الواشنطن بوست: عائلة تدفع ثمنًا باهظًا لمطالبتها بالديمقراطية في البحرين

2015-06-09 - 11:19 م

كيفن سوليفان، صحيفة الواشنطن بوست
ترجمة مرآة البحرين

آل الخواجة يزعجون النّظام الملكي في البحرين.

هذا الأسبوع، زاد قاض بحريني عقوبة السّجن لمريم الخواجة، التي تبلغ من العمر ثلاثين عامًا، وهي ناشطة في مجال حقوق الإنسان ووالدة لطفلين، إلى أكثر من خمس سنوات، وذلك جزئيًا على خلفية تهمة تمزيقها صورة لملك البحرين.

وكانت السّلطات البحرينية قد سجنت والدها، النّاشط في مجال حقوق الإنسان، مدى الحياة وحكمت على أختها بالسّجن عامًا وأجبرتها على المغادرة إلى المنفى في أوروبا. طُرِدَت والدتها من عملها، في ما لم تحصل أختها الثّانية على إذن من الحكومة بممارسة عملها كممرضة، على الرّغم من تخرجها من بين الأوائل من مدرسة التّمريض.

وقال سيد يوسف المحافظة، وهو ناشط أيضًا من أجل حقوق الإنسان سُجِنَ من قبل النّظام الملكي البحريني لكنّه الآن يعيش في ألمانيا حيث منحته الحكومة اللّجوء السّياسي بسبب خوفه من أحد أقرب الحلفاء إلى واشنطن في الشّرق الأوسط، إن "أسرة آل الخواجة هي رمز ومثال على كيفية معاناة عوائلنا".

حرب زينب: أمٌ تجازف بكل شيء من أجل الكرامة

يؤكد وضع أسرة آل الخواجة العلاقة الحساسة والمحرجة بين الولايات المتحدة وجزيرة تستضيف الأسطول الأمريكي الخامس، وأرسلت طائرات مقاتلة للمساعدة في الهجمات التي تشنها الولايات المتحدة على الدولة الإسلامية وتبعد أكثر من مائة ميل، عبر الخليج، عن إيران التي تزداد حزمًا.

لطالما شعر المجتمع البحريني الشّيعي، الذي يشكل غالبية السّكان المسلمين في البلاد، بالاضطهاد والتّمييز ضده من قبل النّظام الملكي السّني في البلاد. قاد الشّيعة احتجاجًا ضخمًا في أوائل العام 2011 مع بزوغ فجر الرّبيع العربي، في دوار اللؤلؤة الواقع في وسط المنامة.

قمعت السّلطات البحرينية بوحشية، مع مساعدة الجيش السّعودي، تلك التّظاهرة، وقُتِل عشرات الأشخاص. استمرت الاحتجاجات تقريبًا كل ليلة في القرى، في جميع أنحاء الجزيرة، وردت الشّرطة بانتظام باستخدام الغاز المسيل للدموع، ورصاص الشّوزن، والهراوات -مما أسفر عن إصابات ووفيات. قُتِل عدد من عناصر الشّرطة أيضًا.

البحرين متورطة في ما أسمته منظمة العفو الدّولية مؤخرًا "حملة قمع تقشعر لها الأبدان ضد المعارضة"، لا تزال تشمل "التّعذيب والاحتجاز التّعسفي واستخدام القوة المفرطة ضد النّاشطين المسالمين ومنتقدي الحكومة".

وفي تصريح خطي، نفت السّفارة البحرينية في واشنطن تقرير منظمة العفو الدّولية معتبرة إيّاه "غير موثق" و"غير مدعوم بدليل". وقالت إن البحرين أنجزت "خطوات هائلة" في سجلها في مجال حقوق الإنسان والمصالحة مع المعارضين السّياسيين.

وقال التّصريح إن البحرين أنشأت أمانة مستقلة للمظالم للتّحقيق في الانتهاكات التي يرتكبها عناصر الأمن، وقد لاحق أكثر من 50 عنصرًا في الشّرطة وقوات الأمن العام الماضي على خلفية أعمال إجرامية، ودفعت أكثر من 26 مليون دولار إلى الأشخاص "المتضررين من الانتفاضة"، وأمّنت تدريبًا في مجال حقوق الإنسان لأكثر من 5000 رجل شرطة وأكثر من نصف عناصر السّلطة القضائية.

وأضاف التّصريح أنّ "هذا يظهر التزام الحكومة الثّابت بتحسين الشّفافية والمساءلة".

تدفع واشنطن البحرين بازدياد لتحسين سجلها في مجال حقوق الإنسان، ومع مواصلتها تقديم المعدات العسكرية لها، لا تزال تمتنع عن "تصدير بعض الأنواع، بما في ذلك أدوات السّيطرة على الحشود وتلك الممكن استخدامها في الأمن الدّاخلي"، وفقًا لبيان خطي صادر عن وزارة الخارجية الأمريكية.

لكن المسؤولين الأمريكيين يبدون دائمًا حذرين إلى أقصى الحدود في عدم تجاوز أي خطوط قد تضر فعليًا بالعلاقات مع حليف رئيسي، خاصة في زمن يزداد فيه عدم الاستقرار في المنطقة.

بلغت العلاقة بين البحرينيين وواشنطن أكثر لحظاتها حساسية الصّيف الماضي، عندما تم الإعلان عن كون توم مالينوسكي، مساعد وزير خارجية الولايات المتحدة الأمريكية لشؤون الديمقراطية وحقوق الإنسان والعمل "شخصًا غير مرحب به" وأُمِر بمغادرة البحرين بعد اجتماعه بممثلين عن جماعة شيعية معارضة. وسُمِح له أخيرًا بالعودة إلى البحرين في ديسمبر/كانون الأول، لكن فقط بعد دعوة وزير الخارجية جون كيري لتقديم شكوى حول خرق كبير غير اعتيادي للعرف الديبلوماسي.

واعتقل مسؤولون بحرينيون لاحقًا إحدى الشّخصيات التي اجتمع معها مالينوسكي، وهو الشّيخ علي سلمان، زعيم جمعية الوفاق الشّيعية. وقال بيان لوزارة الخارجية الأمريكية إن الولايات المتحدة "قلقة للغاية".

دعا مسؤولون أمريكيون إلى الإفراج الفوري عن نبيل رجب، وهو ناشط بارز في مجال حقوق الإنسان يواجه عقوبة تصل إلى السّجن عشر سنوات لادعائه على تويتر بأن الحكومة البحرينية تعذب السّجناء. حُكِم عليه بالسّجن ستة أشهر العام الماضي على خلفية تغريدة تزعم أنّ الرّجال البحرينيين الذين انضموا إلى تنظيم داعش الإرهابي كانوا قد عملوا سابقًا في قوات الأمن البحرينية، التي دعاها بـ "حاضنة" الأيديولوجية المتطرفة.

ويقول المحتجون، وغالبيتهم من الشّيعة، إنهم قد سئموا مما يعتبرونه دكتاتورية سنية تمارس التّمييز ضدهم في الإسكان والتّوظيف وحتى في العبادة الدّينية. إنهم يريدون الديموقراطية.

لكن الحكومة البحرينية مقتنعة بأنّ الاحتجاجات ليست أكثر من مؤامرة تدعمها إيران الشّيعية، لزعزعة استقرار بلادهم. ويقول المسؤولون إنّ عزيمتهم غير مثبطة لكون اللجنة البحرينية المستقلة لتقصي الحقائق، التي تشكلت بعد كارثة العام 2011، لم تجد أي دليل على أي تدخل أجنبي في الشّؤون البحرينية.

وقال بيان السّفارة إن "إيران ليست بعيدة عن التّدخل في الشّؤون الدّاخلية للبحرين. لقد شهدت البحرين تصاعدًا في أعمال العنف في السّنوات القليلة الماضية التي كان مثيرو الشّغب فيها يقومون بهجمات هادفة، تزداد تطورًا ومهنية، ضد عناصر الأمن والمدنيين. تمّ الكشف عن تلقي عدة أفراد للتّمويل والتّدريب والسّلاح والتّوجيه من قبل إيران لتنفيذ هجمات في البلاد".

المحتجون والنّاشطون في مجال حقوق الإنسان قالوا إن انتفاضات البحرين محلية ولا علاقة لها بإيران. لكن خوف البحرين من التأثير الإيراني نما فقط مع إبراز الصّراع السّوري وصعود الدّولة الإسلامية والفوضى المدعومة من إيران في اليمن، للنفوذ المتصاعد لإيران في المنطقة.

وفي وسط كل هذا، أصبحت أسرة آل الخواجة تشكل رمزًا للثّورة في البحرين.

يقضي والد زينب الخواجة، عبد الهادي الخواجة، حكمًا بالسّجن مدى الحياة على خلفية تهم تتضمن "الإرهاب" و"محاولة قلب نظام الحكم".

تنبع هذه الاتهامات من دوره كقائد للانتفاضة السّلمية الواسعة النّطاق والمؤيدة للديمقراطية في فبراير/شباط ومارس/آذار 2011، والتي قُمِعت عندما دعا الملك حمد بن عيسى آل خليفة حلفاءه السّنة في المملكة العربية السّعودية والإمارات العربية المتحدة لدعمه بالجنود.

ووجد تحقيق مستقل أيضًا أن السّلطات البحرينية مذنبة بتعذيب المحتجين المعتقلين على نطاق واسع، وعدد كبير منهم أطباء وممرضون وغير ذلك من المهنيين.

في منتصف الاحتجاجات، داهمت الشّرطة البحرينية منزل الخواجة، وألقت القبض عليه، وتمّ ضربه بقسوة بحيث احتاج الأمر عملية جراحية واستخدام ألواح معدنية لإعادة وجهه إلى ما كان عليه، وفقًا لإفادة ناشطين في مجال حقوق الإنسان راقبوا قضيته.

عائلته ومجموعات حقوقية يقولون إنه قد تم تعذيبه وإساءة معاملته بانتظام في السّجن منذ ذلك الحين. وقد أعلن إضرابه عن الّطعام مرارًا وأصبح أحد السّجناء الأكثر شهرة.

وقالت مريم الخواجة، شقيقة زينب الخواجة، التي تعيش في المنفى في الدانمارك منذ سنوات وتتمتع بشهرة عالمية كمدافعة عن الديموقراطية وحقوق الإنسان في البحرين، و عمرها 27 عامًا، إن "هذه الأحكام مثيرة للاستهزاء.

وأضافت الخواجة، التي أمضت سنة في جامعة براون لحصولها على منحة فولبرايت وقدمت شهادتها عن سجل الحقوق في البحري أمام الكونجرس أنّه "لا يوجد لدينا نظام عدالة غير فعّال، بل هناك نظام من الظّلم الفعّال".

مريم الخواجة قالت إنّها عادت إلى البحرين الصّيف الماضي، على الرّغم من وجود مخاوف من احتمال اعتقالها، بسبب قلقها بشأن صحة والدها، الذي كان في إضراب عن الطّعام في السّجن.

وقالت إنّه تم اعتقالها في المطار واتّهمت بالاعتداء على رجال الشّرطة-على الرّغم من قولها إنّ رجال الشّرطة هم الذين اعتدوا عليها في الواقع. وأمضت الأسابيع الثلاثة التّالية في السّجن. قالت إنّها بدأت إضرابًا عن الطّعام، مطالبة بالسّماح لها برؤية والدها. وبعد أربعة أيّام من دون طعام، سُمَح لها بزيارته.

قالت إنّ والدها كان ضعيفًا، وهزيلًا وبالكاد يستطيع المشي أو الكلام.

سُمِح لها بمغادرة البحرين، لكن أدينت غيابيًا بالاعتداء وحُكِم عليها بالسّجن لمدة عام. قالت إنها ستُسجَن في حال عودتها إلى البحرين، وبالتّالي فإن التّهمة كانت ببساطة وسيلة للتأكد من بقائها بعيدًا.
لم يتسنّ لنا الوصول إلى زينب الخواجة للحصول على تعليق. هي في منزلها في البحرين، حرّة، على الرّغم من الحكم بالسّجن عليها.

لديها طفلان، فتاة تبلغ من العمر خمسة أعوام، وابن وُلِد في نهاية شهر نوفمبر/تشرين الثّاني. وتقول مريم الخواجة إنّها تعتقد أنّ الحكومة قلقة بشأن الدّعاية السّيئة التي قد يثيرها رمي والدة طفل صغير في السّجن، لكنها أضافت أنّهم "سيأتون لأخذها في نهاية المطاف".

اعتُقلت زينب الخواجة وسُجِنَت مرارًا في السّنوات الأخيرة، وكل هذا بسبب مشاركتها بالاحتجاجات المناهضة للحكومة.

وقالت مريم الخواجة إن "زينب جلست في وسط الشّارع، ورفضت الهرب بل واجهت الغاز المسيل للدّموع ورصاص الشّوزن. وقد أثار هذا الأمر جنونهم. من السّهل محاربة الأشخاص الذين يرمون الحجارة، لكن ما الذي يمكنك فعله مع شخص يرفض التزحزح من مكانه؟"

وقالت مريم إنه أثناء مثولها أمام المحكمة في أكتوبر/تشرين الأول، خاطبت أختها القاضي وقالت: "أنا إنسانة حرة، ابنة رجل حر و شجاع.. ولدتني أمي حرة، وابني سيولد حرًا ".

وأضافت مريم أن أختها مزّقت عندها صورة أخرى للملك حمد.

وقالت "لم يكن هناك كاميرات. لم يكن ذلك للدّعاية. أرادت فقط أن تظهر أنّها تمتلك حرية التّعبير، وأنّه لا يمكن إسكاتها".

سُجِنت لعدة أسابيع، وأُفرِج عنها قبل عدة أيّام من ولادة ابنها في نوفمبر/تشرين الأول.

في ديسمبر/كانون الأول، حُكِم عليها بالسّجن لأربعة أعوام وأربعة أشهر على خلفية "إهانة الملك" و"تدمير ممتلكات حكومية" لتمزيقها صورًا للملك، و"إهانة رجل شرطة"، على خلفية جدالها مع حارس في السّجن أثناء زيارة لرؤية والدها.

هذا الأسبوع، أضاف قاضٍ تسعة أشهر إلى عقوبتها ليصبح مجموعها أكثر من خمس سنوات -على خلفية تهمة بعبور منطقة محظورة. مريم الخواجة قالت إنّ شقيقتها سمعت عن تدهور صحة والدها، عندها، مع كونها في الأشهر الأخيرة من الحمل، ذهبت إلى السّجن. ومع اقترابها منه، تم اعتقالها.

وفي بيان لها، قالت السّفارة البحرينية إن مؤيدي زينب الخواجة حاولوا "التّهويل" بشأن التّهم الموجهة إليها. على سبيل المثال، قالوا إنّها "ليست متهمة بتمزيق صورة بل بتدمير متعمد للممتلكات إذ إنّها كانت تدمر ممتلكات عامة أثناء وجودها في مركز للشّرطة".

وقال البيان إنّها ارتكبت المزيد من "الجرائم الخطيرة"، بما في ذلك محاولة الاقتراب من المنطقة المحظورة حول السّجن.

وأضاف "أن السّيدة الخواجة لديها سلوك نمطي بتحدي القوانين الإجرائية المعيارية (في هذه القضية حاولت دخول سجن خارج أوقات الزّيارة المعتادة) في جهود منها للفت أي انتباه دولي".

وقال "إنّه من غير العادل أن نتوقع من الحكومة، التي عملت جاهدة للإصلاح والمصالحة، أن تبقى ساكنة في حين يواصل المتشددون تعطيل القوانين والنّظام في محاولات لتحقيق أهداف شخصية".

[في البحرين، يزداد العنف المناهض للحكومة وسط دعوات لسياسة أكثر تشددًا من قبل الولايات المتحدة الأمريكية]

لفهم الانتفاضات المستمرة في البحرين، زرت البلاد في أكتوبر/تشرين الأول 2012 والتقيت بمسؤولين في الحكومة البحرينية ورجال أعمال وناشطين في مجال حقوق الإنسان وشهدت عددًا من الاحتجاجات. في عصر أحد أيام الجمعة، قبل احتجاج كبير في السّوق القديم في وسط المنامة، التقيت بزينب الخواجة في مقهى، حيث طلب عدد من المارة التقاط صور لهم معها.

وقالت لي، بلغة انكليزية ممتازة إنّه "لدينا ملك كان يقتل ويعذب شعبه. يجب أن يكون لدينا الحق في الاحتجاج ضد هذا".

الخواجة، التي حصلت على درجة البكالوريوس من جامعة بلويت في ويسكنسن، قالت إنّها اعتُقِلت 6 مرات خلال الأشهر العشرة الماضية، وإنّه كان هناك عندئذ 13 تهمة مختلفة موجهة ضدها، وذلك أساسًا على خلفية مشاركتها في احتجاجات غير مشروعة.

وقالت إن الشّرطة كسرت رجلها في وقت سابق من هذا العام عندما أطلقت عبوة غاز مسيل للدموع عمدًا على رجلها من مسافة قريبة. وقالت إنّه تمّ ضربها من قبل سجّانيها أمام عيني ابنتها التي كانت تزورها.

وقالت إنّها مزّقت صورة الملك مرتين، أمام الشّرطة التي كانت تعتقلها. وأضافت "أعتقد أنّه يجب أن يمزق الجميع صورة الملك. هذا الرّجل دكتاتور. تمزيق صورته هو وسيلة سلمية لنظهر أنّنا لا نقبل دكتاتوريته".

الخواجة كانت فخورة وشغوفة بشكل واضح، لكنّها تكلمت عن التزامها باللاعنف والتّغيير السّلمي. قالت إن أملها خاب من النّهج الذي تتبعه الحكومة الأمريكية مع البحرين.

وقالت "أؤمن بأن الشّعب الأمريكي خيّر أساسًا، لكن الحكومة الأمريكية ليست كذلك. هي تهتم بمصالحها السّياسية أكثر من اهتمامها بالحرية والديمقراطية. من خلال دعمها للدكتاتورية هنا، تجعل النّاس يشعرون باليأس".

ومع ذلك، أحكمت وضع الوشاح على رأسها وتوجهت إلى الأزقة الضّيقة في السوق القديم، حيث كانت الشّرطة التي تحمل قنابل الغاز المسيل للدموع ورشاشات الفلفل تنتظر بدء الاحتجاج.

التّاريخ: 6 يونيو/حزيران 2015
النّص الأصلي


التعليقات
التعليقات المنشورة لا تعبر بالضرورة عن رأي الموقع

comments powered by Disqus