فورين بوليسي: حين تقول لك البحرين إنك لم تعد بحرينيًا بعد الآن

2015-08-19 - 9:06 م

ناتاشا بولر، مجلة فورين بوليسي
ترجمة: مرآة البحرين

"كنت نائمًا عندما علمت بالأمر"، يستعيد المواطن البحريني السابق تيمور كريمي الأحداث. "جاء أولادي ,أيقظوني. كل ما كان بإمكانهم قوله كان: "أبي، لدينا أخبار سيئة: اسمك على اللائحة". لقد سُحِبت جنسيته. كريمي واحد من 159 شخصًا جعلتهم الحكومة البحرينية عديمي الجنسية منذ العام 2012. في ثلاثة مناسبات منفصلة، من دون تحذير سابق، نشرت الدّولة لوائح تحمل أسماء الأِشخاص المُسقَطة جنسياتهم.

ويشرح عبد النّبي العكري، رئيس الجمعية البحرينية للشّفافية أنّه "في حال خسرت جنسيتك في البحرين، فإنه يمكنك أيضًا أن تكون ميتًا. لا يمكنك فعل أي شيء في حال كنت عديم الجنسية؛ لا يمكنك شراء أو بيع أي شيء؛ لا يمكنك الحصول على خدمات الدّولة كالصّحة والتّعليم. معاملاتك المالية الخاصة انتهى أمرها كذلك. يُخبرونك أنه عليك مغادرة البلاد، وفي حال لم تطعهم، يعتقلونك لكونك مهاجرًا غير شرعي".

الأشخاص عديمو الجنسية لم يعودوا يمتلكون أوراق الهوية ويصبحون غير مرئيين في نظر القانون. من دون هذه المستندات، تصبح المهام اليومية البسيطة مستحيلة. على سبيل المثال، لا يمكن لعديم الجنسية العمل بشكل قانوني أو الحصول على حساب في المصرف. كذلك الأمر، من دون وثائق تعرف عنه، لا يمكنه تسجيل الزّواج أو زيارة طبيب محلي أو الذّهاب إلى المدرسة. قبل إسقاط جنسيته، كان كريمي محاميًا محترمًا. يقول إنّه "بعد أن أسقطوا جنسيتي، فقدت رخصتي القانونية واضطررت لإغلاق شركتي. ومنذ ذلك الوقت، أصبحت عاطلًا عن العمل، لا أستطيع العمل ولدي ثلاثة أطفال لا أستطيع إعالتهم. لقد أجبروا كل المصارف في البحرين على إغلاق حساباتنا. نحن نعاني الأمرّين".

بدأت الحكومة البحرينية بإسقاط جنسيات المواطنين بعد فترة قصيرة من اجتياح الرّبيع العربي لمناطق واسعة من الشّرق الأوسط، بما فيها البحرين، في العام 2011. وفي 14 فبراير/شباط من ذلك العام، نزل كل من البحرينيين السّنة والشّيعة إلى الشّوارع للمطالبة بالحقوق والحريات ذاتها للغالبية الشّيعية كما للمواطنين السّنة. نظام أسرة آل خليفة الحاكمة، السّني، أرسل قواته لإخماد الحراك. لكن بعد أربع سنوات، لا يزال المتظاهرون يحتجون كل ليلة في شوارع القرى الشّيعية في البلاد.
يقول الطّبيب والنّاشط سعيد الشّهابي، الذي جُعِل عديم الجنسية في العام 2012، إنّ "خيارات النّظام بدأت تنفد. لقد عُذب الشعب، وجوّع الآلاف حتى الموت، وقتل مئات الأشخاص بشكل فاضح في الطّرقات، ومع ذلك، لا يزال البحرينيون مصرين على إحداث التّغيير. سحب الجنسية هو مجرد أداة لإخافتهم وردعهم عن المطالبة بحقوقهم".

معظم الأشخاص الذين أُسقِطت جنسياتهم في البحرين ينتمون إلى الغالبية الشّيعية، التي يجد أعضاؤها أنفسهم يحتجون بشكل منهجي ضد التّمييز على يد أعضاء الحكومة. على الرّغم من أنّهم يُشكلون ثلثي عدد السّكان، لا يشغل الشّيعة فعليًا أي منصب في الجيش أو الحكومة أو القضاء أو غير ذلك من المناصب الرّفيعة. وبسبب خشية النّظام السّني من إطاحة الشّيعة به يومًا ما، يستمر في البحث عن طرق لقمعهم. سحب الجنسية هو تكتيك مماثل. (رفضت الحكومة البحرينية التّعليق على السّياسة على الرّغم من توجيه طلبات بذلك إلى وزارة الدّاخلية البحرينية ومكاتب رسمية أخرى).

يشك المسؤولون البحرينيون في كون إيران الشّيعية مسؤولة جزئيًا عن التّحريض على حركة الاحتجاج في العام 2011 من خلال تدريب ناشطي المعارضة الشّيعية. لكن تحقيقًا مستقلًا أجرته اللّجنة البحرينية المستقلة لتقصي الحقائق، والتي كُلِّفَت أساسًا بالتّحقيق في حصول انتهاكات في مجال حقوق الإنسان في البحرين في فبراير/شباط 2011 وما بعده وإصدار توصيات- لم تجد أي دليل يدعم هذه المزاعم.

مع ذلك، عدد من البحرينيين الذين أُسقِطت جنسياتهم لهم أصول إيرانية بعيدة أو أنهم سافروا إلى إيران لسبب أو لآخر. وتقول نضال السّلمان من مركز البحرين لحقوق الإنسان إنّ "غالبية المُسقَطة جنسياتهم من أصل إيراني، لكنهم في البحرين منذ أكثر من مائتي عام ويعتبرون أنفسهم بحرينيين". الحكومة تهدف بشكل واضح إلى تشويه سمعة الشّيعة من خلال تصنيفهم كجزء من الطّابور الخامس الإيراني في البلاد.

حسين خير الله محمد، وهو حداد وتاجر، أصبح الآن عديم الجنسية، صودر جواز سفره بعد عودته من رحلة لزيارة أخيه في إيران. يقول محمد إنّه "كان لدي فعليًا مشاكل مع النّظام منذ العام 2011، حين كنت أحد الذي يقدمون الإسعافات الأولية للمحتجين في دوّار اللؤلؤة"، مشيرًا إلى بقعة في المنامة أصبحت مركزًا رمزيًا لحركة الاحتجاج. ويضيف أنّهم "سجنوني أربعة أشهر لذلك. وروقبت وشُهَر بي على يد الدّولة منذ ذلك الحين".

الجنسيات الأولى أُسقِطت في أواخر العام 2012 حين أصدرت وزارة الدّاخلية بيانًا أعلمت فيه 31 شخصًا بأنهم لم يعودوا بحرينيين بموجب المادة 10 (3) التي تمنح االنّظام سلطة إضافية لسحب الجنسية. استُخدِم هذا القانون لجعل 72 شخصًا عديمي الجنسية في يناير/كانون الثّاني من العام الحالي، وبعدها 56 مواطنًا إضافيين، بمن فيهم 9 قاصرين، في 15 يونيو/حزيران. الـ 128 شخصًا كلهم الذي أسقطت جنسياتهم هذا العام اتُّهِموا بمزاولة نشاط ذي صلة بالإرهاب.

يقول محمد التّاجر، وهو محام بحريني من أجل حقوق الإنسان يمثل عددًا من عديمي الجنسية في البلاد، إنّه "حين تنشر الحكومة البحرينية هذه اللّوائح للمُسقَطة جنسياتهم، هناك مزيج من الأشخاص الأبرياء وإرهابيي داعش (الدّولة الإسلامية). غالبية الأشخاص في هذا اللّائحة هم مجرد أكاديميين وناشطين من أجل حقوق الإنسان ومحامين وعلماء دين ورجال أعمال شيعة. لكن بوضعهم على لائحة مع إرهابيين فعليين، تأمل الحكومة تشويه سمعة أولئك الذين لم يفعلوا شيئًا خاطئًا".

البروفسور مسعود جهرومي الذي جُعِل عديم الجنسية في وقت مبكر من العام الحالي، يقول إن التّمييز الحكومي ضد الشّيعة يخلق انقسامات بين الشّيعة والسّنة. ويضيف أنه "في الماضي، لكن هناك قضايا عالقة بين السّنة والشّيعة والأقليات الأخرى التي تعيش في البحرين. اعتدنا العمل والعيش سوية والزواج من بعضنا البعض - لكن الحكومة للأسف تفعل كل ما بوسعها لإنهاء هذه الحالة". ويوافق التّاجر على أن تكتيكات الذراع القوية للحكومة تخلق توترات عرقية. وقال إنّه "لطالما تعايش السّنة والشّيعة بسلام هنا. الحكومة تأخذ هذا البلد إلى مكان مظلم جدًا".

الأخوان جلال وجواد فيروز، وكلاهما نائبان سابقان عن جمعية الوفاق في البرلمان، الجمعية المعارضة، عاشا في المنفى في بريطانيا منذ إسقاط جنسياتهما في العام 2012. استهدفت السّلطات الوفاق، كما فعلت مع عدة جماعات معارضة في البحرين، على مدى سنوات عدة. زعيم الوفاق الحالي، الشّيخ علي سلمان، يقبع حاليًا خلف القضبان.

متحدثًا من منزله في شمالي لندن، يقول جلال فيروز إن جهد الحكومة السّنية للحفاظ على السّلطة يذهب أبعد بكثير من مجرد نشر الكراهية ضد الشّيعة وإسقاط جنسياتهم. ويشرح أنّه "على مدى السّنوات القليلة الماضية، كانت الحكومة تمنح الجنسية البحرينية للآلاف والآلاف من السّنة من بلاد كالسّعودية والأردن وسوريا والكثير غيرها. هدفها تغيير التّركيبة السّكانية في البلاد بحيث تنتقل البحرين من الغالبية الشّيعية إلى الغالبية السّنية".

في العام 2006، د. صلاح البندر، وهو مسؤول حكومي سابق، نشر تقرير البندر المُكون من 240 صفحة، جعل فيه التّمييز ضد الشّيعة قضية مفصلة مشيرًا إلى أنها سياسة حكومية رسمية. ويؤكد التّقرير أيضًا أن الدّولة تمنح الجنسية البحرينية إلى أشخاص سُنّة من بلاد مختلفة كوسيلة لتغيير التّركيبة الدّيموغرافية للسّكان.

محمد التّاجر، محامي حقوق الإنسان، يعتقد أن عدد جوازات السّفر البحرينية التي أُعطِيت للسّنة من دول مختلفة في الخليج والشّرق الأوسط وآسيا كبير وقد يصل إلى مئات الآلاف. ويعترف بأنّه من الصّعب معرفة العدد الدّقيق، لأن الحكومة لا تناقش الأمر علنًا.

ويقول التّاجر إنه "نظرًا لمستوى الأمر وواقع أنه هناك 1.3 مليون شخص في البحرين، سرعان ما سيكون للقضية تأثير مدوٍ، وهذا لا يهدد إلا بجعل الانقسامات بين السّنة والشّيعة أكثر سوءًا". ويضيف أنّ "عددًا من هؤلاء السّنة ينتهي بهم الأمر بالعمل لصالح قوات الأمن، كالباكستانيين، ويستطيعون الحصول على جوازاتهم البحرينية في غضون أسابيع. البحرين تسلك مسارًا خطيرًا للغاية".

التّاريخ: 18 أغسطس/آب 2015
النّص الأصلي


التعليقات
التعليقات المنشورة لا تعبر بالضرورة عن رأي الموقع

comments powered by Disqus