُ عن ثقلِ الأزمةِ وقسوتِها بحيثُ أذهلَ ذلك الحكومةَ عن الجري وفْقَ السننِ المتعارفةِ».

وبيّن «أما عمقُ الأزمة في بُعدِها الاقتصاديِّ فيعبِّرُ عنه القرار ذاته المتَّخذ في البنزين، فلأنَّ الأزمةَ الاقتصاديَّةَ تتضيَّقُ حلقاتُها يوماً بعد يومٍ لذلك لا تجدُ الحكومةُ من طريقٍ للتخفيفِ من تبعاتِها إلا بمضاعفةِ الأعباءِ على كاهلِ هذا الشعبِ المثقلِ أساساً بالأعباءِ الباهظةِ والمُجهِدة، والملفتُ أنَّ أولَ ما يَخطُرُ في الذهنِ للتخفيفِ من تبعاتِ كلِّ أزمةٍ هو فعلُ ما يُوجبُ المزيدَ من التقتيرِ على هذا الشعبِ المنهَكِ الذي يغلبُ على أبنائِه الفقرُ والفاقةُ، على رغم أنَّ الإنصافَ يقتضي أنْ يكونَ هذا الشعبُ هو آخر مَن يتحمَّلُ تبعاتِ هذه الأزمةِ؛ لأنَّه لم يكنْ شريكاً في وقوعِها فضلاً عن تفاقمِها، ولأنَّه لم ينتفعْ من أسعارِ النفطِ حينْ كانت مرتفعةً، هذا مضافاً إلى ضعفِه عن تحمُّلِ هذه التبعاتِ لفقرِهِ وكثرةِ ما يتحمَّلُه من أعباء بقطعِ النظرِ عن هذه الأزمةِ الطارئةِ».

وتساءل صنقور «لماذا لا يتحمَّلُ المقتدرونَ شيئاً من تبعاتِ هذه الأزمةِ قبلَ اللجوءِ إلى أبناءِ هذا الشعبِ المُعدَمِ والتضييقِ عليه بمثلِ هذه القراراتِ المُجحِفةِ، ألا يمكنُ مثلاً اقتطاعُ ألفِ دينارٍ في كلِّ شهرٍ من راتبِ كلِّ وزيرٍ في الدولةِ وكلِّ سفيرٍ، واقتطاعُ ألفِ دينارٍ من راتبِ كلِّ عضوٍ من أعضاءِ المجلسِ النيابيِّ ومجلسِ الشورى، إنَّ مقدارَ ما ستوفِّرُه الدولةُ في السنةِ من مجموعِ هذه الآلافِ من الدنانيرِ قد يفوقُ مقدارَ ما يتمُّ تحصيلُه من زيادةِ أسعارِ البنزين، وإنْ لم يكنْ ذلك كافياً فإنَّ ثمة الكثيرَ من المصروفاتِ والمشاريعِ التي لا يجدُ الشعبُ منها عائداً يُمكنُ الاستغناءُ عنها أو التقليلُ منها، والأهمُّ من كلِّ ذلك هو سدُّ الثغراتِ والثقوبِ الواسعةِ التي يتسرَّبُ منها المالُ متدفِّقاً، فما من شيءٍ أضرَّ باقتصادِ البلدِ أكثرُ من الفسادِ الذي ينخرُ في العديدِ من مفاصلِ الهياكلِ الإداريَّةِ في البلدِ. فما لم يتم الإصلاحُ لهذا الفسادِ فإنَّ كلَّ محاولةٍ لمعالجةِ هذه الأزمةِ لن يُكتبَ لها النجاحُ».

ورأى صنقور أنَّ «مكمنَ الأزمةِ التي تُعاني منها البلادُ ليس هو الهبوطُ لأسعارِ النفطِ، فهبوطُ أسعارِ النفطِ هو القشَّةُ التي قصمَتْ ظهرَ البعيرِ، إنَّ مكمنَ الأزمةِ هو الفسادُ الذي طالما حذَّر العقلاءُ من تبعاتِه، ومنشأُ الفسادِ هو الاستفرادُ بالقرارِ واقصاءُ الناسِ عن دوائرِ اتَّخاذِ القرارِ، والحيلولةُ دون مشاركتِهم في تدبيرِ شئونِهم، وغيابُ الشفافيةِ المانعُ من رقابةِ الناسِ على الأداء والمنتجُ لعدمِ قدرةِ الخبراءِ وذوي الكفاءاتِ على تقديمِ رؤاهم في كيفيةِ إدارةِ اقتصادِ البلادِ ومعالجةِ ما يطرأُ من أزماتٍ، مضافاً إلى خوفِهم من الملاحقةِ والإدانةِ، كلُّ ذلك وشبهِه هو ما تمخَّضَ عنه المأزقُ الاقتصاديُّ الذي باتَ يُطوِّقُ البلاد».

وذكر أنَّ «الأزمةَ السياسيَّةَ التي تلفُّ البلادَ هي منشأُ الأزمةِ الاقتصاديَّةِ، فما لم تُعالجِ الأزمتانِ في سياقٍ واحدٍ فإنَّ المعالجاتِ الترقيعيةَ للأزمةِ الاقتصاديَّةِ سيُعمِّقُ من الأزمةِ السياسيَّةِ ولن يُفضي إلى معالجة الأزمةِ الاقتصاديَّةِ».

وأشار إلى أن «أنجع الخياراتِ لحلحلةِ هذا الوضعِ المأزومِ هو إعادةُ النظرِ في مجملِ السياساتِ المُعتَمدةِ في إدارةِ البلادِ، والإصغاءُ لهواجسِ الناسِ وتطلعاتِهم، والحوارُ الجادُّ مع المعارضةِ للخروجِ برؤيةٍ توافقيَّةِ تخرجُ البلادَ من هذا النفقِ المظلمِ، حينذاك سيتفهَّمُ الشعبُ لكل قرارٍ يتمُّ اتَّخاذُه؛ لأنَّه سيُصبح شريكاً في بلورتِه واعتمادِه».

وبيَّن أن «ممَّا يضاعفُ الأعباءَ ويزيدُ من حالةِ التذمُّرِ عند الناسِ هو أنَّ مثلَ هذه القراراتِ تأتي في ظرفٍ يشعرُ فيه الناسُ بالغبنِ الشديدِ، فالكثيرُ من أبنائِهم يَرزحونَ في السجونِ، والعديدُ من قياداتِ المعارضةِ يُحاكمونَ على رؤاهم وحراكِهم السلمي، والإجراءاتُ الأمنيةُ تُضاعفُ من وتيرةِ التضييقِ على الحرِّياتِ».

وتطرق صنقور إلى حادثة إطلاق النار على مأتم المرزوق قائلاً «القضيةُ الأخرى التي لا يصحُّ إغفالُها والتغاضي عنها هو ما وقعَ في جزيرةِ سترة من إطلاقٍ للرصاصِ الحيِّ على أحدِ المآتمِ، وكان ذلك في فجرِ أحدِ أيامِ الأسبوع الماضيِ، وقد علَّقتْ الأوقافُ الجعفريَّةُ على الحادثِ بأنَّ إطلاق الرصاصِ الحيِّ وقعَ خطأً إلا أنَّ الذي يبعثُ على الارتيابِ والقلقِ هو أنَّ هذا الحادثَ الخطيرَ لم يكنْ يتيماً، فقد تكرَّرَ وقوعُه وفي أكثرِ من منطقةٍ، واللافتُ أنَّ المُخطِئ في جزيرةِ سترةَ أصابَ مأتماً، والمجهولُ الذي أطلقَ النارَ في قريةِ الهملةِ أصابَ مأتماً، والمجهولُ الذي أطلقَ النارَ في قريةِ دمستان أصابَ أيضاً مأتماً، وفي كلِّ مرَّةٍ تكونُ المآتمُ خاليةً من المرتادينَ لها، ألا يثيرُ ذلك هاجساً بأنَّ الجُناةَ أرادوا إيصال رسالةٍ إلى مرتادي المآتمِ أنَّهم في دائرةِ الاستهدافِ، ثم إنَّ المُخطِئ في واقعةِ سترةَ هل كانَ مُخطئاً في الهدفِ؟، فكانَ هدفُه غيرَ المأتمِ فأخطأَ فأصابَ المأتمَ؟، فإنْ كان الأمرُ كذلك فمَن هو المستهدفُ الذي أخطأتَه الإصابةُ؟، هل هو إنسان أو هو مخلوقٌ لا حرمةَ لدمِه؟، ثم إنَّ هذا المُخطِئ في إصابةِ المأتمِ هل هو مُخطِئ في حمْلِه للسلاحِ؟، وهل كان مُخطِئاً أو كان متعمِّداً في أصلِ إطلاقه للنار؟! ثم ماذا لو وقعَ المحذورُ فأصابتِ النارُ خطأً صدرَ رجلٍ أو امرأةٍ وخصوصاً أنَّ ذلك وقعَ في منطقةٍ تكتظُّ بالناس؟»، ونبَّه إلى أنَّ «مثلَ هذه الحوادثِ لا يصحُّ إغفالُها، فهي نذيرُ سوء».

 


التعليقات
التعليقات المنشورة لا تعبر بالضرورة عن رأي الموقع

comments powered by Disqus