الشيخ نمر النمر في وثائق "ويكيليكس"... ما الذي أبرقته السفارة الأمريكية إلى واشنطن بعد اللقاء به؟
2016-01-07 - 3:24 ص
مرآة البحرين (خاص): ماذا عن الشيخ نمر النمر في وثائق "ويكيليكس"؟ هذا بالضبط ما تتوقف عنده البرقية الصادرة عن السفارة الأمريكية في الرياض تحت رمز (C-CT7-00989) والمؤرخة في 23 أغسطس/ آب 2008 والتي تتحدث عن لقاء جمع الشيخ النمر مع شخص اكتفت البرقيّة بوضع اسمه الأوّل "بولوف" في منطقة القطيف، شرقيّ السعودية.
تشير البرقية في البداية إلى أن النمر الذي وصفته بـ"المثير للجدل" قال في لقائه مع بولوف إنه "في حال اندلاع أي صراع، سيقف إلى جانب الشّعب" و"لن يساند أبدًا الحكومة"، مشيرًا إلى أن وقوفه إلى جانب الشّعب "لا يعني بالضّرورة أنّه يساند دائمًا كل أفعال الأشخاص، ذاكرًا العنف على سبيل المثال".
وتمضي البرقية عارضة حيثيات اللقاء، إذ تنقل على لسان النمر قوله إنه "على الصّعيد السّياسي، يساند العدالة، أينما كانت ومع من كانت"، مشيرًا إلى أنّه "لا يدعم تطلعات أي عربي- سواء كان سنيًا أو شيعيًا- أو تركماني إلى السّلطة في شمالي العراق.
الشّيخ النّمر وأمريكا وإيران
وذكرت البرقية أن "أغلب الانتباه الموجه مؤخرًا إلى الشّيخ النّمر كان على خلفية تعليقاته في خطبه وعلى مقابلته مع موقع إسلام أونلاين، حيث يُنظر إليه على أنه يناصر إيران ويدافع عن تطلعات إيران النّووية ويهنئ الحكومة والشّعب الإيرانيين على تقواهم". وأفادت أنه حاول، في رسالة بتاريخ 26 يوليو/تموز تبعت المقابلة التي أجريت معه، النّأي بنفسه عن إيران والقول إن التّقوى هي أمر يتعلق بالله، وإن كل الشّعوب تتصرف وفقًا لمصالحها الخاصة، مشيرة إلى أن هذا ما استشعره بولوف في اللقاء الذي جمعه بالشّيخ النّمر، حيث إن الشّيخ صرح أن رأيه الأساسي بالقوى الأجنبية -بما في ذلك إيران- هو أنها تتصرف وفقًا لمصلحتها الذّاتية، وليس من دافع التّقوى أو القواسم الدينية المشتركة. وقال النمر إنه ضد الفكرة السائدة بأن السّعوديين الشّيعة يجب أن يتوقعوا الدّعم الإيراني على أساس الوحدة الطّائفية التي تسود في السياسة الوطنية.
وذكرت البرقية أنه بخصوص الخطب الأخيرة للشّيخ، والمناهضة لأمريكا، ومنها على سبيل المثال قوله إن "أمريكا تريد إذلال العالم"، نأى الشّيخ بنفسه أيضًا عن هذه الأفكار، موضحًا أن "لديه عاطفة كبيرة تجاه الشّعب الأمريكي، ومصرحًا أنه "برأيه، عندما تتم المقارنة بأفعال أمم كبريطانيا والقوى الاستعمارية الأوروبية أو الاتحاد السّوفياتي، فإن "إمبريالية" الولايات المتحدة كانت إلى حد كبير أكثر اعتدالًا، مع معاملة أفضل للأشخاص، وعدد أكبر من الدّول المستقلة الأكثر نجاحًا". وقال الشّيخ النّمر إن "هذا كان واضحًا عند المقارنة بين ثروات ألمانيا الشّرقية والغربية، حيث إن ألمانيا الغربية، المدعومة من قبل الأمريكيين، كانت أكثر نجاحًا من ألمانيا الشّرقية المدعومة من قبل الروس". وذكر الشّيخ النمر أيضًا اليابان كمثال آخر على أمة ساهمت أمريكا في تعويضها وبنائها.
ولفتت الوثيقة أن الشّيخ النّمر يعتقد أن "جهود الولايات المتحدة في الشّرق الأوسط تحمل نوايا أفضل من القوى الإمبريالية السّابقة لها في المنطقة، لكن أخطاء الولايات المتحدة كانت جسيمة في العراق".
النمر: "الشّيعة يؤيدون العدالة والحرية وهي أفكار أساسية لدى الولايات المتحدة"
وذكرت البرقية أن "الشّيخ النّمر صرح أيضًا أن المسلمين الشّيعة، هم حلفاء طبيعيون لأمريكا، حتى أكثر من السّنة، حيث إن العقيدة الشّيعية التي يعبر عنها الإمام علي، تستند إلى العدالة والحرية، وهي أفكار أساسية لدى الولايات المتحدة". وذكر النّمر كدليل على منطقه "واقعًا مفاده أن "الشّيوخ السّنة يصدرون غالبًا فتاوى تحث على العنف وتدافع عن القتل باسم الله". في غضون ذلك، وبحسب رأيه، فإن الزعماء الشّيعة لا يدعون أبدًا إلى مثل هذه التّكتيكات، حيث إنها تعارض مباشرة روحية التّشيع".
وقالت البرقية إنّه "بالإضافة إلى تقديمه هذه المقارنة بين المبادئ الشّيعية والأمريكية، أظهر الشّيخ النّمر معرفة تاريخية مهمة بالسّياسة الخارجية الأمريكية- على سبيل المثال، حديثه بشكل إيجابي عن روحية المبادرات الشّرق أوسطية أثناء رئاسة كارتر- وكان أيضًا واسع الاطلاع بشأن وضع الحملة الرّئاسية الأمريكية".
النمر: "شيعة السعودية لهم الحق بالحصول على مساعدة خارجية في حال حصول نزاع"
ولفتت البرقية أنه "على الرّغم من أن الشّيخ النّمر نأى بنفسه عن إيران، وتكلم بطريقة إيجابية نوعًا ما عن أمريكا في اللقاء مع بولوف، غير أنّه لم يغير رأيه بشأن قناعته التي صرّح عنها سابقًا بأنّه من حق شيعة السّعودية الإفادة من مساعدة قوة أجنبية في حال تورطهم في نزاع". وأشارت إلى أنه "ذكر الكويت والسّعودية اللتين لجأتا إلى الجيش الأمريكي للدفاع عن نفسهما ضد قوة عربية من العراق، وأهل دارفور الذين اعتمدوا على تدخل أجنبي لإيقاف بني جلدتهم في السّودان، وصرح أن الشّيعة يمتلكون الحق في اللجوء إلى مساعدة أجنبية في حال حصول نزاع مع سعوديين آخرين، ولم يذكر النمر إيران عند إيضاحه المصادر الممكنة للمساعدة الأجنبية، غير أنّه لم يذكر المراحل التي قد تصل إليها العداوة والتي تجعل التّدخل الأجنبي مبررًا.
النمر والحكومة السعودية
وقالت الوثيقة، إنّه بالإضافة إلى اعتقاد النمر الرّاسخ بشأن حق شيعة السّعودية في الحصول على مساعدة أجنبية، لم يتورع النمر عن انتقاد الحكومة السّعودية وأفعالها. ومن بين الرّسائل المتجاوزة التي وجهها الشّيخ النمر في هذا اللقاء، كان رأيه بأن مؤسسات الحكومة رجعية. وذكرت على سبيل المثال "تصريح النّمر بأن الدول في أوروبا الشّرقية اكتسبت استقلالها من خلال حراكها والفشل السوفياتي، وليس من خلال أي مخطط من قبل الروس لتقديم حرية أكبر".
وأشارت الوثيقة إلى أن "هذا الاعتقاد الأساسي يؤثر على تفكيره بشكل عام وأنه انطلاقًا منه يدافع من خلال الكلمة. ولفتت إلى أنه يعتقد "أن الحكومة السعودية رجعية بشكل خاص ولطالما كانت كذلك على مدى تاريخها" مضيفة أنه "صرح أنه سواء كان الأمر يتعلق بالاستيلاء على المسجد الحرام أو الثورة الإيرانية وانتفاضة الشّيعة في المنطقة الشّرقية في العام 1979، وواقع الضّغط الخارجي بعد 11 سبتمبر/أيلول 2011 والذّعر الدّاخلي بعد الهجمات في السّعودية في العامين 2003 و2004، أو ظهور القنوات الفضائية والإنترنت، فإن الحكومة السّعودية لم تُدخِل أبدًا أي تغيير بل كانت بخلاف ذلك، مجبرة دائمًا عليه".
اعتقال وضرب وسوء معاملة في 2006
وذكرت الوثيقة الأمثلة المتعددة التي أشار إليها الشّيخ النمر ومنها " أن التّراخي المتزايد في منع دخول المواد الدينية إلى المملكة يعود إلى التكنولوجيا الحالية التي تجعل من المستحيل وقف الوصول إلى المعلومات الدّينية؛ والحريات الطفيفة التي حصل عليها مؤخرًا شيعة القطيف -على سبيل المثال قدرة أكبر على إحياء مراسم عاشوراء- هما نتيجة لبناء التّوترات العائد إلى انتشار التشيع في كل من العراق وإيران؛ والمجالس البلدية هي رد على حديث أمريكا عن دعم الديمقراطية والحرية على حساب الاستقرار في الشّرق الأوسط. وذكر النمر أيضًا قصة شخصية جدًا، إذ قال إنه "عند اعتقاله في العام 2006 على يد المباحث السّعودية، تم ضربه من قبل السّلطات وعومل بشكل سيء جدًا، ولم يتلق أهل العوامية، ردًا على طلبهم الرأفة به في الرّسائل والمناشدات الرسمية التي بعثوها إلى المحافظ. وأضاف أنه فقط عندما بدأ المواطنون بدفع المجتمع إلى التظاهر وموقف "اللا خوف" تجاه الحكومة، أوقفت السلطات انتهاكاتها وتم الإفراج عنه في نهاية المطاف.
الحوار بين الأديان مجرد حملة علاقات عامة للسعودية أمام العالم
وأضافت الوثيقة أنه "في ما يتعلق بسياسات خاصة للحكومة السعودية، فإن الشيخ النّمر يعتقد أن مبادرة الحوار بين الأديان هي خدعة، وتمرين علاقات عامة للجمهور الخارجي للمملكة. وذكر دليلًا على ذلك حملة القمع ضد شيعة المنطقة الشرقية الذي رافق المستوى الرفيع من الحوار. وبالإضافة إلى ذلك، يعتقد الشّيخ النمر أن البيان المناهض للشيعة في أوائل يونيو/ حزيران والذي أصدره 22 شيخًا سلفيًا صدر بموافقة مسؤولين حكوميين في السعودية".
تصرفات الحكومة السعودية تكذب مزاعم اعتدالها
لفتت الوثيقة إلى أنه وفقًا لرأي الشّيخ، فإن "عددًا من هؤلاء الشيوخ الـ 22 مقربون جدًا من الحكومة بحيث لم يكن ممكنًا صدور البيان من دون معرفتها أو موافقتها. وعند سؤاله من قبل بولوف إن كان يعتقد أن بعض أعضاء الأسرة الحاكمة ملتزمون فعليًا بالمزيد من التسامح، أجاب الشّيخ النّمر أنه لا يميز بين مختلف أفراد أسرة آل سعود، ولكنه يحكم فقط على الحكومة من خلال أفعالها داخل المملكة، وهو يشعر أنها تكذب أي علامة على الاعتدال أو الانفتاح".
وأضافت الوثيقة أن الشّيخ النمر على الرّغم من ذلك، "ذكر أنه لديه قدر ضئيل من الأمل بأن الأجيال الأصغر سنًا، بمواصلتها الدّراسة في الخارج بأعداد كبيرة، واحتكاكها بمجتمعات أكثر تسامحًا، ستعود بمواقف أكثر تسامحًا إلى المملكة".
وقالت الوثيقة إنه "في حين كان الشّيخ النمر داعمًا لفكرة الانتخابات كتطور إيجابي في المملكة، فقد وصف المجالس البلدية بالمؤسسات غير السياسية والفاقدة للفعالية، في إطار بعض الوظائف الأساسية، غير أنها لا تمتلك القدرة على ممارسة نفوذها حتى على تلك القضايا. وذكر حادثًا مفاده أن "الدرعية، وهي الموطن الأم لآل سعود، تتلقى ميزانية ضخمة لمجلسها البلدي، تفوق تلك التي تتلقاها القطيف، على الرغم من أن عدد سكان القطيف يبلغ سبعة أضعاف عدد سكان الدرعية، كدليل على أن إدارة البلديات هي ببساطة مجال آخر تبرز فيه السياسة التمييزية للنظام".
تعليق السفارة الأمريكية: تعليقات النمر تتوافق مع خطبه وكلامه يعكس إيمانًا صادقًا
وفي الخاتمة التي تضمنت تحليلًا للّقاء، لوحظ أن التعليقات الخاصة للشّيخ النمر تتوافق مع تصريحاته العلنية السابقة، في ما يتعلق برأيه بالحكومة السّعودية، ودعمه للتدّخل الأجنبي نيابة عن السعوديين الشّيعة والدلالات على أنه لم يستبعد فكرة انتفاضة عنيفة، مع الإشارة إلى أنه بدا أن العاطفة واليقين اللذين يتكلم بهما يعكسان إيمانًا صادقًا، وليس حسابات أو تلاعبات سياسية باردة.
وكانت البرقية قد أرسلت من قبل السفارة الأمريكية في الرّياض إلى وكالة الاستخبارات الأمريكية ووكالة استخبارات الدفاع ووزارة الخارجية وكذلك إلى مؤسسات أمريكية أخرى تعنى بشؤون إيران والدول الخليجية العربية والدول الإسلامية.