بيل لو: الخيار المتهور للأسر الحاكمة في الخليج

2015-06-19 - 11:29 م

بيل لو، موقع ميدل إيست آي
ترجمة: مرآة البحرين

الطّائفية سلاح يستغلّه المتطرفون، فلماذا تستخدمه الأسر الحاكمة في الخليج بتهور شديد؟

كان صديقي البحريني يمر بلندن يوم الثلاثاء 16 يونيو/حزيران، اليوم الذي حُكِم فيه على الشّيخ علي سلمان بالسّجن أربع سنوات. أدين الشّيخ سلمان، زعيم جمعية الوفاق، وهي الجمعية المعارضة الرّئيسية في البحرين، بإهانة وزير الدّاخلية، التحريض على عدم الانقياد للقوانين، والتحريض علانية على بغض السّنة المُجَنّسين. فيما بُرّئ من تهمة السّعي للإطاحة بالنّظام الملكي وتغيير النّظام السّياسي. وكان يمكن لإدانته بهذه التّهمة أن تتسبب بسجنه مدى الحياة.

صديقي، وهو رجل أعمال ليبرالي علماني عرفته على مدى سنوات طويلة، كان قلقًا جدًا بشأن الانقسام الطّائفي في بلاده. قال لي بابتسامة مريرة: "أنت تعلم، إنّه خبر جيد نوعًا ما: لقد حُكِم عليه بالسّجن أربع سنوات وليس مدى الحياة".

أثناء تناولنا القهوة، تحدثنا عن البحرين التي يبدو أنّها تلاشت، تلك التي كان السّنة والشّيعة يعملون فيها معًا، التي كان يحصل فيها زواج بين الطّائفتين، السّوشي، كما يسمونهم هناك، لم يكونوا نادرين. كان التّمييز ضدّ الشّيعة ثابتة، ولكنّه كان مُعتَدِلًا مقارنة مع ما يحصل الآن. وجد النّاس وسيلة للتّوافق. يخشى الآن أن تلك الوسيلة قد ولّت.

ويُنظَر إلى التّهم المُوَجّهة إلى الشّيخ علي سلمان على نطاق واسع على أنّها مُلَفّقة، وأنّ العملية القانونية التي أُدين بموجبها تشوبها العيوب.

وكان عدد من منظمات حقوق الإنسان الدّولية قد شجب اعتقاله -إذ كان قد اعتُقَل لستة أشهر قبل محاكمته- وكذلك فعل مناصروه في البحرين. الإدانة زادت فقط شعورهم بالغضب والإحباط من كون أسرة آل خليفة الحاكمة عازمة على إسكات ومعاقبة أي أصوات معارضة.

وعلّقت الحكومة الأمريكية، معربة عن "قلقها العميق" في بيان صحافي لوزارة الخارجية ذهب إلى القول إنّ "أحزاب المعارضة التي تعبر سلميًا عن انتقادها للحكومة تلعب دورًا حيويًا في الدّول والمجتمعات الشّمولية والتّعددية. تعتقد الولايات المتحدة أنّه لا يجب محاكمة أو سجن أي أحد، في أي مكان، لمشاركته في التّعبير والتّجمع السّلميين.

لكن السّجين علي سلمان كان في وقت وفي منطقة تتصاعد فيهما التّوترات الطّائفية إلى مستوى خطير للغاية. الشّيخ سلمان هو، بالطّبع، مسلم شيعي ويشكل الشّيعة غالبية المواطنين في بلد يحكمه آل خليفة، وهم أسرة سنّية مالكة.

فقط على الجسر الذي يصل بين البحرين والمنطقة الشّرقية في المملكة العربية السّعودية، أدّت ثلاث هجمات في ستة أشهر، من قبل إرهابيين سنّة ضد المصلين الشّيعة إلى ازدياد المخاوف الطّائفية هناك. انتقدت السّلطات السّعودية الهجمات، ودعت إلى الوحدة. لكن عالمًا شيعيًا سعوديًا بارزًا، هو الشّيخ نمر النّمر، يبقى محكومًا عليه بالإعدام على خلفية تهم بالتآمر للإطاحة بنظام آل سعود. صدر الحكم بإعدامه في نوفمبر/تشرين الثّاني من العام الماضي. وأثار توقيفه في العام 2012 احتجاجات كثيرة في المنطقة ذات الغالبية الشّيعية. قُتِل أكثر من 20 محتجًا. وتقول السّلطات إنّهم كانوا مُسَلّحين وأطلقوا النّار على الشّرطة وقوّات الأمن في حين تصر عوائلهم على أنّهم لم يكونوا مُسَلّحين ولم يلجأوا للعنف.

وكما في حال الشّيخ علي سلمان يُعتَقَد أن التّهم المُوَجّهة إلى نمر النّمر مُلَفّقة، وانثقِدت العملية القضائية التي أدّت إلى حكم الإعدام ضدّه من قبل محللين مستقلين ومنظمات من أجل حقوق الإنسان. وهكذا، ساهمت قرارات المحكمة، في كل من البحرين والسّعودية، بخلق مزيد من الانقسام إضافة إلى صدع طائفي يزداد اتساعًا، وهذه نقطة لم تغب عن بال المتطرفين في أي من المخيمين.

الميليشيات الشّيعية في العراق متهمة بارتكاب اعمال وحشية ضد القبائل السّنية، وإعادة الاستيلاء على تكريت في مارس/آذار من العام الحالي شابتها اتهامات بهجمات انتقامية على منازل وأماكن عمل السّنة. وقد صبّت الادعاءات لصالح ما يُسمى بالدّولة الإسلامية (داعش).

مع ذلك، يشكل تعزيز الطّائفية سلاحًا مفيدًا جدًا في التّرسانة التي يمتلكها داعش أساسًا. يمتلكون أيديولوجية عنيفة تستند إلى مفهوم التّكفير، أي التّفكير بأن المسلم الحقيقي الوحيد هو ذلك الذي يقبل سلطة الخليفة الذي نصّب نفسه. إنّه أمر رديء وإقصائي ومفعم بالكراهية وللأسف يثبت فعاليته الشّديدة في الواقع.

داعش يستهدف كل الأسر الحاكمة في الخليج، ولكن بشكل خاص آل سعود. فهو يعتبرهم، كما الشّيعة، غير مسلمين، ويجب القضاء عليهم.

فلماذا إذًا، باسم كل ما هو معقول، تقوم هذه الأسر الحاكمة، التي لا تسعى إلى تهدئة التّوترات الطّائفية، بصب المزيد من الزّيت على النّار؟

سوف يدّعون في دفاعهم أنّ المحاكم مستقلة، وأنّهم لم يؤثروا عليهم بأي طريقة، وهو أمر لا يمكن لأي أحد أخذه على محمل الجد. في البحرين، وزير العدل الذي يشغل هذا المنصب منذ زمن طويل، فرد قوي في أسرة آل خليفة. في المملكة العربية السّعودية، النّظام القضائي منحاز بشدة إلى المؤسسة الدّينية التي سمحت على مدى عقود بنمو المشاعر المعادية للشّيعة.

سألت صديقي عن كيفية تلقي المجتمع الشّيعي في البحرين للحكم على الشّيخ علي سلمان. إجابته فاجأتني وصدمتني في الوقت نفسه. قال إن غالبية النّاس كانوا غير مبالين. أضاف أنهم "كفوا عن الإيمان بأن أي شيء يمكن أن يتغير. يعتقدون أن آل خليفة فازوا".

وأولئك الشّباب البحرينيون الغاضبون الذين كانوا يرمون القنابل الحارقة على الشّرطة - ماذا سيعتقدون؟

قال لي إنّ "هذا أمر مقلق جدًا. لا أمل لديهم ويرون أنّ العنف هو السّبيل الوحيد للمضي قُدُمًا".

لطالما أذهلني صديقي بتفاؤله الذي لا ينضب. الآن يخشى المتفائل من أن تكون حرب طائفية لا مثيل لضراوتها، يثيرها المتطرفون من كلا الجانبين، على وشك الاندلاع في جميع أنحاء المنطقة وإنّه لأمر مقلق جدًا في الواقع.

التّاريخ: 17 يونيو/حزيران 2015
النّص الأصلي


التعليقات
التعليقات المنشورة لا تعبر بالضرورة عن رأي الموقع

comments powered by Disqus