بلطجية أم جنس ثالث...!

عباس المرشد - 2012-01-22 - 10:17 ص



عباس المرشد*

في غمرات البحث عن طرق مأمونة للقضاء على الثورة في البحرين وإسكات كل الأصوات المعارضة، طرح النظام فكرة التعديلات الدستورية كمخرج سياسي يعتقد أنه سوف يلف به رقاب المعارضة ويسحبها لحيث مقصلة الإعدام السياسي.

تأتي هذه التعديلات في ضوء شعور النظام بالقوة والقدرة على المناورة والمبادرة وفي ضوء شعوره بقدرته على القضاء على الحركة الاحتجاجية وتجفيف منابعها، وفي الواقع فإن النظام يخطئ مجددا في تحديد موقعه بناءً على شعور واهم فليس للنظام قدرة على المناورة في ظل صلابة المطالب السياسية وثباتها، كما أنه لم يستطع القضاء على الحركة الاحتجاجية أو تقزيمها حتى وإن صدر للإعلام العالمي خلاف الوقائع.

التعديلات الدستورية المطروحة ناقشتها أطراف المعارضة وأبدت رأيها فيها بكل وضوح معتبرة إياها بمثابة سهاية الأطفال الذين وجدوا فيها قفزة نوعية واستباقاَ لأطر التفكير السياسي حتى في الديمقراطيات الراسخة. لقد وجدت كتل الموالاة ومن لف لفها في التعديلات الدستورية اختراقا للفكر السياسي في الديمقراطية في حين أنهم كانوا قبل أيام فقط يرون أن الديمقراطية لم يحن وقتها بعد. الموقف الذي اتخذته قوى الموالاة بكل أطيافها أشبه بحفلة الجنس الثالث الذين يبهرون بكل شيء ويخلّدون توافه الامور لجعلها محورا لأحاديث بينية تدوم لبعض الوقت، بمعنى آخر لقد استطاعت هذه التعديلات الدستورية أن تحقق هدفين متناقضين ففي جانب المعارضة فقد شهد حراكها تصعيدا وتوحدا في مطالبها لدرجة الاتفاق على مبدأ الدفاع المقدس ونفي الاختلاف حوله وإدخاله ضمن أدوات الحركة السلمية، وفي جانب الموالاة فقد حولتهم تلك التعديلات الدستورية من بلطجية يدعون الشراسة والفتوة إلى جيل من الجنس الثالث يجمع بين الديمقراطية والعبودية.

فحتى هذه اللحظة لم تحسم قوى الموالاة موقفها السياسي هل هي مع الديمقراطية أم مع العبودية ويبدو أنها تفضل المنطقة الرمادية والمختلطة لتناسب هذه المنطقة مع المواقف السياسية المتغيرة والتي هي في الواقع خيارات متعثرة تطرحها الحكومة وتطلب منهم مؤازرتها فيها.

النظر في تحولات البلطجية إلى فئة الجنس الثالث ليس اتهاما أو قدحا بقدر ما هو توصيف حقيقي للمواقف السياسية التي يبدونها فلا هي مواقف ديمقراطية ولا هي مواقف عبودية أي تقع في منطقة تجمع بين الاثنين وفق رؤيتهم. مع ذلك فإن هذا لا يعني استخفافا بدورهم المرتقب فالمرحلة المقبلة ستشهد مفارقة في اساليب وطرق التصعيد لدى كل من المعارضة والحكومة ومن المتوقع أن تكون هناك حملة قمع أمنية ناعمة أي دون ترك آثار وأدلة واضحة لكنها أدوات قاتلة. إلا أن وحشية القطاع الأمني بتعبير بسيوني تجعل من هذا الأسلوب  ذا صلاحية محدودة ومن المتعذر أن تستمر الأجهزة الأمنية في العمل به لأنها وبكل بساطة لا تجيد العمل به لذا فإنها ستعود بعدة فترة قصيرة لأسالبيها القديمة المكشوفة والتي من ضمنها تحريك بلطجية الجنس الثالث لإثارة الرأي العام والصراخ المثير للشفقة. وهنا تجدر الإشارة للتعاون الأمني المبطن والمكشوف بين الإدارة الأمريكية والبريطانية ودعمهما الصريح للنظام في خنق الحركة الاحتجاجية والقضاء على الثورة. بمعنى أن العدو بالنسبة للمعارضة الآن لم يعد النظام بمفرده بل يجب عليها أن تدرك أن الإدارة الأمريكية والبريطانية هما من يدفع بالنظام لإظهار ممانعة للبقاء لفترة أطول أو على الأقل الإبقاء على مخرجات سياسية ضحلة تتناسب ومطالب بلطجية الجنس الثالث.

تبقى نقطة أخيرة يجب التركيز عليها وهي تحديد موقع قوات الأجهزة الأمنية وتحديد توصيفها القانوني والسياسي فالنص الدستوري واضح جدا وصريح في منع استخدام الاجانب في القوات الأمنية إلا في حالات الضرورة القصوى، ومن ناحية سياسية فإن استخدام أي نظام لأفراد أجانب في مهمات أمنية ما هو إلا عمل بطريقة المرتزقة. وعلى هذا الأساس يمكن مخاطبة سفارات جنسيات هؤلاء لمنعهم من ممارسة الارتزاق الامني، ورفع قضايا على تلك السفارات التي تساعد في إبرام العقود الأمنية لعلمها بما يقوم به هؤلاء من عمل مخالف لمبادئ حقوق الإنسان وأن ذلك لا ينطبق على العمالة الأجنبية المدنية.


*كاتب بحريني.


التعليقات
التعليقات المنشورة لا تعبر بالضرورة عن رأي الموقع

comments powered by Disqus