السعودية وورطة الابن غير الشرعي «داعش»: حالة إنكار
2015-06-30 - 2:46 م
مرآة البحرين (خاص): إحدى أقدم آليات الهروب من ورطة ما، هو إنكارها، تعدّ واحدة من أفشل أساليب المواجهة، لأنها تمكن الورطة من التضخم أكثر بدلاً من اقتلاعها من الجذور. تشير كلمة «الإنكار» في اللغة العربية إلى: النفي، الرفض، التجاهل، والنهي. وهي عكس القبول والإقرار. الإنكار هي آلية للدفاع النفسي، تستخدم لمواجهة حقيقة غير مريحة أو مؤلمة رغم توفر الأدلة الدامغة حولها. القبول والإقرار هما أول خطوة للمواجهة من أجل حل جذري.
حالة الإنكار، هي ما يعيشها النظام السعودي فيما يتعلّق بورطته مع «داعش»:لا علاقة لنا بداعش ولسنا حاضنة له ولفكره". رغم أن العالم يعرف أن النظام السعودي هو الحاضن للمذهب الوهابي السلفي التكفيري الذي انبثقت منه داعش فكريا على الأقل.
حالة الإنكار لم تقف عند النظام السعودي فحسب، بل شمل -بطبيعة الحال- طبقة المدافعين عنه من كَتبَة، وأكاديميين، ومشايخ، وإعلاميين، وكأنهم يتجاهلون أن السعودية تدرّس كتب إمام التكفير ابن تيمية في مدارسها .
الكاتب السعودي ومقدم برنامج (الثامنة) في قناة mbc داوود الشريان، كتب في صحيفة الحياة يوم الاثنين 29 يونيو 2015 مطالباً دولة الكويت بصورة شبه صريحة أن تعلن إلى العالم أن إيران هي من تقف خلف عملية تفجير مسجد الامام الصادق الذي تبنته داعش، وقال "لا شك أن الإرهاب الذي يستهدفنا في منطقة الخليج، تقف خلفه دول في المنطقة، والإرهابي الذي فجر مسجد الصادق قادم إما من طهران، أو دمشق، أو بغداد. الأكيد أن ما يسمى «داعش»، وغيره من التنظيمات الإرهابية مجرد واجهة لدول في المنطقة تسعى إلى جرنا إلى صراع مذهبي. نحن بانتظار إعلان الكويت عن اسم الدولة التي تقف خلف الجريمة".
يبدو مضحك جداً ما يقوله الشريان، وساذج أيضاً، خاصة إذا ما عرفنا أن الشريان كذّاب، وعادة الكذاب أن ينسى ما قاله، ومما نساه الشريان أنه قام عبر برنامجه في قناة mbc بمهاجمة ثلاثة مشايخ هم: محمد العريفي، وسلمان العودة، وعدنان العريفي، لأنهم دفعوا الشباب السعودي للذهاب للعراق وسوريا، ومن الجماعات التي تم ضخّها في سوريا والعراق على أساس طائفي بحت، تأسس تنظيم داعش الارهابي كأهم قوة استقطاب للشباب السعودي المتطرف.
الشريان لا غيره، هو من التقى أيضاً عبر برنامجه، التكفيري خالد المولد، الذي قال "سوف أستتيبك، ثم أقتلك خنقا ً أو بالسكين". فما الذي ينتظره الشريان من الكويت الآن؟ الشريان يعرف أن العريفي وسلمان العودة سعوديان، وأن العرعور يقيم في السعودية، وأن كل خزّان الحقد المذهبي يقع في السعودية، ومن ملأ هذا الخزان هو النظام الرسمي السعودي والثقافة الراعية رسمياً والموالية له. يعلم الشريان هذا تماماً، لكنه مصر على أن داعش واجهة لإيران!! إنه ليس إنكار الجاهل، بل إنكار العارف الذي تمكن منه الحقد الطائفي وأخذ منه كل مأخذ.
الإعلام السعودي الذي كان يشير لشيعة المنطقة الشرقية في السعودية بأنهم "خنجر إيران" وعملاؤها، قام عبر أدواته بعد حدوث تفجيرات الدالوة والقطيف والدمام باتهام ايران مباشرة ومداورة بأنها تقف وراء هذه التفجيرات.
لم ينشر ما قاله مذيع قناة وصال السلفية خالد الغامدي، وهو يهدد الشيعة في المنطقة بالقتل: "نحن لا نقول بل نفعل، والله والله أقسم بالله العظيم، لئن مُكنّا منهم، ليرون منا ما رأوا من عمر وصحابته، لنسير الجيوش ونسير القبائل عليكم ونأكلكم أكلاً". لا يريد مثقفو البلاط السعودي ولا كتبته أن يسمعوا هذا وأمثاله الذي تضج بهم قنوات التكفير، إنهم لا يريدون أن يعترفوا بالوحش الذي ينتجه رحمهم، ينكرون ذلك وينسبونه لخارجهم.
الروائي السعودي تركي الحمد، أنكر مسؤولية الأصابع السعودية، وراح مثل باقي مثقفي البلاط يوجه أصابع اتهامه لأصابع إيرانية وراء داعش، كتب عبر حسابه على موقع التواصل الاجتماعي تويتر: "أعلن داعش عن مسؤوليته عن مجزرة الصوابر وهو مسؤول فعلا، ولكني أرى أصابع إيرانية تلعب في الخفاء، فيا حسرتاه على المنتحرين لأهداف خافية عليهم".
أعلن داعش عن مسؤوليته عن مجزرة الصوابر وهو مسؤول فعلا، ولكني أرى أصابع إيرانية تلعب في الخفاء، فيا حسرتاه على المنتحرين لأهداف خافية عليهم.
— Turki H. Alhamad (@TurkiHAlhamad1) June 26, 2015
الأكاديمي عبدالله الغذامي، وهو من أبرز المدافعين عن النظام السعودي، قال عبر تويتر بعد تفجير الكويت "الشيعة مكلومون ... وقلوبنا معهم ، وهو حق علينا، أما أن يغضبوا منا حين نشير إلى دور إيران، هل بلغ التحامي عن إيران هذا الحد". الغذامي يعترف أن الشيعة مكلومون، لكنه يقفز على من (يكلم) الشيعة ويقتلهم ويذبحهم، وينكره ويتجاهله، ليذهب إلى ما يسميه دور إيران، ثم ينكر على الشيعة غضبهم على هذا القفز الأعوج.
مقابل حالة الإنكار (الخليجية)، هناك معرفة (عالمية). صحيفة الاندبندنت كتبت في مارس 2014: هل تشعر السعودية بالأسف على دعمها للإرهاب؟
هذا العنوان استخدمته الصحيفة لتحقيق مطول حول الدور الذي لعبته الرياض في دعم الجهاديين، التحقيق أعده الصحفي باتريك كوكبرن، تحدث عن غضب أبدته الإدارة الأمريكية على مدار الأشهر الستة الماضية بشأن تصرفات السعودية ودول أخرى في الخليج العربي فيما يتعلق بإمداد وتمويل "أمراء الحرب الجهاديين" في سوريا.
هل يمكن أن تكون إجابة هذا السؤال صعبة؟ من هي الدولة الأولى في حسابات دعم "داعش" على "تويتر"؟ تبين من دراسة أجراها معهد "بروكنجز" الأمريكي أن الغالبية الساحقة من حسابات شبكة "تويتر" المؤيدة لتنظيم "داعش"، تنطلق من السعودية، تليها سوريا ثم العراق.
اللواء منصور التركي المتحدث باسم وزارة الداخلية السعودية هو من صرح لرويترز في مارس من العام الجاري 2015، إن 2284 سعوديا انضموا لجماعات متشددة في سوريا منذ بدء الصراع عام 2011 من بينهم 645 شخصا عادوا للمملكة ونحو 570 قضوا نحبهم.
أما الإعلامي المصري إبراهيم عيسى، فقد كان صريحاً مع السعودية، خصص حلقة للحديث عن الوهابية التي ترعاها السعودية، وقال: "الوهابية هي سبب شرور العالم، وهي حاضنة الإرهاب وهي الشيطان الأكبر"، وامتد هجوم عيسى على السعودية وقال إنها "تسعى إلى تدمير اليمن على غرار ما فعلت في سورية والعراق وليبيا، للإطاحة ببعض الخصوم كصدام حسين وبشار الأسد ومعمر القذافي".
وتابع: "جرّت -أي السعودية- المنطقة إلى حروب بالوكالة لصالح أميركا وإسرائيل، وصلت لمحاربة الاتحاد السوفييتي السابق بإعلان الجهاد ضده، وتحاول أن تشيطن إيران والشيعة في المنطقة".
وتحدث عيسى، في إحدى حلقاته بالتفصيل عن ارتباط الفكر الوهابي بالسعودية، وكيف تم تصديره إلى مصر التي عانت بعده من مآس طائفية.
من جانب آخر، فإن وثائق ويكليكس التي نشرت هذا الشهر، بينت الأموال الضخمة التي تدفعها السعودية لشراء الأقلام الصحافية، والقنوات التلفزيونية وغيرها.
يبقى أن داعش بالنسبة للنظام السعودي، هي بمثابة الابن (غير الشرعي)، وصفها أحد المغرين: "إن داعش أضحى مثل الابن الحرام بالنسبة لإحداهن، فهي تنكر نسبه لها، لكنها في نفس الوقت لا تتحمل أن ينتقده أحد أمامها".
من يملك الجرأة على مصارحة هذا المريض، ليقول له، إنه مريض وإن كل أجهزة الإعلام مهما فعلت لن تشفيه من مرضه، بل ستضاعف من حالته وتدفعه للموت، موته من الداخل حيث مرضه فيه، ربما حان له أن يقبل علاج الكي لا علاج الرقية.