رسالة من نلسون مانديلا إلى الشّيخ علي سلمان في محنة محاكمته: من لا يتمتعون بروحك لا يمكنهم أن يكونوا أبطالا وطنيين
غنى مونس - 2016-01-15 - 9:14 م
مرآة البحرين (خاص):
رفيقي المناضل
أكتب إليك من السماء، حيث ما زلت أطل على مآسي ومظالم هذه الأرض، وأرى الاستبداد والطّغيان يرميان بظلالهما السّوداء محاولين خنق الحرية، وخنق كل ما تولده من محبة ورحمة وتضامن بين بني الإنسان.
رفيقي المناضل،
كنت بصدد كتابة هذه السّطور، لعلمي باقتراب موعد محاكمتك، حين فاجأني يوم السبت 2 يناير/ كانون الثاني خبر إعدام الشّيخ السّعودي نمر النّمر، كنت قد تابعت تاريخه ونضاله، وأقر بوجود بعض الاختلافات في الرّأي، لكني أشهد أيضًا على شرعية مطالبه وسلمية حراكه.
وفي خطاباته، استحضرت نضال القديس المسيحي ترتليان ضد الحكام الوثنيين الطغاة؛ ما زالت كلماته تتردد في ذهني:
"الآن أيها القضاة المكرمون، حافظوا على هذا المظهر الزائف من عدالتكم، وأيقنوا أنكم ستكونون في أعين الناس أكثر عدلًا كلما أمعنتم في تعذيب المسيحيين...وبقدر ما تسرعون في حصد أرواحنا نسرع نحن في النهوض، وليس الدم المسيحي الذي تُريقونه إلا بذورًا له تزرعونها بأيديكم، يخرج نباتها عما قليل من الأرض، يحمل أطيب الثمر".
أستحضر خطاب الشّهيد النّمر، وقوله الحق ... وأستبدل في هذه الرسالة "المسيحيين" بـ "الثّائرين" لتصبح حقيقة تنطبق على روح الثّورات في كل زمان ومكان ...
صديقي الثّائر،
ليس هناك ما يمكنه تعويضكم عن اللحظات الوردية، التي يحرمكم إياها اعتقالكم أو استشهادكم. أعلم جيدًا، انطلاقًا من تجربتي الخاصة، أنكم تعيشون على أمل اللقاء القريب. وهذا ثمن طبيعي يدفعه المناضلون لالتزامهم بقضاياهم. فوحدهم "الذين لا يتمتعون بروح محرّك، ولا يمكنهم الاعتزاز بالوطن، ولا أهداف عليا للفوز بها، لن يواجهوا الإذلال ولا الهزيمة. لا يمكنهم تطوير أي إرث وطني، ولا تلهمهم أي مهمة مقدسة، ولا يسعهم تقديم شهداء أو أبطال وطنيين"
وأنت يا صديقي، استحضرت الحقيقة اليوم في مرافعتك بكل عناصرها ...تمسكت بالسّلمية والشّرعية والدّستورية، ويشهد على ذلك تاريخك منذ أكثر من عشرين عامًا ... كان "الشّعب" حاضرًا، والمنطق سيد الكلام... رأيتك توضح لجلادك "بديهيات الملكية الدّستورية"... وتقدم له الأدلة القانونية على زيف دعواه ... وتوقن أنه يدرك جيدًا تبعات أفعاله ... وأنه سيضرب بقولك عرض الحائط... لكن ذلك لم يوهن عزيمتك..
رأيتك تدعو المجتمع الدّولي والهيئات والدول المدعوة بـ "الدّيمقراطية والحرة" ... لم يفاجئني ذلك... فهو أمر لطالما انتهجته ... رغم يقيننا من أنّ برميل نفط واحد سيسود على المبادئ التي يدعونها والحقوق التي يتظاهرون بالدفاع عنها ...
إنهم لا يأبهون بنا يا صديقي ... مبادئهم تلك مجرد أدوات في حربهم الضّروس من أجل الهيمنة على العالم.
وحده الأمل سلاحكم. ستعينكم على التّحمل، حتى في أحلك اللحظات، معرفتكم أنكم تنتمون إلى شعب مجرب وممتحن بالرزايا، تغلّب على الكثير من المصاعب، وهو بمثابة عائلة لكم. ستنجحون كما فعلنا، وستمد هذه الحقيقة روحك بأجنحة قوية.
سيكون حب الشعب سلاحكم الرّوحي. سيحرر هذا السّجناء ويحول عامة النّاس إلى ملوك، والتّراب إلى ذهب خالص.
أراك اليوم تقف أمام أولئك الجلاوزة... أحني رأسي احترامًا أمامك وأنت تشكر "كل فرد من أبناء هذا الشّعب طالب بالدّيمقراطية والمساواة والعدالة"، وتدعوهم إلى "الاستمرار في التّمسك بالمنهج السّلمي للوصول إلى مطالب الشّعب العادلة والمشروعة".
أحيي ثباتك في الاستمرار "في المطالبة حتى يتحقق الحلم بوطن آمن مستقر في ظل علاقه احترام متبادل بين الحكم والشعب"، وتأكيدك أن هذا "ينقذ الأوطان من التّطرف والإرهاب ومن الاستبداد والجمود والتّكلس والتّخلف السّياسي والاقتصادي والحضاري".
أستمع إلى أقوالك السابقة: "اعتقلوني طوال حياتي ... اعتقلوا زوجتي ... اعتقلوا أخوتي ... ليس لكم شرعية شعبية لو وضعتمونا جميعا في السجن"... أردد في خاطري وصاياك إلى شعبك "أوصيكم أحبائي ... بالرغم من هذه القسوة ... أن نتمسك بسلمية الانتفاضة ..وأوصيكم بالمحافظة على الأرواح ...وعلى الممتلكات العامة والخاصة ... كل هذه الأخلاقيات هي سر قوتنا".
أقول بيني وبين نفسي : "ليتهم يعقلون" ...
أبعث لك برسل محبتي، وأوقن، بأن قلبك يضخ الأمل، وأن محبتك وإيمانك يضخان العزم إلى رفاقك وشعبك. فيضانات الكوارث التي تعيشونها لا يمكنها أبدًا أن تغرق ثوريًا، عاقد العزم، ستُغرِق فقط الجبابرة، سينقلب سحرهم عليهم، وسيعلمون جيدًا أن الاضطهاد الذي يمارسونه لن يُغير آراءكم فمن "ذا الذي لا يحثُّه تأمُّله في عنادكم أن يستعلم عن جوهر القضية؟ ومَن ذا الذي لا يتطلَّع إلى الألم فينضم إلينا؟"
ستظلون ثابتين في وجه لا إنسانيتهم، شعبكم لن ينساكم ولن ينسى نضالكم للحصول على الحرية.
أيها الحر،
"القديس هو من لا يتوانى عن المحاولة"، وأنتم امتلكتم قداسة النّضال من أجل الحرية.
أؤمن بكم، بنضالكم، بحبكم لوطنكم الذي يدفعكم إلى تحمل الأهوال...
وحدها دماؤكم وعظامكم، مسجونة خلف الجدران المُدَعمة. لكن أفكاركم حرة حرية النّسور.
مرساة أحلامكم هي مجمل حكمة البشرية ككل.
لا أملك إلا أن أؤكد لك: " النّصر آت حتمًا، لأنّهم سيعجزون، ولن تعجزوا..."