جلوبال سباين: المنشقون المختفون: كيف دفنت البحرين ثورتها

2011-12-08 - 8:48 ص


بقلم: آرين بيكر

كل ديكتاتور لا يزن أكثر من نياشينه يعلم أن أفضل طريقة لوأد ثورة في مهدها هو جعل خصومه "يختفون" فلا مظاهر للحزن ، ولا يظهر أي من الشهداء ، وكالعادة يجنون فوائد الإنكار الدائم. ولكن في البحرين المعبأة بإحكام بشعب لا يزيد عن 1,2 مليون يعيشون في أرخبيل رملي صغير في الخليج، من الصعب دفن الجثث، فالناس تلاحظ.  لذا ماذا على الحكومة الاستبدادية أن تقوم به عندما يثور الناس، وترتفع الاحتجاجات على النظام؟ دفن الأدلة والإدعاء أن شيئاً لم يحدث أبدا.
 
كان دوار اللؤلؤ بؤرة الاحتجاجات المناهضة للحكومة في البحرين في الربيع الماضي ، الرد البحريني على ميدان التحرير في مصر. يقع الدوار عند تقاطع الطرق الرئيسية المؤدية إلى المراكز التجارية الكبرى في العاصمة، حيث توج نصب أبيض مرتفع شيد في عام 1982 بمناسبة ثالث قمة لمجلس التعاون الخليجي، والتي عقدت في المنامة ذلك العام. ستة أقواس محدبة، (واحد لكل من الدول الأعضاء في المجلس) ، تعلوهم لؤلؤة عملاقة، رمزا لتراث المنطقة البحري. قبل أن يحول النفط الساحل الرملي إلى ناطحات سحاب، كان الخليج مشهوراً بصناعة صيد اللؤلؤ.

ولكن بعد فترة وجيزة من بدء الاحتجاجات يوم 14 شباط/فبراير اكتسب النصب رمزية جديدة ، متحدية نظاماَ فشل مراراَ أن يفي بوعود عمرها عقد للإصلاح والحريات السياسية. كما هو الحال في التحرير أقام المتظاهرون مخيماَ حول النصب التذكاري، واستخدمت النافورة السداسية الشكل عند قاعدته كمنصة للتجمع. في الساعات الاولى من صباح 17 شباط/فبراير ، فرقت قوات الأمن من في المخيم بمزيج من الرصاص المطاطي والغاز المسيل للدموع والذخيرة الحية. توفي ستة أشخاص وولدت الثورة البحرينية. ما بدأ احتجاجاَ موحداَ آل سريعاَ إلى انقسام طائفي بغيض، الاقلية السنية البحرينية تتظاهر دعما للعائلة المالكة السنية، والشيعة الذين يشكلون نحو 70 ٪ من السكان ، يناضلون من أجل حقوق يقولون إنهم حرموا منها لمدة طويلة. بدأ المتظاهرون تسمية حركتهم ثورة اللؤلؤ.
 
وبعد شهر أمرت الحكومة بهدم ذلك النصب. أعلن مسؤولون في التلفزيون الحكومي انه تم "انتهاك" و"تدنيس" ذلك الموقع من قبل المتظاهرين، ويحتاج إلى "تطهير". ولكن بحلول ذلك الوقت حلت حياة جديدة ومميزة بتلك الرمزية. لم يبق شيء من النصب الآن، مجرد رقعة من الأرض الجرداء يطوقها ليس طبقة واحدة فحسب بل طبقتان من السياج وتحت حراسة جنود مسلحين. ومع ذلك لا يزال الشعب منقسماَ. أنت إما "موالٍ للدوار" ، بمعنى تريد الاصلاح.  أو "ضد الدوار" وهذا يعني أنك تفضل الوضع الراهن.
حتى اختيارك لقهوتك هو إعلان ولاء : اختيار كوستا كوفي، التي يملكها رجل أعمال شيعي غير متسيس، يعتبر "موالٍ للدوار" , اختيار ستاربكس في البحرين، المملوك من قبل كويتيين حائرين يفترض أنه "ضد الدوار". جاسم حسين علي، وهو عضو معروف في حزب الوفاق الشيعي المعارض، كان عضوا في البرلمان، حتى استقال منه الحزب احتجاجاَ في الربيع الماضي، أخبره أحدهم في ستاربكس الواقع في حيه السكني بأنه قد يكون أكثر ارتياحا في كوستا. "الرجل كان يبدو وكأنه يمزح، ولكن هذا النوع من المزاح لم يكن في الحقيقة نكتة". أخبرنبي بذلك بعد عدة اسابيع ونحن نحتسي القهوة، كان لقاؤنا طبعا في كوستا.
 
الجهود الرامية إلى دفن الثورة لم تتوقف النصب. نصف الدينار القطعة النقدية البحرينية  الأعلى قيمة (1.5 دولار) ، تحمل صورة النصب اختقت تماما من التداول. حدث ذلك بسرعة وهدوء بحيث لايحتفظ أحد بأي تذكار. "ذهبوا كلهم في يوم واحد فقط" ، تقول فاطمة حاجي.:"إنه الثأر.  إنها (الحكومة) لا تريد أي شيء يحمل ذكرى احتجاجنا".

فاطمة حاجي هي واحدة من عشرات من الأطباء الذين يخضعون حاليا للمحاكمة بتهمة النشاط المناهض للحكومة. خلال الاحتجاجات قام الأطباء والممرضات في مجمع السلمانية الطبي، المستشفى العام الوحيد في البحرين، برعاية الجرحى من المتظاهرين. مستشفى السلمانية أصبح أيضا رمزا للاحتجاج. العائلات ناحت على قتلاها وجرحاها هناك ، والعديد من أفراد الخدمات الطبية ، -عندما كانوا لا يعاينون الجرحى- ، وقفوا احتجاجا على ما اسموه انه استخدام مفرط للقوة ضد المتظاهرين السلميين.

تقرير لاذع من قبل منظمة أطباء  من أجل حقوق الإنسان  ظهر في شهر حزيران/يونيو يوثق الاعتقال المنهجي وسوء المعاملة والتعذيب الذي تعرض له أطباء مستشفى السلمانية في أعقاب الانتفاضة. يقول ريتشار سولو نائب مدير أطباء من أجل حقوق الإنسان: "كان استنتاجنا أن هؤلاء الأطباء أصبحوا أدلة بأنفسهم على تكتيكات النظام". ويضيف: "كانوا قد رأوا بأم أعينهم الطريقة التي حدثت بها تلك الجراح ، وأعيرة نارية في الوجه ، لذلك تم استهدافهم واختفاؤهم". تم اعتقال المئات من العاملين في المجال الطبي – بعضهم أخذوا أثناء قيامهم بعمليات جراحية -  وحوكم حوالي ستة وثلاثين في المحاكم العسكرية مع أدلة ملفقة وإشاعات وشهود مشتبه فيهم. تراوحت الأحكام الصادرة بحقهم من خمس سنوات إلى خمس عشرة سنة. تقرير منظمة أطباء من أجل حقوق الإنسان تسبب في ضجة في الكونغرس، و تسبب في وقت لاحق في تأخير حزمة مبيعات من الأسلحة والبرامج التدريبية تم التخطيط لها طويلاً تناهز قيمتها 53 مليون دولار إلى الجيش البحريني. أفرج عن الأطباء ، بانتظار إجراء محاكمة جديدة (ومن المثير للاهتمام ، عندما تصف الحكومة تلك المحاكمات الجديد باللغة الإنجليزية فهي تقول إعادة المحاكمة. بينما بالعربية يقولون "استئناف") اصبح اسم السلمانية مقترنا وموحيا بحملة الحكومة القبيحة والتي إلى الآن لم يستطع النظام التخلص منها. تقول فاطمة حاجي بتأمل: "لو كان للبحرين مستشفى آخر ، فأنا متأكدة من من الحكومة قد هدمت السلمانية أيضاَ".

بالطبع ، هناك طرق أخرى لدفن اي ثورة ، وتبدأ بالتعاقد مع  شركات جيدة للعلاقات عامة ووالضغط وكسب التأييد. في آب/أغسطس رفعت حكومة البحرين عقدها مع الاتصالات مع كورفيس للمساعدة على تلميع سمعتها التي تشوهت، بملبغ وقدره أربعون ألف دولار في الشهر، بالإضافة إلى النفقات. بالإضافة إلى العملاء السائدين مثل Amazon.com ، كورفيس لديها فرع مخصص لإعادة تأهيل سمعة الحكومات الممقوتة، ممارسة متخصصة شهدت رواجا كبيرا في أعقاب الربيع العربي. ولكن ليس من دون تداعيات – ثلث الشركاء لم يهضموا قائمة العملاء وفضلوا القفز من السفينة. قال مصدر مطلع سابق في كورفيس لهافينغتون بوست:" لدي مشكلة في العمل مع الطغاة المستبدين الذين يقتلون شعوبهم" .

أثارت أنباء المبالغ المدفوعة إلى شركة كورفيس الغضب بين المتظاهرين في البحرين. كما أنها ولدت نوعا من الفكاهة السوداء. قال لي أحد الناشطين لو كان يعرف سعر العقد لقدم بكل سرور عطاءً أقل من كورفيس.  قال لي مازحاً: "أربعون ألفاً في الشهر؟ كنت سأقول أشياء لطيفة مقابل ثلاثين ألف دولار أمريكي ، ونتمكن من مساعدة اقتصاد البحرين في الوقوف على قدميه من جديد". نظرا للحساسيات على كلا الجانبين ، ومع ذلك ، توسل أن لا أستخدم اسمه خشية أن يتورط  مع الحركة ، أو يزج به في السجن.
 
ولكن السعر العالي لكورفيس قد يكون مستحقاً لدى حكومة وبلد يترنح من سوء السمعة الصحافية. في آذار/مارس انسحبت حلبة السباق الدولي فورمولا واحد إلى خارج البحرين، وزحفت استثمارات أجنبية جديدة إلى طريق مسدود. وقد اختار المزيد والمزيد من الشركات انتقال قاعدة عملياتهم في الخليج إلى دبي بدلا عن البحرين، على الرغم من ارتفاع كلفة دبي لممارسة الأعمال التجارية. والبحرين  بالفعل واحدة من أفقر دول الخليج ، والأقل قدرة على تحمل خسارة الأعمال التجارية.

في شهر حزيران/يونيو ، كلف الملك لجنة تحقيق مستقلة  أملا في تخطي الأحداث الماضية بقوة والمضي قدما. الصحفيون، الذين منعوا من دخول البلد منذ بدء الانتفاضة، دعوا مرة أخرى فجأة للحضور من أجل الكشف عن التقرير. ( نيكولاس كريستوف ، الذي كان انتقد من قبل الحكومة لتغطيته في شباط/فبراير كتب في تويتر "لقد تجمد الجحيم.بعد فترة طويلة. لقد تم منحي فيزا للبحرين" )
 
كان الحدث كله عابقاَ بالعمل المهني. نتائج التقرير الذي كان مقررا أن يصدر في تشرين الأول/أكتوبر، جاء في 23 تشرين الثاني/نوفمبر، عشية عيد الشكر في الولايات المتحدة وبدء عطلة نهاية الاسبوع الطويلة في العالم العربي. على الرغم من تأكيد التقرير اتهامات مدمرة عن التعذيب على نطاق واسع، واعتقالات غير قانونية واستخدام مفرط للقوة، إلا انه دفن بشكل فعال. ردود فعل المسؤولين الحكوميين لم يكن بها رد من الندم ومحاسبة الذات. على العكس من ذلك يثنون على الملك لشجاعته ، ويقول لي انه يأمل في ان البلاد يمكن ان تتحرك للأمام بعد أن تم إغلاق هذا الفصل القبيح بشكل خاص. ووعد ملك البحرين بإجراء اصلاحات ، ولكن قلة من المعارضة لديهم ثقة أنه لن يحقق أي تغيير حقيقي.

البعض عثر على بعض الأمل في تجمع مصرح له برعاية جمعية الوفاق المعارضة في اليوم التالي. توجه ما يقدر بنحو خمسين ألف متظاهر الى الطريق الرئيسي، ومرة أخرى دعوا لإسقاط النظام.  توجهت المسيرة إلى دوار صغير معشوشب حيث وضع البعض نموذجا مشابها لنصب اللؤلؤة مصنوعاً من الستايروفوم تعلوه كرة قدم بلاستيكية. وحين انسابت الحشود بعيدا, رأيت ستة أجياب شرطة مسرعة نحو التقاطع، اقتحم اثنا عشر رجلا من قوات مكافحة الشغب بكامل عتادهم المكان الفارغ وصرعوا النصب الذي كان بارتفاع متر تقريبا إلى الأرض. تدحرجت الكرة في الطريق. وأسرع رجال الأمن بوضع أقواس النصب في احد أجيابهم وزمجروا بعيداَ. وكان كل ما تبقى من رمز للثورة لعبة طفل ، تضرب من قبل حركة المرور.



التعليقات
التعليقات المنشورة لا تعبر بالضرورة عن رأي الموقع

comments powered by Disqus