زوجة أمين عام الوفاق الشيخ علي سلمان: هكذا مرّ العيد على ابنتي "نبأ"
مقالات أخرى - 2015-08-01 - 12:17 ص
مرآة البحرين: علياء رضي *
صباح يوم العيد، وقفنا أمام ذلك المبنى الشاسع الذي لا يفتأ يتمّدد طولاً وعرضاً، كلما زداوا في رقعته صاح هل من مزيد. محاط بأسلاك شائكة، يطل على بحر لا نصل إليه كما هي عادتنا في بلدي، كما لا يصل إليه النزلاء الذي يجاورونه، لا يستطيعون مشاهدته ولا استنشاق عبقه.
تعلّقت عيون أطفالنا ببوابات "سجن جو" العديدة، كأنهم يتساءلون: أي بوابة ستفتح لنا يوم عيدنا؟ البوابات محاطة بأعداد كبيرة من رجال أمن ليسوا من وطني. كان الأهالي يتوافدون لزيارة معتقليهم. وجوه عريقه من هذا الوطن تنتظر أن يؤذن لها بفتح العيد، فالعيد هو الحبيب.
رحت أتأمل في داخلي، ماذا يعني أن يكون عيد مئات من البحرينين أمام بوابة سجن كبير، أن تتعلق سعادتهم برؤية وجه أحبتهم خلف القضبان، أن ترى الأطفال يستبدلون حلل العيد وفرحة المعايدة بالوقوف في حرّ الانتظار، أن ترى كل هذه الوجوه المتعبة بالفقد والوجل، تغادر مباهج العيد الموسومة في الخارج وتحج إلى السجن، تهوي أفئدتهم إليه، تعرف حينها كم هو مؤلم وخاطئ ما نعيشه في البحرين.
قضيت ليلة العيد في مهمّة خاصة مع طفلتي «نبأ» ذات السبعة أعوام، كان غروب شمس ليلة العيد هذا العام مختلفاً عن كل ليالي الأعياد التي مرت بحياتي، الناس يتحرون هلال العيد وهلال عيدنا "الشيخ علي سلمان" مغيب خلف القضبان. لم يسبق لصغيرتي أن اختبرت ليلة العيد بعيداً عن حضن والدها، ورغم مهاراتي التربوية بحكم دراستي ووظيفتي، وقفت عاجزة أمام تهدئة طفلتي التي غادرها العيد، كان من الصعب علي أن أشرح لطفلتي معنى أن لا يكون حضن والدها هو أول ما تفتح عليه عينها غداً، معنى أن تلبس ثياب العيد لا لتذهب إلى بيوت الأحبّة الذين سيرفلونها بالعيادي المبهجة، بل إلى السجن! معنى أن يهشّ عليها والدها، وهو قادم من زنزانته محاطاً بالخفر والكاميرات والحراسة المشدّدة، لم يكن عقلها الصغير ليستوعب كل ذلك، كان الهمّ وحده هو المسيطر عليها، ولا هلال يلوح في الأفق.
في ليلة العيد، أمسكت يدها وأسررت لها: صغيرتي سنذهب الآن إلى مكان جميل، سألتني ماما مكان أجمل من العيد؟ قلت بل هو العيد نفسه. أعطيتها في يدها سلّة مليئة بالعيديات الصغيرة التي تشبهها، وانطلقنا. كانت ليله احتضنتنا فيها بيوت هذا الشعب المظلوم الفاقدة لحنان أب أو حضن أم، صغيرتي التقت بأطفال يعيشون معاناتها وربما أكثر، أعطتهم عيديتها فأعطوها ابتسامتهم البريئة، تحادثوا بلغة الطفولة الجريحة التي لا نعيها ولا نستطيع فك رموزها، امتلات العيون الصغيرة بالدموع، تماسكت الأيدي بقوة معلنة صمودها رغم الآلام. هنا فقط ابتسمت صغيرتي، وكأنها قد نضجت فجأة. حينها فقط لاح هلال العيد.
في صبيحة يوم العيد، ومن داخل سجن جو، ارتمت "نبأ" في حضن والدها بحرارتها المعهودة، تعلّقت في رقبته، وراحت تقصّ عليه ما فعلته في ليلة العيد، كانت فخورة وسعيدة، وكان يبادلها الفخر والسعادة، لم تعد نبأ تشعر بالوحدة في يوم العيد، فكل أبناء المعتقلين إخوتها.
*زوجة أمين عام جمعية الوفاق الشيخ علي سلمان.