ميدل إيست آي: ناشطون يتحدثون عن قوة الانتفاضة وتردّي الاقتصاد في البحرين

2015-06-08 - 6:20 م

روري دوناغي، موقع ميدل إيست آي

ترجمة: مرآة البحرين

ينقسم البحرينيون بحدة حول واقع الانتفاضة في البلاد ولكنهم يتفقون على أن المملكة تواجه تحديات ضخمة.

سقطت الانتفاضة البحرينية بشكل واسع من خارطة التّغطية الإعلامية الدّولية في الأشهر الأخيرة، التي تجاوزت سجن النّاشط البارز نبيل رجب وزعيم المعارضة علي سلمان.

مع ذلك، أثار تعليق حديث حول الجزيرة الخليجية الصّغيرة، لمراسل شؤون الأمن في قناة الـ بي بي سي، فرانك غاردنر، أشار فيه إلى أن الجزيرة "سلمية إلى حد كبير"، الجدل بين النّاشطين البحرينيين، في داخل البلاد وخارجها.

في العام 2011، هزت مجموعة من الاحتجاجات الشّعبية، ضمن موجة الرّبيع العربي، البحرين، التي شهدت نزول مئات الآلاف من المحتجين إلى الشّوارع للمطالبة في البدء بالإصلاح السّياسي ولكن في النّهاية بإسقاط الملك حمد بن عيسى آل خليفة.

ومع تأرجح الملك على حافة فقد السّيطرة على السّلطة، قادت المملكة العربية السّعودية تدخلًا خليجيًا ضد الثّوار في المنامة، حصلت فيه اشتباكات عنيفة، مما أدى إلى مقتل عشرات المحتجين وعدة رجال شرطة.

نجا النّظام الملكي من أيام الاختبار في العام 2011، ولكن السنوات الأربع التّالية شهدت مسيرات ثابتة واتهامات بانتهاكات واسعة النّطاق لحقوق الإنسان ولجنة ملكية حققت بشأن رد الحكومة على الانتفاضة.

الآن، مع الحرب والصّراع المنتشِرَين في المنطقة، خمدت الآمال التي أثارها الرّبيع العربي، وكتب مراسل الـ بي بي سي غاردنر عن كيفية تغلب التّعب على حركة الاحتجاج البحرينية وأوضح أن سنوات الاضطراب هذه قد أنهكت الجمهور.

وقال غاردنر، الذي عمل لأربع سنوات كمصرفي في بنك الخليج الدّولي  المتمركز في المنامة قبل انضمامه إلى الـ بي بي سي في العام 1995، إنّه "من كل زياراتي إلى البحرين، أستطيع أن أقول أنّه ليس هناك قابلية للثّورة بين الغالبية الصّامتة".

وصرّح مصدر دبلوماسي غربي، لم يذكر اسمه، لغاردنر، أنّه هناك تعب في القرى، موطن الغالبية الشّيعية، والتي يعيش الكثير منها في حالة من الفقر المدقع، وقد أدّى هذا إلى انخفاض حاد في "العنف في الشّوارع".

مع ذلك، قالت ناشطة تعيش في سترة، وهي ثالث أكبر منطقة من حيث عدد السّكان في البحرين، إنّه لم يمكن أن يكون هذا أبعد عن الواقع.

وقالت أسماء درويش، وهي ناشطة من أجل حقوق الإنسان في المنظمة الأوروبية البحرينية لحقوق الإنسان، إنّ "الحراك الذي بدأ في العام 2011 هنا لا يزال قويًا". وأضافت أنّه "هناك احتجاجات كل ليلة، في كل قرى البحرين، والمواجهات مع الشرطة منتظمة".

يبلغ عدد سكان البحرين حوالي 1.2 مليون نسمة، لكن نصفهم من غير المواطنين. ويُقَدّر عدد سكان سترة، المؤلفة من عدة قرى، بحوالي مائة ألف بحريني.

لكن أصداء الاحتجاجات تصل  فقط عبر وسائل التّواصل الاجتماعي إلى البحرينيين الذين يعيشون خارج العاصمة المنامة، التي يُقَدّر عدد سكانها بحوالي 150 ألف نسمة.

وقال يعقوب سليس، وهو قيادي في حركة "شباب الفاتح"، التي تدعم الإصلاح السّياسي والقضائي في البحرين ولكن تؤيد أيضًا بقاء النّظام الملكي في السّلطة، أنّه "يعلم أنّه هناك تظاهرات يومية تطالب بالإفراج عن [زعيم الوفاق] علي سلمان لكني أرى ذلك فقط على تويتر. وحين أكون في الخارج، في مناطق ساخنة كطريق البديع السّريع، يكون الوضع هادئًا جدًا".

لقد تم إخماد الاحتجاجات التي هزت المنامة في العام 2011 في دوّار اللؤلؤة، الذي هدمته الحكومة لاحقًا. وقد عزز واقع كون العاصمة خالية من التّظاهرات، ومن حرق الإطارات، والمواجهات بين الشّرطة والمحتجين، الاعتقاد بتلاشي الثّورة.

وقالت درويش التي تقيم في سترة إنّها "تعتقد أن هذا هو السّبب الذي يدفع العالم إلى الاعتقاد بأن انتفاضتنا انتهت. لكنّها لم تنتهِ، إنّها مستمرة في القرى، حيث يوجد القليل من التّغطية الإعلامية".  

في حين قد تكون الاحتجاجات مستمرة في القرى الشّيعية، دلّ انتهاء المسيرات في العاصمة على فشل حركة المعارضة في تعزيز الوحدة الوطنية، وفقًا لسليس الذي يعيش في المنامة.

وقال سليس إن "دوي الربيع العربي قد خَفَتَ نهائيًا. وقد فوّتت المعارضة مرارًا الفرص للسعي نحو الوحدة الوطنية والتّوافق، تاركة إيّاها في الحالة التي نشهدها اليوم- مجزأة. لقد فشل الحوار. مؤيدو الحكومة لم يدفعوا يومًا باتجاه الإصلاح- موقفهم هو الاعتقاد بوجود مؤامرة إيرانية وعليهم منع كل ما يصدر عن المعارضة الشّيعية، وخاصة الوفاق".

ولكن بالنّسبة للنّاشطة المنفية مريم الخواجة، التي يقضي والدها عبد الهادي الخواجة حكمًا بالسّجن مدى الحياة على خلفية دوره في الانتفاضة، فإنّ التصور المتغير عن الأزمة السّياسية في البحرين دليل على قمع يزداد حدة، وليس نتيجة لعدم الوحدة بين البحرينيين".

الفرق بين العامين 2011 و2015 هو أن الحكومة انطلقت من قمع فوضوي إلى قمع أكثر مؤسساتية. وقد قلّل هذا من نسبة رؤية الانتهاكات لأن النّظام القضائي يُستَخدَم حاليًا، بدلًا من الهجمات العلنية، لاستهداف النّاشطين".

وقد تم اتهام الحكومة بانتظام باعتقال المتظاهرين تعسفيًا وتعذيب المعتقلين السّياسيين واستخدام النّظام القضائي لخنق حرية التّعبير وحرية تكوين الجمعيات، وهي كلها أمور تم منعها".

بعد أن كلف الملك اللجنة البحرينية المستقلة لتقصي الحقائق في العام 2011 بالتّحقيق في رد الحكومة على الاحتجاجات الواسعة، تمت التّوصية بمجموعة من الإصلاحات لإنهاء انتهاكات الشّرطة وتنفيذ الإصلاح القضائي، وأيضًا معالجة مجموعة من القضايا الأخرى.

وكتب غاردنر، مراسل الـ بي بي سي أنّه "قد تم طبعًا تقليل الانتهاكات أثناء الاعتقال من قبل الشّرطة". ومع ذلك، على الرّغم  من ذلك، طعنت منظمة هيومن رايتس ووتش بهذا الرّأي في تصريحات أدلت بها إلى موقع ميدل إيست آي.

وقال نيكولاس ماكجيهان، وهو باحث مختص بشؤون الخليج في المنظمة المتمركزة في نيويورك، إنّه "يعتقد أنه من المبكر جدًا القول إنه قد تم تقليل الانتهاكات أثناء الاعتقال. نستمر في تلقي تقارير مزعجة عن وجود تعذيب جدي وهذا على الرّغم من عدم توفر أي اطلاع مباشر من قبلنا، ، وكذلك من قبل المقرر الأممي الخاص المعني بالتّعذيب، على الأوضاع ".

وقالت الخواجة إنه لم يتم فقط عدم الّتقليل من نسبة الانتهاكات، بل ازدادت سوءًا، ذاكرة أن "التّفاصيل من داخل سجن جو حول معاملة السّجناء السّياسيين أسوأ الآن من أي وقت مضى خلال السّنوات الأربع الماضية".

لكن سليس المقيم في المنامة يعتقد بوجود تحسن في سلوك رجال الشّرطة، ناتج عن التّوصيات الواردة في تقرير اللجنة المستقلة لتقصي الحقائق.

وقال سليس إن "الفترة التي تلت تقرير بسيوني حسّنت من طريقة تعامل الشّرطة مع المتظاهرين، ومثيري الشّغب... مما شهدته، تستخدم الشّرطة القوة الآن -إطلاق الغاز المسيل للدموع- عند تعرضها لقنابل المولوتوف أو لحرق الإطارات".

الرّوايات المتنافسة تُعَرّف عن البحرين، مع ذلك، وبالنّسبة لأولئك الذين يعيشون في قرى سترة، فإن فكرة الإصلاح خيالية.

قالت درويش إنها "كانت تتمنى وتأمل أن يكون الملك مصلحًا. لكن لم يكن هناك أي مؤشر على الأرض، في المنطقة التي أعيش فيها، على تنفيذ أي نوع من الإصلاح. لا إصلاح يجري حاليًا في البحرين".

أُطلق سراح النّاشط حسين جواد، زوج درويش، بكفالة مؤخرًا، بعد اعتقاله لثلاثة أشهر على خلفية تهم تتعلق بالتّحريض على كراهية الملك أثناء ممارسته عمله في مجال حقوق الإنسان.

ويقول إنه "تعرض لتعذيب جنسي ونفسي وجسدي رهيب" في السّجن.

وقالت درويش إن "عناصر المخابرات أخبروا زوجي أنه لديهم ضوء أخضر للقضاء عليكم جميعًا".

ونسبة السّجناء السّياسيين في البحرين، وفقًا لناشط سياسي منفي، هي الآن أكثر ارتفاعًا مما كانت عليه سابقًا.

وقال سيد أحمد الوداعي، وهو مدير تنفيذي في معهد البحرين للحقوق والديمقراطية المتمركز في لندن، إنهم "يعتقدون بوجود 4000 سجين سياسي في آن معًا. ويحصل هذا في جزيرة لا يتجاوز عدد سكانها الأصليين 800,000 نسمة. أعتقد أن هذا يعني امتلاك البحرين لأعلى نسبة من السّجناء السّياسيين في العالم".

وقال الوداعي إنّه تم رفض ما يفوق 90 طلبًا مقدمًا للسّلطات من قبل جمعية الوفاق لتنظيم احتجاجات مرخصة، وهذا هو الأمر الذي أعطى انطباعًا عن التّقليل من أهمية الانتفاضة في البحرين، بدلًا من التّعب، مضيفًا "لذلك يبدو أن الأمور هدأت أو عادت إلى طبيعتها، لكن في الواقع ما نشهده هو المزيد من السّيطرة على المساحة العامة. حملة القمع أكثر حدة وقد ازدادت قساوتها".

وعلى الرّغم من التّحليلات التي تشير إلى تنفيذ البحرين للإصلاحات، والتّخفيض من الانتهاكات، استمرت مجموعات الضّغط بتصنيف هذه الدّولة الخليجية في مرتبة سيئة للغاية وفقًا لسجلها في حقوق الإنسان. وتقول فريدوم هاوس إن البحرين "ليست حرة"، في ما تقول لجنة حماية الصحافيين إنّه يتم اعتقال الصّحافيين بـ "نسبة  قياسية"، وتصنف مراسلون بلا حدود البلاد في المرتبة 163 بالنّسبة لحرية الإعلام.

وفي حين يصر النّاشط من شباب الفاتح، سليس، على "تحسن" وضح حقوق الإنسان، قال إنّه لم يكن هناك "أي إصلاح سياسي ذي مغزى". ويعتقد أيضًا أنّه، عوضًا عن انتهاكات حقوق الإنسان، فإن الاقتصاد هو القضية الأكثر إثارة للقلق في البلاد.

وقال إن "البرلمان يناقش ميزانية البلاد - ويبدو واضحًا أنّ الحكومة ماضية تمضي قُدُمًا باتجاه التّقشف، نظرًا لانخفاض أسعار النّفط..."

تقترح الحكومة تخفيض الدّعم الذي أبقى على انخفاض أسعار الوقود والكهرباء والمياه واللّحوم بشكل اعتباطي. ومن المُرَجّح أن يتم تنفيذ تدابير التّقشف بسبب مخاوف بشأن دين عام كبير، وصل في العام 2013 إلى 44 بالمائة من النّاتج المحلي الإجمالي.

وقال سليس إنّه هناك "الكثير من الاستياء لدى البحرينيين بسبب هذه السّياسات التي يشعرون أنها تهدد معيشتهم. لكن الحكومة للأسف لن تواجه الكثير من المعارضة لعدم وجود معارضة سياسية حيوية وموحدة".

يتناقض هذا التّصور بشكل كبير مع تصور بيتسي ماثيسون، الأمين العام للاتحاد البحريني لجمعيات المغتربين، التي صرحت للـ بي بي سي بأن الاقتصاد تحسن بشكل ملحوظ.

وقالت إن "الاقتصاد يزهر حقًا. يزداد عدد رواد الفنادق والحكومة تستثمر بقوة في مجال السّياحة".

مع ذلك، قال الوداعي، المقيم في لندن، إن الاقتصاد "ينهار" وإنّه "من الواضح أن غالبية عائدات النّفط تذهب إلى وزارتي الدّفاع والدّاخلية للاستمرار بعملية القمع الأمنية".

ووفقًا لجين كينيمونت، الباحثة في تشاتام هاوس، فإن أكثر من ربع ميزانية الإنفاق العام يذهب إلى الدّفاع والأمن، وقالت كينيمونت إنّه من غير المرجح أن يطعن البرلمان بهذه السّياسة نظرًا "لتأثير المؤسسة الأمنية الآخذ في الازدياد منذ العام 2011".

ومع تعرض الاقتصاد للضّغط، وتجمد الحوار السّياسي منذ أكثر من عام، تبدو البحرين في حالة ترقب لاحتجاجات مقاومة، ومخاوف اقتصادية، في الوقت الذي تنفق فيه الملايين على شركات العلاقات العامة لتقديم صورة عن الاستقرار للمجتمع الدّولي.

بالنّسبة لهيومن رايتس ووتش، لا يكمن حل مشاكل البحرين في حملة القمع الأمنية.

وقال ماكجيهان إنّه "مع اعتقال كل الدّعاة إلى الاحتجاج السّلمي أو مواجهتهم السّجن، فإنّه من الصّعب رؤية إمكانية وجود تسوية سياسية مع بقاء المظالم، التي هي أساس الاضطرابات، من دون علاج. لا يمكن للبحرين السّجن والتّعذيب كوسيلة للخروج من الفوضى التي خلقتها".

وعلى الرّغم من اعتقاد الوداعي والخواجة بأن حملة القمع الأمنية تُشَيّد مربعًا من الغضب والاستياء،ـ سينفجر في وقت غير محدد في المستقبل القريب، فإن النّاشط من شباب الفاتح، سليس، لا يتوقع حدثًا مماثلًا.

وقال إنّه "لا يمكن أن نشهد إعادتنا إلى العام 2011. المعارضة منقسمة جدًا وهم يتنازعون بشأن كيفية المضي قُدُمًا. البحرين ليست على وشك أن تشهد احتجاجات واسعة النّطاق بذات المستوى الذي رأيناه في دوا راللؤلؤة".

لكن بالنّسبة لأسماء درويش وزوجها حسين جواد في سترة، لا تزال الانتفاضة في أوجها، ويعتقدان بإمكانية إيجاد حل المأزق السّياسي فقط من خلال الإصلاح السّلمي والحوار، أو سيكون هناك تحول عنيف "سيؤثر على جميع البحرينيين".

وعلى الرّغم من تهديد السّجن،  فإن العائلة، التي تقول إن الآلاف من العائلات الأخرى يشاركونها آراءها، تبقى صامدة في الحملات الدّفاعية والاحتجاج من أجل الثورة الديمقراطية في بلدهم.

وتقول أسماء درويش "إنّنا أقوياء وملتزمون بقيم حقوق الإنسان والديمقراطية. ننظر إلى قصة نلسون مانديلا -الذي سُجِن لعقود على خلفية التزامه بالحرية- هذا هو الصّراع ونحن جاهزون لخوضه وتقديم التّضحيات اللّازمة من أجل حرية البحرين".

التّاريخ: 30 مايو/أيار 2015

النّص الأصلي:


التعليقات
التعليقات المنشورة لا تعبر بالضرورة عن رأي الموقع

comments powered by Disqus