القصة الكاملة لـ"مصلى العيد": "كباش" بين رجليّ دين على إيجار صالة
2015-08-05 - 1:23 ص
مرآة البحرين (خاص): ما هي قصة "مصلى العيد" التابع لأهالي "جدحفص"؟ لماذا كان سببا في تهجّم الشيخ محمد طاهر المدني، رجل الدين المعروف بقربه من النظام، على قرينه، الشيخ محسن العصفور، رئيس الأوقاف الجعفرية؟
بمنهجه المتملّق، استطاع الشيخ محسن العصفور، القاضي المعزول، ورجل الدين المنبوذ، الصعود مجددا، وبرز على الساحة، خصما فاجرا لكل رجال الطائفة الشيعية في البحرين، وبالطبع، للجمعيات السياسية المعارضة، التي تقودها "الوفاق".
ظهر من العدم فجأة، في فترة السلامة الوطنية، بتصريحات، يخجل أي رجل دين شيعي من أن يدلي بها في ذلك الوقت. شرعن قتل المواطنين، وغطّى هدم المساجد، وتهجّم على كبار رجال الدين الشيعة علنا، محمّلا إيّاهم مسئولية الدماء. كأنّه كان يقول للنظام "أنا موجود، تحت الطلب دائما، حتى لو كنت مغضوبا عليه".
اتّضح سريعا، أنّه خيار فعّال جدّا. وكان مكانه الأنسب "إدارة الأوقاف الجعفرية" ولّته السلطات عليها، ليبدأ أكثر عصورها ظلمة وفسادا!
لم يكتف العصفور بسرقة أموال الأوقاف، والتصرّف فيها، وفضلا عن طرد موظفين فيها، وإقالة 65 مؤذنا، وتعليق رواتب أئمة مساجد، بل ذهب حدّ طرد أعضاء في مجلس إدارته، لم يروقوا له. كان يعلم أن الملك لن يرفض له طلبا.
على نفقة الأوقاف، طبع العصفور موسوعته المعاد نسخها من مجاميع الأحاديث الشيعية، لم يقرأ أحد مجلداتها الثلاثين، لأنه باختصار لا أحد يعتد بها ولا به. وزّعها على جميع المساجد، وفرض وضعها قسرا في رف صمّمه خصيصا لها، في كل مسجد!
اقرئوني، شئتم أم أبيتم!
لا يهم أن نعدد فضائل العصفور مع النظام. فهو رجل لا يقف فقط في صف تغطية هدم المساجد، ومنع إعادة بنائها في أماكنها، أو تغيير وقفيتها، بل يدفع أيضا بهدم المزيد منها، تحت ذرائع مختلقة. وبسهولة شديدة، تنازل العصفور عن وقفية مسجد الخميس، أعرق المساجد التي تدل على الهوية الشيعية في البحرين.
هو لا يقف فقط في صف إخراج "المآتم" الشيعية من تصنيف "دور العبادة"، لكي يرفع عنها الاستثناء من دفع فاتورة الكهرباء، ثم يتعامل معها بالتصنيف ذاته، حين يستدعي الأمر فرض ولايته عليها، بمنع إقامة الندوات السياسية فيها، وتحويل مسئوليها للشرطة حين يفعلون ما يتعارض وأوامر ولايته عليها.
هو لم يشارك فقط فيما يسمى بحملة "هذه هي البحرين"، لتلميع صورة النظام في الدول الغربية، ولإظهار الشيعة طائفة راضية أتم الرضا عن هذا النظام. لقد كان أيضا ذراعا طولى، يبطش بها النظام، داخل المؤسسات الدينية الشيعية. لقد زعم أن أموال التبرعات بالمساجد والمآتم تذهب لـ"أعمال التخريب"، ليسرق هذه الأموال أيضا تحت ذريعة "الترخيص".
رفع العصفور، الذي عيّن في أغسطس/ آب 2013، ديون الأوقاف الجعفرية إلى 7 ملايين دينار. كيف لا، وقد استأجر لنفسه سيّارة "لكزس" بقيمة 650 دينارا شهريّا، تدفع من أموال الأوقاف، دون سند قانوني!
حاول العصفور أن يتحكّم بخروج مواكب العزاء الشيعية، وحوّل أئمة مساجد إلى الشرطة لانتقادهم إياه في خطب الجمعة، وكسر باب جامع رأس الرمان لينزع راية دينية من أعلى منارته، قطع الكهرباء عن مقبرة "المالكية"، وبدّل أقفال مصلّى رأس رمّان، ليسيطر عليه، ثمّ سمّى إحدى الصالات الوقفية الجديدة باسمه!
كبرياء جريح: ملفوظ حتى في عائلته
يريد العصفور أن ينتقم لغروره وكبريائه المجروح. هو ملفوظ داخل طائفته تماما. ملفوظ حتى داخل العائلة. كان مغضوبا عليه، حتى من عمّه الراحل، رجل الدين المعروف الشيخ أحمد العصفور. روى مقرّبون أن الشيخ أحمد طلب رسميا من الملك أن يمنع تعيين ابن أخيه على رأس الأوقاف. كان على يقين بأنّه فاسد مفسد!
في قضية "مصلّى العيد"، سيظهر مجدّدا أن محسن العصفور، ليس سوى "فاسد مفسد شمّ الجميع رائحة سرقاته وفساده" على ما يعبّر أحد رجال الدين، الذي تحفّظ على ذكر اسمه.
ما الذي أثار موضوع "مصلّى العيد" والولاية عليه فجأة؟ استضاف المصلّى قبل مدة فعالية "يوم التكليف" بحضور ألف طفل وطفلة، برعاية من جمعية التوعية الإسلامية، المحسوبة على المجلس الإسلامي العلمائي، وبحضور عالم الدين البارز السيد عبد الله الغريفي.
كان هذا هو سبب الاستنفار، الذي تقف خلفه السياسة. لا شك أن السلطات قد قرّعت العصفور، ومن قبله الشيخ محمد طاهر المدني، على هذا العمل. وانتهى الأمر، بتكليف العصفور بالتصرّف، فانتقم لنفسه، حتى من الجماعة المحسوبة عليه.
العصفور رأس حربة، يرمي بها النظام، كل خصم، وكل متهاون. لم يكن الشيخ محمد طاهر ليرضى عن هذه الفعالية بالطبع، كان منزعجا، لكن العصفور، استغل الحدث، واستغل نفوذه المتصاعد، وبادر بسحب المصلّى منه، وتأجيره من طرف الأوقاف، على المستأجر نفسه، فاشتعل النزاع بين الاثنين!
مصلّى العيد: الأرباح لمن؟
مصلى العيد لأهالي جدحفص، هو قطعة أرض مفتوحة مسورة تقع في قرية جبلة حبشي، قامت وزارة العدل ببناء صالة على ثلثها تقريبا لإقامة صلاة الجمعة فيها في وقت بناء جامع جدحفص وذلك بطلب من الراحل الشيخ سليمان المدني.
بعد اكتمال بناء جامع جدحفص لم يعد للصالة فائدة عملية، فبقيت معطلة منذ توفي الشيخ سليمان المدني في العام 2003، فقام ابنه محمد طاهر بتأجيرها بعقد غير رسمي على (ش-ع) للاستثمار، لتقسم الأرباح بنسبة 60% للمستأجر، و40% للمؤجر.
استمر الأمر على هذا الحال ١٢ سنة تقريبا.
في خطبة الجمعة بتاريخ 30 رمضان الماضي (17 يوليو/تموز 2015)، هاجم الشيخ محمد طاهر المدني إدارة الأوقاف الجعفرية والمستأجر (ش-ع).ادعى طاهر أن أرض مصلى العيد وقفها جده الشيخ محمد علي المدني على صلاة العيد.
وبحسب المصدر فإن هذا الادعاء خلاف المنقول عن رجال ثقة سمعوا من الشيخ سليمان المدني أنه قال: "لاتوجد وقفية لمصلى العيد، وإنما هي أرض تم تسويرها من قبل المؤمنين بأمر من الشيخ عبدالحسن آل طفل وخصصت لصلاة العيدين".
يقول رجل الدين إن "ادعاء الشيخ محمد طاهر أنه القيم على مصلى العيد والمتولي له، هو كادعائه أنه القيم والمتولي على جامع جدحفص الذي لاشك في وقفيته". ويضيف "هي مجرد دعاوى غير مستندة للدليل الذي هو الوقفية المتضمنة لذلك، والغرض منها السيطرة على كل مفاصل جدحفص كما بالنسبة للجامع حيث يمنعون أي أحد من إقامة الفعاليات الدينية حتى الصلاة في أثناء سفره منذ بنائه وحتى اليوم وكأنه من الأموال الخاصة التي تورث".
يقول رجل الدين، إنه رجع لسجل السيد عدنان الموسوي، المؤسس للأوقاف الجعفرية في البحرين، والذي شمل كل الأوقاف في وقته، ثم اعتمد كمصدر رئيسي لإثبات الوقفيات في مدن البحرين وقراها، فلم يجد ذكرا لوقفية مصلى العيد، مع أنه ذكر كل وقفيات قرية جبلة حبشي، لافتا إلى أن الشيخ محمد علي المدني (جد الشيخ محمد طاهر) كان مرافقا وكاتبا عند السيد الموسوي.
الشيخ محمد طاهر قال في خطبته إن قيام إدارة الأوقاف بتأجير مصلى العيد للاستثمار هو سابقة خطيرة وهو تصرف في الوقف على غير ما وقف له. أما رجل الدين (المصدر) فيصف هذا الكلام بـ"المغالطة الواضحة" وأنها "خداع للبسطاء"، موضحا أن طاهر "ادعى أن الأوقاف قامت بتأجير مصلى العيد والحال أن الذي تم تأجيره هو الصالة وليس أرض المصلى".
ورأى رجل الدين أن الشيخ محمد طاهر تعمد عدم ذكر الصالة المؤجرة من أجل كسب تعاطف الناس، ولئلا ينكشف أمره، لأنه هو أول من قام بتأجير الصالة على نفس الشخص المستأجر للاستثمار.
وأوضح رجل الدين "إذا كانت الأرض موقوفة للصلاة فقط - كما ادعى - فكيف جاز له تأجيرها للاستثمار طيلة السنوات السابقة؟ وأين ذهبت كل الأموال التي استلمها من المستأجر؟".
وأضاف "إن كان ذلك محرما لأنه تصرف في الوقف على غير ما وقف له، فهو حرام عليه وعلى الأوقاف بلا فرق بينهما".
وفضلا عن ذلك، اتهم رجل الدين (المصدر)، الشيخ محمد طاهر، بأنّه سجل سابقة خطيرة باستغلاله لمنبر الجمعة من أجل تصفية حساباته الشخصية مع من يختلف معهم وقال "اليوم تم التهجم على أفراد وغدا يأتي دور آخرين ممن يمكن أن يختلف معهم".
ورأى رجل الدين، أن الشيخ طاهر "تهجّم على إنسان مؤمن" (المستأجر) وشهّر به، وأسقطه اجتماعيا من على منبر الجمعة، بل ودعا إلى مقاطعته ومقاطعة الوقف وتعطيله".
وبخصوص تصرّف إدارة الأوقاف، وبيان رئيسها محسن العصفور، يقول رجل الدين إن "إثبات فساد إدارات الأوقاف المتعاقبة وتضييعها للأمانات التي تحت يدها لا يحتاج إلى أدنى جهد".
ويضيف "قضية مصلى العيد خير شاهد على ذلك، فإنه وإن كان ما ذكر في بيانها كله صحيح إلا أنه كيف يمكن تبرير ترك الأرض تحت سلطة شخص ليس عنده ولاية شرعية طول هذه المدة يؤجرها ويستلم ريعها فلا تحرك الأوقاف ساكنا؟!".
ويشير إلى أن إدارة الأوقاف حتى وبعد أن سحبت الصالة من يد الشيخ محمد طاهر وجماعته "الذين تسلطوا على جدحفص" ووقعت العقد الجديد مع نفس المستأجر، لم تطالبهم بما استلموه من الإيجارات طيلة السنوات السابقة.
ويعلق بقوله "الله وحده العالم بعدد الأوقاف التي حالها كحال مصلى العيد وصالته".
يختم رجل الدين مهاجما العصفور والشيخ طاهر "أين هذه الغيرة من 38 مسجدا "لاشك في وقفيتها" تم هدمها من قبل حكومة البحرين في 2011 ولازال أكثرها مهدوما حتى اليوم؟! وأين غيرتكم عن مئات الأراضي والوقفيات التي لم تسجل، والتي تم نهبها من قبل المتنفذين؟! لماذا لم نسمع منكم كلمة استنكار واحدة في هذا الشأن، ولم تعتبروها تصرفا في وقف أو منكرا يجب أن يمنع، أو سابقة خطيرة؟".
هامش:
* مقطع صوتي من خطبة الشيخ محمد طاهر المدني التي هاجم فيها رئيس الأوقاف الجعفرية