» رأي
الخطاب الملكي وحرب الاستنزاف
عادل مرزوق - 2012-01-15 - 3:04 م
عادل مرزوق*
أسوأ النهايات التي قد نعيشها هي تلك التي يصنعها لنا الأخرون. إذ غالباً ما تأتي على غير ما نريد، أو ترتبط بحسابات لا تزن أحلام وطموحات الشعوب فيها، مقدار ما تزنه حاشية من الحواشي، أو تفصيل من التفاصيل. هكذا، لا تكون الشعوب، بتضحياتها، وأحلامها وتطلعاتها أكثر من (رقم) زائد، يحمله هذا الطرف، أو ذاك.
السيناريو الأسوأ فعلاً، هو ان نتحصل على نهاية مغشوشة مخادعة، فتضيع حقوق الشعوب واحلامها بين نصوص هرطقات الخطابات العربية، تلك الخطابات التي تعيد انتاج (الديكتاتورية) عبر اللعب بفضاء الخطابات المؤثثة بمفردات الحرية والإصلاح والديمقراطية!. يعرف القارئ العربي هذه الخطابات جيداً، قاسى مرارتها، واكتوى بنارها، وهي لا تختلف في المحتوى او الأسلوب عن الإطار الركيك للمشاركة الشعبية (الوهمية) التي قدمها خطاب الملك حمد بن عيسى آل خليفة اليوم (الخامس عشر من يناير الجاري). خطاب يجب أن نعتبره الخطاب الأنموذج للخطابات التنظيرية العرجاء التي لا تقدم للشعوب أكثر من الديكتاتورية التي تجرعو مرارتها وأنهكتهم خيباتها، ليلبسوها من جديد.
من جهة أخرى، أن تملك القدرة على صناعة نهايتك عوض القبول بما يريده الاخرون لك، هي فرصة تستحق الوقوف والتأمل. تبدو هذه الفرصة حاسمة ومباشرة، تبدو لحظة مفعمة بما يحمله خيار (المواجهة) من تحديات ومخاطر أو خسائر. لكنها أيضاً، الفرصة السانحة - التي قد لا تتكرر– لتختبر الشعوب مستوى نضوجها أولاً، ولتبرهن على إستحقاقها لقيم الديموقراطية والحرية والعدالة والمساواة التي ناضلت من أجلها، ثانياً.
اليوم، لم يبقى لمؤسسة الحكم من أوراق لتلعبها، فضاء التوقع والتحليل لم يعد مفتوحاً كما كان قبل اصدار تقرير لجنة بسيوني. لقد فضخ التقرير هذه الحكومة أمام الملك وولي عهده ورئيس وزراءه وجنرالات القتل والإنتهاكات والجرائم. إختار الملك ما يريد، وارسل رسائله: إن شيئاً لن يتغير، الحكومة ورئيسها باقون، إن جلاداً من الجلادين لن يحاسب، إن وزيراً ممن قطعو أرزاق الناس ومارسو تلك الإنتهاكات في حقوق الإنسان لن يتغير.
اليوم، أضاف خطاب الملك الأخير للمعادلة رسائل اضافية وجهها بكل بوضوح لشارع المعارضة: إن إصلاحاً حقيقياً لن يتحقق، إن مطلباً واحداً مما طالب به هذا الشعب في هذه الثورة لن يلتفت له أحد. وكما قال الملك كلمته، وحدد خياراته بوضوح، فعلى الجميعات السياسية وشباب 14 فبراير وجميع أطياف المعارضة داخل البحرين وخارجها أن تتوحد لتقول كلمتها، وتعلن موقفها بوضوح. وهو أن إسقاط هذه الحكومة وتحقيق الإصلاح السياسي الشامل والكامل والمحاسبة والإنتقال للخيار الديمقراطي الحقيقي بات يساوي قيمة البقاء لدى الشعب، وأن لا تراجع عن هذه المطالب مهما كانت الكلفة، او طال الأمد.
تكتيكاً، ما تريده الدولة الآن من المعارضة وشارعها هو القبول بدخول حرب استنزاف طويلة. تريد أن تستنزف قوة الشارع، صبره، صموده، قدرته على البقاء في هذا الوضع المعقد. تراهن على أن أنفاسها في حروب الإستنزاف التي اختبرتها وخاضتها مع المعارضة لعقود مضت كانت الأطول. سلاح جربته الدولة، تدرك أنه خيار يستنزف ميزانيتها وسمعتها الدولية، لكنه – على الأقل - يضمن بقاءها وديمومتها.
لقد أثبت شارع المعارضة قدرته على تحمل آلة العنف وهمجيتها وجرائمها، وضرب للعالم قبل السلطة، أروع صور الصمود والصبر والثبات على مطالبه الديمقراطية في إنجاز دولته المدنية القائمة على الحرية والعدالة والمساواة. لقد قدم هذا الشعب من صور الصبر والتضحية والفداء من اجل الوطن ما جعل من إعلام السلطة وأكاذيبها مجرد حبر على ورق الصحف الرسمية ووكالة أنباء البحرين لا أكثر، فلا أحد يلتفت لهذا الإعلام الطائفي الكاذب، أو يثق به. كانت كلمة شباب البحرين في الساحات والشوارع أقوى من مهرجانات الكذب والحوار الزائف، كانت تضحيات الشهداء أثمن وأقوى وأصدق من إعلام الكذب والتزوير والتلفيق.
نستطيع أن نقول للأمانة التاريخية في هذا التوقيت الحرج: بات كل ما قدمه هذا الشعب من شهداء وتضحيات ومعتقلين ومعذبين وضحايا على المحك، فإما أن تستمر مسيرة 14 فبراير بزخم اكبر، وحضور أوسع، ليعلم النظام أولاً، والعالم كله، أن لا قبول بالنهاية التي تريدها مؤسسة الحكم، أو أن نكون بالفعل قد قبلنا بدخول حرب إستنزاف مجنونة. وهو ما أحذر منه.
*كاتب بحريني