البحرين... ملف من مجموعة قصاصات صحافية ينهي حياد BBC
2015-09-04 - 3:04 ص
مرآة البحرين (خاص): على مدى سنوات كانت هيئة الإذاعة البريطانية "BBC" مثالاً للشفافية والحياد الإعلامي إلى حد بعيد في تناول القضايا العالمية. هل انتهى هذا الزمان؟ نعم، على الأقل فيما يتعلق بالبحرين. لقد أقرت المحطة بإخفاقها في تقديم تغطية متوازنة لأحداث العالم العربي. وقال تقرير وضعه مجلس الأمناء بعد نحو العام ونصف من اندلاع الانتفاضات العربية إن "القناة لم تنجح في إدراك تعقيدات الأحداث في البحرين وأبعادها الطائفية وأنها لم تركز بما يكفي على إبراز آراء ودوافع الأطراف المؤيدة للحكومة".
بدلاً من دفع مراسليها ومعدّيها إلى المزيد من الحرص على فهم وإدراك هذه التعقيدات، اختارت المحطة الطريق الأسهل: التسليم بما تقوله السلطات.
لقد منعت المعارضة الرئيسة في البلاد، بمختلف أطيافها، انزلاق البلاد إلى دوّامة العنف التي انزلقت لها بلدان كسوريا واليمن وليبيا وحتى مصر عبر حثّها الدائم أتباعها على الاقتصار على التعبيرات السلمية. لكنّ من يطالع "بي بي سي" هذه الأيّام يحتار ما إذا كانت المحطة العتيدة تتحدث عن بلد آخر. إذ تحتلّ حوادث العنف التي تحتكر السلطات روايتها وتوجيهها عبر وكالة الأنباء الحكومية "بنا" كافّة تغطياتها عن البحرين.
تظهر نتائج البحث في موقع "بي بي سي" عن التغطية الإخبارية للبحرين التي قامت بها القناة في خلال شهر واحد فقط (من 25 يوليو/ تموز 2015 لغاية 29 أغسطس/ آب 2015) تظهر 8 نتائج نحو 6 منها تتحدث عن "تفجيرات" و"إرهاب" و"قتل رجال أمن".
إن جميع هذه النتائج موجهة بشكل أحادي يتماهى مع السياسة الإعلامية للحكومة. من بين 8 نتائج أظهرها البحث هناك نتيجة واحدة فقط حوت رأي المعارضة إلى جانب رأي الحكومة. أما بقية النتائج الـ7 الأخرى فقد اكتفت فيها القناة بتكرار السرد الحكومي للأحداث الذي يرد في الغالب على ألسنة متحدثي وزارة الداخلية. لم تجشّم القناة نفسها عناء إبراز أي رأي آخر؛ ولو حتى من قبيل الحفاظ الشكليّ على توازن التغطية.
ويقول مرجع معارض يحتفظ بعلاقة جيدة مع العديد من العاملين في المحطة "إنها اختارت في مناسبات عدة تغطية الأحداث انطلاقاً من رأي الحكومة في الوقت الذي ينبري المراسلون للتحدث عن عدم قدرتهم إظهار معارضين من استوديو البث في البحرين (...) كرروا أمامنا بأنهم لا يستطيعون تغيير سياسة القناة المتعلقة بعدم دعوة أطراف المعارضة للحديث في حال رفضت السلطات المشاركة بمتحدثين من قبلها"، وفق تعبيره.
وصرح عامل في المحطة تحدثت إليه "مرآة البحرين" قائلاً "نحاول أن نكون منصفين مع الطرفين ولكن حكومة البحرين رفضت في مرات عدة المشاركة في حال وجود شخصية من المعارضة غير مرحب بها كما حصل مع وزيرة الإعلام السابقة سميرة رجب".
وردا على سؤال قال "هناك جمود في البحرين بصرف النظر عن الانتهاكات (...) العنف هو دائما ما يجذب وسائل الإعلام رغم أن العنف في البحرين أقل من بلدان أخرى مثل مصر وسوريا والعراق وليبيا واليمن".
لقد اعتبرت "بي بي سي" بأن الأحداث في البحرين "معقّدة" وذات "أبعاد طائفية". واستشهد تقرير هيئة الأمناء برأي محرر الأخبار العالمية في المحطة جون ويليامز الذي قال "كنا نقول إن الأمر يتعلق بصراع بين أغلبية شيعية وأقلية سنية، غير أنه اتضح لنا أن المسألة أكثر تعقيدا من ذلك".
لكن كيف حلّت المحطّة تغطية المسائل الطائفية "المعقدة" للأحداث في البحرين؟ ببساطة: جعلتها أكثر طائفيّة مما ينبغي ومما هي على أرض الواقع.
إن "جمعيّة الوفاق الوطني الإسلاميّة" هي جمعيّة مرخصة من قبل السلطات البحرينيّة تحت هذا الاسم حصرا بموجب قانون الجمعيات السياسية للعام 2005. لكن تسميتها سيتم تحويلها بقدرة قادر في تغطيات المحطة إلى "جبهة الوفاق الشيعية". وتارة إلى "جمعية الوفاق الشيعية" أو "كتلة الوفاق الشيعية المعارضة". وهي تسميات مختلقة من دون أساس ولا وجود لها.
تغرق المحطة في تزويق أخبارها بخلفيّات أرشيفيّة ذات طابع سطحي عن معارضين "غالبيّتهم من الشيعة" وحكومة "يقودها السنة" و"الحقوق الاقتصادية والسياسية للشيعة". وليس معلوماً بعد ما إذا كانت "السطحية" هي الحل المثالي الآخر للأشياء "المعقدة" التي خرجت بها "بي بي سي" في مراجعتها لتغطية أحداث العام 2011.
خلال الأعوام 2010 و2011 أعاقت السلطات البحرينية بشكل مبرمج مراسلي "بي بي سي" عن الدخول إلى البلاد لتغطية أحداث سياسية. وفي سبتمبر/ أيلول 2014 توعّدت هيئة شئون الإعلام المحطة بـ"المقاضاة" لتسميتها مصوّراً تمت محاكمته وتعذيبه بأنه "صحافي". وحتى اليوم فإن التصاريح الوحيدة التي يجري استخراجها للقناة هي تلك التي تتعلق بتغطية مناسبات رياضيّة سنوية مثل سباق فورمولا واحد.
بدلاً من اعتراف "بي بي سي" بقيود السلطات عليها التي تعيقها عن تقديم تغطية متكاملة وابتعاث مراسلين ميدانيين يقومون باستطلاع الأحداث، فإنها تواصل الغرق في عمليات إعادة برمجة أدائها الإعلامي. إن معظم الأخبار التي عملت الحكومة على بثها في خلال الأشهر الأخيرة حول عمليات "تفجير" راح ضحيتها شرطة أجانب هي بلا صور تقريباً تظهر صدقية دعاوى السلطات على ما يمكن رؤيته في أيّ من البلدان التي تشهد حوادث شبيهة. كما لا يوجد لها أي شهود عيان من المواطنين استثناء شهادات متحدثي وزارة الداخلية. بدلاً من مساءلة متحدثي الحكومة حول ذلك، أو السعي إلى سماع وجهة نظر مقابلة لها، فإن "بي بي سي" قرّرت الانصياع نهائيا لما تقرره السلطات حولها. بما في ذلك استخدام تلك المفردات الموجهة التي تعمد إلى تصوير ما يجري بأنه "إرهاب" تتعرض له البلاد.
لقد قتل حوالي 150 شخصا من المحتجين المدنيين منذ العام 2011 مقابل نحو 15 من الشرطة الأجانب. مع ذلك فقد سمحت "بي بي سي" لنفسها بخلع أوصاف في عناوينها تعمل على ترويجها السلطات مثل "الإرهاب" على حوادث القتل التي يذهب ضحيتها شرطة لكنها تبدو أكثر تمنعاً في استخدام الأوصاف نفسها عندما يتعلق الأمر بالقتلى من المدنيين الذين يذهبون ضحايا عنف السلطات.
لقد تمكنت "مرآة البحرين" من الحصول على ملف قام بإعداده مركز البحرين للدراسات الإستراتيجية والدولية والطاقة المعروف اختصاراً باسم "دراسات" وتسليمه إلى رئيس تحرير القسم العربي والأجنبي للأخبار في "بي بي سي" في مسعى للمزيد من التأثير على سياسة القناة. (يمكنك تحميل الملف من هنا)
يضم الملف الذي نقوم بنشر بعض صفحاته أدناه العديد من القصاصات والتغطيات المقتطعة من وسائل الإعلام المحلية الحكومية في الأساس مثل "GDN" أو تلك المنشورة في وسائل إعلام سعودية كقناة "العربية" أو الأجنبية التي تحمل محتوى يخدم بشكل رئيس الدعاية الرسميّة مثل تصوير احتجاجات البحرين خلافا للواقع بأنها سلسلة من الحوادث "العنيفة" التي تقف وراءها "إيران". بدلاً من قيام "بي بي سي" بمساءلة المحتوى الموجّة للملف، خصوصاً مع عدم خفاء هوية وغرض واضعه وهو مركز "دراسات" الذي يعين أعضاؤه بمراسيم ملكية ويشغل رئاسته حالياً مسئول عسكري وسابقاً وزير إعلام برتبة وزير، فإنه أصبح أحد موجهات سياستها الداخلية بشأن البحرين.
ويزعم عامل آخر في المحطة بأن "الملف يشكل وسيلة ضغط تلقي بظلالها على المحررين في كل مرة يتصدّون إلى تغطية حدث في البحرين".
لقد مثل احتواء تغطية "بي بي سي" أحد الأجندة على جدول أعمال الدبلوماسية الإعلامية للحكومة. وتمكنت سفيرة البحرين السابقة في لندن المسيحية أليس سمعان من جدولة زيارة إلى أحد مسئولي القناة، وهو عراقي مسيحي أيضاً، إلى البحرين. بينما تولت هيئة شئون الإعلام تحديد ما يمكن له رؤيته وما لا يمكن. لقد أخذ في جولة مبرمجة لرؤية أحد بوادر "الانفتاح الإعلامي" المزعوم الذي تعيشه البلاد، مثل استديوهات قناة "العرب"الإخبارية التي كان مقدرا لها أن تنطلق من المنامة. لكن فيما عاد مسئول "بي بي سي" إلى لندن ليشرف على عمليّة تشذيب تغطيات المحطة المتعلقة بالبحرين ووضع قيود على استضافة المعارضين، كان أحد الأعمدة "المنيرة" التي زارها في الجولة المبرمجة قد تهاوى في القاع: قناة "العرب" التي التقى مديرها جمال خاشقجي قد طُردت شرّ طردة. لقد انتهت القناة في البحرين إلى الأبد. لم تنته "بي بي سي" على غرارها؛ لكن على الأقل فهي لم تعد القناة التي نعرفها منذ سنوات كمثال للشفافية والحياد.