"صنقور": الخُطب النموذجية لن تعالج الخطاب التكفيري وقد تستهدف الخطاب المتصدي للنقد والتصحيح

2015-08-22 - 5:32 م

مرآة البحرين: انتقد الشيخ محمد صنقور ما طُرح عن توجه رسمي لفرض خطب نموذجية، منوهاً إلى أن «هذه الخطوة لن تعالج الخطاب الطائفي والخطاب التكفيري والخطاب الإقصائي».

وذكر صنقور خلال خطبة الجمعة بجامع الإمام الصادق في الدراز أمس 21 أغسطس/آب 2015 أن «خطابُ التصحيحِ والنقدِ والمطالبةِ بالحقوق هو من صميمِ الخطابِ الديني والذي كان يُمارسُه الرسولُ الكريم (ص) وأهلُ بيتِه (ع) والصحابةُ والتابعونَ وخيارُ العلماء في المساجد والمحافل، فالحجرُ على خطابِ النقدِ والتصحيحِ والمطالبةِ بالحقوقِ حجرٌ على الخطاب الذي حضَّ عليه النبيُّ الكريم (ص)».

وأضاف «نَسبتْ إحدى الصحفِ المحليَّةِ لأحدِ المسئولينَ في إحدى الوَزارات أنَّ الوزارة بصددِ إصدار تعميمٍ لخطبٍ نموذجية، وسيتمُّ إعدادُها وتوزيعُها على خطباءِ المساجد ولكنَّها لن تكونَ مُلزمة، وستكونُ هناك متابعةٌ لكلِّ ما يُلقى من خطبٍ في المساجدِ ودور العبادة، ونسبتْ إليه انَّ المقصد من التعميم والمتابعة هو تحميلُ الخطباءِ مسئولياتِهم في الانضباط بآداب الخطاب الديني، وانَّه سيتم اتَّخاذ الإجراءاتِ المناسبة تجاه مَن يخرج عن ذلك».

وأضاف صنقور «لو صحَّ الخبرُ المذكورُ وأنَّه سوف يتمُّ الإعداد والتوزيعُ لخطبٍ نموذجية والمساءلةُ بعد المتابعة لكلِّ ما يتمُّ إلقاؤه من خطبٍ في المساجد فإنَّ الغرض لقرارٍ من هذا القبيل يحتملُ أحدَ فرضيتين، الفرضيَّة الأولى انَّ القرار موجَّهٌ لمعالجةِ الخطابِ الطائفي والخطابِ التكفيري والخطابِ الإقصائي، والفرضيَّة الثانية انَّ القرار يستهدفُ الحجرَ على الخطابِ المتصدِّي للنقدِ والتصحيحِ والمطالبةِ بتحسينِ الحكومةِ لأدائِها، ويستهدفُ الحجرَ على الخطابِ المتصدِّي للتعبير عن نبضِ الشارع ومطالبِه وحقوقِه المشروعة».

وتابع «لو كان الغرضُ من القرارِ المذكور هو المعالجةُ للخطابِ الطائفي والخطابِ الإقصائي فإنَّ مثل هذا القرارِ لنْ يجديَ نفعاً، ولن يُسهمَ في الحدِّ من تداولِ هذا اللحنِ من الخطاباتِ النشاز. ذلك لأنَّ البُنيةَ الثقافيةَ التي نشأ عليها المتعاطونَ للخطابِ الطائفي أو التكفيري أو الإقصائي تحولُ دونَ نجاح قرارٍ من هذا القبيل في الحدِّ من تعاطي هذه الخطابات فضلاً عن الاستئصال لها، فلو التزم هؤلاءِ بالخُطبِ الموزَّعة فإنَّهم لن يُعدَموا فرصةَ التداولِ لخطاب الكراهيةِ والإقصاءِ في محافلِهم ومجالسهم ومواقعِهم الإلكترونية وفي مقامِ الإجابةِ عن التساؤلاتِ الموجَّهة إليهم، وفي وسائل التواصل الاجتماعي وغيرها».

ونبه إلى أن «المشكلةُ أعمقُ من أن تُعالجها الخطبُ المعلَّبة أو حتى المتابعةُ والمساءلة، مثلُ هذه المشكلة لا يكونُ علاجُها متاحاً ما لم يتم التغييرُ الجذري للبُنيةِ الثقافيَّة التي نشأ عليها المولعونَ بخطابِ الكراهية والإقصاء وإلا فتوزيعُ الخُطب دون العملِ الجاد على نقضِ هذه البُنية من جذورها يُشبهُ الأكلَ من القفا، فإذا كان ثمة من جدِّيةٍ في معالجةِ مشكلة الخطاب الطائفي والخطاب الاقصائي فاللازمُ هو الإعادةُ لتأهيلِ هؤلاءِ الخطباء أو استبدالُهم بخطباءَ يحترمونَ الناسَ ويتفهَّمونَ الاختلاف، ويُضمرون بصدقٍ المحبَّةَ والخيرَ لكلِّ أبناءِ الوطن. ثم إنَّ الخطاب الطائفي والإقصائي بل وحتى التكفيري لا يتخلَّصُ وجودُه في خطباء الجمعة، فخطابُ الكراهيَّة والإقصاء يمتهنُه الكثيرُ من الكتَّابِ والصحافيين وكذلك فإنَّ لهذا الخطاب حضوراً فاقعاً في دروسِ الدعاة الذين يتمُّ استيرادُهم في المناسبات وغيرِ المناسبات. وهو متداولٌ في المناهجِ والمدارسِ والندواتِ والكتبِ والأقراص التي يتمُّ توزيعُها بسخاءٍ في المساجدِ والأسواقِ والمجمَّعاتِ والمستشفيات».

وأشار صنقور إلى «الخشية المبرَّرة من توظيفِ قرارِ التوزيعِ والمساءلةِ في التضييق على الخطابِ الديني المعتدل، فقد يكونُ المتصدِّي لتنفيذ قرارِ المُساءلة مسكوناً بالحسِّ الطائفي فيوظِّفُ هذا القرارَ للمزيد من التضييق على الخطابِ المعتدل لمجرَّد انه لا يُعجبُه ولا يروقُ له، فيكون الحَكَمُ هو الخصم ذاتُه، ثم إنَّ الخشيةَ من التوظيفِ السيئ للقرار تظلُّ قائمةً حتى لو كان المتصدِّي للمُساءلةِ لجنةً يتمُّ تشكيلُها لهذا الغرض، فإنَّ الخشيةَ من التضييقِ على الخطاب الديني لا تزولُ بذلك بعد شيوعِ ظاهرةِ تشكيلِ اللجان أحاديةِ التوجُّه وبعد أنْ لم تكنْ ضوابطُ الخطاب المعتدل واضحةَ المعالم».

واستدرك قائلاً «هذا كلُّه مبنيٌّ على الفرضيَّةِ الأولى وهو إنَّ القرار موجَّهٌ لمعالجةِ الخطابِ الطائفي والخطابِ الإقصائي، وأما بناءً على الفرضيَّةِ الثانيَّة وهو أنَّ القرارَ يستهدفُ الحجرَ على الخطابِ المتصدِّي للنقدِ والتصحيحِ والمطالبةِ بتحسين الحكومةِ لأدائها، فالقرار حينئذٍ يكونُ سياسياً ويقعُ في سياقِ التضييقِ على الحريَّات العامَّة والحريَّةِ الدينية على وجهِ الخصوص، ودعوى أنَّ الخطابَ الديني لا شأنَ له بالنقدِ والتصحيحِ والمطالبةِ بالحقوق هذه الدعوى منافيةٌ للثابتِ من الدين لدى الفريقين، ويؤيِّدُ ذلك ما ورد في السنَّةِ الشريفة من طُرق الفريقين (...) خاتماً بالقول إن «خطاب التصحيحِ والنقدِ والمطالبةِ بالحقوق هو من صميمِ الخطابِ الديني والذي كان يُمارسُه الرسولُ الكريم (ص) وأهلُ بيتِه (ع) والصحابةُ والتابعونَ وخيارُ العلماء في المساجد والمحافل، فالحجرُ على خطابِ النقدِ والتصحيحِ والمطالبةِ بالحقوقِ حجرٌ على الخطاب الذي حضَّ عليه النبيُّ الكريم (ص) وفعلَه وحثَّ المسلمينَ على مزاولته وألقى في عهدتِهم مسئوليةَ القيامِ به، فلا يسعُ المسلم غيرَ التمثُّل بهدي الرسول الكريم (ص) والامتثالِ لما أرشد إليه» على حد قوله.

 


التعليقات
التعليقات المنشورة لا تعبر بالضرورة عن رأي الموقع

comments powered by Disqus