السفير الأمريكي الأسبق رونالد نيومان: إعادة النّظر في البحرين

رونالد نيومان - موقع مجلس سياسة الشرق الأوسط - 2015-12-23 - 5:33 ص

ترجمة مرآة البحرين

رأي الإعلام بالبحرين -كقضية الشعب الذي يناضل من أجل الدّيمقراطية ضد القمع وولايات متحدة أمريكية خبيثة تدعو إلى الدّيمقراطية لكنّها لا ترغب بالضّغط على الحكومة البحرينية- ] يمتلك بعض عناصر الحقيقة، لكنه ساذج جدًا. إّنه تحليل من دون عمق، ومضلل في كثير من النّواحي، واستناده إلى كل من الفهم أو السّياسة فقير جدًا.

في ما يلي انطباعاتي من زيارة مقتضبة إلى البحرين في أكتوبر/تشرين الأول بعد غياب عنها لمدة سنتين.

استنتاجي انطباعي بدلًا من أن يكون نتيجة لبحث موسع، ولكنه يستند إلى الاجتماعات مع الحكومة وشخصيات من الأسرة الحاكمة، وزعماء الجمعية المعارضة الأساسية، الوفاق، وأفراد، سنة وشيعة، يشكلون جزءًا من المجتمع المدني.

الجزيرة ظاهريًا هي أكثر هدوءًا مما كانت عليه منذ سنتين. لقد كانت الاعتقالات وخسارة الجنسية، وهو عقاب يترك متلقيه حرًا ولكن من دون وسائل للمغادرة أو لإعالة نفسه، أكثر فعالية في قمع التّظاهرات في الشّوارع من الضرب، الذي تضاءلت نسبته. ما يزال هناك احتجاجات صغيرة في القرى، لكن التّظاهرات الكبيرة التي كانت منذ عامين أو ثلاثة أعوام، انتهت على نطاق واسع. مع ذلك، في حال كانت الحكومة قد ربحت هذه الجولة، فلقد تم حل القليل من القضايا. وتسيطر مرارة طائفية بعمق على كلا جانبي الانقسام السّني-الشّيعي، وقد أصبحت المواقف أكثر تصلبًا. القيادات منقسمة على كافة المستويات، ويعيقها النّقص في النّوايا، في حين، تتزايد الفوضى في كافة الأنحاء المحيطة بهذه الجزيرة الصغيرة: في العراق وسوريا، واليمن حيث الوضع يتصل بعمق بالدّاخل البحريني.

الحكومة الأمريكية تحاول علاج العواقب الأكثر سوءًا لوضع يمكنها فعل القليل للتأثير عليه. يُنظَر إليها على نحو سلبي في البحرين ولديها تقريبًا عدد كبير جدًا من قضايا الأمن الإقليمي لتشغل اهتمام سياستها به.

في 22 و29 نوفمبر/تشرين الثّاني 2014، أجرت البحرين جولتين من انتخابات لبرلمانها الذي تم إصلاحه. ومع إعادة تنظيم الدّوائر، انخفض عدد المقاعد المُخَصصة للشّيعة في مجلس النّواب من 18 إلى 17 (من أصل 40 مقعدًا)، ما يُعَد خطوة إلى الوراء. وقد حثّت الحكومة والدّيوان الملكي الجمعية الشّيعية الأكبر، الوفاق، على المشاركة. حاولت قيادتها إجراء صفقة للحصول على تنازلات، مُحاججة بأن هذا كان ضروريًا لتُظهِر لأتباعها لماذا تتوجب عليهم المُشاركة. الحكومة رفضت، والوفاق قاطعت. تميز جهد المقاطعة بالتّهديدات وأيضًا ببعض العنف ضد الشّيعة الذين اختاروا المشاركة في الانتخابات. مع ذلك، فاقت نسبة الإقبال الانتخابي الـ 50 بالمائة، مع تراجع طفيف عن نسبة بلغت 67 بالمائة في الانتخابات السّابقة ولكنّها مع ذلك بقيت مُرضِية إلى حد كبير.

يبدو لي أن قرار المقاطعة كان فشلًا بليغًا. كانت السّفارات الأجنبية والحكومة البحرينية قد حثت الوفاق على المشاركة. العنف، سواء كان مُوجهًا من قبل الوفاق أو، ببساطة، نُفّذ باسمها، يضر بادعائها بأنّها منظمة تمثيلية وديمقراطية، والإقبال الكبير في وجه التّهديدات كان خسارة للجمعية. تحركت الحكومة في وقت لاحق ضد الوفاق وسجنت عددًا من قادتها؛ في حين غادر آخرون إلى المنفى، وظل اثنان فقط حرين. الوفاق الآن في وضع أكثر سوءًا مع نفوذ أقل، وسيطرة أقل على الأمور في الشّارع، وقدرة أقل على المناورة من ذي قبل.

هذه النتيجة تذكرنا، للأسف، بقرار الجمعية رفض المفاوضات في مارس/آذار 2011، وبعد ذلك، بمطالبتها بتنازلات على مستوى الإجراءات قبل البدء بمناقشة المضمون في حوار العام الماضي الذي استمر لفترة طويلة. ك

ان هناك ربما، أسباب وجيهة ، لكل قرار. ولكن في كل حالة، كانت الجمعية - إما لأنها بالغت في تقدير قوتها أو لأنها خشيت الانتقاد من عناصرها الأكثر تطرفًا- قد اتخذت قرارات جعلتها أكثر ضعفًا. فالقيادة التي تواصل توجيه الدعوة السياسية الخاطئة، لديها مشكلة، مهما كان مدى نبل دوافعها.

انخفضت فرص تقديم الحكومة لصفقة أو حل سياسي. والإقبال في الانتخابات والقضاء بنجاح على العنف، أعطيا الحكومة إِشارة بأنّه لا حاجة للتّنازلات. رفض الوفاق التّرشح في الانتخابات تسبب باستنكار الحكومة وجعلها أكثر اقتناعًا من ذي قبل بأن الجمعية لا تستطيع إجراء صفقة سياسية.

في الواقع، كون الوفاق جمعية سياسية ديمقراطية فعليًا، واستطاعتها الحفاظ على تسوية سياسية في حال أصاب المرء، يبقيان أسئلة مهمة، ولكن غير مُجاب عليها. الجمعية طائفية، وقادة المجتمع الشّيعي علماء دين. هل سيتم اتخاذ القرارات النّهائية للجمعية من خلال التّصويت أم بأمر ديني. وبما أنّه لم يتم اختبار ذلك أبدًا، فإن الأمر ما يزال عرضة للاشتباه. الجواب، عند طرحي السّؤال، كان بأن الجمعية كانت منفصلة عن القيادة الدّينية ولكن، بالطّبع، يتطلع الشّيعة المُتَدينون إلى قادتهم الدّينيين لإرشادهم.

سألت زعماء الوفاق ما إذا كانوا سيتمكنون من الحفاظ على صفقة في حال هاجمتها جماعة أكثر تطرفًا. لماذا قد يقفون إلى جانب الحكومة للحفاظ عليها؟ لم أجد جوابًا واضحًا. ربما كان السّؤال الافتراضي غير منصف، نظرًا لكل الضغوط عليهم في تلك الفترة. مع ذلك، إذا كان قادة الوفاق غير قالسفير الأمريكي رونالد نيومان: رأي الإعلام بالبحرين يمتلك بعض عناصر الحقيقة، لكنه ساذج جدًا. إّنه تحليل من دون عمق، ومضلل في كثير من النّواحي، واستناده إلى كل من الفهم أو السّياسة فقير جدًا.

ادرين على التّصريح بوضوع عن رغبتهم بالحفاظ على صفقة في حال التّوصل إلى واحدة، فمحفزات الحكومة على تقديم التّنازلات قليلة. هناك أيضًا مجموعات شيعية أصغر خارج الوفاق، بما في ذلك عدة جماعات أكثر تطرفًا كان قد تم حظرها. وفي حين تتنافس هذه المجموعات مع الوفاق على قيادة دائرة انتخابية تزداد مرارتها، لا يستطيع المرء إلا التّعاطف مع الموقف الذي يجد قادة الوفاق أنفسهم فيه؛ لكن هذا لا يلبي الحاجة السّياسية إلى الوضوح.

يبدو أن مخاوف المجتمع السّني أصبحت أعمق، وكذلك تضامنه. وعلى الرّغم من أنني لا أستطيع تأكيد صحة الأمر، قيل لي إن المواقف في القرى السّنية كانت صورة طبق الأصل عن تلك الموجودة في القرى الشّيعية: عدائية وغاضبة وغير مستعدة لتقديم تنازلات.

لقد قيم بعض البحث الأكاديمي وحتى تغطية إعلامية أقل المواقف السّنية. هذا أمر مؤسف؛ سواء كان هناك 30 بالمائة (كما يزعم الشّيعة المتطرفون) أو 45 بالمائة، فإن السّنة جزء كبير من السّكان، وقد ازدادت صفوفهم من خلال التّجنيس.

الميول العريضة لدى النّاخبين السّنة مختلطة. من جهة، فقد أغلب ممثلي الجمعيات السّنية مقاعدهم في انتخابات العام 2014. وهذا يوحي بأن البعض في المجتمع تعبوا من المواقف الدّينية. من جهة أخرى، هناك تزايد في النّزعات السّلفية والمتطرفة؛ بدأ البحرينيون بالتحول إلى صفوف الدولة الإسلامية (داعش). وتحديد مدى كبر وضراوة وصعوبة السّيطرة على المجتمع السّني إذا شعر بأن موقفه في خطر بسبب التّنازلات المُقَدمة إلى الشّيعة هو مسألة تكهنات.

علاوة على ذلك، هناك انقسامات داخل المجتمع السّني إضافة إلى الجماعة المتطرفة. هناك حركة اسمها ائتلاف شباب الفاتح انشقت عن تجمع الوحدة الوطنية وطرحت دعوتها الخاصة إلى الإصلاح السّياسي. بعض مواقفها، لا سيما المناهضة لفساد الحكومة، تتداخل مع دعوات أخرى إلى الإصلاح. من غير الواضح مدى قوة هذا الفصيل، لكن من الجلي أن الأصوات السّياسية السّنية ليست كلها أصداء للحكومة. العامل السّني موجود وقد يحد كذلك من فسحة المساومة إذا كان هناك أي واحدة في المستقبل القريب. هناك أيضًا حاجة واضحة لدراسة أكثر منهجية لهذا الجزء من الشّعب.

إذا كانت الجمعيات الشّيعية تفتقر إلى رؤية مفصلية لكيفية الخروج من مشاكل البحرين، فإن المواقف داخل الحكومة ليست أكثر وضوحًا. رأي واحد، يبدو أنّه يمتلك اليد الطولى، يقوم على سحق المعارضة إلى أن تنسحب. يعتقد كثيرون أنه ليس هناك خيار آخر. هم مقتنعون أن أيد خارجية، خاصة إيرانية وقادة دينيون محليون، مصممة على الإطاحة بالأسرة الحاكمة، وستستخدم ببساطة أي تنازلات كدليل ضعف قد يشجع على مطالب جديدة.

ودعمًا لمثل هذه الآراء، يذكرون رفض الوفاق التّفاوض في العام 2011. يعتقدون أن قادة الشّيعة غير قادرين على اتخاذ قرارات من دون استشارة زعماء دينيين في إيران والعراق. الاكتشاف الأخير للأسلحة والمتفجرات، القادمة على الأرجح من إيران، عزز الاقتناع بالتّدخل الخارجي في المشاكل. وكما يصف أحد موالي الحكومة الأقوياء الأمر، فـإّنه "من دون إيران، نستطيع حل هذا الأمر في غضون شهر".

أولئك الذين يمتلكون مثل هذه الآراء، قد ينظرون إلى المشاكل الحالية على أنّها جزء من دورة من الاضطرابات اندلعت بشكل دوري منذ عشرينيات القرن الماضي. وكل دورة سابقة، باستثناء إصلاحات الملك حمد في العام 2001، تم إخمادها بالقوة، فلماذا لا يتم فعل ذلك في هذه الدورة؟

في حين تمتلك الحكومة بالتأكيد القدرة على الحفاظ على نفسها، اعتقادي الشّخصي هو أن القوة وحدها لن تؤمن حلًا. هناك الكثير من المرارة، كثيرون في السّجون، وقد تلاشى كثير من الدّعم الخارجي من قبل جماعات حقوق الإنسان لهذه المشكلة. وأيضًا، الصلة بين الآراء الدّاخلية والخارجية والأخبار من خلال الإنترنت تقدم طرقًا جديدة كثيرة لإبقاء المظالم حية بدلًا من سحقها تمامًا.

يمتلك آخرون وجهات نظر مختلفة بعض الشّيء بشأن إصلاح محتمل لكن يوافقون على أن أي قرار من خلال صفقة لمرة واحدة ليس ممكنًا. في هذا الرأي البديل، الأمر الأساسي هو تمكين عناصر متعددة في المجتمع البحريني، بما في ذلك قادة جدد ومجتمع مدني. وتحتاج الدّورة الانتخابية للحفاظ عليها لتواصل تقديم طريق للهرب.

عنصر واحد من الطريقة التّدريجية للمضي قدمًا هو إحراز تقدم في القضايا الاجتماعية والاقتصادية التي تساعد على تأجيج الاحتجاج. برامج اجتماعية جديدة، وتوسيع المساكن للمهمشين وفرص عمل جديدة هي أجزاء أساسية من هذه المقاربة. للأسف، في حين تم الإعلان عن بعض البرامج الطموحة جدًا، يبقى التّحرك الفعلي في هذا المجال قليلًا. وحتى الآن، تبدو المقاربة التّدريجية نظرية أكثر من كونها عملية.

يتكهن البعض بأن الخلافات داخل الأسرة الحاكمة قد تعرقل هذا النّهج؛ وهناك مجموعات مختلفة قلقة من أن نجاح نهج مجموعة أخرى قد يوسع سلطتها. وبالتّالي، تسعى كل مجموعة إلى تقويض مقاربات الآخرين. الفصائل تتسم عادة بكونها منظمة حول ولي العهد الأمير سلمان بن حمد آل خليفة، من جهة، وعمه، رئيس الوزراء، الشيخ خليفة بن سلمان آل خليفة، والمشير خليفة بن أحمد آل خليفة، قائد قوات دفاع البحرين، وأقارب آخرين مختلفين، من جهة أخرى. أغلب الحديث عن الفصائل المختلفة، قائم على التّكهن، مع قصص عن طرد مستشارين كبار وإبعادهم في صراع سلطة ما يزال قائمًا كنوع من ضوضاء الخلفية المنخفض المستوى. مهما كانت الحقيقة، يبدو واضحًا أن الأسرة الحاكمة لم تجتمع حول رأي واحد. مع ذلك، فإن الصراع المُفتَرَض على السلطة داخل الأسرة يجري في بيئة سياسية إقليمية مهددة بين النّاس مع محاولة إبقاء التوترات بعيدة عن الرأي العام.

هذا الشّعور العام بالتّهديد الخارجي موجود أيضًا عند عدد من الدّول الخليجية الأخرى، ما يحد أي اهتمام بإصلاحات سياسية محفوفة بالمخاطر.

بالإضافة إلى ذلك، هناك قضايا طويلة الأمد من الفساد والاستغلال من قبل أفراد على علاقة بالحكومة والأسرة الحاكمة. وفي حين ليس من الممكن معرفة الحقيقة بشأن هذه التّهم، لا يبدو أنّه يوجد هناك أي جهد بالغ من قبل الحكومة للقضاء على الفساد. ويزيد هذا من الشّك بشأن الجدية في إجراء إصلاحات في القضايا الاجتماعية الأساسية التي تغذي السّخط.

لطالما كان الخوف البحريني من إيران قويًا، في السّنوات الثّلاثين التي عملت فيها في القضايا الخليجية، ولم يكن أبدًا أقوى مما هو عليه اليوم. حافظت إيران على مطالبة رسمية بالبحرين حتى العام 1971. وبعد الثّورة الإيرانية، تكثفت المخاوف فقط، وأحيانًا غذاها اكتشاف شحنات الأسلحة، القادمة على ما يبدو من إيران. أكد مسؤولون أمريكيون الاكتشاف الأخير للأسلحة والمتفجرات، والافتراض قوي بخصوص كون المصدر إيرانيًا.

المخاوف القديمة والدّائمة أساسًا من إيران يعززها الآن رأي سمعته من عناصر في كلا المعسكرين في الأسرة الحاكمة: إيران لن تكون حرة في تخصيص موارد جديدة للتّخريب بسبب اتفاقها النّووي الأخير مع الولايات المتحدة وشركائها الدّوليين، والرّفع المقبل لحظر العقوبات. الضعف الأمريكي الملحوظ في سوريا والعراق، وتردد الرئيس أوباما في الانخراط في مغامرات عسكرية ضاعفا المخاوف لدى الأسرة الحاكمة وأنصارها السّنة، وفي المنطقة بشكل عام، بأنّه لم يعد يمكن الوثوق بالتّحالف الأمريكي لحماية الجزيرة. العلاقة كانت حجر زاوية في الهندسة الأمنية البحرينية على مدى 44 عامًا، منذ حلول الولايات المتحدة مكان البريطانيين في العام 1971. من الصعب على الغرباء، غير المعتادين على هذه الخلفية، أن يدركوا مدى عمق القلق الذي يشعر به البحرينيون عندما لا يعودون يثقون بركن الأمن هذا .

الآن تمت إضافة الدّولة الإسلامية إلى هذا المزيج. بالإضافة إلى عدائها العميق لإيران، فإن الدّولة الإسلامية معادية كذلك للممالك العربية. لقد وسعت إيران نفوذها إلى ما يقرب من السّيطرة على العراق، في حين تخوض صراعًا شرسًا مع الدّولة الإسلامية في سوريا. وعلى الجهة الأخرى من الجزيرة العربية (وفي موقع قريب من أغلب قاعدتها) ، تتنافس القوات التّابعة لإيران والدّولة الإسلامية والقاعدة من أجل موقف في اليمن، ضد التّحالف الذي تدعمه كل من السّعودية والإمارات العربية المتحدة، بالإضافة إلى البحرين. بالنسبة للبحرين، فإن الموقف الإقليمي لكل من الأطراف الدّينية السّنية والشّيعية (الفاشية الإسلامية كما وصفها أحدهم؛ الدّين يبرر الدكتاتورية) أكثر خطورة من أي وقت مضى- ثورات الرّبيع العربي غيرت العلاقات الإقليمية التي هيمنت لوقت طويل، والولايات المتحدة غائبة على الأرجح. أرسلت البحرين قوات صغيرة للانضمام إلى القتال في اليمن (بمن في ذلك اثنين من أبناء الملك) ودعمت الحملة الجوية في سوريا لكنها ما تزال تدرك أن حجمها الصّغير يجعل هذه الإجراءات رمزية أساسًا.

وعلى عكس الأمريكيين، الذين يميلون إلى علاج هذه النقاط السّاخنة الإقليمية بشكل منفصل، بالنّسبة لكثيرين في الأسرة الحاكمة في البحرين وأنصارها السّنة، هم جزء من منطقة محفوفة بالتّهديدات، تظهر أن كل احتمال بالاستمرار سيكون خطيرًا لعدة سنوات. النّتيجة: إغلاق المساحة لصنع اتفاق سياسي داخلي.

شروط المفاوضات التي تم عرضها لفترة وجيزة - ورفضها من قبل الزعماء الشّيعة- في العام 2011 لن يتم تقديمها اليوم. آل خليفة، سواء كانوا معتدلين أو متشددين، يرون خطرًا كبيرًا من النّفوذ الإيراني للمخاطرة في تنازلات ذات مغزى. يشكون في وجود قيادة شيعية أصلية حقًا قادرة على التّوصل إلى اتفاق والحفاظ عليه. قبل كل شيء، يجدون أن الوضع الإقليمي خطير جدًا للتّجارب السّياسية. ويدهشهم السبب وراء عدم مشاركة الولايات المتحدة لهم في مخاوفهم، و، بالنسبة إليهم، استنتاجاتهم المنطقية.

لم تكن هذه موجودة في مأزق العام 2011، وكذلك لا تشبه أي شيء كالذي حدث والمصحوب بالخطر، في السّنوات الماضية. الانتقاد الأمريكي لقضايا حقوق الإنسان في البحرين، مستمر، ولكن بزخم أقل. الولايات المتحدة منشغلة بالأزمات في سوريا والعراق. وهي تحتاج إلى التّمركز في البحرين من أجل حاملات الطّائرات والسّفن الأمريكية العاملة من الخليج إلى البحرين العربي والأحمر والقرن الأفريقي. ومن النّادر الذهاب في اتجاه المواجهة مع السعودية بشأن البحرين حيث إن السّعوديين غارقون في اليمن. مع ذلك، في حين رفعت إدارة أوباما الحظر عن بعض القيود المفروضة على مبيعات الأسلحة، تبدو غير قادرة على العثور على مخرج علني لشرح موقفها.

هل ستظل تنتقد البحرين بعمق بشأن حقوق الإنسان، وهل هي جاهزة لدفع الإصلاحات لتي تنظر إليها الأسرة الحاكمة على أنّها الطّريق للإطاحة بها؟ أم أنها مستعدة لدعم المزيد من الإصلاحات المحدودة التي لا تكفي لديمقراطية من نوع شخص واحد-صوت واحد، في جزيرة منقسمة مجتمعيًا؟ هل هي شريك أمني موثوق؟ التّوتر بين الديمقراطية الأمريكية وأهداف حقوق الإنسان من ناحية، ومصالح أمنية مهمة جدًا من ناحية أخرى حقيقي. كلاهما مكونان طويلا الأجل للسّياسة الخارجية الأمريكية. المشكلة هي أن الإدارة تبدو غير قادرة على تقديم تفسير عام للكيفية التي تعتزم إدارة التوتر المستمر.

من دون مثل هذا الوضوح، أمريكا مدانة على جميع المستويات. النّشطاء وداعمو حقوق الإنسان الشّيعة يرون نفاق الولايات المتحدة، لكنهم يظلون يأملون المزيد من الضّغط على الحكومة البحرينية.

إحدى النّتائج هي أن اقتراحات الولايات المتحدة للتسوية، مثل حث الوفاق على المشاركة في الانتخابات الأخيرة، غير فعالة. في الوقت ذاته، تنظر الحكومة إلى الحليف الذي يتضافر أمنها معه على أنه متقلب ولا يمكن الاعتماد عليه. ومع عدم ثقتها بالآراء الاستراتيجية للولايات المتحدة أو دعمها للحكومة البحرينية، من غير المُرجح رؤيتها تتحرك تحت تأثير الإقناع الأمريكي لخوض أي مخاطر.

حتى الوقت الراهن، البحرين في طريق مسدود. الشّيعة مقموعون، وهو تصريح عادل عند الحكم على ناشطة بالسّجن بالسجن لمدة عام على خلفية تمزيقها لصورة الملك، وسحب جنسية 79 مسلمًا شيعيًا من أصول فارسية. لكن القمع الآن أكثر تطورًا، وأقل وحشية وأقل بروزًا. قادة المجتمع الشّيعي ما يزالون غير متجاوبين مع التّهم بالسّيطرة الخارجية، مع كونهم غير قادرين على إبعاد أنفسهم علنًا عن إيران أو إظهار الفصل بين القيادتين السّياسية والدّينية. قيادة الوفاق في السجن أو في المنفى أو يستطيعون بالكاد الحفاظ على بقائهم في البحرين. قراراتهم لسّياسية جعلتهم أكثر ضعفًا في كل مرحلة، في حين أن يبدو أن الغضب في قاعدتهم الشّيعية يجعل قبولهم للتّسويات أقل. والنّتيجة هي مجتمع قادر على الحفاظ على غضبه وتحديه ولكن غير قادر على كسب أي شيء منهما.

نسبة كبيرة من المجتمع السّني تبدو أكثر تسييسًا من أي وقت مضى. هناك بعض الأصوات التي تدعو إلى الإصلاح، لا سيما ضد الفساد، دعوة تستطيع تجاوز الخطوط الدّينية، لكن يبدو أنه تم إسكاتها إلى حد ما في الوقت الراهن. هي تدعم الحكومة في رفض التّغييرات التي قد تؤدي إلى هيمنة سياسية شيعية. في الوقت ذاته، إنّه لأمر بعيد عن الوضوح، ما إذا كان الدّعم السّني سيحصل في حال حدوث تسوية سياسية مع الشّيعة. ولدى الطّائفة السّنية مجموعاتها المتطرفة والخطيرة الخاصة بها. في الواقع، هناك من يحاججون بأن الحكومة، على الرغم من قلقها الآن بشأن التهديد الذي تشكله الدولة الإسلامية، قد سمحت لهذه المجموعات المتطرفة الهامشية بالازدياد نسبيًا من دون عوائق، كما شجعت على بعض الشوفينية السنية، ربما لأنها ترى أنه من الضروري مواجهة التّأثير السياسي الشّيعي.

باختصار، لا يمكن تجاهل السّنة، كما فعلت أغلبية وسائل الإعلام الغربية، في وصفها فقط صراعًا داخليًا بين الشّيعة والأسرة الحاكمة.

داخل العائلة المالكة، تزايد الرأي بعدم وجود حل ممكن في المدى القصير. يُنظَر إلى التّهديدات على أنّها كثيرة جدًا، ومدفوعة جدًا من قبل الخارج، للسماح بالمخاطرة بحل سريع، حتى لو كان حلًا يمكن تصوره. إن كان المأزق الحالي لا يسمح للحياة بالعودة إلى وضعها الطبيعي كما كانت قبل العام 2011، فإنه كذلك لا يسمح بتهديد الأسرة الحاكمة أو الحكومة البحرينية. الجزيرة صغيرة جدًا، ومسطحة، ويمكن احتواء تمرد صغير فيها؛ قوات الحكومة مخلصة جدًا، كونها تتألف من خليط من البحرينيين السّنة والأجانب الذين ليس هناك علاقات تربطهم بالشّيعة؛ والدعم السعودي قوي جدًا بالنّسبة لقوى المعارضة للتّخطيط لتهديد جدي لاستقرار النّظام. ومع تكاثر الأزمات الخارجية، من الواضح كذلك أن الولايات المتحدة لن تقدم مطالب كبيرة. لكن الحكومة البحرينية لا تتحرك باتجاه حل ولا تحقق التّقدم في خططها المُعلَن عنها لزيادة إسكان ذوي الدّخل االمنخفض لتلبية الاحتياجات الاجتماعية ولا تعالج الفساد لدى مؤيديها.

بالتّالي، فإن الوضع يستمر على ما هو عليه، إذ يتم تجاهله كثيرًا في الغرب كأثر للصراعات الدموية في العراق وسوريا واليمن وتهديدات الدّولة الإسلامية. وتعمق جذور الغضب والشك داخل البحرين في كل مجتمع، وتواصل الولايات المتحدة الظهور بمظهر مضطرب بشأن أهدافها وخططها.

ليس من المحتمل أن تكون الحلول من داخل الجزيرة في الوقت الراهن، وقد لا تكون قيادة الولايات المتحدة قادرة على المساهمة بإيجاد حل. سيتوجب على سياسات الولايات المتحدة أن تطور الانسجام والوضوح على مدى فترة من الزمن، ليس فقط من أجل البحرين، بل من أجل المنطقة المتحاربة حولها.

* رونالد نيومان كان سفيرًا للولايات المتحدة الأمريكية في البحرين من العام 2001 وحتى العام 2004. كما أنّه عمل قبل ذلك في اليمن والإمارات العربية المتحدة وإيران والعراق، كما كان سفيرًا في الجزائر وأفغانستان.

 18 ديسمبر/كانون الأول 2015
النّص الأصلي

 


التعليقات
التعليقات المنشورة لا تعبر بالضرورة عن رأي الموقع

comments powered by Disqus