موقع صالون: الدّم مقابل النّفط: الولايات المتحدة: البحرين "شريك قيّم ومقرّب" ونشكرها على نفطها

بن نورتون - موقع صالون الأميركي - 2015-12-16 - 8:23 م

ترجمة مرآة البحرين

لفت وزير الخارجية الأميركي أنتوني بلينكن في العاصمة البحرينية المنامة في 31 أكتوبر / تشرين الأول إلى أنّه "من الجيد أن أكون في البحرين - وهي شريك مقرّب وقيّم للولايات المتحدة منذ زمن طويل."

وعلى الرّغم من كونها حليفًا مقرّبًا للولايات المتّحدة، إلا أنّ البحرين مملكة مستبدة. فهي تقمع بوحشية النّاشطين المطالبين بالدّيمقراطية وتعتقل المعارضين السّياسيين السّلميين. وتشير منظمة العفو الدّولية إلى إنّ الحكومة البحرينية واصلت لسنوات "التّضييق على المعارضين  ومعاقبتهم وتقييد حرية التّعبير وحرية تشكيل الجمعيات والتّجمعات". علاوة على ذلك، تلفت منظمة حقوق الإنسان إلى  أنّ السّلطات البحرينية تحافظ "على درجة كبيرة من الإفلات من العقاب وسط تقارير مستمرة  عن تعذيب المعتقلين واستخدام القوة المفرطة ضد المحتجين".

وقد وثّقت هيومن رايتس ووتش نفس الانتهاكات الكبيرة الواسعة النطاق لحقوق الإنسان، وحذّرت من أن "الصّمت الأميركي بشأن هذا الموضوع" يقلل من احتمال حدوث التّغيير السّياسي، على حساب المواطنين البحرينيين والمعايير العالمية لمناهضة التّعذيب ومصداقية أمريكا كمدافع عن حقوق الإنسان.".

قبل بضعة أيام فقط من خطاب بلينكن في المنامة، وتحت وابل الانتقادات اللّاذعة من قبل هذه الجماعات الرّائدة في مجال حقوق الإنسان، اعتقلت المملكة البحرينية النّاشطة البارزة زينب الخواجة بتهمة إهانة الملك. ليست هذه المرة الأولى الّتي تُعتَقل فيها الخواجة على خلفية عملها السّلمي من أجل حقوق الإنسان، ويقضي والدها عبد الهادي الخواجة عقوبة بالسّجن مدى الحياة على خلفية قيادته احتجاجات مطالبة بالدّيمقراطية في العام 2011.

لم يذكر بلينكن أبدًا، في أي موضع من خطابه المُكون تقريبًا من 3000 كلمة، سجل البحرين الفاضح في مجال حقوق الإنسان. وعلى الرّغم من ذلك، شكر الوزير المملكة على نفطها.

وأوضح بلينكن أنّ "مشاركتنا اليوم تعتمد على التزامنا العميق والدّائم تجاه الشّرق الأوسط وشعبه. هذه المنطقة موطن لبعض أقدم وأقرب أصدقائنا وحلفائنا." وأضاف أن "إمدادات النّفط  في المنطقة زوّدت الصّناعات والاقتصادات بالطّاقة  على مدى أجيال مذ وجد المنقّبون النّفط للمرة الأولى في البحرين في العام 1931. وفي حين أصبحنا الآن أكثر اكتفاء بالطّاقة، يواصل الشّرق الأوسط ترؤس السّوق العالمي، وما زلنا مصممين على حماية إمداداته".

هنا، أقرّت وزارة الخارجية الأميركية بأنّ دعم الولايات المتحدة لممالك الخليج المستبدّة متجذر في عملية وصولها إلى النّفط. تمتلك دول الخليج بعض أكبر الاحتياطات النّفطية في العالم، ونظرًا لصغر مساحة معظمها، تُعتَبر من بين دول العالم الأكثر كثافة على مستوى النّفط.

وفي مكان آخر، أكّدت وزارة الخارجية الأميركيّة أنّ المملكة "تلعب دورًا أساسيًا في هندسة الأمن الإقليمي وهي شريك حيوي للولايات المتحدة في المبادرات الدّفاعية. تستضيف البحرين الأسطول البحري الأمريكي الخامس كما تشارك في التّحالفات العسكرية التي تقودها الولايات المتحدة".

وترى المملكة المتحدة ذات المصلحة الاستراتيجية. فبعد ساعات من خطاب بلينكن، أعلنت الحكومة البريطانية عن بدئها ببناء قاعدتها البحرية الملكية الخاصة في البحرين.

ومع ذلك، فإنّ هذه ليست، بأي حال من الأحوال، المشاكل الوحيدة في تصريح بلينكن. فخطاب الوزير في المنامة يظهر العمق البعيد لسياسة النّفاق التي تنتهجها  الولايات المتحدة في الشّرق الأوسط.

تباهى بلينكن في خطابه الطّويل بالقول: "نحن نُسَرّع مبيعات عسكرية متطورة بما في ذلك تأمين طائرات الـ ف-16 المُعلَن عنها مؤخرًا  للبحرين؛ وبعض السّفن الأكثر تطورًا في العالم للسّعودية لمراقبة الخليج؛ وأنظمة دفاع جوي وصاروخي للإمارات العربية المتحدة وقطر وعمان والسّعودية والبحرين والكويت."

كل دول الخليج السّتة هذه عبارة عن ممالك قمعية.  في هذه الأنظمة الخليجية المدعومة من الولايات المتحدة، يواجه المقيمون الاعتقال لسنوات - أو الإعدام في بعض الأحيان - بتهمة إهانة الملك أو المطالبة بالدّيمقراطية أو بيع المخدّرات. يستغل عدد من هذه الدول القوى العاملة  من خلال استعباد القرن الـ 21.

بالإضافة إلى ذلك، أكّد بلينكن دعم "شركائنا في الخليج" في حربهم على اليمن الّتي خلّفت أكثر من 5000 قتيلًا منذ مارس/آذار. ووفقًا للأمم المتّحدة ومنظّمات حقوق الإنسان فإنّ "الشركاء الخليجيين" هؤلاء، الذين تقودهم السّعودية، ارتكبوا جرائم حرب وحشية في اليمن، وهم مسؤولون تقريبًا عن سقوط ثلثي عدد الضّحايا المدنيين.

قبل بضعة أيام من خطاب بلينكن، قصفت قوات التّحالف الّتي تقودها السّعودية مستشفى تابعًا لأطباء بلا حدود في اليمن وحوّلته إلى ركام. وكان وزارة الخارجية الأميركية على الهجوم فاترًا في أحسن الأحوال.

لماذا قد يتباهى نائب وزير الخارجية الأميركي بتسليح الأنظمة الخليجية الاستبدادية في اللّحظة الّتي ترتكب فيها جرائم حرب سافرة في حرب شرسة على اليمن، وهي الدّولة الأكثر فقرًا في الشّرق الأوسط؟ وصف بلينكن الممالك بـ "الحكومات المستقرّة التي يمكنها مكافحة التّطرّف في الشّرق الأوسط. إلا أنّ المشكلة في هذه الفكرة تكمن في أنّ الدّول الخليجية هذه غالبًا ما تُلهِم الجماعات المتطرّفة في المنطقة، وحتّى تدعمها، بما في ذلك تنظيم القاعدة.

وأمام المملكة البحرينية، قال بلينكن إنّ "مكافحة "القوى المتطرّفة الّتي تهدّد الشّرق الأوسط تتطلّب بناء مؤسّسات شرعيّة وشاملة بما يكفي لتوحيد الجميع - سنّة أو  استبعادها للأصوات المعتدلة، تخلق فراغًا مليئًا بالمتطرفين".

مع ذلك، فالبحرين هي بالتّحديد دكتاتورية غير علمانية حيث  يشكل الإسلام دين الدّولة و يستند القانون إلى الشّريعة. وتمارس الدّولة السّنّية  سياسة التّمييز بشكل كبير ضد الأقليّة الشّيعية، ما يؤجج التّوترات الطّائفية العنيفة.

بالعودة إلى الانتفاضات الديمقراطية في العام 2011 في المنطقة، حاجج بلينكن بأنّ "الدّعوة إلى الحرية لم تكن الدّافع وراء انعدام الاستقرار؛ بل كان غياب الحوار المفتوح؛ وإغلاق الفضاء السّياسي؛ والفشل في تبنّي ثقافة المسؤولية المدنية". والبحرين مثال على كلّ هذا وأكثر: فتحت حكم المملكة البحرينية، هناك غياب تام للحوار المفتوح  وإغلاق الفضاء السّياسي والفشل الذريع في تبنّي ثقافة المسؤولية المدنية.

قال بلينكن إنّ الولايات المتحدة تعمل من خلال استراتيجية طويلة المدى "لفرض النّظام وضمان الحرية والاستقرار" في المنطقة - لكن ماذا عن الحرية في الأنظمة الخليجية؟  بالطّبع، قد تكون الممالك الخليجية مستقرة، بالتّأكيد، لكن من المؤكد أنّها لا تتمتع بالحرية.

في مثل هذه الخطابات، تُبرِز الولايات المتّحدة  مدى نفاق سياستها في الشّرق الأوسط. فهي تدّعي أنّها تريد رؤية الدّيمقراطية والعلمانية في المنطقة، لكنّها تواصل دعم الثّيوقراطيات المستبدّة.

وقد أعرب بلينكن عن أسفه بالقول إنّه "أصبح شائعًا في الآونة الأخيرة  المحاججة بأن الولايات المتحدة تحللت من التزامها تجاه الشّرق الأوسط." وأضاف أنّه "قول شائع - لكنّه خاطئ." وفي نفس اللّحظة، ادّعى الوزير أنّ "أغلبية خلافات الشّرق الأوسط ليس بسببنا".

مع ذلك، كان الغزو غير القانوني للعراق، بقيادة الولايات المتّحدة، الأمر الذي أدّى إلى الزعزعة الكارثية للاستقرار وانتشار التّطرّف اللّذين نشهدهما اليوم. والولايات المتحدة، هي التي دعمت تاريخيًا الدّكتاتوريات ليس فقط  في الأنظمة الخليجية، بل في مصر (مبارك والسّيسي) والأردن (الملك حسين) وإيران (الشّاه) وتونس (بن علي) وغيرهم. وقد فصّل المؤرّخ راشد الخالدي كيف منعت الولايات المتّحدة على الدّوام تحقيق السّلام في إسرئيل - فلسطين، ما أدّى إلى تفاقم الصراع البالغ من العمر  68 عامًا.

وكحلّ للمشاكل الّتي سبّبها تدخل الولايات المتحدة، دعا بلينكن، بطبيعة الحال، إلى المزيد من التّدخل. ومشيرًا إلى قمة كامب دايفيد - الّتي يحاجج البروفسور خالدي بأنّها منعت السّلام في إسرائيل - فلسطين وعززت السّيطرة الإسرائيلية على الأراضي الفلسطينية المحتلة -، لفت بلينكن إلى  "أننا نعزز تعاوننا الأمني" في الشّرق الأوسط.

وزعم بلينكن "أنّنا منخرطون اليوم أعمق من أي وقت مضى - دبلوماسيًا واقتصاديًا وثقافيًا، ونعم، عسكريًا." وأضاف انّه "لدينا تعريف أوسع للالتزام، ذلك الّذي يسعى إلى استخدام جميع مصادر القوة الأميركية - قدرة قواتنا العسكرية وأيضًا امتداد اقتصادنا وعزم دبلوماسيتنا وعالمية قيمنا".

قد تحاول الولايات المتحدة غسل يديها من اضطرابات الشّرق الأوسط، لكن، خلافًا لإصرار وزارة الخارجية، فإن الولايات المتحدة مسؤولة في الواقع عن كثير منها. وسيؤدي عرضها الدّائم لـ"جميع مصادر القوة الأميركية" فقط إلى دفع الأمور نحو الأسوأ.

التّاريخ: 2 نوفمبر/تشرين الثّاني 2015

النّص الأصلي


التعليقات
التعليقات المنشورة لا تعبر بالضرورة عن رأي الموقع

comments powered by Disqus