كريستين ديوان سميث: من البرلمان إلى السّجن: الحكم على سياسيين معارضين بارزين في الخليج

2015-06-29 - 10:21 م

كريستين ديوان سميث، معهد دول الخليج العربية في واشنطن
ترجمة: مرآة البحرين

في حين تحول الاهتمام الدّولي الأسبوع الماضي إلى تأكيد عقوبة الإعدام بحق الرّئيس المصري السّابق محمد مرسي، تم الحكم قضائيًا ببعض الإدانات البارزة في دول الخليج أيضًا. في 16 يونيو/حزيران، حُكَم على زعيم أبرز جمعية سياسية في البحرين، الشّيخ علي سلمان، بالسّجن أربع سنوات بتهمة التّحريض على الفوضى، وعلى عدم الانقياد للقوانين، والتّحريض على كراهية طائفة من النّاس. في الأسبوع ذاته، اعتقلت السّلطات الكويتية أبرز زعماء المعارضة في البلاد، وهو مسلم البراك، الأمين العام لحركة العمل الشّعبي، ليقضي عقوبته بالسجن عامين بعد إدانته على خلفية خطاب ألقاه في العام 2012 وتحدى فيه الأمير مباشرة في تجمع شعبي.

ويفيد سجن هذين الرّجلين بالكثير عن انخفاض حظوظ الإصلاحيين السّياسيين البارزين والحركات السّياسية المرتبطة بهم في منطقة الخليج وانخفاض نسبة التّسامح مع المعارضة من قبل الحكومات الخليجية، وربّما، ازدياد تعب المجتمعات الخليجية بسبب الفوضى السّياسية على حدودها. ويؤكد الأمر أيضًا الشّعور بالضّيق السّياسي في البحرين والكويت، وهما أهم نظامين ملكيين يشارك فيهما الشّعب في الخليج.

كان كل من سلمان والبرّاك عضوين بارزين في البرلمانين البحريني والكويتي. وبالفعل، أثناء أحدث حملاتهما الانتخابية -سلمان في العام 2006 والبرّاك في العام 2012- حصل الرّجلان على أصوات أكثر من أي عضو آخر، ما منحهم القدرة على الادعاء بأنّهما الأكثر شعبية، على الرّغم من السّياسيين المنقسمين، باعتراف الجميع، في بلادهم.

كان الاثنان صريحين في شجب فساد النّخبة وشديدين في المطالبة بسلطات أوسع لبرلمانيهما المنتخبين. مع ذلك، لم يدعُ أيّ منهما للإطاحة بالمملكة، ولم يلجآ كذلك للعنف. أي عوامل، إذًا، قادت هذين المُصلحين من البرلمان إلى السّجن؟

تصاعد النّشاط السيّاسي خارج البرلمان

عودة البرلمان الكويتي بعد التّحرير، والبرلمان البحريني بعد وصول الملك حمد بن عيسى آل خليفة إلى الحكم أطلقت حملة من الطّعن التّشريعي في البلدين. مع ذلك، على الأقل منذ منتصف العقد الأول من الألفية الثانية، كانت هناك خيبة أمل متزايدة من قدرة البرلمانات على حل القضايا الاجتماعية والسّياسية المُلِحة.

في العام 2005، انقسمت قيادة الجمعية المعارضة الشّيعية البحرينية، الوفاق، بشأن تسجيلها كجمعية سياسية قانونية والمشاركة في الانتخابات البرلمانية في العام 2006. وشكّل القسم المنشق حركة حق المنافسة، الملتزمة باستخدام الحملات الدّولية لحقوق الإنسان، والعصيان المدني، وأحيانًا العنف في الشّوارع، بمستوى خفيف، لتحصيل أكبر قدر من الحقوق السّياسية. في السّنة التّالية في الكويت، استخدمت حركة للإصلاح السّياسي، يقودها الشّباب، ويُطلق عليها اسم الحركة البرتقالية، غرف الدّردشة على الإنترنت لحشد احتجاجات في الشّوارع تأييدًا للإصلاح الانتخابي.

موجة الاضطرابات الشّعبية والثّورة السّياسية التي اجتاحت الدّول العربية، سرّعت انتقال هذه الحركة إلى الشّارع. في العامين 2011 و2012، شهدت كل من البحرين والكويت الاحتجاجات السّياسية الأكبر في تاريخهما. في البحرين، حتى القوة الموالية للحكومة كانت مُجبَرة على اعتماد استراتيجية عقد تجمعات شعبية لمواجهة المعارضة.

أضعف مد الخلاف الشّعبي والمواجهة من قبل الحكومة من دون شك برلمانات هذه الدّول. استقالت الوفاق من مقاعدها الـ 18 في مجلس النّواب البحريني، احتجاجًا على حملة القمع الفاتكة على يد قوات الأمن البحرينية. تم استبدال ممثليهم لاحقًا في انتخابات غير متوقعة في سبتمبر/أيلول 2011. قاطعت المعارضة الكويتية انتخابات العام 2012 احتجاجًا على قرار الأمير بتغيير قوانين الانتخابات من جهة واحدة، الأمر الذي لم يواتِها.

هذه التّحركات دفعت أبرز سياسيي المعارضة في المنطقة إلى الشّارع حيث أُجبِروا على التّنافس مع المطالب المتصاعدة للمحتجين. في البحرين، كانت حركات الشّباب التي تدفعها وسائل التّواصل الاجتماعي، وفلول المعارضة المنشقة، تطالب علنًا باستبدال النّظام الملكي بجمهورية دستورية. الحركات الشّبابية في الكويت طالبت بحكومة منتخبة -يكون فيها رئيس الوزراء منتخبًا بالاقتراع أو من قبل غالبية تشريعية، وليس مُعَينًا بمرسوم ملكي.

كثيرون في المعارضة الكويتية، بمن فيهم البرّاك، واصلوا المطالبة بحكومة مُنتَخَبة. وفي حين قاومت الوفاق وبقية المعارضة الشّعبية البحرينية عملية جرّها إلى الثّورة، فقد تشدّدوا في مطالبهم، لتشمل المطالبة باستقالة رئيس الوزراء البحريني. في كلا البلدين، كان الخطاب السّياسي للبرلمانيين السّابقين أكثر سخونة؛ سياسيو الوفاق أصبحوا أكثر أهلانية، والبرّاك أصبح أكثر خصوصية في شجبه للفساد.

البيئة التّشريعية الجديدة

التّخلي عن السّاحة السّياسية البرلمانية المُكَرّسة ترك سياسيي المعارضة أكثر عرضة للملاحقة القانونية. في منطقة الخليج، أعادت الحكومات صياغة قوانينها وتشددت في تطبيقها لمواجهة التّحديات السّياسية والأمنية في جميع أنحاء المنطقة، ولكن أيضًا للتحكم بانتشار التّحديات السّياسية غير البرلمانية كذلك.

في يوليو/تموز 2013، وبعد التّعبير عن سخطه من تفجير سيارة في منطقة الرّفاع، طالب البرلمان البحريني بتدابير أمنية جديدة. وتمّت صياغة قوانين الإرهاب الموجودة لتشمل التّحريض على العنف وتهديد التّماسك الاجتماعي واستخدام شبكات التّواصل الاجتماعي لنشر معلومات زائفة أو تهديد المصالح الوطنية. حُظِرت كل التّجمعات والمسيرات في العاصمة المنامة. وحدّد القانون المُعَدّل أيضًا عقوبات أشد على جرائم الإرهاب، بما في ذلك سحب الجنسية.

في الكويت، تمّ تعزيز القوانين التي تحمي حصانة الحاكم بشدة. وعوقِب المواطنون بالسّجن على خلفية تغريدات على تويتر اعتُبِرت مسيئة للأمير وأيضًا للحكام السّعوديين والبحرينيين. فقط في الأسبوع الماضي، أقر البرلمان قانونًا جديدًا للجرائم الإلكترونية، يلبي الحاجة المشروعة لضبط جرائم مثل الاحتيال عبر الإنترنت، وقرصنة المواقع الرّسمية أو قواعد البيانات، واستخدام منصات الإنترنت للتّرويج للمخدرات، والإتجار بالبشر والإرهاب. ولكنّه يُضيق أيضًا الخناق على النّطاق القانوني للنّقاش على الإنترنت عن طريق فرض عقوبات على خلفية التّعليقات أو التّغريدات التي تهين شخصيات دينية، الدّولة، الأمير والدّستور.

حوكِم البرّاك وسلمان استنادًا إلى هذه بيئة الادعاء العام هذه، الأكثر نشاطًا، لكنّهم ليسوا وحدهم. عدة ناشطين سياسيين آخرين، كالشّريك المؤسس في اللجنة الوطنية لرصد الانتهاكات، رنا جاسم السّعدون، المحكوم عليها مؤخرًا، وجدوا أنفسهم في السّجن أو مُقيدين في المحاكم، وهو أمر يرقى إلى كونه استراتيجية للإنهاك. خطوة الانتقال من حملات القمع الأمنية إلى التّشدد القانوني كان لها أيضًا أثر تخفيف الانتقاد الأجنبي إذ إنّ الحكومات الغربية تبغض التّدخل في الإجراءات القضائية لحلفائها.

وللبيئة القانونية والأمنية الجديدة، التي فرضتها دول الخليج، مؤيدوها. الجمهور العام قلق جدًا، بنحو يمكن تفهمه، بشأن الفوضى الإقليمية المحيطة به، ويخشى من الانقسامات الاجتماعية المتصاعدة،ـ ويقلق بشأن التّكاليف الاقتصادية لسنوات من الاضطراب العام.

إلى أين تتجه السّياسات في الممالك البرلمانية؟

الخطر القانوني الأكبر وانخفاض التّسامح العام يؤديان إلى بيئة صعبة لحراك شعبي في الشّارع. لكن في الوقت الحالي، لم ينتج عنهما أي عودة إلى الحياة البرلمانية الحيوية.

المقاطعات البرلمانية -التي أعلنتها المعارضة الكويتية مجددًا في يوليو/تموز 2013 والمعارضة البحرينية في سبتمبر/أيلول 2014- أعادت البرلمانات إلى تمثيل غير متكافئ على مستوى المناطق الجغرافية والانقسامات الاجتماعية. تلك المجتمعات، الأكثر سخطًا من الحكومة -القرى الشّيعية في البحرين والمناطق الخارجية القبلية في الكويت- هي الأقل تمثيلًا وفقًا لنتاج السّلطة السّياسية.

ولعل الأمر الأكثر إثارة للدّهشة هو نسبة الضّرائب المفروضة على الجمعيات السّياسية المُنَظّمة في هذه البلاد. المقاطعات والملاحقات القانونية أضعفت على نحو متوقع جماعات المعارضة. مع ذلك، حتى الجمعيات السّياسية الموالية عانت الأمرين في ظل التّقسيم الجديد للدّوائر الانتخابية والقواعد الانتخابية المفروضة من قبل الممثلين التّنفيذيين للأسرة الحاكمة. وأصبح السّياسيون المستقلون يهيمنون بازدياد على البرلمانات الخليجية.

وفي حين لا تزال الدّيناميات السّياسية تتطور، فإن النّتيجة المُتَوَقّعة لإضعاف الجمعيات السّياسية الخليجية كانت تشريعات أكثر تعاونًا مع أجندات تنفيذية، وأقل فعالية في الرّقابة التّنفيذية.

من غير الواضح ما إذا كانت الجمعيات السّياسية تستطيع العودة من جديد. المحفزات الحكومية، المعروضة من قبل الحكومة البحرينية -بما في ذلك تعزيز متواضع على مستوى الأدوات للرّقابة التّشريعية، والوعد بإصلاحات سياسية أكثر أهمية- فشلت في ضمان مشاركة الوفاق. أخذ التّحقيق المستمر بشأن الوضع القانوني للوفاق بعين الاعتبار، إضافة إلى الإفراج المبكر عن أمين عام جمعية العمل الوطني الديمقراطي (وعد)، ابراهيم شريف، قد ينبئ باستراتيجية جديدة للحكومة مفادها استبعاد القوى الشّيعية المعارضة تمامًا.

استعادة البرلمان الكويتي قد تكون أكثر إقناعًا، نظرًا لوسائله التي يُحسَد عليها ( في محيط خليجي)، بجلب السّلطة التّنفيذية إلى المُساءلة. أعضاء من المعارضة، بمن فيهم الحركة الدّستورية الإسلامية، التّابعة للإخوان المسلمين، يجرون بالفعل نقاشًا داخليًا حول تكاليف المقاطعة. مع ذلك، في حال عودة أعضاء المعارضة، قد يجدون أنّ النّفوذ المستقل للسّلطة التّشريعية قد تضاءل. السّلطة التّنفيذية، بقيادة الأسرة الحاكمة، كانت تتخذ تدابير تضيق نطاق الزّيادات البرلمانية وتضعف الحصانة البرلمانية.

لطالما كانت برلمانات الخليج مؤسسات فاسدة، لكنّها على الأقل حافظت على قدرتها على إشراك المعارضين بمصداقية، والوعد بالمشاركة في الحكم والرقابة التشريعية. في ظل الحملة المزدوجة للتعبئة الشعبية والعقلية الأمنية، قد يتخلون عن ذلك الاحتمال.

التّاريخ: 24 يونيو/حزيران 2015
النّص الأصلي


التعليقات
التعليقات المنشورة لا تعبر بالضرورة عن رأي الموقع

comments powered by Disqus