بين توقّف جون ستيوارت الطوعي وإيقاف صحيفة الوسط القسري: حكاية حُريّة

جون ستيوارت مستضيفاً خصمه اللدود في شبكة الفوكس نيوز بيل أورايلي
جون ستيوارت مستضيفاً خصمه اللدود في شبكة الفوكس نيوز بيل أورايلي

2015-08-08 - 5:02 م

مرآة البحرين (خاص): كان السادس من أغسطس/آب 2015 يوماً ثقيلاً على الإعلام في العالم، حدثٌ عالمي مهم لفت الأنظار إليه، وهو الحلقة الأخيرة من برنامج المذيع الساخر جون ستيوارت (ذا ديلي شو).

قرر جون ستيوارت أن ينهي طواعيةً مسيرته المهنية الثريّة، بعد أكثر من 16 عاماً من تربّعه على عرش الكوميديا السياسية عبر برنامجه اللاذع، وبعد أكثر من 2600 حلقة قدمها، تناول خلالها قضايا مهمّة، وشكل عبرها رأياً عامّاً مناهضاً لحرب العراق وأفغانسان وأمور جدلية أخرى، وكان أحد أبرز المؤثرين سلباً على الحزب الجمهوري الذي خسر الانتخابات بعد 8 سنوات من رئاسة جورج بوش الابن.

لكننا في البحرين خسرنا في اليوم ذاته -للمصادفة-، وبشكل قهري صحيفة الوسط، قررت هيئة شئون الإعلام في بيانٍ لها أذيع في منتصف ليل السادس من أغسطس/آب 2015، أن توقف إصدار الصحيفة الوحيدة المقربة من المعارضة "حتى إشعارٍ آخر"، وفق البيان الذي نقلته وكالة أنباء البحرين الرسمية.

شتّان بين الحدثين الإعلاميين، ومفارقاتٍ ساخرة، ومؤلمة في آنٍ واحد، حلقة جون ستيوارت الأخيرة، شارك فيها العشرات من الإعلاميين والسياسيين، وشهدت رسائل وداعية من ألد خصوم جون ستيوارت الذين لم يسلموا من نقده اللاذع طوال سنوات، مثل مراسل سي إن إن الشهير وولف بليتزر، وأحد أبرز مقدمي البرامج في شبكة فوكس نيوز بيل أورايلي المعروف بتوجهاته اليمينية، كما شارك خصوم آخرون في الحلقة الأخيرة كعضو الكونجرس عن الجمهوريين ليندزي غراهام، والمرشح الأسبق لرئاسة الولايات المتحدة عن حزب الجمهوريين جون ماكين.

يمكن للمتابع لبرنامج ستيوارت أن يعي المعنى من مشاركة هؤلاء في الحلقة الأخيرة، هؤلاء الذين ظلّوا يتلقون النقد اللاذع طوال 16 عاماً من الكوميدي الساخر، احتفوا به، كأصدقائه ومحبيه من السياسيين والإعلامين مثل هيلاري كلينتون أبرز مرشحة ديمقراطية للانتخابات الرئاسية القادمة، ووزير الخارجية الأمريكي جون كيري، ومقدم البرنامج الساخر جون أوليفر، وزميله ستيفن كولبرت.

في المقلب الآخر، في البحرين، كانت الشماتة والتبرير بادية على أبرز رجالات الموالاة من سياسيين وإعلاميين ونشطاء، فرحةٌ لا توصف على إغلاق قسري لصحيفة تصفها المنظمات العالمية من حقوقية وإعلامية، ووكالات الأنباء ووسائل الإعلام الدولية، أنها الصحيفة المستقلة الوحيدة في البحرين.

خالد الخياط الذي يُعرّف عن نفسه في تويتر بـ "الفائز بجائزة البحرين للإعلام الاجتماعي للمسئولية الاجتماعية 2013"، قال في تغريدة من سلسلة تغريدات طويلة، إنه بقدر ما يؤلمه حال موظفي الوسط من الطائفة السنية، إلا أنه يشكر هيئة شئون الإعلام على القرار الذي وصفه بـ "الصائب والمتأخر جداً".

النائب السابق المتشدد محمد خالد، شكر أحد أبرز المحرضين ضد صحيفة الوسط، الدكتور إبراهيم الدوسري، معتبراً أنه كان أبرز الفاضحين لـ "السُم الذي تنفثه صحيفة الفبركة في المجتمع البحريني".

أما الدوسري نفسه، فغرد كثيراً، لم يسعفه تويتر على تبيان مدى فرحته، لكن صورةً واحدة عبّرت عن كل ما فيه، كُتب فيها "وأخيراً تم إيقاف جريدة الخونة، الوسخ، يومية مخادعة طائفية" وكتب على الصورة عبارة "وإن عدتم عدنا".

وزير الخارجية خالد آل خليفة وضع قرار وقف الوسط في خانة مكافحة الإرهاب، قائلاً إن "من يعتبر شهداؤنا قتلى فلنا معه وقفة. احترموا أنفسكم والتزموا بالمهنية والمصداقية ولا تكيلوا بمكيالين".

والوزير نفسه يعلم أن ما يقوله أمرٌ مخادع، فما نقلته الوسط، نقلته صحف أخرى كالأيام وصحف سعودية أيضاً، فيما خص التفجير الذي وقع في مسجد تابع لقوات الطوارئ السعودية، وهو نقل أخبار الوكالات، والخبر المقصود، هو ما كتبته وكالة الأنباء الفرنسية (أ ف ب)، ويحدث كثيراً في الإعلام أن تنقل الصحف والإذاعات عن الوكالات العالمية دون تغيير أو تحرير، لمواكبة الحدث أولاً بأول.

لم يكن التحريض على صحيفة الوسط وليد اليوم، فالمتابع للشأن البحريني قرأ العديد من المقالات في صحف الموالاة، وصف "الصحيفة الصفراء، صحيفة الفتنة، صحيفة الخونة" وإلى آخره من أوصاف اعتاده المتابع للشأن البحريني، لدى قراءته مقالات كتاب الصحف الموالية المهاجمة لصحيفة الوسط، وعليه لم يكن قرار إغلاق الصحيفة مُفاجئاً.

لربما جلس بالأمس رئيس تحرير صحيفة الوسط منصور الجمري متأملاً الحلقة الأخيرة من برنامج جون ستيوارت، لربما ضحك حتى الآخر وهو يشاهد خصوم جون ستيوارت يودعونه في حلقته الأخيرة، وقارن ذلك بردود الفعل المهللة والمطبلة لإغلاق صحيفته، والمحرّضة عليه ليل نهار.

كان المشهد أكثر من أن يوصف، إعلامي ساخر كرّس حياته في نقد ساسة وإعلاميي إمبراطورية العصر الحديث، واستضاف في برنامجه الرئيس الأمريكي أوباما وساسة آخرين مؤثرين رغم نقده اللاذع لهم، يغادر بملء إرادته، والجمهور يحيّه، والصحف ووسائل الإعلام تواكب نهاية مسيرته وتودعه على طريقتها، أما في المقلب الآخر، فرئيس تحرير صحيفة، خسر أحد أعضاء مجلس إدارة صحيفته بالتعذيب حتى الموت في سجون النظام (كريم فخراوي)، والصحف الزميلة له وتلفزيون الدولة الرسمي (2011) وقف ضدّه محرّضاً وصارخاً ... فلتخمدوا صوته ... فلتخمدوا الصوت الأخير.

 


التعليقات
التعليقات المنشورة لا تعبر بالضرورة عن رأي الموقع

comments powered by Disqus