فاطمة (الكوهجية): مربية أم معذبة؟!
2015-12-28 - 4:39 م
مرآة البحرين (خاص): في الخامس عشر من شهر يوليو 1955 تقدم عبدالجبار محمود كوهجي وخمسة وأربعون شخصا من إيران وعمان والهند ولنجة والعراق والسعودية، منهم عبدالواحد كوهجي إلى المستشارية للحصول على الجنسية البحرينية. وفي الثالث والعشرين من أكتوبر من العام نفسه مُنحت له الجنسية، أي بعد ثلاثة شهور ونصف من تقدمه للحصول على الجنسية. عبدالجبار كوهجي كان يسكن المحرق ويحمل الجنسية الهندية. وقد نشر ذلك في العدد 38 من (النشرة الرسمية) الصادر في 23 يناير 1956 الخميس 21 جمادى الآخر 1375 هجرية.
هكذا قدمت عائلة عضو مجلس الشورى فاطمة عبدالجبار ال(كوهجي) الى البحرين من الهند كما تقول الجريدة الرسمية، ومن أصول إيرانية من مدينة (كوهج) كما يقول لقب العائلة، وحصلت على الجنسية البحرينية في منتصف القرن الماضي، لتنتفع العائلة من جميع الامتيازات التي يحصل عليها البحريني من سكن وتعليم وصحة وغيرها من الخدمات، ولم يكن من سكان البحرين (الأصليين) من يجد في منح هذه العائلة أو غيرها من العوائل التي تتوافد إلى البحرين من مختلف البلدان، أية غضاضة أو رفض، بل كان مرحباً بهم كشركاء (جدد) في تلك الجزيرة الصغيرة، التي اتسع قلبها للجميع.
لكن الدعوة التي وجهتها فاطمة ال(كوهجي) يوم أمس الأحد 27 ديسمبر/كانون الأول 2015 في جلسة مجلس الشورى، بحرمان أسر المسقطة جنسياتهم من الانتفاع بالوحدات الإسكانية، كانت كافية لتثير زوبعة واسعة من ردود الأفعال المستهجنة والمستنكرة ضدها. وذلك حين قالت: "لا يجوز لأسر المسقطة جنسياتهم الانتفاع بالوحدات الاسكانية بعد سحبها من رب الأسرة"، وأضافت: "إذا سحبنا جنسية رب الأسرة وخلينا أسرته وكأن والدهم مو مسوي شي.. ما يصير". وكأن (الكوهجية) لا يشبعها ما تعانيه عوائل المسقطة جنسيتهم من تهجير لرب الأسرة وتشتت وحرمان من الحقوق اللاحقة، وحرمان حتى أبنائه الذين ولدوا بعد سحب جنسيته من حقهم في الحصول على جنسية بحرينية، بل إنها تريد أكثر من ذلك، تريد أن يسحب من العائلة حتى حقها في الانتفاع بوحدة سكنية، وكأن العائلة كلها أصبحت مسحوبة الجنسية وإلا كأننا لم نعمل شيئاً.
قد لا تصدق، أن صاحبة هذا المقترح، هي تربوية، وصاحبة مدرسة خاصة، وتولت إدراة مدارس خاصة أكثر من 23 سنة. لن تصدق أن تتحدث بهذا المستوى من التحريض على الكراهية والفصل والعزل والتمييز والتهميش. وكأن خبرة الـ23 عاماً التي تقدم نفسها بها، لم تريها عن كثب أثر الاستقرار المعيشي والعائلي على الصحة النفسية للطفل، وعلى أداء الطفل وشخصيته ومستقبله، بل على شعوره بهويته ووطنه وانتمائه إليه وولائه له. وبدلاً من أن تطالب (كتربوية) بالفصل بين معاقبة رب الأسرة ومعاقبة أسرته، فإنها تطالب بتحميل الأسرة جميعها عقوبة الأب.
وفيما تقدم الكوهجي نفسها باعتبارها مختصة بـ"خدمة المجتمع، والمشاركة في النشاطات العامة بمختلف أشكالها بغية تحقيق الرفاهية للمجتمع، وتحسين مستوى المعيشة للمواطنين" بحسب ما تقوله سيرتها الذاتية المنشورة على موقع مجلس الشورى، فإنها تطالب بسحب الحد الأدنى من الاستحقاقات التي يمكن أن تحصل عليها عائلة بحرينية بعد انتظار قد يتجاوز عشرات السنين. فلا نعرف أي نوع هذا من خدمة المجتمع، وأي نوع من الرفاهية (التي تتباهى بها في سيرتها المنشورة) تعمل تحقيقها للمواطن البحريني. ففيما هي صامتة طوال سنوات تعيينها في مجلس الشورى عن استئثار قلة قليلة بالرفاهية في البحرين، مقابل حرمان السواد الأعم من الشعب من حقوقهم الطبيعية، وفيما هي صامتة كصمت القبور عن فضائح الفساد الإداري والمالي والاستحواذ على الثروات الذي ضعضع ميزانية الدولة وافقرها وحملها مديونيات ضخمة، نجدها اليوم تنطق بأول اقتراح لها، بسحب الوحدات السكنية عن عوائل المسقطة جنسياتهم!
قد يكون غريباً أن يصدر هذا الاقتراح المنزوع الإنسانية والشعور من جنس يفترض له أن يكون تجسيداً للرحمة والشفقة، جنس يسبق قلبه عقله في التفاعل مع القضايا الإنسانية، والأمومية بشكل خاص، أو حين يتعلّق الأمر بطفولة بريئة تحمّل ما لا ذنب لها فيه، لكن من الواضح أن هذه المرأة ليست بين هذا الجنس.
استهجان واسع عبّر عنه البحرينيون عبر تغريداتهم التي حملوها هاش تاج #كانه_ما_سوينا_شئ ، إحالة إلى عبارة الكوهجية التي قالت فيها "إذا سحبنا جنسية رب الأسرة وخلينا أسرته وكأن والدهم مو مسوي شي.. ما يصير"، استنكروا أن تسحب من القلب الرحمة والإنسانية إلى هذا الحد، وأن يكون هذا القلب المسحوبة إنسانيته هو قلب إمرأة، وأن يكون من يذكرها بالرحمة رجل، حين جاء في رد رئيس مجلس الشورى علي الصالح على دعوتها تلك: "الرحمة قبل القانون".
البحرينيون ذكروا (الكوهجية) كيف وسعها قلب البحرين هي وعائلتها حين وفدوا على البحرين منتصف خمسينيات القرن الماضي بلا هوية، وكيف أن هذه الأرض سترتها وعائلتها، وأعطتها هويتها التي تتمتع بها اليوم وتتكسب من ورائها، وبها صارت عضوا معيناً في مجلس الشورى، وبها صارت اليوم تطالب سحب الوحدات السكنية عن عوائل المسحوبة جنسيتاهم، وبها صارت تستكثر على عوائل بحرينية بأكملها أن تعيش في ستر بيت.