» رأي
صحافة الحكومة والناس..ألد الخصام
علي داوود - 2011-12-14 - 5:58 م
علي داوود
على حبل غسيل طويل علق بسيوني بعض ما استتر من أفعال قوى الأمن في البحرين، ترك للشمس بعض الحكايات الي تبللت بليل التنكيل والتعذيب، علّها تجف وتجف معها آلة القمع التي ألهبت جسد الشارع البحريني بصنوف المواجع، بمثل ما ألهبت حناجر وعاظ السلطة بالتصفيق والصفير، أولئك الذين رصعوا الكلمات ورصوا السطور من أجل المساومة على دم شهيد بريء لم يجدوا في روحه ما يستحق لحظة تعاطف، ولا دمعة تضامن.
يتسع التقرير الذي اكتفى بنقل صورة جانبية لوجه السلطة القبيح لمختلف الحقائق التي سهرت المعارضة على حراستها حتى لا تضيع في ليل الكذب، كما اتسع أيضاً لأحلام المزايدين على الناس حتى في خسائرهم، الذين نثروا الملح على جراح الناس وعادوا ينافسون المقهورين فسحة الظل التي منحها التقرير للمحن التي مرت بهم، فاختاروا أن يغرقوا التقرير بوجبات التبول الليلي وادعاءات الترهيب الطائفي حتى لا تصفو الينابيع لشاربي الهم ممن خبروا ظلم السلطة وظلم المولعين بها.
أكثر من أسبوعين مر وسماء الذين نامت ضمائرهم تأبى أن تمطر اعتذراً، أو أسفاً، أو حتى دهشة لهذا الكابوس الذي جلبه بسيوني وهو يرسم بالحبر وجه السلطة القاتم أثناء الأحداث، ربما توقفت نبضات قلوبهم عند سماعهم للتهم التي نالت أجهزة الأمن، غير أنهم شاءوا أن لا يكون للحلم مكاناً في هذا البلد، فقد استمرت ماكينة التخوين والتسقيط، وأصبح التقرير من خلف نافذة المتنعمين برضوان السلطة مدعاة للمفخرة، فاعتراف الدولة بتقصيرها وقبولها بتهم التعذيب والاستخدام المفرط للقوة وباقي أفعال الانتقام يستحق برأيهم أن يكون يوماً وطنياً مجيداً، فيما أوجاع الناس منطرحة على الرصيف، ما بين الاعتقال والتعذيب والفصل يستنشقون ما تبقى من وعود السلطة التي ألفووها حد الملل.
لن يتحدث أحد من تلك الأقلام التي استرخصت كل شيء لأجل حراسة ديكتاتورية مهلهلة عن معاناة أبناء وإخوة لهم في الوطن كشف التقرير عن ظلامتهم، عن أسر كانت تنام غير آمنة، وعن مطاردات ومداهمات مفرطة في قبحها، وعن أجساد طرية جففها التعذيب واختصر عليها الطريق إلى الآخرة..لن يتحدثوا عن رحيل حكومة ولا محاسبة وزير أو مسئول..كانوا على الخلاف من ذلك، مشغولين بالتهليل لغياب طائرة الأباتشي عن التحليق في التقرير، وخروج درع الجزيرة بصك براءة من القمع، تركوا كل الأفعال القبيحة التي مارستها السلطة ليتغنوا بشجاعة وجرأة الملك، حتى قال أحدهم بكثير من المكابرة وهو يعلق على التقرير إننا نحب العدل والحق لكننا نحب أكثر سيادة الدولة والأمن، ويذهب آخر إلى دعوة الناس للنسيان والكف عن النبش في الضمائر والبحث عن صفحة جديدة وهو الذي مارس التشهير والقذف علناً عبر قنوات الإعلام، فيما تنهد آخر وهو يخترع منطقاً جديداً بأنه لو لم يكن من المعارضة ما كان، لما حدثت كل هذا الفضاعات التي ارتكبتها أجهزة الأمن!، وكأن معجم الأخلاق عند أولئك يتسع لرمي كل المخالفين في النار، وجعل آلامهم بضاعة رخيصة في مزاد الولاء للسلطة.
هذا الفحش في الخصومة واللامبالاة بأوجاع الوطن جعل من صحف الصباح شريكاً في هذا الفصل الطويل من العذاب، وهذا التآمر على رغبات التغيير، وجزءاً من أدوات التعطيل التي اختارتها السلطة لتسويف كل حل ممكن، قبل وبعد التقرير الذي وإن اجتهد في تقنين الاتهامات وتوزيعها بين فريق المعارضة وفريق السلطة، إلا أنه كشف بالنتيجة أن الأزمة ساهمت في نمو طفيليات فكرية، كان في مقدمتها طابور طويل من الأفاكين والمتنفعين والمتاجرين بأحلام الوطن، وهم اليوم يعاودون التمركز وترتيب المفردات بحثاً عن مكاسب ممكنة في مرحلة لاشيء يقين فيها إلا العناق الطويل بين الكذب وصرير أقلامهم.