أبيض أزرق أخضر أصفر أحمر.. ليست ألوان الربيع، بل ألوان الخنق في البحرين #murderCapital

2012-01-14 - 2:02 م



مرآة البحرين(خاص): في الأشهر الماضية، كنا نجمع عبوات الغاز المسيلة للدموع التي تلقى علينا، نقوم بتصويرها، نقرأ ما عليها من بيانات، نتعرف عليها ونوعها ومصدرها، نريها للمنظمات الحقوقية والعالمية. النظام المعروف بخبثه غيّر آليته ليحمي نفسه، فالغازات المستخدمة في الأشهر الأخيرة، تأتي عبوتها فارغة من كل شيء، من أي معلومة أو دلالة، إلا من سُمّ الغاز الذي لا نعرف عنه شيئاً، لكنه يفعل بنا كل شيء.

ما لا يقل عن ستة شهداء، سقطوا ضحايا هذه الغازات، حالات إجهاض عديدة تسببت فيها الغازات الخانقة (1)، مع ذلك لا يزال النظام الحاكم في البحرين يستخدمها بكثافة مفرطة، ويتفنن في استخدام أكثر من نوع من هذه الغازات.

 

■ تجربتي..

قرابة أحد عشر شهراً، ونحن نتعرض للغازات التي يطلقها علينا النظام. في 14 شباط/فبراير بجزيرة سترة، أُلقيت كميات مفرطة من الغازات المسيلة للدموع، ذات لون أبيض في كثافة السحاب، تعرضت لها بنفسي، سببت لنا حرقة شديدة في العين وتهيجاً في بشرة الوجه عند الوجنتين، لكن زال أثرها بعد ساعات. الآن، ومع استمرار الشباب في الخروج والتظاهر بعد شهور من محاولة قمع الحركة الاحتجاجية، صارت الغازات ألواناً: أزرق وأخضر وأسود وأصفر، بالإضافة إلى الأبيض. لا نعلم شيئاً عن هذه الغازات، ولا نعرف آثارها البعيدة، لكننا نعيش آثارها المباشرة.

 

تعرضت لأكثر من نوع منها. الأبيض في دوار اللؤلؤة يوم اجتياحه في 16 مارس، ومؤخراً عند الهجوم على المشاركين في ثالث يوم من فاتحة الشهيد سيد هاشم سعيد (15 عاما) في سترة 4 كانونالثاني/يناير. في هذا اليوم شعرت للحظات أن الرؤية صارت معدومة لدي، مع اختناق كبير. عدد كبير تساقط أمامي غير قادر على التنفس، مع إفرازات لعابية كثيرة.أيضاً، شعرت أنا وصديق لي بنوع من التخدر، شعرت به في أطراف أصابع يدي، وصديقي شعر به في إحدى رجليه، كانت العبوات الصغيرة قريبة منها.

 

 
تعرضت أيضاً للغاز الأصفر في17 كانون الأول/ديسمبر، حيث فعالية احتلال شارع البديع السلمية. لمدة دقيقة كان الغاز ينفث قريباً منا قبل أن أدفع العبوة التي كانت من بين أرجلنا قريباً من مجمع (كونتري مول). تم إطلاق الغاز بكثافة عالية، البعض أغمي عليه بسرعة، والبعض الآخر كان يتخبط مبتعداً عن هذه الغازات. حين استنشقت الغاز أحسست بالاختناق وحرقة شديدة في الحلق والوجه والعين، وكانت دموعي تنهمر وأنفي يسيل، وأصبحت أفرز لعابا كثيرا من فمي مع سعال حاد استمر معي لأيام.

احتجت بعض الوقت، بعد ابتعادي عن الغاز الأصفر، لأعود إلى نفسي الطبيعي، وعندما غسلت يدي بالماء عند وصولي للمنزل أصبت بحرقة شديدة في وجهي وذراعي لفترة. حالة السعال استمرت عندي بين 2- 3 أيام مع ألم وثقل في الصدر، وعانيت من صداع استمر إلى اليوم الثاني مع ثقل فوق العينين، بالإضافة إلى حالة أنفي أصبحت مثل مصاب بالزكام لمدة أسبوع. كما عانيت في اليوم التالي من ألم في البطن واضطرابات في المعدة وتقيؤ للدم.

 

■ دعوة عبر تويتر..
ما تعرضت له بشكل مباشر، أثار فضولي للتعرف أكثر على هذه الغازات التي تلقى علينا ليل نهار. في ظل وضعنا غير المحمي مما يستخدم ضدنا من أنواع الأسلحة المحرمة دولياً مثل الرصاصالانشطاري (الشوزن)، لا يمكننا أن نعرف ما إذا كانت هذه الغازات (مجهولة كل شيء) هي غازات مسموحاً بها دولياً أو العكس. دفعني ذلك لمحاولة التعرف على الآثار المباشرة لكل نوع من خلال ما يتعرض له الناس، ربما يكون ذلك هو دليلنا للوصول إلى نوع هذه الغازات ومدى شرعية استخدامها وأخطارها بعيدة المدى. قررت أن أكتب تقريراً حول هذا.

وبسبب الوضع الأمني، لم يكن أمامي غير الاستعانة بموقع التواصل الاجتماعي (تويتر) لأوجه دعوتي التالية: أرجو من كل من لديه تجربة مع الغازات السامة الملونة التي يستخدمها النظام في القمع حاليا أن يراسلني للأهمية، وأرجو من الأخوة الذين لديهم أي معلومات عن هذه الغازات أن يراسلني على الإيميل المذكور. أوضحت أنني أنوي كتابة تقرير حول هذه الغازات.

الاستجابة جاءت سريعة. تحمس الكثيرون، راسلوني وأدلوا بتجاربهم الخاصة وشهاداتهم. سأعرض هنا بعضها مما تسمح به مساحة التقرير، أتبعها بالخلاصات التي توصلت لها كاملة عن كل غاز على حدة وفق التجارب والشهادات الحية التي وصلتني. وبطبيعة الحال سوف أتحفظ على أية إشارة لأي اسم من أسماء المغردين الذين أمدوني بتجاربهم على نحو خاص.

 

■   غاز أصفر
تروي المغردة (م) شهادتها حول تعرضها للغاز الأصفر، وهو غاز يجري استخدامه بكثرة في الأشهر الأخيرة وبكثافة غير طبيعية في الشوارع وداخل البيوت. تقول (م): "تعرضنا أنا وزوجي للغاز الخانق، كان ذلك مساء الخميس الموافق 22 كانون الأول/ديسمبر 2011 م حوالي الساعة التاسعة في منطقة البلاد القديم. خرجنا من منزل العائلة وقررنا التوجه لشقتنا الكائنة في منطقة مدينة عيسى. في البدء كانت الرائحة قوية وتشبه رائحة الكبريت وشعرت بحرقة في الأنف والحلق وبعد لحظات قمت بالتقيؤ. كان زوجي يقود السيارة فتوقف لأتقيأ بالخارج، لكنني طلبت منه مواصلة السير، لأننا كنا نختنق. نظرت إلى وجهه  فكان مليئاً بالدموع. عند خروجنا للشارع العام كانت المنطقة مغطاة بسحابة صفراء ولكنني كنت أعاني من القيئ وحرقة شديدة في العين، كنت أجريت عملية قبل ثلاثة اشهر بعيني، لم يتوقف الحرقان حتى وصولي للمنزل ولا زلت أعاني من آلام العين".

أما المغرد (س) فقد استنشق الغاز الأصفر أيضاً يوم فعالية (احتلال شارع البديع)، يقول "ألقي علينا في الشارع أولاً بشكل كثيف فشعرت وخمسة من أصحابي بالإعياء وشيء من السكر، لجأنا لأحد المنازل، ثم أتت المرتزقة مرة أخرى وبشكل همجي ألقت هذا الغاز الأصفر في المنزل وعلى بابه فتضاعفت حالنا سوءاً. تقيأ صاحبي المريض بالربو دما أولاً ثم تبعناه في ذلك. كانت أيدينا تتصلب أحيانا وترتفع ونفرك رؤوسنا بشكل لا إرادي. كل هذا حدث لمدة ساعتين تقريبا ثم عاد إلينا وعينا لكن أيدينا بقت في وضع غير طبيعي. في اليوم التالي شعرنا بحالة غريبة من ألم المعدة والرأس لم نتمكن حتى من النوم. الغريب أيضاً أنني عانيت من إسهال قوي في اليوم التالي بينما أصحابي عانوا من إمساك!"

 

■ غاز أسود
مغردة أخرى، أرسلت تجربتها الخاصة مع الغاز الأسود، تروي "اعتدت مع زوجي واخواتي، المشاركة في فعاليات (ائتلاف 14 فبراير)، نتعرض لهذه السموم بكثرة، سأذكر ما تعرضت له في منطقة سار في فاتحة الشهيد أحمد القطان. بينما كنا نحاول تخليص أحد الشباب من يد المرتزقة أطلقوا علينا الغاز، فهربنا إلى أحد المنازل، لم يكن مفتوحاً غير بابه الخارجي، بقينا في باحته الخارجية، بكثافة أطلقوا علينا غازات بعضها أبيض وبعضها أسود. ركضنا نحو الباب الخلفي لعله يكون مفتوحاً ونتمكن من الهرب، لكنه كان مقفلاً، بقينا محصورين في سحابات الغازات الخانقة.  لم نتمكن من رؤية بعضنا الآخر. سقطت عدد من الفتيات مغشياً عليهن، أما أنا فقد صمدت بحثاً عن باب، لكن قواي خارت. شعرت أني فقدت القدرة على السمع وعلى وشك أن أفقد وعيي. أخيراً فتح باب المنزل الرئيسي واستعدت التنفس بصعوبة. الغاز الأسود كان يقتلنا. ظللت لا أستطيع الكلام فقط سعال حاد وألم في القلب. طوال اليوم بقيت دقات قلبي غير منتظمة واستمر معي ضيق في التنفس. أحسست أن الأرض غير مستوية ولازلت أعاني من دوار في الرأس. خفّت الكحة في نفس اليوم وبقي معي ألم القلب وضيق التنفس. أصبت وأخواتي بإسهال وصداع وإحساس بالتعب الدائم وتهيج في الجلد"

 

خلاصة

ما سبق هي نماذج وضعتها لحالات تعرضت مباشرة لاستنشاق هذه الغازات، الشهادات موجودة بالكامل لكن لا يمكن تغطيتها في هذا التقرير. فيما يلي نضع جدولاً ملخصاً لأهم ما وردنا من إفادات وشهادات بخصوص الغازات التي يستنشقها أبناء المناطق المختلفة في البحرين بشكل يومي.

 

الآثار المباشرة
طريقة التعرض للغاز
لون الغاز
حرقة في العين والوجنتين أو الوجه، دموع.

حرقة في الحلق واختناق شديد.

صعوبة الرؤية

الأماكن المفتوحة

أبيض كثيف

تسيل الدموع بغزارة

الشعور بالحكة في الجسد وخصوصا الوجه/ يدوم هذا الحال إلى يومين أو ثلاثة)

يسبب الرعاف (نزيف الأنف)/قد يدوم ليومين أو ثلاثة

يسبب الإغماء خصوصا لدى الصغار في السن أو المتقدمين في العمر تكون حالتهم سيئة جداً

عادة يكون هذا النوع أقل الأنواع ضرراً وتزول آثاره بسرعة (أي الحرقة في العين والحلق والوجه).

الأماكن المغلقة

 

حرقة شديدة في العين ودموع غزيرة

حرقة شديدة في الحلق

انعدام الرؤية بشكل مؤقت لعدة ثوان عند التعرض له عن قرب

وبعض حالات شبه تخدر بسيط في أطراف الأصابع

كثرة إفراز اللعاب من الفم عند الكثير من الناس

نوع من التشنج عند البعض

حالات الإغماء عند استنشاقه عن قرب كما حصل للكثير في عالي يوم مسيرة التوجه للديوان الملكي والهجوم على دوار اللؤلؤة بتاريخ 16-3-2011. (تجربة شخصية)

أماكن مفتوحة

أبيض أقل كثافة

عن قرب:

حرقة في العين والوجه وحتى في الجسم عندما تكون قريباً منه (خصوصا عندما يكون الجسم رطباً)

حرقة وجفاف في الحلق مع كثرة السعال

إفراز الكثير من اللعاب في بعض الحالات القريبة

دوار في الرأس يصاحبه إعياء الجسد

اختناق وإغماء لمعظم الذين يتعرضون له عن قرب

تصلب في الأطراف عند البعض

إعياء وعند البعض إغماء

البعض يتقيأ دماً بعد التعرض لهذا الغاز بقليل أو يشعر بالرغبة في التقيؤ

 

عن بعد:

تقيؤ الدم والبعض يكح دماً لبعض الوقت

ألم في الصدر وضيق في التنفس (الألم قد يستمر بضعة أيام عند البعض)

سعال وبلغم عند البعض ويستمر السعال وقد يستمر لعدة أيام

سيلان مخاطي في الأنف

قد يسبب الرعاف بين الحين والآخر واستمر ذلك مع البعض حتى بعد عدة أيام

إحساس يشبه حالة الزكام في الحلق والأنف مما يسبب نوعاً من التغير في الصوت وقد يستمر ذلك لعدة أيام.

ألم في البطن واضطرابات في المعدة (إسهال عند الأغلبية والبعض يشعر بنوع من الإمساك)

إرهاق في اليوم التالي

صداع وقد يتسمر لعدة أيام عند البعض

الأماكن المفتوحة

الأصفر

 كما سبق، لكن بشكل أخطر وتأثيره أسرع حيث حصلت حالات إغماء عديدة عند مدخل مجمع الكونتري مول في تاريخ 17-12-2011.

الأماكن المغلقة

 

حرقة شديدة في الحلق والوجه

تدمع العيون

إحساس بألم في الصدر عند استنشاقه وضيق في التنفس

رائحته قوية جداً ويشعر الشخص بالاختناق بسرعة

الكثير يشعرون بدوار وانهيار القوى إن كان قريبا منهم

قد يسبب الإغماء إن لم تبتعد عنه بسرعة

 

انهيار القوى بشكل سريع

اختناق سريع وحالات إغماء

كثرة السعال وصعوبة التنفس

ألم شديد في الصدر

دوار الرأس

 

آثار الغاز فيما بعد (وهي تختلف اختلافا بسيطا من شخص لآخر وتعتمد على الكمية والمكان):

قد يستمر السعال عدة أيام

ألم في الصدر وضيق في التنفس

البعض يشعر باضطراب في دقات القلب لبضعة أيام

اضطرابات في المعدة

صداع في الرأس

الإحساس بالتعب الدائم لبضعة أيام يصاحبه شعور بالنعاس

تهيج الجلد عند البعض

 

الأماكن المفتوحة

 

 

 

 

 

 

الأماكن المغلقة

الأسود

 

 

■ أحمر وأزرق وو..
 
 
كل من الغاز الأزرق والأحمر ونظراً لحداثة استعمالهما لم نتمكن من الحصول على عدد كاف من الشهادات. لكن يشير البعض إلى أن التعرض للأزرق يتسبب في ضيق في التنفس بشكل سريع ويؤدي شمه إلى دوار الرأس والتقيؤ وبعد ذلك يسبب صداعاً في الرأس.

أما الأحمر، فلا تزال الإفادات بخصوص التعرض له نادرة، وهناك تخوف من كونه غازاً ساماً مع ما تابعنا من خلال بعض القراءات لمجموعة من المواقع المهتمة (2).

لا تزال الغازات الخانقة التي تلقيها قوى الأمن على المواطنين المحتجين تتعدد ألوانها، لا تزال تخلق سحابات بكل الألوان، لكنها ليست ألوان الفرح، ليست ألوان الربيع، لا تبتكر الحياة، بل تبتكر صنوفاً لا نعرفها من الموت القريب، أو المؤجل، ولا نزال بانتظار جهة مختصة عالمية تتمكن من معرفة ما تحتويه هذه الوجبات اليومية من سموم الموت.

 



هوامش:        
  1. انظر. مركز البحرين لحقوق الإنسان: حالات إجهاض نتيجة الاستخدام المفرط للغاز المسيل للدموع والعنف
     
  2. انظر.بحوث متعددة عن الغازات وأعراض مشابهة في الصفحات التالية:

التعليقات
التعليقات المنشورة لا تعبر بالضرورة عن رأي الموقع

comments powered by Disqus