"الداخلية" داخل شاشة العائلة

2012-01-15 - 12:35 م




  • المنامة ضمن أخطر 10 عواصم على الصحفيين
  • قبضة "المشير" على أعتاب "الوسط"
  • 123 صحفيا في معمودية الكلمة
  • محاكم تلفزيون البحرين قراقوش في الألفية الجديدة

مرآة البحرين(خاص): شكلت ثورة 14 فبراير/ شباط اختبارا قاسياً إلى الصحافة والإعلام في البحرين. وجاء تصنيف منظمة "مراسلون بلا حدود" إلى العاصمة المنامة ضمن قائمة أخطر 10 مناطق في العالم على ممارسي العمل الصحفي للعام 2011، ليلقي بالضوء الفاقع على المنحدر الذي انتهى إليه مستوى الحريات الإعلامية.

في الحقيقة، لم تكن هناك وسائل إعلام ولا صحافة؛ بل هناك رأي واحد مفروض، ولا شيء غيره، وكل الإعلام هو رسمي. فقد تم التضييق على الصحيفة المعارضة الوحيدة، وهي "الوسط"، وأجبر رئيسها ومدير تحريرها إضافة إلى رئيس قسم المحليات على الاستقالة، وسيقوا إلى المحاكمة. كما قتل تحت التعذيب أحد مؤسسيها.
 
وكشف رئيس تحريرها منصور الجمري في حوار أجرته معه مؤخراً قناة "الحرة" أنه لم يكن مقبولاً نشر أي شيء منذ أن تسلم الجيش إعادة الأمن منتصف مارس/ آذار، استثناء الأخبار الرسمية التي   كانت توزعها وكالة أنباء البحرين (بنا). بل أنه جرى تهديد مجلس إدارة الصحيفة بأن الجيش سيقوم بوضع اليد على الصحيفة إن لم تتم إقالة رئيس التحرير.

ووثقت رابطة الصحافة البحرينية 123 حالة لصحفيين انتهكت حقوقهم بالقتل أو السجن أو التعذيب أو الضرب أو الإقالة أو التسفير، بمن فيهم الصحفيين الأجانب. فيما خيم على جمعية الصحفيين التابعة إلى الحكومة الصمت. بل لعبت دوراً عكسياً في وقوفها ضد حقوق الصحفيين المعارضين، وقادت حملة ضد صحيفة "الوسط".
 
وقتل أحد "آدمنية" المنتديات الإلكترونية تحت التعذيب. وألقي القبض على المدون الشهير محمود اليوسف ومحمد المسقطي، كما قدم الناشط نبيل رجب إلى المحاكمة العسكرية بسبب نشره صورة على "تويتر".
 
ولعب تلفزيون البحرين ضمن البرامج التي خصصها للنيل من المحتجين، وخصوصاً "الراصد"، دور محاكم التفتيش. فكان يجري عرض صور المشاركين في الاحتجاجات، ووسمها بدوائر للفت انتباه السلطات إلى هويات أصحابها، فلم تكد تمضي أيام إلا واعتقلتهم قوات الأمن. وذلك مثلما جرى مع الرياضيين والأطباء والإعلاميين وغيرهم. ووصف تقرير اللجنة الملكية لتقصي الحقائق ما قام بعرضه تلفزيون البحرين في خلال الأحداث بأنه "مهين وحاط بالكرامة".

ولم يكن الإعلام العربي بأحسن حالاً. فقد تفتتت صورة قناة "الجزيرة" التي وقفت مع جميع الثورات العربية استثناء الثوار في المنامة. حيث نقلت الصورة مبتورة في بعض الأحيان ولم تنقلها في أحيان كثيرة، وكذلك "العربية" وغيرها من وسائل الإعلام العربية والعالمية.


"الداخلية" داخل شاشة العائلة
 
من صور معلمة عرضها تلفزيون البحرين قبل اعتقال من فيها
"المخربون"، "الارهابيون" و"الخونة" هي النعوت التي يلقاها طالبو التغيير، في الإعلام الرسمي. وقد استبدل دوره السابق الذي كان يقتصر على تجاهل الأحداث ونتغطيتها من وجهة نظر واحدة، لينخرط ضمن الحملة الأمنية التي قادتها السلطات ضد المحتجين. ولعب دوراً في محاكمة الرياضيين، والأطباء، والمعلمين، والصحفيين، وبعض الوزراء،   وتشويه مضمون الاحتجاجات أو نداءات المعارضة وشعارات المحتجين بما يتناسب والقصص المفبركة التي تصنعها الجهات الرسمية.

كما قام التلفزيون الرسمي بعرض أفلام قصيرة مجهولة التفاصيل، واعترافات لمعتقلين من
المعارضة في جرائم لم يرتكبوها، وتم الأخذ بهذه الاعترافات في المحكمة، وأخيرا وليس آخرا استغنت هيئة شئون الإعلام عن زهاء 50 موظفا لأسباب طائفية.

أما تلك المؤسسات الإعلامية شبة الرسمية، كالصحف اليومية الخاصة والتي تتبع الخط الحكومي والرسمي فاتبعت النهج ذاته ولكن بطريقة أكثر عمقا، تخلو من المهنية وتفوح منها رائحة الانحياز، فقد قامت باختراع قضايا وجرائم قامت بها الجماعات المحتجة، لا تفتقر للدليل فقط وإنما لم تأت على ذكرها لا المحاكم ولا السجلات الرسمية، كقضية المؤذن الذي قطع لسانه وسائق التاكسي الذي قتله المتظاهرون وغيرها من قضايا اختطاف.

كما قامت هذه الصحف بتجريم وتخوين وضم نصف شعب أو أكثر إلى قائمة العمالة للخارج، وتجريد الاحتجاجات من مضمونها المطلبي وتأجيج النزعة الطائفية.

كما لم تستحصل "فضائية اللؤلؤة" على الإذن للبث من المنامة فأطلقت في لندن يوليو/ تموز الماضي بمبادرة من ناشطين في المعارضة البحرينيين، ونالت نصيبها من التشويش المستمر منذ إنشائها فيما لايزال نقلها المباشر متعذرا في البحرين.

ومن ضمن الأرقام التي رصدتها رابطة الصحافة البحرينية، التضييق على 123 صحافيا ومدونا ومصورا ومنعهم من ممارسة عملهم الصحافي، منهم 27 تم اعتقالهم وتعرضوا للتعذيب وسوء المعاملة. وصُنِف قرابة 25 منهم ضمن قوائم العار، وتم التشهير بنحو 7 صحافيين علانية والطعن في نزاهتهم وتلفيق التهم لهم على شاشة التلفزيون الرسمي، إضافة إلى عشرات الصحفيين الذين تم الضغط عليهم للكتابة مع التوجهات الحكومية وتبني آرائها وأجنداتها.

وما تزال الصحافة الرسمية وشبة الرسمية تمارس نفس الدور في بث الفرقة والشحن الطائفي والدفاع عن تصرفات الجهات الحكومية التي تضمنت القتل والاعتقال والتعذيب والتهديد والتخريب، وامتد حتى إلى السرقة.

في حين بقي المراسلون من أبناء البلد مراقبين في كل تحركاتهم، حيث يمنعون من تغطية المحاكمات ولا يتم دعوتهم للمؤتمرات الصحفية الرسمية ولا تضمن السلطات سلامتهم.

الاعلام الاجتماعي
مع تجاهل الإعلام الرسمي وشبه الرسمي البحريني والعربي للاحتجاجات في البحرين، ومنع الإعلام الأجنبي من الدخول إلى البلاد، جاءت أهمية الإعلام الاجتماعي الالكتروني، المتمثل في المواقع الإلكترونية الاجتماعية، فبرز دور الإعلام الإجتماعي المتمثل في المنتديات ومواقع التواصل الإجتماعي الذي يمارس فيه غالبية المحتجين دور الصحفي، عبر التصوير الفوتوغرافي والفيديو وتوثيق الوقائع، والكتابة عنها.

فأصبحت هي المادة اليومية التي يعتمد عليها غالبية البحرينيين للتعرف على المستجدات على الساحة، كما أنها فضحت الكثير من الممارسات اللاخلاقية واللانسانية التي مارستها القوات الأمنية في البحرين، من تعذيب وضرب ومهاجمة المتظاهرين المسالمين، أو حتى الآمنين في بيوتهم من أبناء القرى الشيعية تحديدا في ظل العقاب الجماعي الذي تمارسه السلطة يوميا.

وبلغ الأمر من السوء أن يسقط المواطن زكريا راشد حسن قتيلا في المعتقل جراء تعرضه للتعذيب بعد سبعة أيام من اعتقاله بتهم "التحريض على الكراهية" و"نشر أنباء كاذبة" و"تعزيز الطائفية" و"الدعوة إلى إسقاط النظام على المنتديات الإلكترونية"، لأنه كان يدير منتدى إلكترونياً للنقاش.

وبين يونيو/ حزيران وسبتمبر/ أيلول، حجبت السلطات عددا من المواقع الإلكترونية مثل خدمة الدردشة الصوتية والفيديو "بالتوك"، ولاسيما غرفة الدردشة "بحرين نيشن" التي كان المعارضون يستخدمونها للتواصل، وموقع صحيفة "مرآة البحرين" الإلكترونية الذي ينتقد الحكومة، إضافة إلى موقع "حركة البحرين للعدالة والتنمية" والذي يفضح الانتهاكات المرتكبة ضد حقوق الإنسان في البحرين ويدعو إلى تنفيذ إصلاحات ديمقراطية، وموقع livestream الذي يبث المعلومات مباشرة على تويتر. وقامت منظمة "مراسلون بلاحدود" بتوثيق كل هذه الانتهاكات في تقريرها للعام 2011.


 قضية الوسط
 
صحيفة الوسط، الصحيفة الأكثر اعتدالا في البحرين، التي لعبت خلال الحركة الاحتجاجية منذ فبراير/ شباط) دورا كبيرا في نقل مجريات الأحداث بتفاصيلها، ولكنها اتهمت من قبل السلطة باتهامات فبركة الأخبار في محاكمة تلفزيونية، ورفعت دعوى ضدها في المحكمة الجنائية العليا في المملكة بتهمة ارتكاب انتهاكات خطيرة ونشر معلومات كاذبة ومضللة من شأنها أن تسيء إلى صورة البلاد وسمعتها في الخارج. ومن ثم منعها من الصدور لمدة يوم واحد وإقالة 3 من قياديي التحرير فيها، وهم رئيس التحرير منصور الجمري، ومدير التحرير ليد نويهض ورئيس قسم المحليات عقيل ميرزا، وإحالتهم إلى المحاكمة. وتمت تبرئة المتهمين على استحياء وفرض غرامة مالية فقط، ثم عادوا لأعمالهم، كما تعرضت مطبعة الصحيفة للتكسير والتخريب من قبل رجال مسلحين.

تلا ذلك إعلان لجنة حماية الصحافيين في نيويورك مطلع أكتوبر/ شرين الأول منح رئيس تحرير صحيفة "الوسط" الجمري، الجائزة الدولية لحرية الصحافة للعام 2011، عازية ذلك إلى "دور الجمري في الدفاع عن حرية الرأي والتعبير في الظروف القاسية".

الأكثر خطرا
وجاءت البحرين في المرتبة الثانية ضمن قائمة أخطر 10 مناطق في العالم على حياة الصحفيين للعام 2011 حسب منظمة "مراسلون بلا حدود" مسجلة قتل أحد النشطاء الإلكترونيين المقتولين على يد قوات الأمن البحرينية، وكذلك أحد مؤسسي الصحف، واعتقال 36 صحفيا، في حين تم الاعتداء على 11 صحفياً، فيما أجبر 40 صحفياً على الاستقالة. كما قامت السلطات بترحيل نحو 6 صحفيين أجانب، ضمن تقرير خاص وضعته عن أوضاع الإعلام في دول الربيع العربي "تونس، مصر، البحرين، اليمن، سوريا وليبيا".
 
وجاء في تقرير المنظمة أن السلطات البحرينية "تحاول السيطرة على المعلومات الواردة عن التظاهرات والانتهاكات التي ترتكبها القوى الأمنية من خلال استخدام ترسانة هائلة من التدابير القمعية من خلال اعتقال وترحيل الصحافيين الأجانب الذين يواجهون صعوبات كبيرة في الحصول على تأشيرات دخول، وتخويف كل من يرغب في الإدلاء بشهادته لوسائل إعلام أجنبية، ومضايقة المدافعين عن حرية التعبير، واعتقال المدونين والمصورين ومستخدمي الإنترنت (الذي توفي أحدهم في خلال فترة الاحتجاز)، ورفع الدعاوى القضائية ضد ناشطين في مجال الدفاع عن حرية التعبير وغيرها". في الوقت نفسه، تم إطلاق حملة دعائية ضد أبرز شخصيات الحركة الاحتجاجية عبر اتهامهم بالخيانة والإرهاب.

كما سجلت المنظمة القبض على أكثر من 30 صحافيا بحرينيا، تراوحت مدد الاحتجاز بين بضع ساعات وعدة أشهر، منهم مراسلة راديو مونتي كارلو وفرانس 24 نزيهة سعيد، الصحافي الرياضي فيصل هيات، الصحافي عبدالله علاوي، الصحافي الرياضي حسين الدرازي، ومراسل وكالة الأنباء الألمانية مازن مهدي، وتعرضوا جميعهم لسوء المعاملة والتعذيب.

التعليقات
التعليقات المنشورة لا تعبر بالضرورة عن رأي الموقع

comments powered by Disqus