البحرين هدفا هشا لداعش
2015-07-13 - 5:40 م
مرآة البحرين (خاص): مع اتساع دائرة هجمات داعش لتصل إلى دول الخليج، ضاربة الكويت مؤخّرا، تبدو الحكومة البحرينية متوترة في التعامل مع مواطنيها من الغالبية الشيعية، والذين من الأرجح أنّهم سيكونون هدف التنظيم الإرهابي.
المراقب للتصريحات الصادرة عن وزارة الداخلية في البحرين والردود الشيعية في المقابل، يمكن أن يلاحظ بسهولة فقاعات أزمة الثقة تطفو إلى السطح.
عندما اختطف التفجير الانتحاري حياة شبّان كانوا يحرسون مسجدا في الدمام شرق السعودية، وضع الشبان البحرينيون حياتهم تحت الخطر بالتطوع لحراسة المساجد والمصلين. لكن الغريب أن وزارة الداخلية في البحرين قامت باستدعاء هؤلاء الشباب لاتخاذهم إجراءات أمنية وقيامهم بتفتيش المصلين. ثم أعلنت الوزارة أن كل من يأخذ دور الأمن سيعرض للمساءلة.
نشرت هذه التغريدات بعد أسبوعين من الهجوم الانتحاري على مسجد شيعي في مدينة الدمام |
بعد هذه التصريحات جاء رد سريع وحازم من كبار علماء الطائفة الشيعية في البلاد. أصدر خمسة من العلماء البارزين بيانا مشتركا قالوا فيه إن "هذا الخطر لا ينتظر لحظة وصوله المباغت ليستغيث مُستَهْدَفوه بمن يقف على التل من بعيد"، مضيفا "الناس في مساجدهم أمام خطر جدّي واسع لحياتهم... أمام تهديد بتصفيات عامة بشعة". وردا على مخاوف الدولة النابعة من انعدام ثقتها في شعبها، قال العلماء "ومن وسوسة السياسة، ومن التهويل الفاحش السيء أن يقال بأن هؤلاء المحسنين يمثّلون خطراً على الدولة، وأنهم ميليشيات عسكرية يخاف منهم على الأمن"، واصفين المتطوعين العزّل بكبش الفداء.
وجدت الدولة نفسها وجها لوجه أمام موقف حازم من كبار رجال الدين الشيعة في البحرين، الذين شدّدوا على أن الوقوف في وجه هذا العمل المحسن التبرعي إضراريّ، حتى لو لم يقصد منه الإضرار، ويترتب عليه أن يحمّل الناس الحكومة عند أي حادث سوء في مسجد من المساجد لا سمح الله "مسؤولية لا يسمع معها اعتذار".
أجبر هذا البيان وزارة الداخلية على تغيير موقفها حيث طلبت من المحافظين ترشيح المتطوعين وتسجيلهم لدى مديريات الأمن، ضمانة لأماكن العبادة بما أنهم أعرف بسكان مناطقهم، حسب الوزارة. ولكن في بلد تشكو فيه الطائفة الشيعية من قمع ممنهج وتمييز طائفي، وفي بلد أقدم النظام فيه على هدم 38 مسجدا شيعيا ضمن حملة القمع الوحشي على انتفاضة 2011 المطالبة بالديمقراطية، يتعين على الدولة أن تفعل الكثير لكسب ثقة مواطنيها.
عندما اقتربت مناسبة دينية في الليلة التاسعة عشرة من شهر رمضان، أعلنت الأوقاف الجعفرية، وهي هيئة حكومية، عن الشروط المتعلقة بتوقيت وأماكن سير المواكب لهذه المناسبة، لكن سرعان ما برز هاشتاغ: تحلمون_أن_توقفوا_المواكب، على موقع التواصل الاجتماعي "تويتر"، حيث ذكّر المغردون بمحاولات الدولة القديمة الجديدة للتضييق على الشعائر الدينية. مجيد ميلاد، عضو الأمانة العامة في جمعية الوفاق المعارضة، قام بالتغريد على الهاشتاغ منتقدا إجراءات الأوقاف الجعفرية في ضوء التهديدات الداعشية لاستهداف البحرين.
ويبدو أن ميلاد كان يشير لمخاوف من تحقيق الاستفادة القصوى من هذه التهديدات لملاحقة المتظاهرين وتشديد الخناق على غالبية البحرينيين المطالبين بالإصلاح السياسي. كاميرات المراقبة تعتبر انتهاكا لخصوصية الأفراد في الأحياء السكنية حول هذه المساجد، فضلا عن أن وزارة الداخلية المسؤولة عن أعمال القتل والانتهاكات الفظيعة لحقوق الإنسان ضد المتظاهرين هي من سيرصد ما ستلتقطه هذه الكاميرات.
كما أشار ميلاد إلى أن الإجراءات الجديدة يمكن أن تكون بداية لفرض قيود على الشعائر الدينية. استدعي ميلاد للتحقيق، وألقي القبض عليه بعد أقل من 24 ساعة من نشره هذه التغريدة وهو الآن يحاكم.
لو كانت السلطة في البحرين جادة في منع البلاد من الانزلاق إلى مستنقع شبيه بالوضع العراقي، لرأت بأنّه ليس لديها خيار آخر سوى الإفراج عن قادة المعارضة المعتقلين، وتدشين مصالحة سياسية وطنية شاملة قبل فوات الأوان. ولكنّها على العكس من ذلك، راحت خلال هذه الفترة تحديدا، تزّج بالقادة السياسيين الواحد تلو إلى الآخر إلى السجن: الشيخ علي سلمان، سيد جميل كاظم، مجيد ميلاد، والآن إبراهيم شريف مجددا.
يوم الجمعة الماضي 10 يوليو/تموز 2015، انتقد أمين عام حزب الله السيد حسن نصرالله النظام البحريني لمحاولته استغلال تهديدات تنظيم داعش لمزيد من الهيمنة والقمع بدلا من الدعوة لحوار وطني لمواجهة تهديدات التنظيم المتنامية. وفي الخطاب نفسه أشاد نصر الله بموقف الحكومة الكويتية وبرلمانها وشعبها وقيادتها الذي احتضن الحدث وأظهر وحدة وطنية حقيقية، ولقيت هذه الإشادة صدى كبيرا في دولة الكويت.
لم يقدم النظام في البحرين حتى على خطوة وقف الخطاب الطائفي في وسائل الإعلام الرسمية والموالية، ولا معاقبة المتطرفين البحرينيين الذين يدعمون داعش ويدعون علنا لاغتيالات طائفية وأعمال إرهابية، وحين أوقف واحد من خطباء الجمعة الذين اعتادوا سبّ الطائفة الشيعية، وهو رجل الدين السنّي المتطرّف، النائب السابق، جاسم السعيدي، أرجعه إلى منبره رئيس الوزراء في أقل من أسبوعين!
كتيبات تنشرها قوة دفاع البحرين تتهم الشيعة بالبدعة والشرك |
لو كانت هناك أية نوايا جادة وعاقلة في احتواء داعش، التي تلوّح بأعلامها السوداء للبحرين، لكان رموز المعارضة خارج السجن، ولكان هناك اعتذار رسمي من الحكومة عن هدم المساجد الشيعية، ومحاسبة لكل المسئولين عن ذلك، بدلا من إبقائهم في مناصبهم وتسليمهم ملفات سياسية أكبر، وعلى رأس هؤلاء وزير العدل خالد بن علي آل خليفة. لو كان هناك أدنى نية صادقة من النظام، في أن يمنع داعش من تكرار ما فعله هو بالبحرينيين الشيعة، وفي أن لا يكون هو مثالا أعلى لداعش، لتوقّفت جرائم التعذيب والقتل والتنكيل داخل السجون، ولحوسب كل مرتكبيها، ولأقيل وزير الداخلية، وأعيد تنظيم الأجهزة الأمنية، فور صدور تقرير بسيوني.
ولكن هذا لن يحدث، إذا كانت الولايات المتحدة تنتقد سجل حقوق الإنسان البحريني من جهة، وتستأنف الإمدادات العسكرية للبحرين وتمدح إجراءاتها الشكلية من جهة أخرى.
ربما يقع ضمن "مصالح" الولايات المتحدة، وأسطولها الخامس، أن تدرك أن الجبهة الداخلية هنا أصبحت هشة جدا وخطرة، ولن تصمد يوما واحدا في وجه "داعش"!